عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 122 الإثنين مارس 04, 2013 7:34 pm | |
| إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. (122) قولُه ـ تبارك وتعالى: {إذ همَّتْ طائفتان منكم أنْ تَفْشَلا}. الطَّائِفَتَانِ: بَنُو سَلِمَةَ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَبَنُو حَارِثَةَ مِنَ الْأَوْسِ، وَكَانَتا جَنَاحَيِ الْعَسْكَرِ يَوْمَ أُحُدٍ. ففي الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: فِينَا نَزَلَتْ "إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما" قَالَ: نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ: بَنُو حَارِثَةَ وَبَنُو سَلِمَةَ، وَمَا نُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "وَاللَّهُ وَلِيُّهُما". و"تفشلا" أي تَجبُنا وتَضعُفا عن القتال، وقيل هو في الرأيِ العجزُ وفي البدنِ الإعْياءُ وعدمُ النهوضِ، وفي الحربِ الجُبْنُ والخَوَرُ، والفعلُ منه بِكِسْرِ العَيْنِ مِن بابِ تَعِبَ، وتَفاشَلَ الماءُ إذا سال.والهمُّ مِنَ الطائفتيْنِ كان بَعدَ الخُروجِ، والمُرادُ بالهَمِّ هنا حديثُ النفسِ، واللهُ تعالى لا يُؤاخِذُ بِه ويَعضُدُه قولُ ابنِ عبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما: أنَّهم أَضمَروا أنْ يَرْجِعوا لَمَّا رَجَعَ عبدُ اللهِ بنُ أُبيٍّ بنِ سَلولٍ بِمن مَعَهُ مِن المُنافقين، فحَفِظَ اللهُ قلوبَ المؤمنين فلم يَرْجِعوا، وذلك قولُه: "والله وليهما" أي ناصرُهُما وحافِظُهُما ومُتَولِّي أمرَهُما بالتوفيقِ والعِصْمةِ.وقولُه: {وعلى اللهِ فلْيَتوكَّلْ المُؤمنون} التوكُّلُ صيغة مبالغة على وزن "التَفَعُّلُ" مِن وَكَلَ أمرَه إلى غيرِه إذا اعتمدَ عليْه في كفايتِه والقيامِ بشأنِه، وقيلَ التوَكُّلُ هو العَجْزُ والاعتمادُ على الغيْرِ، وقيلَ هو تفويضُ الأمرِ إلى اللهِ بحُسْنِ تدبيرِه، فأمرَهم اللهُ أنْ لا يُفوِّضوا أمرَهم إلَّا إليْه، وتقديمُ الظَرفِ للاختِصاصِ ولِتناسُبِ رؤوسِ الآيِ.قولُه تعالى: {إِذْ هَمَّتْ} في هذا الظرفِ أَوْجُهٌ، أحدُها: أنَّه بَدَلٌ مِنْ {إذ غَدَوْت} (الآية السابقة) فالعاملُ فيه العاملُ في المُبدَلِ منه. الثاني: أنَّه ظرفٌ لـ "غَدَوْتَ". الثالث: أنَّه ظرفٌ لـ "تُبَوِّئُ". وهذه الأوْجُهُ تحتاجُ إلى نَقْلٍ تاريخيٍّ في اتحادِ الزمانيْن. الرابع: أنَّ الناصبَ له {عليم} وحدَه. الخامس: أنَّ العاملَ فيه: إمَّا {سميعٌ} وإمّا {عليم} على سبيل التنازع، وتكون المسألة حينئذٍ من إعمالِ الثاني، إذْ لو أَعملَ الأَوَّلَ لأَضمَرَ في الثاني، ولم يَحْذِفْ منْه شيئًا. أو عمل فيه معنى "سميع عليم". ويَصْدُق أَنْ نقولَ: عمِلَ فيه هذا وهذا بالمعنى المذكور لا أنَّهما عَمِلا فيه معاً. ويرى الفراءُ ذلك، ويقولُ في نحو: ضربت وأكرمت زيداً "إنَّ" زيداً. منصوبٌ بهما وإنهما تسلَّطا عليه معاً.والهمُّ: العَزْمُ. وقيل: بل هو دونَه، وذلك أنَّ أوَّلَ ما يَمُرُّ بقلبِ الإِنسانِ يُسمَّى خاطراً، فإذا قَوِيَ سُمِّي حديثَ نفس، فإذا قوي سُمِّي هَمَّاً، فإذا قوي سُمِّي عزماً، ثمَّ بعدَه إمَّا قولٌ أو فعلٌ، وبعضُهم يُعَبِّرُ عن الهَمِّ بالإِرادة، تقولُ العربُ: هَمَمْتُ بِكَذا أهُمُّ به بضم الهاء، ويقال: "هَمْتُ" بميم واحدة، حذفوا إحْدى الميمين تخفيفاً كما قالوا: مَسْتُ وظَلْت وحَسْت في مَسَسْتُ وظَلَلْتُ وحَسَسْت، وهو غير مقيس. والهمُّ أيضاً: الحُزْنُ الذي يُذيبُ صاحبَه وهو مأخوذٌ مِن قولِهم: "هَمَمْتُ الشحم" أي: أذبتُه. والهَمُّ الذي في النفس قريب منه؛ لأنَّه قد يُؤثِّرُ في نفسِ الإِنسانِ كما يُؤَثِّرُ الحُزنُ، ولذلك قال الهُذَلِيُّ: وَكَانَتْ لَهُمْ في أَهْلِ نَعْمَانَ بُغْيَةٌ ......... وَهَمُّكَ مَا لَمْ تُمْضِهِ لَكَ مُنْصِبُ أي: إنَّك إذا هَمَمْتَ بشيءٍ ولم تفعلْه، وجال في نفسك فأنتَ في تعبٍ منْه حتَّى تَقضيَه.قوله: {أَن تَفْشَلاَ} متعلق بـ "هَمَّتْ" لأنَّه يتعدَّى بالباءِ، والأصل: بأنْ تَفشلا، فيجري في محل "أَنْ" الوجهان المشهوران. وقوله: {وَعَلَى الله} متعلِّقٌ بقولِه: "فَلْيتوكل" قُدِّم للاختصاصِ ولِتُناسِبَ رؤوسَ الآيِ. وقد تقدَّم القولُ في نحو هذه الفاء. وقال أبو البقاء: ودخلتْ الفاءُ لِمَعنى الشرط، والمعنى: إنْ فَشِلوا فتوكلوا أنتم، أو إنْ صَعُبَ الأمْرُ فتوكَّلوا. | |
|