عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 71 السبت ديسمبر 22, 2012 11:25 am | |
| يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) قولُه تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ}أي لم تغطون الحقَّ بباطِلِكم وأنتم تعلمون أنَّه الحَقُّ؛ يقالُ: لَبَسْتُ عليهم الأمرَ أَلْبَسُهُ. قال الله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبَسُونَ}. ويقالُ: لَبِسْتُ الثوبَ ألْبَسُهُ، وقال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا}.ولَبْسُ الحقِّ بالباطل يكون على ثلاثةِ أوْجُهٍ: الأول: أن يُحرِّف الحق، فيُجعل في صورة الباطل. والثاني: أن يُزين الباطل، فيُجعل في صورة الحق. الثالث: أن لا يُميّز أحدهما عن الآخر مع الإمكان. وقد فُسّرت الآية على الأوجه الثلاثة. وأمّا كِتمانُهُمُ الحقَّ فهو ما كَتَموهُ مِن صفاتِ النبيِّ، وقد نهى النبي ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ عن كتمان العلم بقوله: ((من سُئلَ عن عِلمٍ فكتمه ألجمه الله بلجام من نار)). فأمّا صِيانة الحِكمةِ عمَّن لا يَستَحِقُّها؛ إمّا لقُصورِه عن الوُقوفِ عليها، أو خوفاً أنْ يَجعلَها ذَريعةً إلى فَسادٍ، فذلك واجب.وقد صدَّرَ اللهُ ـ سبحانه ـ النداءَ هنا بـ "أهل الكتاب" زيادة في التوبيخ، وكلُّ توبيخٍ لهم قليلٌ مهما كثر وترادفت عباراته، والاستفهام هنا إنكاريٌّ لإنكارِ ما وَقعَ منهم. قولُهُ: {وأنتم تعلمون} قال هنا "تعلمون" لأن التلبيس والكَتْم يُناسِبُ العلمَ. وقال في الآية السابقة: {وأنتم تشهدون} لأنَّ المُرادَ حضورُهم، لِصُدورِ المُعجزات فناسب ذلك. قولُه تعالى: {لِمَ تَلْبِسُونَ} قرأ العامةُ بكسرِ الباءِ مِن لَبَسَ عليه الأمرَ يَلْبِسُه أيْ خَلَطَه. وقرأ يحيى بنُ وَثّابٍ بفتحِها فجعله مِن لَبِسْتُ الثوبَ أَلْبَسُهُ على جِهةِ المَجازِ، وقرأ أبو مجلز: "تُلبِّسُون" بضمِّ التاءِ وكسرِ الباءِ وتشديدِها مِن لَبَّسَ بالتَشديدِ ومعناه التَكْثيرُ. والباءُ في "بالباطل" للحال أي: مُلْتَبِسًا بالباطلِ.قولُه: {وَتَكْتُمُونَ الحقَّ} جملةٌ مُستأنَفَةٌ، ولذلك لم يَنْتَصِبْ بإضمارِ أَنْ في جَوابِ الاستفهامِ، ومن حيث العربيَّةِ يجوزُ فيه النصبُ، فتَسقُطُ النون، فينتصِبُ على الصرْفِ عندَ الكوفيّين، وبإضمارِ أَنْ عند البصريين، وقد مَنَع ذلك أبو علي الفارسي وأَنْكرَه، وقال: الاستفهامُ واقعٌ على اللَّبْسِ فَحَسْب، وأمّا "تكتمُون" فخبرٌ حتْمٌ لا يَجوزُ فيه إلَّا الرفعُ. يَعني أنَّه ليس معطوفًا على "تَلْبِسون" بل هو استئنافٌ، خَبَّرَ عنهم أنَّهم يَكتُمون الحقَّ معَ عِلمِهم أنَّه حقٌّ. والصرفُ ههنا يَقْبُح، وكذلك إضمارُ "أَنْ"، لأنَّ "يكتمون" معطوفٌ على مُوجِبٍ مُقدَّرٍ وليس بمُستَفْهَمٍ عنه، وإنَّما استَفْهم عن السببِ في اللَّبْسِ، واللَّبْسُ مُوجِبٌ، والعطفُ على الموجِبِ المُقرَّرِ قبيحٌ متى نُصِب وقد قال سيبويهِ في قولِكَ: أَسِرْتَ حتَّى تَدخُلَها؟ لا يَجوزُ إلَّا النصبُ في "تدخل" لأنَّ السيرَ مُسْتَفْهَمٌ عنه غيرُ موجَبٍ، وإذا قلنا: أيُّهم سار حتى يدخُلها؟ رَفَعْتَ لأن السيرَ موجِبٌ والاستفهامُ إنَّما وقع عن غيره. قوله: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} جملةٌ حاليَّةٌ، ومتعلَّقُ العلمِ مَحذوفٌ: إمَّا اقتصارًا وإمَّا اختِصارًا، أي: وأنتم تعلمونَ الحقَّ من الباطلِ أو نبوَّةَ محمَّدٍ ونحوُ ذلك. | |
|