عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 127 الأربعاء مارس 06, 2013 2:29 pm | |
| لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ.
(127) قولُه ـ جلَّ وعلا: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} فيه بيانٌ لِثَمَراتِ نصر اللهِ تعالى، وفيه يَتبيَّنُ أنَّ نصرَ اللهِ لِعبادِهِ المؤمنين يَنْتهي إلى غاياتٍ منها: أنْ يَقطعَ طرفًا مِن الذين كفروا، وفَسَّرَ العُلماءُ ذلك بأنْ يُقتَلَ فريقٌ منهم ويُؤسَرَ فريقٌ، فإنَّ ذلك قَطْعٌ لهم، وقَطْعُ طَرَفٍ مِن الذين كفروا يتحقَّقُ بذلك، ويَتحقَّقُ بما هو أقوى منْه، وهُو أنْ تَنْقُصَ عليهم الأرضُ مِنَ أطرافِها، ويَسْتولي على جُزْءٍ مِن أرضِهم، حتَّى يتحقَّقَ قولُه تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}. وقيل: للإشارةِ إلى أنَّهم كانوا أشرافاً، فهو مِن أطرافِ العَربِ، أيْ مِن أشرافها، ولعلَّ إطلاقَ الأطرافِ على الأشرافِ لتقدُّمِهم في السَيْرِ، ومِن ذلك قالوا: الأطرافُ منازلُ الأَشرافِ، فـ "ليقطع طرفاً من الذين كفروا" معناه لِيُهلِكَ صناديدَ الذين كَفَروا ورؤساءَهمُ المُتقدِّمين فيهم بقتلٍ وأَسْرٍ، وقد وقع ذلك في بدرٍ، فقُتِلَ مِن أولئك سبعون وأُسِرَ سبعون، واعتبارُ ذلك في أُحِدٍ حيث قُتِلَ فيه ثمانيةَ عَشَرَ رجلاً مِن رُؤسائهم.وقولُه: {أو يَكْبِتَهم فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} يَكْبِتَهُمْ: أي يخزيهم ومنه قولُ ذي الرمة:لم أنسَ من شجنٍ لم أنسَ موقفَنا ......... في حيرةٍ بيْن مسرورٍ ومَكبوتِوقيلَ: أي يردَّهم مُنهزمين، وقيل: أي يلعنهم، وأصلُ الكبتِ الغيظُ والغَمُّ المؤثِّرُ، وقيل: إنَّ كبْتَه يكون بمعنى كِبْدِه أي أصابَ كِبْدَه بمَعنى أصابَ رئتَه، ومنه قول المتنبي:لأكبت حاسداً وأرى عدوا ..................... كأنهما وداعك والرحيلوالآية محمولة على ذلك، والكَبْتُ: الإِصابة بمكروهٍ. وقيل: هو الصَّرْعُ للوجهِ واليدين، وعلى هذين فالتاءُ أصليةٌ، وليست بدلاً من شيء بل هي مادةٌ مستقلة. وقيل: أصلُه مِنْ كَبَده إذا أصابه بمكروهٍ أثَّر في كَبدِه وَجَعاً كقولك: رَأَسْتُه أي: أصبتُ رأسَه ويدُلُّ على ذلك قراءةُ لاحقٍ بنِ حميدٍ: "أو يكبِدَهم" بالدال، والعربُ تُبْدِلُ التاءَ من الدال قالوا: هَرَتَ الثوبَ وهَرَده، وسَبَتَ رأسَه وسَبَدَه. وقد قيل: إنَّ قراءةَ لاحِق أصلُها التاء، وإنما أُبْدِلَتْ دالاً كقولِهم: سَبَدَ رأسه وهَرَدَ الثوب، والأصلُ فيهما: التاء.و"أو" للتنويع دون الترديد لوُقوعِ الأمريْن "فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ" أي فينهزموا منقطعي الآمال فالخَيْبَةُ انقطاعُ الأَمَلِ، وفرَّقوا بينها وبين اليأس بأنَّ الخيبةَ لا تكونُ إلَّا بعدَ الأملِ، واليأسُ يَكون بعدَه وقبلَه، ونقيضُ الخيبةِ الظَفَرُ، ونقيضُ اليأسِ الرجاءُ. ومِن غاياتِ النَّصرِ ونتائجِه أنْ يَكْبِتَ اللهُ تعالى الذين كفروا بسببِ كفرِهم، والكَبْتُ يُطلَقُ بعدَّةِ معانٍ، فيُرادُ به الردُّ العنيفُ، ويُرادُ بِه شِدَّةُ الغيظِ، ويُطلَقُ ويُرادُ بِه الخِزْيُ، والمَعنى أنَّ مِن غاياتِ نَصرِ اللهِ تعالى للمؤمنين أنْ يُصابَ الذين كَفَروا بالغَيْظِ الشديدِ والخِزْيِ والألَمِ النَفْسِيِّ، حتَّى يَخبوَ صوتُ الكُفْرِ، ويَعلوَ صوتُ الإيمانِ، ويُصيبَ الذين أجرموا صَغارٌ عندَ اللهِ وعندَ الناسِ يَنقلِبون، أي يَعودون خائبين. وفي التعبير عنِ العودةِ بالانقلابِ إشارةٌ إلى أنَّ مقاصدَهم قد انقلبتْ، فقد أرادوا اقْتِلاعَ الإسلامِ فما وَهَنَ المسلمون، وأرادوا أنْ يُطفئوا النورَ فما انْطفأَ، فالانقلابُ عودةٌ مِن غيرِ تحققِ المقاصِدِ، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ الجِراحاتِ التي أصابتْ المؤمنين لم تكن نَصْرًا للكافرين، بل كان النصرُ للمؤمنين، إذِ انقلبَ الكفّارُ خائبين: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا}، {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنونَ}.قوله تعالى: {لِيَقْطَعَ} في متعلَّق هذه اللامِ سبعةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّها متعلِّقةٌ بقوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ} وفيه بُعْدٌ لطولِ الفصلِ. الثاني: أنَّها متعلِّقةٌ بالنَّصرِ في قولِه: {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} وفيه نظرٌ من حيث إنَّه قد فُصِل بين المصدرِ ومتعلَّقِه بأجنبيٍّ وهو الخبر. الثالث: أنَّها متعلِّقةٌ بما تعلَّق به الخبرُ وهو قولُه: {مِنْ عِندِ الله} والتقدير: وما النصرُ إلَّا كائنٌ أو إلَّا مستقِرٌّ من عندِ اللهِ "لِيقطع". والرابع: أنَّها متعلِّقةٌ بمحذوفٍ تقديرُه: أمدَّكم أو نصركم لِيَقطَعَ. الخامس: أنها معطوفةٌ على قوله: {ولتطمئِنَّ}، حَذَفَ حرفَ العطف لفهم المعنى كقوله: {ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} الكهف: 22، وعلى هذا فتكونُ الجملةُ من قولِه: {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} اعتراضيةً بين المعطوفِ والمعطوفِ عليه، وهو ساقِطُ الاعتبارِ. السادس: أنّها متعلِّقةٌ بالجَعْلِ. السابع: أنَّها متعلقةٌ بقولِه: "يُمْدِدْكم"، وفيه بُعْدٌ للفواصلِ بينهما.والطَّرَفُ: المرادُ به جماعة وطائفة، و"من الذين" يجوزُ أنْ يكون متعلِّقاً بالقطع فتكونَ "مِنْ" لابتداءِ الغايةِ. ويَجوزُ أنْ تتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّها وصفٌ لـ "طرفاً" وتكون "مِنْ" للتبعيض.قولُه: {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} عطفٌ على "لِيقطعَ". و"أو" قيل: على بابِها منَ التفصيلِ أي: لِيَقطعَ طرفاً من البعضِ ويكبِتَ بعضاً آخرين. وقيل: بل هي بمعنى الواو أي: يجمع عليهم الشيئين.وقوله: {فَيَنقَلِبُواْ} مُرَتَّبٌ على ما تقدَّم. والخَيْبَةُ: عَدَمُ الظفر بالمطلوب، خاب يَخيب خَيْبَة. و"خائبين" نصبٌ على الحال. | |
|