روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 135

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية:  135 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية:  135 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 135   فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية:  135 I_icon_minitimeالأحد مارس 10, 2013 6:16 pm

وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
.


(135)


قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
وَالَّذِينَ
إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
} ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ صِنْفًا،
هُمْ دُونَ الصِّنْفِ الْأَوَّلِ فَأَلْحَقَهُمْ بِهِ بِرَحْمَتِهِ وَمَنِّهِ،
فَهَؤُلَاءِ هُمُ التَّوَّابُونَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ:
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي نَبْهَانَ التَّمَّارِ ـ وَكُنْيَتُهُ أَبُو
مُقْبِلٍ ـ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ بَاعَ مِنْهَا تَمْرًا، فَضَمَّهَا إِلَى
نَفْسِهِ وَقَبَّلَهَا فَنَدِمَ عَلَى ذَلِكَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَذَكَرَ ذَلِكَ له، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ ـ وَصَدَقَ أَبُو
بَكْرٍ ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: ((مَا
مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ
يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ ـ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: "
وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا
فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ
" الْآيَةَ، وَالْآيَةَ
الْأُخْرَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نفسه} النساء: 110. وَخَرَّجَهُ
التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهَذَا عَامٌّ. وَقَدْ تَنْزِلُ
الْآيَةُ بِسَبَبٍ خَاصٍّ ثُمَّ تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ
أَكْثَرَ مِنْهُ. وقد قيل: إن سببَ نزولِها أنَّ ثَقَفيًّا خَرَجَ فِي غَزَاةٍ
وَخَلَّفَ صَاحِبًا لَهُ أَنْصَارِيًّا على أهلِه، فخانَه فيها بأن اقْتَحَمَ
عَلَيْهَا فَدَفَعَتْ عَنْ نَفْسِهَا فَقَبَّلَ يَدَهَا، فَنَدِمَ عَلَى ذَلِكَ
فَخَرَجَ يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ نَادِمًا تَائِبًا، فَجَاءَ الثَّقَفِيُّ
فَأَخْبَرَتْهُ زَوْجَتُهُ بِفِعْلِ صَاحِبِهِ، فَخَرَجَ فِي طَلَبِهِ فَأَتَى
بِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمْرَ رَجَاءَ أَنْ يَجِدَ عِنْدَهُمَا فَرَجًا
فَوَبَّخَاهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ
فَأَخْبَرَهُ بِفِعْلِهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَالْعُمُومُ أَوْلَى
لِلْحَدِيثِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَّا،
حَيْثُ كَانَ الْمُذْنِبُ مِنْهُمْ تُصْبِحُ عُقُوبَتُهُ مَكْتُوبَةً عَلَى بَابِ
دَارِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَفَّارَةُ ذَنْبِهِ مَكْتُوبَةٌ عَلَى عَتَبَةِ
دَارِهِ: اجْدَعْ أَنْفَكَ، اقْطَعْ أُذُنَكَ، افْعَلْ كَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ تَوْسِعَةً وَرَحْمَةً وَعِوَضًا مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ
بِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَيُرْوَى أَنَّ إِبْلِيسَ بَكَى حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ. وَالْفَاحِشَةُ تُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَعْصِيَةٍ، وَقَدْ كَثُرَ
اخْتِصَاصُهَا بِالزِّنَا حَتَّى فَسَّرَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
وَالسُّدِّيُّ هَذِهِ الْآيَةَ بِالزِّنَا. وَ"أَوْ" فِي قَوْلِهِ: "
أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ" قِيلَ هِيَ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَالْمُرَادُ مَا
دُونَ الْكَبَائِرِ.



