عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 142 الجمعة مارس 15, 2013 3:09 am | |
| أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) قولُه ـ تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنَّةَ} كلامٌ مُستأنَفٌ لِبيانِ ما ذُكِرَ مِن التمييزِ، أيْ لاَ تَظنّوا أَنَّ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَبِرَكُمُ اللهُ تَعَالَى وَيُمَحِّصَكُمْ فِي الشَّدَائِدِ وَالجِهَادِ لِيَرَى صِدْقَ إيمَانِكُمْ، وَيَرَى مَنْ يَسْتَجِيبُ للهِ، وَيُخْلِصُ فِي طَاعَتِهِ، وَقِتَالِ أَعْدَائِهِ، وَيَصْبِرُ عَلَى مَكَارِهِ الحُرُوبِ. وهو خطابٌ للمُنْهَزمين يَومَ أُحُدٍ وهو كلامٌ مُستأنَفٌ سِيقَ لِبيانِ ما هي الغايةُ القُصْوى مِن المُداوَلَةِ والنتيجةُ لِما ذُكِرَ مِنَ العِلَلِ الثلاثِ الأُوَلِ، والمعنى بل لا ينبغي أنْ تَظُنّوا أنَّكم تدخلون الجنَّةَ وتفوزون بنعيمِها وما أَعدَّ اللهُ ـ تعالى ـ لعبادِه فيها.وقولُه: {وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جاهدوا مِنكُمْ} أي ولَمَّا يَتبيَّنْ لِعِبادِي المؤمنين المُجاهِدُ منكم على ما أمرتُه به، وهو إنْكارٌ عليهم فإنَّ رجاءَ الأجرِ مِن غيرِ عملٍ مستبعَدٌ، قال أبو العتاهية:تَرْجو النَّجاةَ ولَمْ تَسلكْ مسالِكَها …. إِنَّ السَّفينَةَ لا تجْري على اليَبَسووَرَدَ عن ابنِ حَوشَبَ طلبُ الجنَّةِ مِن غيرِ عملٍ ذنبٌ مِن الذُنوبِ، وانتظارُ الشفاعةِ بلا سَبَبٍ نوعٌ مِن الغُرور، وارتجاءُ الرحمةِ ممن لا يُطاعُ حَمَقٌ وجَهالةٌ. والجهادُ احْتِمَالُ المَشَقَّةِ ومُكَابَدَةُ الشَّدَائِدِ، وَيُقْصَدُ بِالجِهَادِ هُنَا الدِّفَاعُ عَنِ الدِّينِ وَأهْلِهِ. والحكمةُ في ذلك هو تَعليمُنا بألَّا نَحكُمَ إلَّا بما يَظهرُ ويَقومُ عليه الدليلُ المَحسوسُ، وألّا يَحكم أحدٌ بما يَتوَقَّعُ، فاللهُ العليمُ بكلِّ شيءٍ يُرشِدُ إلى أنَّه يَترُكُ الحُكمَ في الأمرِ حتَّى يَقعَ ما حَكمَ بِه محسوسًا ملموسًا.وقد نفى اللهُ تعالى "العلم" بـ "لمّا" وهي في معنى "لم"، بيْدَ أنَّها تَمتازُ عنها بأنَّها تَنفي الآمرَ في الماضي والحاضرِ، وتُؤمئ إلى وُقوعِه في المُستقبلِ، ففي الآيةِ إيماء إلى أنَّ المَعلومَ وهو المُجاهدون، لم يكونوا معلومين قبلَ الاخْتِبارِ، وأصبحوا معلومين بعدَ الاختبارِ، وظَهَرت تلك الصفةُ فيهم. قولُه: {ويعلم الصابرين} المعنى أمْ حسِبْتم أنْ تَدخُلوا الجنَّةَ والحالُ أنّه لَم يَتَحقَّقْ منكم الجِهادُ والصبرُ أي الجمعُ بينَهما وفي الآيةِ معاتَبَةٌ لِمَنِ انْهَزَمَ يومَ أُحُدٍ.قولُه ـ تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ} أم: منقطعةٌ مقدَّرةٌ بـ "بل" التي هي للإضراب، والإضرابُ هنا معناه الانتقالُ مِن طريقِ للبَيانِ إلى طريقٍ آخَرَ، ففي الأول بيَّن العِبَرَ والسُّنَنَ بِطريقِ التَقريرِ، وفي هذه الآيةِ يُبَيِّنُ سُنَّةً أُخْرى بِطريقِ الاستفهامِ الإنكاريِّ، وفيه فضلُ تنبيهٍ وفضلُ تقريرٍ، وقيل: "أم" بمعنى همزةِ الاستفهامِ الإِنكاريِّ والتوبيخِ، وقيل: هذا استفهامٌ معناه النهيُ. وقيل: هي متصلةٌ، وهي عديلةُ همزةٍ تتقدَّر مِنْ معنى ما تقدَّم، وذلك أنَّ قولَه: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} {وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا} إلى آخرِ القِصَّةِ يَقتضي أنْ يَتبع ذلك: أتعلمون أنَّ التكليف يُوجِبُ ذلك أم حسبتم. و"حَسِبَ" هنا على بابها من ترجيحِ أحدِ الطرفين. و{أَن تَدْخُلُواْ} سادٌّ مسَدَّ المفعوليْن على رأيِ سِيبَوَيْهِ وعلى رأي الأخفش هي سادّةٌ مَسَدَّ الأولِ، والثاني محذوفٌ.قوله: {وَلَمَّا يَعْلَمِ} جملةٌ حاليَّةٌ. ولَمَّا بمعنى "لم" إلاَّ أنَّ فيه ضَرْباً من التوقع، فدلَّ على نفيِ الجِهادِ فيما مضى وعلى توقُّعِه فيما يُستقبلُ. تقول: "وعدني أنْ يَفعلَ كذا ولَمَّا يفعل بعد" تريد: "ولَمْ يَفْعَلُ وأنا أتوقع فِعْلَه". قال الفرَّاءُ: "لَمَّا" لِتعريضِ الوجودِ بخلافِ "لم". وإنَّما فرَّقَ النَّحْويون بينَهما مِنْ جهة أنَّ المنفيَّ بـ "لَمْ" هو فعلٌ غيرُ مقرونٍ بـ "قد" والمنفيُّ بـ "لَمَّا" مقرونٌ بها، وقد تَدُلُّ على التوقع، والدليلُ على كونِ "لم" نَفْياً لـ "فَعَل"، و"لَمَّا" لنفي "قد فَعَل" نصُّ النُحاةِ على ذلك: سيبويْهِ فَمَنْ دونَه. وقوله: "منكم" حالٌ من "الذين". و {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ} بكسرِ الميمِ على أصلِ التقاءِ الساكنين. وقرأ النُخعيُّ وابنُ وثاب بفتحها. وفيها وجهان. أحدُهُما: أنَّ الفتحةَ فتحةُ إتباعٍ، أتبعَ الميمَ للام قبلها والثاني: أنَّه على إرادةِ النونِ الخفيفةِ، والأصلُ: "ولَمَّا يَعْلَمَنْ" والمنفيُّ بـ "لَمَّا" قد جاء مؤكداً بها كقول العجّاج: يَحْسَبُه الجاهلُ ما لم يَعْلما ................... شيخاً على كُرْسِيِّه مُعَمَّماًفلمَّا حَذَفَ النونَ بقي آخرُ الفعل مفتوحاً كقولِه:لا تُهِينَ الفقيرَ عَلَّك أَنْ تَرْ .................... كَعَ يوماً والدهرُ قد رَفَعَهْوعليه تُخَرَّج قِراءةُ: {ألم نشرحَ" بفتح الحاءِ، وقولُ الآخر: في أيِّ يَوميَّ من الموتِ أفِرْ ................... أيومَ لم يُقْدَرَ أم يومَ قُدِرْقوله: "ويَعْلَم" العامَّةُ على فتحِ الميم وفيها تخريجان، أشهرهما: أنَّ الفعلَ منصوبٌ. ثمَّ هل نصبُه بـ "أَنْ" مقدرةً بعد الواوِ المقتضيةِ للجمع كهي في قولِك: "لا تأكلِ السمكَ وتَشْربَ اللبنَ" أي: لا تجمعْ بينهما وهو مذهبُ البَصريين، أو بواوِ الصَرْفِ، وهو مذهبُ الكوفيين، يَعْنُون أنَّه كان مِنْ حَقِّ هذا الفعلِ أنْ يُعْرَبَ بإعرابِ ما قبلَه، فلمَّا جاءت الواو صَرَفَتْه إلى وجهٍ آخرَ من الإِعراب. والثاني: أنَّ الفتحةَ فتحةُ التاءِ ساكنين والفعلُ مجزومٌ ، فلمَّا وقع بعده ساكنٌ آخرُ احتيج إلى تحريك آخرِه فكانت الفتحةُ أَوْلَى لأنَّها أخفُّ وللإِتباعِ لحركة اللامِ، كما قيل ذلك في أحدِ التخريجين لقراءةِ: "وَلَمَّا يَعْلَمَ اللهُ" بفتح الميم، والأولُ هو الوَجْه.وقرأ الحسنُ وابنُ يَعمُرَ وأبو حَيَوَةَ بكسرِ الميمِ عطفاً على "يَعْلَمِ" المجزوم بـ "لم".وقرأ عبدُ الوارث عن أبي عَمْرٍو بنِ العَلاءِ: "وَيَعْلَمُ" بالرفع، وفيه وجهان، أظهرهما: أنّهُ مستأنَفٌ، أخبرَ ـ تعالى ـ بذلك. على أنَّ الواوَ للحال، كأنَّه قال: ولَمَّا يُجاهِدوا وأنتم صابرون. | |
|