عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 126 الأربعاء مارس 06, 2013 6:02 am | |
| وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. (126) قوله ـ جلَّ ذِكْرُه: {وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ.. }. هكذا جرت سُنَّةُ اللهِ معَ أوليائِه إذا فَتَرتْ عَزيمَتُهم، أراهم مِنَ ألطافه، وفنونِ إكرامه ما يُقَوِّي به عزائمهم، ويشحذ هممهم. وعلى هذه السُّنَّة أَنزلَ هذا الخطابَ. ثمَّ قطع قلوبهم وأسرارهم عن الأغيار بالكليَّةِ بقوله: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ}. فقولُه: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى} أي ما جعلَ اللهُ وعدَه إيَّاكم ما وعدكم به من إمدادِه إيَّاكم بالمَلائِكةِ الذين ذَكَرَ عدَدَهم إلَّا ليبشِّرَكم ولتطمئنَّ قلوبُكم وتسكنَ ولا تَجْزَعَ مِن كَثرةِ عدَدِ عدوِّكم، وقلَّةِ عددِكم.قولُه: {وما النصرُ إلَّا من عندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} يعني: وما ظفرُكم بعدوِّكم ـ إن ظفرتم ـ إلَّا بعونِ اللهِ وتأييدِه، لا بالمَدَدِ الذي يأتيكم مِن الملائِكَةِ ولا بغير ذلك. فتوكلوا على ربكم، واستعينوا به، ولا تعتمدوا على جموعٍ وكَثرَةِ عددٍ، فإنَّ نصرَكم إنَّما هو بالله وحدَه لا بملائكتِه. "الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ " وَصَفَ نفسَه بالعِزَّةِ والحِكمةِ. تنبيهًا على أنَّ كلَّ عِزٍّ منه، وكلَّ حِكمةٍ عنه.فهو ـ سبحانه ـ "العزيز" الذي لا يُغالَبُ في حُكمِه و"الحكيم" الذي يفعل كلَّ ما يفعلُ حسبَما تَقتضيه الحِكْمَةُ والمصلحةُ.قوله تعالى: {إِلاَّ بشرى} فيه ثلاثةُ أوْجُهٍ، أحدُها: أنَّه مفعولٌ مِن أجلِه وهو استثناءٌ مفرَّغٌ، إذِ التقديرُ: وما جَعلَهُ لِشيْءٍ مِنَ الأشياءِ إلَّا للبُشْرى، وشروطُ نَصبِه موجودةٌ وهي اتحادُ الفاعلِ والزَّمانِ وكونُه مَصدرًا سِيقَ للعِلَّةِ. والثاني: أنَّه مفعولٌ ثانٍ لِـ "جَعَل" على أنَّها تَصييريَّةٌ. والثالثُ: أنَّها بَدَلٌ مِن الهاءِ في "جَعَله"، والهاءُ عائدةٌ على الوعدِ بالمَدَدِ. والبُشْرى مصدرٌ على "فُعْلى" كـ "الرُّجْعَى".قولُه: {وَلِتَطْمَئِنَّ} فيه وجهان، أحدُهما: أنَّه معطوفٌ على "بشرى" هذا إذا جعلناها مفعولاً من أجلِه، وإنَّما جُرَّتْ باللَّامِ لاختِلالِ شَرْطٍ مِنْ شروطِ النَّصْبِ وهو عَدَمُ اتِّحادِ الفاعلِ، فإنَّ فاعلَ الجَعْلِ هو اللهُ تَعالى وفاعلَ الاطْمِئانِ القُلوبُ، فلِذلك نُصِبَ المَعطوفُ عليْه لاسْتِكْمالِ الشُروطِ، وجُرَّ المعطوفُ باللام لاختلالِ شرطه، وقد تقدَّم، والتقدير: وما جعلَه إلَّا للبُشْرى وللطُمأنينَةِ. والثاني: أنَّها متعلِّقةٌ بمحذوف ِأي: ولِتَطمئِنَّ قلوبُكم فَعَلَ ذلك، أو كانَ كيتَ وكَيتَ. و"تطمئنَّ" منصوبٌ بإضمار "أَنْ" بعد لام "كي" فهو مِنَ عطفِ الاسمِ على تَوَهُّم موضِعِ اسمٍ آخرَ. واللام في "ولتطمئن" متعلقةٌ بفعلٍ مضمر يَدُلُّ عليه "جعله"، ومعنى الآية: وما كان هذا الإمدادُ إلَّا لِتَسْتَبْشِروا بِه وتطمئنَّ بِه قلوبُكم. وقد جعلَ بعضُهم الواوَ في "ولتطمئن" زائدةً، وعلى هذا فتتعلَّق اللامُ بالبشرى، أي: إنَّ البُشْرى علةٌ للجَعْل، والطمأنينة علةٌ للبُشْرى فهي عِلَّةُ العِلَّةِ. والضميران في قولِه: "وما جعله" و"به" يعودان على الإِمدادِ المفهومِ من الفعلِ المُتقدِّمِ وهو قولُه: "يُمْدِدْكم" وقيل: يعودان على النصر، وقيل: على التسويم. وقيل: على التنزيل. وقيل: على العَدَد، وقيل: على الوعد.وفي هذه الآية قال: "لكم" وتركها في سورة الأنفال لأنَّ تِيكَ مختصرُ هذه، وكأنَّ الإِطناب هنا أَوْلى، لأنَّ القصَّةَ مُكَمِّلةٌ هنا فناسَبَ إيناسُهم بالخطابِ المواجَهِ. وأخَّر هنا "به" وقَدَّم في سورة الأنفال؛ لأنَّ الخطابَ هنا موجودٌ في "لكم" فَأَتْبَعَ الخطابَ الخطابَ. وهنا جاء بالصفتيْن تابعتَيْن في قولِه: {العزيز الحكيم} وجاءَ بهما في جملةٍ مستأنفةٍ في الأنفال في قوله: {إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الآية: 10. لأنَّه لمَّا خاطبَهم هنا حَسُن تعجيلُ بِشارتِهم بأنّه عزيزٌ حكيم أي: لا يُغالَبُ وأنَّ أفعالَه كلَّها حكمةٌ وصوابٌ. | |
|