وقولُه:
{
ذَكَرُوا اللَّهَ} مَعْنَاهُ بِالْخَوْفِ مِنْ عِقَابِهِ وَالْحَيَاءِ
مِنْهُ. وقال الضَّحَّاكُ: أي ذَكَرُوا الْعَرْضَ الْأَكْبَرَ عَلَى اللَّهِ. وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: أي تَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّ اللَّهَ
سَائِلُهُمْ عَنْهُ. وَعَنْ مُقَاتِلٍ أَيْضًا: ذَكَرُوا اللَّهَ بِاللِّسَانِ
عِنْدَ الذُّنُوبِ. ذُكِرَ أنَّ الله أوحى إلى موسى ـ عليه السلام: (قُلْ للظَلَمَةِ
حتَّى لا يَذكروني، فإنِّي أَوْجَبْتُ أنْ أَذْكُرَ مَن ذَكرني وذكري للظلمة
باللعنة). وقال لظَلَمَةِ هذه الأمة: {
أَوْ ظَلَمُوا أنفُسَهُمْ ذِكَرُوا اللهَ} ثمَّ قال في آخر الآية: { وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
إِلاَّ اللهُ}. ويُقالُ فاحشةُ كلِّ أحدٍ على حَسَبِ حالِه ومقامِه، وكذلك ظلمُهم
وإنَّ خُطورَ المُخالفاتِ ببالِ الأكابرِ كفِعْلها مِنَ غيرهم، قال عليٌّ بن
العباس الملقب بـ "ابن الرومي":



أنتَ عيني وليس مِن حقِّ عيني ............... غَضُّ
أجفانِها على الأقْذاءِ



فليس
الجُرْم على البِساطِ كالذَّنبِ على الباب.



ويُقالُ
فعلوا فاحشةً بركونهم إلى أفعالِهم، أو ظلموا أنفسَهم بملاحظةِ أَحوالِهم،
فاستغفروا لذنوبهم بالتَبَرِّي عن حركاتِهم وسَكناتِهم عِلماً منهم بأنَّه لا
وسيلةَ إليْه إلَّا بِه، فخلَّصَهم مِن ظُلماتِ نفوسِهم. وإنَّ رؤيةَ الأحوالِ
والأفعالِ لَظُلُمَاتٌ عند ظُهورِ الحقائقِ، ومَنْ طَهَّرَه اللهُ بِنورِ العِنايةِ
صانَه عن التَوَرُّطِ في المَغاليطِ البشريَّةِ.



قولُه:
{
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} أَيْ طَلَبُوا الْغُفْرَانَ لِأَجْلِ ذُنُوبِهِمْ.
وَكُلُّ دُعَاءٍ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى أَوْ لَفْظُهُ فَهُوَ اسْتِغْفَارٌ.
فَالِاسْتِغْفَارُ عَظِيمٌ وَثَوَابُهُ جَسِيمٌ، حَتَّى لَقَدْ رَوَى
التِّرْمِذِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ
قَالَ: ((مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ. وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ
مِنَ الزَّحْفِ)). وَرَوَى مَكْحُولٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ
أَكْثَرَ اسْتِغْفَارًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَقَالَ مَكْحُولٌ: مَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ اسْتِغْفَارًا مِنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ. وَكَانَ مَكْحُولٌ كَثِيرَ الِاسْتِغْفَارِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا:
الِاسْتِغْفَارُ الْمَطْلُوبُ هُوَ الَّذِي يَحُلُّ عُقَدَ الْإِصْرَارِ
وَيَثْبُتُ مَعْنَاهُ فِي الْجَنَانِ، لَا التَّلَفُّظُ بِاللِّسَانِ. فَأَمَّا
مَنْ قَالَ بِلِسَانِهِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَقَلْبُهُ مُصِرٌّ عَلَى
مَعْصِيَتِهِ فَاسْتِغْفَارُهُ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِغْفَارٍ،
وَصَغِيرَتُهُ لَاحِقَةٌ بِالْكَبَائِرِ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
أَنَّهُ قَالَ: اسْتِغْفَارُنَا يحتاج إلى استغفار.
وَذَلِكَ اسْتِهْزَاءٌ مِنْهُ وَاسْتِخْفَافٌ. وَفِي
التَّنْزِيلِ: {وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً} البقرة: 231.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
وَمَنْ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ
}
أَيْ لَيْسَ أَحَدٌ يَغْفِرُ الْمَعْصِيَةَ وَلَا يُزِيلُ عُقُوبَتَهَا إِلَّا
اللَّهُ.



قولُه:
{
وَلَمْ يُصِرُّوا} أَيْ وَلَمْ يَثْبُتُوا وَيَعْزِمُوا عَلَى مَا
فَعَلُوا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ وَلَمْ يَمْضُوا. وَقَالَ مَعْبَدُ بْنُ
صُبَيْحٍ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عُثْمَانَ وَعَلِيٌّ إِلَى جَانِبِي، فَأَقْبَلَ
عَلَيْنَا فَقَالَ: صَلَّيْتُ بِغَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ ذَهَبَ فَتَوَضَّأَ
وَصَلَّى.



قولُه:
{
وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا
فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
}.
الْإِصْرَارُ هُوَ الْعَزْمُ بِالْقَلْبِ عَلَى الْأَمْرِ وَتَرْكُ الْإِقْلَاعِ
عَنْهُ. وَمِنْهُ صَرُّ الدَّنَانِيرِ أَيِ الرَّبْطُ عَلَيْهَا، قَالَ
الْحُطَيْئَةُ يَصِفُ الْخَيْلَ:



عَوَابِسُ بِالشُّعْثِ الْكُمَاةِ إِذَا ابْتَغَوْا .........
عُلَالَتَهَا بِالْمُحْصَدَاتِ أَصَرَّتِ



أَيْ
ثَبَتَتْ عَلَى عَدْوِهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْإِصْرَارُ الثُّبُوتُ عَلَى
الْمَعَاصِي، قَالَ الشَّاعِرُ:



يُصِرُّ بِاللَّيْلِ مَا تُخْفِي شَوَاكِلُهُ ..............
يَا وَيْحَ كُلِّ مُصِرِّ الْقَلْبِ خَتَّارِ



الشواكل:
الطرق المنشعبة عن الطريق الأعظم. والختر: شبيه بالغدر والخديعة. وقيل: هو أسوأ
الغدر وأقبحه، و"اخْتارَ" للمبالغة.



قَالَ
سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: الْجَاهِلُ مَيِّتٌ، وَالنَّاسِي نَائِمٌ،
وَالْعَاصِي سَكْرَانُ، وَالْمُصِرُّ هَالِكٌ، وَالْإِصْرَارُ هُوَ التَّسْوِيفُ،
وَالتَّسْوِيفُ أَنْ يَقُولَ: أَتُوبُ غَدًا، وَهَذَا دَعْوَى النفس، كيف يتوب غدا
وغدا لَا يَمْلِكُهُ!. وَقَالَ غَيْرُ سَهْلٍ: الْإِصْرَارُ هُوَ أن ينوي أن يَتُوبَ
فَإِذَا نَوَى التَّوْبَةَ النَّصُوحَ خَرَجَ عَنِ الْإِصْرَارِ. وَقَوْلُ سَهْلٍ
أَحْسَنُ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: ((لَا تَوْبَةَ مَعَ إِصْرَارٍ)).



