عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 77 الأحد ديسمبر 23, 2012 10:08 am | |
| إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) قولُهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ..} هم الذين آثروا هواهم على عُقباهم، وقدَّموا مناهم على موافقةِ مولاهم أولئك لا نصيب لهم في الآخرة،وهم اليهودُ لما جاء عنِ ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما أنَّهم قدموا على كعبٍ بنِ الأشرفِ وغيروا التوراةَ وكتَبوا كتابًا بَدَّلوا فيه صفةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم ثمَّ أخذتْ قريظةُ ما كتبوا فخَلَطوه بالكتاب. وأخرج ابنُ جريرٍ عن عِكرِمَة قال: نزلت هذه الآية في أبي رافعٍ ولُبابة بنِ أبي الحقيق وكعبٍ بنِ الأَشرف وحُيَيّ بنِ أَخْطَب حرَّفوا التوراة وبدلوا نعتَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وحُكمَ الأماناتِ وغيرِهما وأَخذوا على ذلك رِشْوَةً.وأخرج الستَّةُ وغيرُهم عنِ ابنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ تعالى عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَنْ حَلَفَ على يمينٍ هو فيها فاجرٌ ليَقطعَ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ لقيَ اللهَ وهو عليه غضبان))، فقالَ الأشعثُ بنُ قيسٍ: فيَّ واللهِ كان ذلك، كان بيني وبين رجلٍ من اليهودِ أرضٌ فجَحَدَني فقدَّمتُه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألَك بينة))؟ قلت: لا، فقال لليهودي: احْلفْ فقلت: يا رسول اللهِ إذاً يَحلِفُ فيَذهب مالي فأنزلَ اللهُ تعالى "إِنَّ الذين.." الخ . وأخرج البُخاري وغيرُه عن عبد الله بن أبي أوفى أنَّ رجلاً أقام سُلعةً له في السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يُعْطِه لِيُوقِعَ فيها رجلًا من المسلمين فنَزَلت هذه الآية. وأخرجَ أحمدُ وابنُ جريرٍ واللفظُ له عن عَديٍّ بنِ عُميْرةَ قال: كان بيْن امرئ القيس ورجلٍ من حضرموتَ خُصومةٌ فارتفعا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم فقال للحَضْرَمي: ((بيِّنتُك وإلَّا فيَمينُه قال: يا رسولَ اللهِ إنْ حلَفَ ذهبَ بأَرضي، فقال رسول الله صلى الله عليْه وسلم: ((منْ حلف على يمينٍ كاذبةٍ ليَقتَطِعَ بها حقَّ أخيه لَقيَ اللهَ تعالى وهو عليْه غضبان)) فقال امرُؤ القيس: يا رسول الله فما لِمَنْ تَركها وهو يعلم أنها حقٌّ؟ قال: الجنَّةُ قال: فإنِّي أُشهِدُك أنِّي قد تركتُها" فنزلت، ورُوِيَ غيرُ ذلكَ ولا مانعَ من تعدُّدِ سببِ النُزولِ.والمراد بيشترون يستبدلون، وبالعهد أمرُ الله تعالى، وما يَلزمُ الوفاءُ به، وقيل: ما عَهِدَه إلى اليَهودِ في التوراةِ من أمرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقيل: ما في عقلِ الإنسانِ مِنَ الزَّجْرِ عن الباطلِ والانقيادِ إلى الحقِّ، وبالثمن القليل الأعواض النزْرةِ أو الرِشا، ووصف ذلك بالقِلَّةِ لقلَّتِه في جنب ما يفوتهم من الثواب ويحصل لهم من العقاب {أُوْلَئِكَ لاَ خلاق لَهُمْ فِي الآخرة} أي لا نصيب لهم من نعيمِها بسببِ ذلك الاستِبدال {وَلاَ يُكَلّمُهُمُ الله} أي بما يَسُرُّهم بل بما يَسوؤهم وقتَ الحِسابِ لهم قالَه الجِبائيُّ أو لا يكلِّمهم بشيء أصلاً وتكون المحاسبة بكلام الملائكة لهم بأمر الله تعالى إياهم استهانةً بهم، ويمكن أن يكون هذا كنايةً عن غضبِه سبحانَه عليهم.وقولُه: {وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القيامة} أي لا يعطف عليهم ولا يرحمهم كما يقول القائل أنظر إليّ يريد ارحمني ، وجعله الزمخشري مجازاً عن الاستهانة بهم والسخط عليهم، وفرق بين استعماله فيمن يجوز عليه النظر المفسر بتقليب الحدقة وفيمن لا يجوز عليه ذلك بأن أصله فيمن يجوز عليه الكناية لأن من اعتد بالإنسان التفت إليه وأعاره نظر عينيه، ثم كثر حتى صار عبارة عن الاعتداد والإحسان وإن لم يكن ثم نظر، ثمّ جاء فيمن لا يجوز عليه النظر مجرداً لمعنى الإحسان مجازاً عما وقع كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر. وقولُه: {وَلاَ يُزَكّيهِمْ} أي ولا يحكم عليهم بأنَّهم أزْكياء ولا يُسمّيهم بذلك بل يحكم بأنَّهم كفرةٌ فَجَرَةٌ، ولا يُنزِلُهم مَنزِلَةَ الأزْكياء، وقيل: لا يطهِّرُهم عن دنَسِ الذُّنوب والأوزار بالمغفرة {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي مؤلم مُوجعٌ، والظاهرُ أنَّ ذلك في القيامة إلَّا أنَّه لم يُقيَّدْ به اكْتِفاءً بالأوَّلِ، وقيلَ: إنَّه في الدنيا بالإهانةِ وضرْبِ الجِزْيَةِ بِناءً على أنَّ الآيةَ في اليهود.وَقد دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَالْأَحَادِيثُ أَنْ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ الْمَالَ فِي الْبَاطِنِ بِقَضَاءِ الظَّاهِرِ إِذَا عَلِمَ الْمَحْكُومُ لَهُ بُطْلَانَهُ، وَقَدْ رَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَإِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْكُمْ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ يَأْتِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). | |
|