عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 163 الخميس مارس 28, 2013 5:34 pm | |
| هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ.
(163) قولُهُ ـ تبارك وتعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ} أي يَنزِلون في الآخرةِ مَنازِلَ على قَدْرِ أَعمالِهم ، فكما تَرى الدرجاتِ مُوصِلَةً إلى المَراقي العاليةِ كذلك في الآخرةِ كلُّ إنسانٍ مُحاسَبٌ بِعملِه، ويأخُذُ عليه دَرَجَةً، ونُلاحِظُ أنَّ الحقَّ ـ سبحانه ـ يستخدم كلِمَةَ "دَرَجَاتٌ" بالنسبةِ للجنَّة؛ لأنَّ فيها مَنازِلَ ورُتَبًا، أمَّا فيما يتعلَّقُ بالنَّارِ، فيأتي لفظُ "دركات"، فالدَرَكَةُ تُنْزِلُ، والدَرَجَةُ تَرْفَعُ .وقولُه: {عِندَ الله} فاللهُ ـ سبحانه وتعالى ـ هو العادلُ الذي يَنظُرُ لِخَلْقِه جَميعًا على أنَّهم خَلْقُه وهم عنده سواسيةٌ، فيَحكُمُ بالعدل. قولُه: {والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} ليطمئن الجميعُ إلى أنَّ اللهَ لن يَضيعَ عندَه عملٌ حَسَنٌ، ولن تهملَ سيئةٌ بَدرَتْ منهم، وإنَّ العملَ هو تعلُّق الجارحة بما نِيطتْ بِه، فالقلبُ جارحةٌ عملُها النِيَّةُ، واللسانُ جارحةٌ عملُها القولُ، والأُذُنُ جارحةٌ وعملُها الاسْتِماعُ، والعينُ جارحةٌ وعملُها أنْ تَنْظُر إلى الأشياءِ لِتُبْصِرَها. وكلُّ أداءِ مُهِمَّةٍ مِن جارحةٍ يُقالُ له "عمل. لكن َّ"الفعلّ" هو تعلُّقُ كلِّ جارحةٍ ـ ما عدا اللسان بالحدث ـ أمّا تعلُّقُ اللِّسانِ فيكونُ قولًا ومقابِلُه فعْلٌ، إذن ففيه قولٌ وفيه فعلٌ وكلاهما "عمل" فالعمل إذن يَشمَلُ ويَضُمُّ القولَ والفِعلَ معًا؛ لأنَّ العملَ هو شُغْلُ الجارحةِ بالحدثِ المَطلوبِ منها، لكنَّ الفعلَ هو: شُغلُ جارحةٍ غيرَ اللسانِ بالعملِ المطلوب منها، وشغل اللسان بمهمتِه يُسمّى: قولًا ولا يُسمّى فعلاً، لأنَّ الإنسانَ يتكلَّمُ كثيرًا، لكنْ أنْ يَحمِلَ نفسَه على أنْ يَعملَ ما يَتكلَّمُه فهذه عمليَّةٌ أُخرى، ولذلك يقولُ الحقُّ: {ياأيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} الصف: 2 – 3. فالقولُ مقابِلُه الفِعْلُ، والكُلُّ عملٌ "والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ" قولًا أوْ فِعْلاً. فيجازيهم بحسبِها والبصير كما قالَ حُجَّة الإسلامِ الغزاليُّ ـ رحمه اللهُ: هو الذي يُشاهِد ويَرى حتَّى لا يَعْزُبَ عنْه ما تحتَ الثَرى، وإبْصارُه أيْضاً مُنزَّهٌ عنْ أنْ يَكونَ بِحَدَقَةٍ وأَجْفانٍ ـ كما هو حالُنا ـ ومقدَّسٌ عنْ أنْ يَرجِعَ إلى انْطِباعِ الصُورِ والألوانِ في ذاتِه كما يَنطبِعُ في حَدَقَةِ الإنسان، فإنَّ ذلك من التغيير والتأثر المُقتَضي للحوادث، وإذا نُزِّهَ عن ذلكَ كان البَصرُ في حقِّه تَعالى عبارةً عنِ الصِفةِ التي يَنكشِفُ بها كمالُ نُعوتِ المُبْصَراتِ وهو أوضحُ وأَجْلى ممّا نَفهمُه مِن إدراكِ البَصَرِ القاصرِ على ظَواهِرِ المَرئياتِ. وذهب إليه الجمهورُ منّا ومِن المُعتزلةِ أنَّ البَصرَ صفةٌ زائدةٌ على العِلْمِ. قولُه ـ تعالى: {هُمْ درجات} هم: عائدٌ على المَوصوليْن باعتبارِ المَعنى وهو مبتدأٌ. و"درجات" خبرُه والمُرادُ هُم متفاوتون إطلاقاً للمَلزومِ على اللازم، على سبيل الاستعارة أو جعلهم نفس الدرجات مبالغةً في التفاوتِ فيَكونُ تشبيهاً بليغاً بحذف الأداة، وقيلَ: إنَّ الكلامَ على حذفِ مضافٍ لا تَشبيهِ، أيْ هم ذوو درجاتٍ أيْ منازلَ أو أحوالٍ مُتفاوتَةٍ.قولُه: {عَندَ الله} ظرفٌ متعلِّقٌ بدرجاتٍ على المَعنى، أو بمحذوفٍ وقعَ صفةً لها. | |
|