قَالَ
العُلَمَاء: الْبَاعِثُ عَلَى التَّوْبَةِ وَحَلِّ الْإِصْرَارِ إِدَامَةُ
الْفِكْرِ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ، وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ مِنْ تَفَاصِيلِ الْجَنَّةِ وَوَعَدَ بِهِ الْمُطِيعِينَ، وما وصفه من
عَذَابِ النَّارِ وَتَهَدَّدَ
بِهِ الْعَاصِينَ، وَدَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَوِيَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ
فَدَعَا اللَّهَ رَغَبًا وَرَهَبًا، وَالرَّغْبَةُ وَالرَّهْبَةُ ثَمَرَةُ
الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، يَخَافُ مِنَ الْعِقَابِ وَيَرْجُو الثَّوَابَ، وَاللَّهُ
الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْبَاعِثَ عَلَى ذَلِكَ تَنْبِيهٌ
إِلَهِيٌّ يُنَبِّهُ بِهِ مَنْ أَرَادَ سَعَادَتَهُ، لِقُبْحِ الذُّنُوبِ
وَضَرَرِهَا إِذْ هِيَ سَمُومٌ مُهْلِكَةٌ. قُلْتُ: وَهَذَا خِلَافٌ فِي اللَّفْظِ
لَا فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَفَكَّرُ فِي وَعْدِ اللَّهِ
وَوَعِيدِهِ إِلَّا بِتَنْبِيهِهِ، فَإِذَا نَظَرَ الْعَبْدُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ
تَعَالَى إِلَى نَفْسِهِ فَوَجَدَهَا مَشْحُونَةً بِذُنُوبٍ اكْتَسَبَهَا
وَسَيِّئَاتٍ اقْتَرَفَهَا، وَانْبَعَثَ مِنْهُ النَّدَمُ عَلَى مَا فَرَّطَ،
وَتَرَكَ مِثْلَ مَا سَبَقَ مَخَافَةَ عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى صَدَقَ عَلَيْهِ
أَنَّهُ تَائِبٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مُصِرًّا عَلَى الْمَعْصِيَةِ
وَمُلَازِمًا لِأَسْبَابِ الْهَلَكَةِ. قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:
عَلَامَةُ التَّائِبِ أَنْ يَشْغَلَهُ الذنب على الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، كَالثَّلَاثَةِ
الَّذِينَ خُلِّفُوا. وهم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيعة. تخلفوا
عن الخروج مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك،
فلما رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأصحابه ((لا
تكلمن أحدا من هؤلاء الثلاثة)) إلى أن نزل فيهم قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ
الَّذِينَ خُلِّفُوا}.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
وَهُمْ
يَعْلَمُونَ
} فِيهِ أَقْوَالٌ. فَقِيلَ:
أَيْ يَذْكُرُونَ ذُنُوبَهُمْ فَيَتُوبُونَ مِنْهَا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا
قَوْلٌ حَسَنٌ. وَقِيلَ: "
وَهُمْ يَعْلَمُونَ"
أَنِّي أُعَاقِبُ عَلَى الْإِصْرَارِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ
عُمَيْرٍ: "
وَهُمْ يَعْلَمُونَ"
أَنَّهُمْ إِنْ تَابُوا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: "
يَعْلَمُونَ" أَنَّهُمْ إِنِ اسْتَغْفَرُوا غُفِرَ لَهُمْ.
وَقِيلَ: "
يَعْلَمُونَ"
بِمَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِمْ، قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَالْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: "
وَهُمْ يَعْلَمُونَ"
أَنَّ الْإِصْرَارَ ضَارٌّ، وَأَنَّ تَرْكَهُ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي. وَقَالَ
الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ: "
وَهُمْ يَعْلَمُونَ"
أَنَّ لَهُمْ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ. قُلْتُ: وَهَذَا أَخَذَهُ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِيمَا يَحْكِي عن ربِّه عزَّ وجَلَّ قال: ((أذنب عبدٌ
ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تبارك وتعالى أذنب عبدي
ذنبا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ
عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ـ فَذَكَرَ مِثْلَهُ
مَرَّتَيْنِ، وَفِي آخِرِهِ: اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ)). أخرجه
مسلمٌ.



وَفِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ التَّوْبَةِ بَعْدَ نَقْضِهَا بِمُعَاوَدَةِ الذَّنْبِ،
لِأَنَّ التَّوْبَةَ الْأُولَى طَاعَةٌ وَقَدِ انْقَضَتْ وَصَحَّتْ، وَهُوَ
مُحْتَاجٌ بَعْدَ مُوَاقَعَةِ الذَّنْبِ الثَّانِي إِلَى تَوْبَةٍ أُخْرَى
مُسْتَأْنَفَةٍ، وَالْعَوْدُ إِلَى الذَّنْبِ وَإِنْ كَانَ أَقْبَحَ مِنَ ابْتِدَائِهِ،
لِأَنَّهُ أَضَافَ إِلَى الذَّنْبِ نَقْضَ التَّوْبَةِ، فَالْعَوْدُ إِلَى
التَّوْبَةِ أَحْسَنُ مِنَ ابْتِدَائِهَا، لِأَنَّهُ أَضَافَ إِلَيْهَا
مُلَازَمَةَ الْإِلْحَاحِ بِبَابِ الْكَرِيمِ، وَإِنَّهُ لَا غَافِرَ لِلذُّنُوبِ
سِوَاهُ. وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ ((اعْمَلْ مَا شِئْتَ)) أَمْرٌ
مَعْنَاهُ الْإِكْرَامُ فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ:
{ادْخُلُوها بِسَلامٍ} الحجر: 46. وَآخِرُ الْكَلَامِ خَبَرٌ عَنْ حَالِ
الْمُخَاطَبِ بِأَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ مَا سَلَفَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَحْفُوظٌ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ شَأْنِهِ. وَدَلَّتِ
الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ عَلَى عَظِيمِ فَائِدَةِ الِاعْتِرَافِ بِالذَّنْبِ
وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ، قَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ
الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللَّهِ تَابَ اللَّهُ
عَلَيْهِ)) أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَقَالَ:



يَسْتَوْجِبُ الْعَفْوَ الْفَتَى إِذَا اعْتَرَفْ .........
بِمَا جَنَى مِنَ الذُّنُوبِ وَاقْتَرَفْ



وَقَالَ
آخَرُ:



أَقْرِرْ بِذَنْبِكَ ثُمَّ اطْلُبْ تَجَاوُزَهُ ..........
إِنَّ الْجُحُودَ جُحُودَ الذَّنْبِ ذَنْبَانِ



وَفِي
صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا
لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ
فَيُغْفَرُ لَهُمْ)). وَهَذِهِ فَائِدَةُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى الْغَفَّارِ
وَالتَّوَّابِ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْكِتَابِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ
أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى.



والذُّنُوبُ
الَّتِي يُتَابُ مِنْهَا إِمَّا كُفْرٌ أَوْ غَيْرُهُ، فَتَوْبَةُ الْكَافِرِ
إِيمَانُهُ مَعَ نَدَمِهِ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ كُفْرِهِ، وَلَيْسَ مُجَرَّدُ
الْإِيمَانِ نَفْسَ تَوْبَةٍ، وَغَيْرُ الْكُفْرِ إِمَّا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى،
وَإِمَّا حَقٌّ لِغَيْرِهِ، فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَكْفِي فِي التَّوْبَةِ
مِنْهُ التَّرْكُ، غَيْرَ أَنَّ مِنْهَا مَا لَمْ يَكْتَفِ الشَّرْعُ فِيهَا
بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ بَلْ أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ فِي بَعْضِهَا قَضَاءً
كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَمِنْهَا مَا أَضَافَ إِلَيْهَا كَفَّارَةً
كَالْحِنْثِ فِي الْأَيْمَانِ وَالظِّهَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا حُقُوقُ
الْآدَمِيِّينَ فَلَا بُدَّ مِنْ إِيصَالِهَا إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا
تَصَدَّقَ عَنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدِ السَّبِيلَ لِخُرُوجِ مَا عَلَيْهِ
لِإِعْسَارٍ فَعَفْوُ اللَّهِ مَأْمُولٌ، وَفَضْلُهُ مَبْذُولٌ، فَكَمْ ضَمِنَ
مِنَ التَّبِعَاتِ وَبَدَّلَ مِنَ السَّيِّئَاتِ بِالْحَسَنَاتِ. وَسَتَأْتِي
زِيَادَةُ بَيَانٍ لهذا



المعنى.


