عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 62 الجمعة ديسمبر 14, 2012 12:41 pm | |
| إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) قولُهُ تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ..} يقولُ الحقُّ تبارك وتعالى أَنَّ ما قَصصتُه عليكم مِن أمرِ عيسى هو الحقُّ، وأنَّ المُستحِقَّ لِعبادتِه هو اللهُ، لا إلهَ غيرُه، وأنْ لا عِزَّةَ ولا عِزَّ ولا حُكْمَ ولا حِكمَةَ في الحقيقة إلَّا له ـ سبحانه ـ فهو الذي لا تَلحَقُهُ ذِلَّةٌ ولا تعتريهِ جَهالة، وكلُّ مَنْ حَصَلَ له شيءٌ منَ العزِّ والحُكْمِ فمنه مُستفادٌ. وظاهرُ قولِه: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} أبلغُ من قولِنا: وما إلهٌ، لاستغراقِه، وأعادَ ذكرَ اللهِ ظاهرًا على طريق التعظيم. يَلفِتُنا ربنا تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة إلى أنَّ ما يَرويه هو الحقُّ المُطلَقُ، وليس مُجرَّدَ حِكايةٍ أو قِصَّةٍ، أو مَزْجِ خيالٍ بواقعٍ، كما يحدث في العصر الحديث، عندما أُخِذتْ كلمةُ القِصَّةِ في العُرفِ الأدبي الحديث ـ القادم من حضارة الغرب ـ حيث يمتزج فيها الخيالُ بالواقع. أمّا عندما يَصدُرُ القَصُّ عن الإلهِ الواحدِ فلا شك في أنَّه سيكون متحدِّثًا عن الحقية والواقع دونما شكٍّ ولا مواربةٍ ولا خيالٍ. ولكن هل اتَّعَظَ القومُ المجادلون؟ قوله تعالى: {إِنَّ هذا لَهُوَ القَصَصُ الحقُّ} هذا: هذا اسمها، "لهو" اللّامُ لامُ الابْتِداءِ و"هو" فصلٌ، والأصلُ في لامِ الابتداءِ أنْ تَدخُل على المُبْتدأِ إلَّا أنَّهم يُزحْلِقونَها إلى الخَبَرِ لِئَلَّا يتوالى حرفا تأكيدٍ "إنَّ" و"اللام" فتسمَّى "المزحلقة"، وإذا جاز دخولُها على الخَبَرِ كان دخولُها على الفصلِ أَجْوَزَ لأنَّه أَقربُ إلى المبتدأِ، والقصصُ خبرُ "إنَّ"، و"الحقُّ" صِفتُهُ، ويجوزُ أنْ يكون "هو" مبتدأً و"القَصَصُ" خبرَه، والجملةُ خبرَ "إنَّ"، والإِشارةُ بهذا إلى ما تقدَّم ذكرُه من أخبارِ عيسى عليه السلام، وقيل: بل هو إشارةٌ لِما بعدَه وهو قولُه: {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله}. وضُعِّفَ هذا بوجهين، أحدُهما: أنَّ هذا ليس بقصص، والثاني: أنَّه مقترنٌ بحرفِ العطفِ، وقد اعتذر بعضُهم عن الأول فقال: إنْ أراد بالقَصَصِ الخَبَرَ فَيَصِحُّ على هذا، ويكون التقدير: إنَّ الخبرَ الحقَّ أَنَّه ما مِن إلهٍ إلَّا اللهُ، ولكن الاعتراض الثاني باقٍ لم يُجَبْ عنه.والقَصَصُ: مصدرُ قولهم: قَصَّ فلانٌ الحديثَ يَقُصَّه قَصَّاً وقَصَصَاً. وأصلُه: تتبُّعُ الأثرِ، يُقال: فلان خَرَجَ يَقُصُّ أثرَ فلان، أي: يَتْبَعُه لِيَعرِفَ أين ذَهَبَ؟ ومنه قولُه تعالى: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} القصص: 11 أي: اتِّبعي أثرَه، وكذلكَ القاصُّ في الكلامِ لأنَّه يَتتبَّعُ خبَراً بعدَ خبرٍ. والقَصَصُ: كلُّ خبرٍ مقتَطَعٍ على وِجهتِه، وقصصتُ الظُفرَ. وهو اسمٌ للمَقصوصِ: كالقبضِ والنقصِ، للمَقبوضِ والمنقوصِ.وقد تَقدَّمَ التنبيه على قراءتَيْ: "لَهْو" بسكونِ الهاءِ وضمِّها.قوله: {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله} مِنْ: مزيدةٌ للعموم ولاستغراقِ النفي وتأكيدِه، إله: مبتدأ، و"إلَّا" أداةُ حصرٍ وإثباتٍ وفي النفيِ والإثباتِ تأكيدٌ لمَعنى المُستثنى أبلغُ تأكيدٍ، و"اللهُ" خبرُه والتقدير: ما إلهٌ إلَّا اللهُ. ويمكن أنْ يكونَ الخبرُ مُضمَراً تقديرُه: وما مِن إلهٍ لَنا إلَّا اللهُ ، و"إلا اللهُ" بدلٌ مِن مَوضِعِ "من إله" لأنَّ موضعَه رفعٌ بالابتداءِ، ولا يَجوزُ في مثلِه الإِبْدالُ مِن اللفظِ، لئلَّا يَلْزَمَ زيادةُ مِنْ في الواجب، وذلك لا يجوز عند الجمهور، ويجوز في مثلِ هذا التركيبِ نصبُ ما بعدَ "إلّا" على الاستثناء، ولكنَّه لم يُقرأْ به، إلَّا أنَّه جائزٌ لُغةً، تقولُ "لا إلهَ إلَّا اللهُ" برفع الجلالةِ بدَلاً مِن المَوضِعِ، ونصبِها على الاستثناء من الضميرِ المُستَكِنِّ في الخَبَرِ المُقدَّرِ، إذِ التقديرُ: لا إلهَ استقرَّ لَنا إلَّا اللهَ. وقوله: {وَإِنَّ الله لَهُوَ العزيز الحكيم} كقوله: {إِنَّ هذا لَهُوَ القصص الحقُّ}. | |
|