عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 158 الإثنين مارس 25, 2013 6:14 pm | |
| وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ. (158) قولُه ـ تعالى: {ولئن مُتُّمْ أوْ قُتِلْتمْ} أي على أيِّ وجْهٍ اتَّفقَ هلاكُكم حَسْبَ تَعَلُّقِ الإرادةِ الإلهيَّةِ. وقولُه: {لإلى اللهِ} أي إلى اللهِ المعبودِ بحقٍّ، العظيمِ الشأنِ، الواسعِ الرحمةِ، الجزيلِ الإحسانِ. وقولُه: {تحشرون} إيه بعد الموت للحساب والجزاءِ ـ إن خيراً فخيرٌ وإن شراً فشرٌّ ـ لا إلى غيرِه فيُوفي أُجورَ المحسنين منكم ويُجزِلُ لكم عطاياكم.و يَعُمُّ هنا الخطابُ المُجاهدين وغيرَهم، ولِذا قدَّم فيه "متم" على "قتلتم"، وبيَّنَ أنَّ الجميعَ سيَلقوْنَ ربَّهم، وأنَّهم سَيُحْشَرون إليْه، أيْ سَيُجْمَعونَ جَميعًا يومَ الحَشْرِ مَسُوقينَ إليْه ـ سُبحانَه وتعالى، والتعبيرُ بالحَشْرِ إشارةٌ إلى أنَّ الجميعَ يَجتَمِعون لَا يُفْلِتُ منهم أحدٌ أبداً، فالمُنافقون والمُشرِكون والمُؤمنون الذين قُتِلوا والذينَ نَجَوا مجموعون عندَ ربِّهم، وسَيَلْقاهم، وسَيُحاسَبُ كلُّ امرئٍ بما كَسَبَ، للمُجاهدين مَقامَهم، ولِغيرِهم مَهواهُم الذي هَوَوا إليْه، ففي هذا إنْذارٌ وتَبشيرٌ وتَذكيرٌ بلِقاءِ اللهِ العَلِيِّ الكبيرِ، اللَّهمَّ هَبْ لنا مِن لَدُنْك رحمةً، إنَّك أنتَ الغفورُ الرَّحيم.واعلم أنَّ هذه الآياتِ أتتْ على ترتيبٍ أَنيقٍ فإنَّهُ قال في الآيةِ الأولى {لمغفرةٌ مِنَ اللهَ} وهي التجاوُزُ عن السّيآتِ، وذلك إشارةٌ إلى مَنْ يَعبُدُ اللهَ خَوفًا مِنْ عِقابِه ثمَّ قال {ورحمة} وهي التَفضلُ بالمَثوباتِ وهو إشارةٌ إلى مَنْ يَعبُدُه طالباً ثوابَه، ثمَّ قال فى آخرِ آيةٍ "لإلى اللهِ تحشرون" وفيه إشارةٌ إلى مَن يعبُدُ اللهَ لِمُجرَّدِ الرُّبوبيَّةِ، فالعُبوديَّةُ ـ على هذا ـ مقاماتٌ فبيْن الحشرِ إلى مَغفِرةِ اللهِ والحشرِ إلى اللهِ فرْقٌ كبير. فحشْرُ الغافلين بالحِجابِ وحشرُ الواصلينَ بإظهارِ الجَنابِ فمن كان في هذه الدنيا أعمى بحبِ المالِ والمَنالِ، كان فى الآخرةِ محجوبًا عن مُشاهدةِ الجَمالِ. رُوي أنَّ عيسى بنَ مريَمَ عليْه الصلاةُ والسلامُ مَرَّ بأقوامٍ نَحُفَتْ أبدانُهم واصْفَرَّتْ وُجُوهُهم ورَأى عليْهم آثارَ العِبادةِ فقال ماذا تَطلُبون فقالوا نَخشى عذابَ اللهِ فقالَ هو أكرمُ مِن أنْ لا يُخلِّصَكُمْ مِن عذابِه ثمَّ مَرَّ بأقوامٍ آخرين فرأى عليهم تلك الآثارَ فسألهم فقالوا نَطلُبُ الجَنَّةَ والرحمةَ فقال هو أكرمُ مِن أنْ يَمنعُكم رَحمتَه ثمَّ مَرَّ بقومٍ ورأى آثارَ العبوديَّةِ عليهم أكثر، فسألهم فقالوا نعبُدُه لأنَّه الهُنا ونحنُ عبيدُه لا لِرغبةٍ ولا لِرهْبةٍ فقال: أنتمُ العبيدُ المُخلِصون والمُتعبِّدون المُحِقُّون.