لَيْسَ
عَلَى الْإِنْسَانِ إِذَا لَمْ يَذْكُرْ ذَنْبَهُ وَيَعْلَمْهُ أَنْ يَتُوبَ
مِنْهُ بِعَيْنِهِ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ إِذَا ذَكَرَ ذَنْبًا تَابَ مِنْهُ.
وَقَدْ تَأَوَّلَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِيمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ الْمُعْطِي الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّ
الْإِمَامَ الْمُحَاسِبِيَّ ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ يَرَى أَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ
أَجْنَاسِ الْمَعَاصِي لَا تَصِحُّ، وَأَنَّ النَّدَمَ عَلَى جُمْلَتِهَا لَا
يَكْفِي، بَلْ لأبد أَنْ يَتُوبَ مِنْ كُلِّ فِعْلٍ بِجَارِحَتِهِ وَكُلِّ عَقْدٍ
بِقَلْبِهِ عَلَى التَّعْيِينِ. ظَنُّوا ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَيْسَ هَذَا
مُرَادَهُ، وَلَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُ، بَلْ حُكْمُ الْمُكَلَّفِ إِذَا عَرَفَ
حُكْمَ أَفْعَالِهِ، وَعَرَفَ الْمَعْصِيَةَ مِنْ غَيْرِهَا، صَحَّتْ مِنْهُ التَّوْبَةُ
مِنْ جُمْلَةِ مَا عَرَفَ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَعْرِفْ كَوْنَ فِعْلِهِ
الْمَاضِي مَعْصِيَةً لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتُوبَ مِنْهُ لَا عَلَى الْجُمْلَةِ
وَلَا عَلَى التَّفْصِيلِ، وَمِثَالُهُ رَجُلٌ كَانَ يَتَعَاطَى بَابًا مِنْ
أَبْوَابِ الرِّبَا وَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ رِبًا فَإِذَا سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا
بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا
فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}. البقرة: 279. عَظُمَ عَلَيْهِ
هَذَا التَّهْدِيدُ، وَظَنَّ أَنَّهُ سَالِمٌ مِنَ الرِّبَا، فَإِذَا عَلِمَ
حَقِيقَةَ الرِّبَا الْآنَ، ثُمَّ تَفَكَّرَ فِيمَا مَضَى مِنْ أَيَّامِهِ
وَعَلِمَ أَنَّهُ لَابَسَ مِنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا فِي أَوْقَاتٍ مُتَقَدِّمَةٍ،
صَحَّ أَنْ يَنْدَمَ عَلَيْهِ الْآنَ جُمْلَةً، وَلَا يَلْزَمَهُ تَعْيِينُ
أَوْقَاتِهِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا وَاقَعَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالسَّيِّئَاتِ
كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي لَمْ
يَعْرِفْ كَوْنَهَا مُحَرَّمَةً، فَإِذَا فَقِهَ الْعَبْدُ وَتَفَقَّدَ مَا مَضَى
مِنْ كَلَامِهِ تَابَ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً، وَنَدِمَ عَلَى مَا فَرَّطَ فِيهِ
مِنْ حَقِّ اللَّهِ تعالى، وإذا استحل من كان ظلمه فحالله عَلَى الْجُمْلَةِ
وَطَابَتْ نَفْسُهُ بِتَرْكِ حَقِّهِ جَازَ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ هِبَةِ
الْمَجْهُولِ، هَذَا مَعَ شُحِّ الْعَبْدِ وَحِرْصِهِ عَلَى طَلَبِ حَقِّهِ،
فَكَيْفَ بِأَكْرَمِ الْأَكْرَمِينَ الْمُتَفَضِّلِ بِالطَّاعَاتِ وَأَسْبَابِهَا
وَالْعَفْوِ عَنِ الْمَعَاصِي صِغَارِهَا وَكِبَارِهَا. وهَذَا مُرَادُ
الْإِمَامِ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ لِمَنْ تَفَقَّدَهُ، وَمَا
ظَنَّهُ بِهِ الظَّانُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ النَّدَمُ إِلَّا عَلَى فِعْلٍ
فِعْلٍ وَحَرَكَةٍ حَرَكَةٍ وَسَكَنَةٍ سَكَنَةٍ عَلَى التعيين هو من باب تكليف
مالا يُطَاقُ، الَّذِي لَمْ يَقَعْ شَرْعًا وَإِنْ جَازَ عَقْلًا، وَيَلْزَمُ
عَنْهُ أَنْ يَعْرِفَ كَمْ جَرْعَةٍ جَرَعَهَا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، وَكَمْ
حَرَكَةٍ تَحَرَّكَهَا فِي الزِّنَا، وَكَمْ خُطْوَةٍ مَشَاهَا إِلَى مُحَرَّمٍ،
وهذا مالا يُطِيقُهُ أَحَدٌ، وَلَا تَتَأَتَّى مِنْهُ تَوْبَةٌ عَلَى
التَّفْصِيلِ.



وفِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: "
وَلَمْ يُصِرُّوا"
حُجَّةٌ واضحةٌ ودَلالةٌ قاطعةٌ لما قال القاضي أبو بكر بْنُ الطَّيِّبِ: أَنَّ
الْإِنْسَانَ يُؤَاخَذُ بِمَا وَطَّنَ عَلَيْهِ بِضَمِيرِهِ، وَعَزَمَ عَلَيْهِ
بِقَلْبِهِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ. وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ
بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ} الحج: 25. وقال: {فَأَصْبَحَتْ
كَالصَّرِيمِ} القلم: 20. فَعُوقِبُوا قَبْلَ فِعْلِهِمْ بِعَزْمِهِمْ وَسَيَأْتِي
بَيَانُهُ. وَفِي البخاري: ((إذا التقى المسلمان بسيفهما فَالْقَاتِلُ
وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ،
فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: ((إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ
صَاحِبِهِ)). فَعَلَّقَ الْوَعِيدَ عَلَى الْحِرْصِ وَهُوَ الْعَزْمُ وَأَلْغَى
إِظْهَارَ السِّلَاحِ، وَأَنَصُّ مِنْ هَذَا مَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي كَبْشَةٍ الْأَنْمَارِيِّ وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا ((إِنَّمَا
الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ رَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ
يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فيه رحمه ويعلم الله فيه حقا فهذا أفضل الْمَنَازِلِ،
وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ
النِّيَّةِ، يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ
فَهُوَ نيته فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يؤته
علما فهو يخبط في مال بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ
بِهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ
الْمَنَازِلِ، وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ
يَقُولُ لَوْ أن مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيته فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ)).
وَهَذَا الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ
السَّلَفِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ
وَالْمُتَكَلِّمِينَ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى خِلَافِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَا
يَهُمُّ الْإِنْسَانُ بِهِ وَإِنْ وَطَّنَ عَلَيْهِ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ. ولا حجة
له في قول عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ
يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً
وَاحِدَةً)). لِأَنَّ مَعْنًى (فَلَمْ يَعْمَلْهَا) فَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى
عَمَلِهَا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا، وَمَعْنَى (فَإِنْ عَمِلَهَا) أَيْ
أَظْهَرَهَا أَوْ عَزَمَ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ ما وصفنا. وبالله توفيقنا.



قوله
تعالى: {
والذين
إِذَا فَعَلُواْ
} يجوزُ
أَنْ يكونَ معطوفاً على الموصولِ قبلَه، ففيه ما فيه من الأوجه السابقة، وتكونُ
الجملةُ من قولِه: {
والله يُحِبُّ المحسنين}
جملةً اعتراضٍ بين المتعاطِفَيْن، ويجوزُ أَنْ يكونَ "
والذين" مرفوعاً بالابتداء، و"أولئك" مبتدأٌ ثانٍ، و"جزاؤهم" مبتدأٌ ثالثٌ، و"مغفرةٌ" خبرُ الثالث، والثالثُ وخبرُه خبرُ الثاني،
والثاني وخبره خبر الأول.



وقوله:
{
إِذَا فَعَلُواْ} شرطٌ جوابُه "ذكروا":



وقوله:
{
فاستغفروا} عطفٌ على الجواب، والجملةُ الشرطية وجوابُها صلةُ
الموصولِ، والمفعولُ الأولُ لـ "
استغفر"
محذوفٌ، أي: استغفروا اللهَ لذنوبِهِم. وقد تقدَّم الكلامُ على "
استغفر"، وأنه يتعدَّى لاثنين ثانيهما بحرفِ الجر، وليس
هو هذه اللامَ بل "
مِنْ
وقد تُحْذَفُ.



