عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 137 الإثنين مارس 11, 2013 1:11 pm | |
| قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ. (137) قولُه ـ تبارك وتعالى: { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} هذا رُجوعٌ إلى وَصْفِ باقي قِصَّةِ أُحُدٍ بعد تمهيدٍ ذَكَرَ فيه مبادئَ الرُشْدِ والصلاحِ تَسليةً للمؤمنين على ما أَصابهم مِنَ الحُزْنِ والكآبةِ. وهو إلى ذلك اعتراضٌ للبَعْثِ على الإيمان والتقوى والتوبةِ، وهذه الآيةُ دلَّتْ على الترهيبِ ومعناه راجعٌ إلى الترغيبِ بحَسَبِ التَضادِّ.والمُرادُ بالسُنَنِ ما سَنَّهُ اللهُ في الأممِ الماضيةِ مِن وقائعِه أيْ قد خَلَت مِن قبلُ في زمانِكم وقائع سنَّها اللهُ في الأمَمِ المُكذِّبةِ بالهَلاك والاستِئْصالِ لمُخالفتِهمُ الأنبياءَ. والمعنى: قد خَلَتْ سُنَنُ تَداوُلٍ مِن الكفار والمؤمنين في الخير والشر.قولُه: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أيُّها المؤمنون "سيروا في الأرض" بأقدامِكم أو بأفهامكم السيرَ المأمورَ بِه، لمُشاهدةِ الآثارِ، وتأمَّلوا فيها لحصولِ المعرفةِ بذلك التأمُّل على موجِدِها، والمتصرِّفِ فيها، وكيف أنه عاقب الكافرين به الذين كذّبوا برسالاته ورسُلِهِ، فإنْ حَصَلَتْ هذه المعرفةُ بدونِ السيرِ في الأرضِ والنظرِ في الآثارِ فقد حَصَلَ المقصودُ. والأمرُ هنا للنَدْبِ لا للوُجوبِ. والتسبيبُ في هذه الألفاظِ ظاهرٌ أي: سَبَبُ الأمرِ بالسير لِينظُروا نَظَرَ اعتبارٍ خُلُوُّ مَنْ قبلَكم من الأمم وطرائقهم. قولُه: {فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} الذين خالفُوا رُسُلَهم فلم يؤمنوا برسالاتهم وتعاليم ربهم، فخالفوهم بالحِرصِ على الدنيا ثمَّ انْقَرَضوا فلمْ يَبْقَ مِن دُنْياهم التي آثروها أثَرٌ. والأمرُ "بالسيرِ والنظرِ" السابقِ وإنْ كان خاصًّا بالمُؤمنين ـ على المُختارِ ـ لكنَّ العملَ بمُوجبِه غيرُ مختصٍّ بهم ففيه حَمْلٌ للمُكذِّبين أيضاً على أنْ يَنظُروا في عاقبةِ أَسلافِهم لِيَعتَبِروا بذلك، والمَوعظةُ ما يُلينُ القَلْبَ ويَدعو إلى التَمَسُّكِ بما فيه طاعة، والهدى بيانُ طريقِ الرُّشْدِ لِيُسْلَكَ دونَ طريقِ الغَيِّ، والفرقُ بينَه وبيْنَ البيانِ أنَّ الثاني إظْهارُ المَعنى كائنًا ما كان ولِكونِ المُراد به هنا ما كان عاريًا عن الهُدى والعِظةِ خصَّه بالنّاسِ معَ أنَّ ظاهرَه شاملٌ للمتَّقين. والمُرادُ بهم مُقابلُ المكذِّبين وكأنَّه وُضِعَ مَوْضِعَ الضَميرِ بناءً على أنَّ المَعنى زِيادةُ بصيرةٍ ومَوعِظَةٍ لَكم للإيذانِ بِعِلَّةِ الحُكمِ فإنَّ مَدارَ ذلك كونُه هدًى وموعظةً لهم، إنَّما هو تَقواهم وعدمُ تَكذيبِهم، وقدَّمَ بيانَ كونِه بياناً للمُكذِّبين مَعَ أنَّه غيرُ مَسوقٍ لَه على بيانِ كونِه هُدًى للمُتَّقين معَ أنَّه المَقصودُ بالسِياقِ لأنَّ أوَّلَ ما يَترتَّبُ على مُشاهدَةِ آثارِ هلاكِ أَسلافِهم ظهورُ حالِ أخْلافِهم، وأمَّا الهُدى فأمرٌ مترتِّبٌ عليْه، والاقتِصارُ على الأمريْنِ في جانبِ المُتَّقين معَ ترتُّبِهما على البيانِ لِما أنَّهُما المَقْصِدُ الأصليّ.قوله تعالى: {مِن قَبْلِكُمْ} يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بـ "خَلَتْ" ويجوزُ أَنْ يَتَعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من "سُنن"؛ لأنَّه في الأصلِ يَجوزُ أَنْ يكونَ وصفًا فلمَّا قُدِّمَ نُصِبَ حالاً.والسُّنَنُ: جُمْعُ سُنَّةٍ وهي الطريقة التي يكونُ عليها الإِنسانُ ويلازِمُها،، والسُّنَّةُ ـ أيضًا ـ الإمامُ المُتَّبَعُ المُؤتمُّ بِه، والسُنَّةُ الأُمَّةُ، والسُنَنُ الأُمَمُ ومنه "سنَّةُ الأنبياء" عليهمُ السلامُ. قال خالدٌ الهذلي لخالِهِ أبي ذؤيب: فلا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أنت سِرْتَها .............. فَأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يَسيرُهاوقال أخر : وإنَّ الأُلَى بالطَّفِّ مِنْ آلِ هاشمٍ ............. تَأَسَّوا فَسَنُّوا للكرامِ التآسِياوقال لبيد: مِنْ أمةٍ سَنَّتْ لهم آباؤُهم ....................... ولكلِّ قومٍ سُنَّةٌ وإمامُهاوقال المفضل: "السُّنَّةُ الأُمَّة"، وأنشد: ما عايَنَ الناسُ مِنْ فضلٍ كفضلكمُ ......... ولا رُئِيْ مثلُه في سائِرِ السُّنَنِولا دليلَ فيه لاحتمالِه. وقال الخليل: "سَنَّ الشيءَ بمعنى صَوَّره". ومنه: {مِنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} الحجر: 26. أي: مُصَوَّر. وقيل: سَنَّ الماءَ والدرعَ إذا صَبَّهما، وقوله: {مِنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} يجوزُ أَنْ يكونَ منه، ولكنَّ نسبةَ الصَبِّ إلى الطينِ بعيدةٌ. وقيل "مَسْنون" أي متغيِّرٍ. قال بعضُ أهلِ اللغة: "هي فُعْلَة من سَنَّ الماءَ يَسُنُّه إذا والى صَبَّه. والسَّنُّ: صَبُّ الماءِ والعرق ونحوهما، وأنشدَ لزهيرٍ: نُعَوِّدها الطِّرادَ فكلَّ يومٍ ..................... تُسَنُّ على سنابِكها القُرونُأي: يُصَبُّ عليها العرقُ. وقيل: سُنَّة: فُعْلَة بمعنى مفعول كالغُرْفَة والأُكْلَة. وقيل: اشتقاقُها من سَنَنْتُ النَّصْلَ أَسُنُّه سَنَّاً إذا حَدَدْتَه، والمعنى أن الطريقةَ الحسنة معتنًى بها كما يُعْتَنى بالنصلِ ونحوِه. وقيلَ: مِنْ سَنَّ الإِبلَ: أذا أحسن رَعْيَها. والمعنى: أَنَّ صاحبَ السُنَّةِ يقومُ على أصحابهِ كما يَقومُ الراعي على إبلِه.وقوله: {فَسِيرُواْ} جملةٌ معطوفةٌ على ما قبلَها. ودَخَلَتِ الفاء في "فسيروا" لأنَّ المعنى على الشرطِ أي: إن شَكَكْتُم فسيروا.قوله: {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} "كيف" خبرٌ مقدَّمٌ واجبُ التقديمِ؛ لِتَضَمُّنِه معنى الاستفهامِ وهو مُعَلِّقٌ لـ "انظروا" قبلَه، فالجملةُ في محلِّ نصبٍ بعد إسقاطِ الخافضِ إذِ الأصلُ: انْظُروا في كذا. | |
|