وحُكي أنَّ امرأةً قالتْ لِجماعةٍ ما السخاءُ عندكم؟ قالوا بذلُ المالِ قالت: هو سخاءُ أهلِ الدُنيا والعوام، فما سخاءُ الخَواصِّ: قالوا بذلُ المَجهودِ في الطاعةِ، قالت: تَرجون الثوابَ، قالوا نعم، قالت: تأخذون العَشرةَ بواحدٍ لقولِه تعالى: {فمن جاءَ بالحَسَنَةِ فلَه عشرُ أمثالِها} فأين السخاءُ قالوا: فما عندَك قالت: العملُ للهِ لا للجنَّةِ ولا لِلنارِ ولا للثوابِ وخوفَ العقابِ، وذلك لا يمكن إلَّا بالتجريدِ والتَفريدِ والوُصولِ إلى حقيقةِ الوُجودِ.وقولُه ـ تعالى: {لإِلَى الله} اللامُ جوابُ القَسَمِ فهيَ داخلةٌ على {تُحْشَرُونَ}، و"إلى الله" متعلقٌ به، وإدخالُ لامِ القَسَمِ على المَعمولَ المُقدَّمِ مُشعِرٌ بتأكيدِ الحَصرِ والاختصاصِ بأنَّ أُلُوهيَّتَه ـ تعالى ـ هي التي تَقتَضي ذلك، أيْ: إلى اللهِ لا إلى غيرِه يَكونُ حَشرُكُم، أو للاهتمام، وحَسَّنَه كونُه فاصلةً، ولولا الفصلُ لَوَجَبَ توكيدُ الفعلِ بنونٍ، لأنَّ المُضارعَ المُثْبَتَ إذا كانَ مستقبَلاً وَجَبَ توكيدُه مع اللامِ خِلافاً للكوفيين، حيثُ يُجيزون التعاقُبَ بينهما، كقولِ عامرٍ بنِ الطُفيل: وقتيلِ مُرَّةَ أَثْأَرَنَّ فإنه............................ فَرْغٌ وإنَّ أخاكم لم يُثْأَرفجاءَ بالنونِ دونَ اللامِ، وقولِ الكُمَيْتِ بنِ معروفٍ: لِئَنْ تكُ قد ضَاقَتْ عليكم بيوتُكم ............. لَيَعْلَمُ ربي أنَّ بيتيَ واسِعُفجاء باللامِ دون النون، والبَصْرِيّون يجعلونَه ضرورةً. فإنْ فُصِل بين اللامِ بالمعمولِ كهذِه الآيةِ أو بـ "قد" نحو: "واللهِ قدْ أقومُ" وقولِ امرئ القيس بن حجرٍ: كَذَبْتِ لقد أُصْبي على المَرْء عِرْسَه ..... وأمنَعُ عِرسي أن يُزَنَّ بها الخالي أو بحرفِ تنفيسٍ نحو: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ} الضحى: 4. فلا يَجوزُ توكيدُه حينئذٍ بالنون. قال الفارسيُّ: "دَخَلتِ النونُ فرقاً بين لامِ اليَمينِ ولامِ الابْتِداءِ، ولامُ الابتداءِ لا تدخُل على الفَضْلة، فبدُخولِ لامِ اليَمينِ على الفَضْلة حَصَلَ الفرقُ فلم يُحْتَجْ إلى النون، وبدخولِها على "سوف" حَصَل الفرقُ أيْضاً فلا حاجةَ إلى النونِ، ولامُ الابتداءِ لا تَدْخُل على الفعلِ إلّا إذا كان حالاً، أمَّا مُستَقبَلاً فلا. | |
|