وقوله:
{
وَمَن يَغْفِرُ} استفهامٌ معناه النفي، ولذلك وقع بعده الاستثناءُ.


وقوله:
{
إِلاَّ الله} بدلٌ من الضمير المستكنِّ في "يغفرُ" التقديرُ: لا يغفرُ أحدٌ الذنوبَ إلا اللهُ،
والمختارُ هنا الرفعُ على البدلِ لكونِ الكلامِ غيرَ إيجاب، وقد تقدَّم تحقيقُه
عند قولِه تعالى: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ
نَفْسَهُ} البقرة: 130. وقال ابو البقاء: و
"مَنْ"
مبتدأ، و"
يغفر"
خبرُه، و"
إِلاَّ الله"
فاعلٌ أو بدلٌ من المضمر وهو الوجه، لأنك إذا جَعَلْتَ اللهَ تعالى فاعلاً احتجْتَ
إلى تقدير ضمير أي: ومَنْ يغفر الذنوبَ له غيرُ الله. وهذا الذي قاله أعني جَعْلَه
الجلالَةَ فاعلاً يَقْرُب من الغلط فإنَّ الاستفهامَ هنا لا يُراد به حقيقتُه،
إنما يُرادُ النفيُ، والوجهُ ما تقدَّم من كونِ الجلالةِ بدلاً من ذلك الضميرِ
المستترِ العائدِ على "
مَنْ"
الاستفهامية.



قوله:
{
وَلَمْ يُصِرُّواْ} يجوز أن تكونَ جملةً حاليةً من فاعلِ "استغفروا" أي: استغفروا غيرَ مُصِرِّين ، ويجوزُ أن تكونَ
هذه الجملةُ منسوقَةً على "
فاستغفروا"
أي: ترتَّب على فِعْلهم الفاحشةَ ذِكْرُ اللهِ تعالى والاستغفارُ لذنوبهم وعدمُ
إصرارِهم عليها، وتكونُ الجملةُ مِنْ قوله: "
وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله" على هذين الوجهين معترضةً بين المتعاطفين على
الوجه الثانَي، وبين الحالِ وذي الحالِ على الأول.



قوله:
{
وَهُمْ يَعْلَمُونَ} يجوز أن تكونَ حالاً ثانيةً من فاعل "استغفروا"
وأن تكونَ حالاً من فاعل "
يُصِرُّوا"،
ومفعولٌ "
يَعْلَمُون"
محذوفٌ للعلمِ به، فقيل: تقديرُه: يعلمونَ أنَّ الله يتوبُ على مَنْ تَابَ، قاله
مجاهد. وقيل: يعلمون أنَّ تَرْكَه أَوْلى، قاله ابن عباس والحسن. وقيل: يَعْلَمُون
المؤاخذةَ بها أو عَفْوَ اللهِ عنها. و"
ما"
في قوله: "
على مَا فَعَلُواْ"
يجوزُ أَنْ تكونَ اسميةً بمعنى الذي، ويجوزُ أَنْ تكونَ مصدريةً.



والإِصرارُ:
المداوَمةٌ على الشيء وتَرْكُ الإِقلاعِ عنه وتأكيدُ العزم على ألاَّ يتركَه، مِنْ
صَرَّ الدنانيرَ: إذا رَبَطَ عليها، ومنه "صُرَّةُ الدارهم" لما يُرْبَطُ
بها. وقال الحطيئة يصف خيلاً:



عوابِسُ بالشُّعْثِ الكُماةِ إذا
ابْتَغَوْا ......... عُلالَتَها بالمُحْصَداتِ أَصَرَّتِ



أي:
ثَبَتَتْ وأقامَتْ مداومةً على ما حُمِلَتْ عليه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 135
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 155
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 57
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 72
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 88
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 106

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: