عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 83 الأحد ديسمبر 23, 2012 11:16 am | |
| أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) في هذه الآية المباركة تصريحٌ بوَحدةِ الرسالةِ، فإنَّ ما يَجيءُ به الرُّسُلُ جميعًا واحدٌ لَا يتغيَّرُ، وهو دينُ اللهِ تعالى؛ ومَنْ خالفَه فقد خالفَ دينَه ـ سبحانه، ومَن آمَنَ ببعضِ الرُّسُلِ، وكَفَرَ ببعضٍ آخرَ، فقد ابْتغى غيرَ دينِ اللهِ، ومعنى النصِّ الكريمِ: أنَّهم إذ أعرضوا عن تصديقِ محمَّدٍ فقد اتخذوا غيرَ دين الله سبحانه.والاستفهام هنا للتوبيخ، ولاستنكارِ ما يفعلون، وبيانِ أنَّ مُؤدَّاهُ أنَّهم يطلبونَ غيرَ دينِ اللهِ سبحانَه وتعالى، وأنَّهم لَا يُمكِنُ أنْ يَكونوا مُؤمنينَ بِنبيٍّ قطُّ، إذا أنكروا رسالةَ نبيٍّ منَ الأنبياءِ، وخُصوصًا رسالةَ محمَّدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي جاء بكتابٍ مُصَدِّقٍ لما بيْن يديْه مِن الكتب. وفي سبب نزولها قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ وَأَصْحَابَهُ اخْتَصَمُوا مَعَ النَّصَارَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَيُّنَا أَحَقُّ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كَلَا الفريقين برِئَ مِنْ دِينِهِ)). فَقَالُوا: مَا نَرْضَى بِقَضَائِكَ وَلَا نَأْخُذُ بِدِينِكَ، فَنَزَلَت.قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ} الفاء هنا للترتيب والتعقيب، وهي مؤخرة عن تقديم؛ لأن الاستفهام له الصدارة دائمًا، والمعنى أنَّه ترتَّبَ على كفرِهم بمحمَّدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنَّه وُجِّهَ إليهم ذلك الاستفهام الإنكاري توبيخًا لهم على ما فعلوا وما أنكروا، وما ضللوا. والفاءُ هنا عاطفةٌ جملةً على جملةٍ، والمعنى: فأولئك هم الفاسقون فغيَر دين الله يبغون، ثم توسَّطت الهمزةُ بينهما. أو أنْ العطَفَ على محذوفٍ تقديرُهُ: أيتولَّون فغيرَ دينِ اللهِ يَبغون، وقَدَّم المَفعولَ الذي هو "غير" على فِعْلِهِ لأنَّه أهَمُّ مِن حيثُ إنَّ الإِنكارَ الذي هو معنى الهمزةِ متوجِّهٌ إلى المعبودِ بالباطلِ. وقرأ أبو عَمْرٍو وحَفْصٌ عن عاصمٍ: "يَبْغون" بالياءِ نَسَقًا على قوله: {هم الفاسقون} والباقون بياءِ الخطاب التفاتًا.قولُه: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السماوات} جملةٌ حاليَّةٌ أي: كيف يَبْغُون غيرَ دينِهِ والحالُ هذه؟ قولُه: {طَوْعاً وَكَرْهاً} فيهما وجهان أحدُهما: أنَّهُما مَصدران في مَوضِعِ الحالِ، والتقديرُ: طائعين وكارهين. والثاني: أنهما مصدران على غير الصدر، لأنَّ أسلم بمعنى انقادَ وأطاع. وقرأ الأعمش: "كُرْهاً" بالضمِّ.قولُه: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} يَجوزُ أنْ تَكونَ هذه الجملةُ مستأنَفَةً فلا محلَّ لها، وإنَّما سِيقتْ للإِخبارِ بذلك لِتَضَمُّنِها معنى التهديدِ العظيمِ والوعيدِ الشديدِ، ويجوزُ أنْ تكونَ معطوفةً على الجملةِ من قولِهِ: {وَلَهُ أَسْلَمَ} فتكون حالاً أيضاً، ويكونُ المعنى أنَّه نَعَى عليهم ابتغاءَ غيرِ دينِ مَنْ أسلمَ له جميعُ مَنْ في السماواتِ والأرضِ طائِعين ومُكْرَهين ومَنْ مَرجِعُهم إليه.وقرأ حفصٌ عن عاصم: "يُرْجَعُون" بياءِ الغيبةِ ويَحْتَمِلُ ذلك وجوهاً. أحدَها: أَنْ يعودَ الضميرُ على مَنْ أسلَمَ وهو واضح. الثاني: أنْ يعودَ على مَنْ عاد عليه ضميرُ "يَبْغَون" في قراءة مَنْ قرأه بالغيبة، وهو أيضاً واضحٌ، ولا التفاتَ في هذين الوجهين. والثالث: أنْ يَعودَ على مَنْ عاد إليْه الضميرُ في "تَبْغَون" في قراءة الخِطابِ فيكون التِفاتاً حينئذٍ. وقرأ الباقون: "تَبْغُون" بالخطابِ، فَمَن قرأ "تبغون" بالخِطابِ فهو واضحٌ، ومَنْ قرأه بالغيبة فيكون هذا الْتِفاتاً منه، ويجوزُ أنْ يكونَ التِفاتاً من قوله: {مَنْ فِي السماوات والأرض}. | |
|