عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 51 الجمعة ديسمبر 07, 2012 7:48 am | |
| إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ
(51) قولُه ـ سبحانه: {إِنَّ اللهَ رَبّي وَرَبُّكُمْ ..} لقد ذَكَرَ غيْرُ واحدٍ أنَّ هذه الجملةَ معطوفةٌ عل جُملةِ {جِئْتُكُم} آل عمران: 49 الأولى وكُرِّرتْ لِيتعلَّق بها معنًى زائدٌ وهو قولُه ـ سبحانه: "إِنَّ الله رَبّى وربُّكم"، أَو للاستيعابِ كقولِه تعالى: {ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ} المُلْك: 4 أي: جئتُكم بآيةٍ بعدَ أُخرى ممَّا ذَكرتُ لَكم مِن خلقِ الطَّيرِ وإبْراءِ الأَكْمَهَ والأَبْرَصَ وإحياءِ الموتى والإنباءِ بالمَخْفِيَّاتِ، ومِن وِلادتي بغيرِ أَبٍ، ومِن كلامي في المَهدِ ونحوِ ذلك والكلامِ الأَوَّلِ: لِتمهيدِ الحِجَّةِ عليهم، والثاني: لِتقريبِها إلى الحُكمِ وهو إيجابُ حُكْمِ تقوى اللهِ ـ تعالى ـ وطاعتِه، ولذلك جِيءَ بالفاء في {فاتَّقوا اللهَ} آل عمران: 50 كأنَّه قيل: لمَّا جئتُكم بالمُعجِزاتِ الباهراتِ والآياتِ الظاهراتِ فاتَّقوا اللهَ الخ، وعلى هذا يكونُ قولُه تعالى: "إِنَّ الله.." ابتداءَ كلامٍ وشُروعاً في الدعوةِ المُشارِ إليْها بقولٍ مُجمَلٍ، فإنَّ الجُمْلَةَ الاسْمِيَّةَ المُؤكَّدةَ بـ "أنَّ" للإشارةِ إلى اسْتِكمالِ القوَّةِ النَّظريَّةِ بالاعتِقادِ الحَقِّ الذي غايتُه التوحيدُ.ولمَّا كان هذا القولُ ممَّا أَجمَعَ الرُّسُلُ على حقيتِهِ ودَعُوا الناسَ إليْه كان آيةً دَالَّة على رسالتِه ـ عليه السلامُ ـ وليس المُرادُ بالآيةِ ـ على هذا ـ المعجزةَ، بلِ المُرادُ أنَّه بعد ثُبوتِ النُّبُوَّةِ بالمُعجِزةِ كان هذا القولُ لِكونِه طَريقةَ الأنْبياءِ عليهِمُ السلامُ علامة لنبوَّتِه تَطمئنُّ بِها النفوسُ، وجُوِّزَ أنْ يُرادَ مِن الآيةِ المُعجزةُ على طرزِ ما مرَّ، ويُقالُ: إنَّ حصولَ المعرفةِ والتوحيدِ والاهتِداءِ للطَّريقِ المُستقيمِ في الاعتقاداتِ والعِبادات عمَّن نشأ بين قومٍ غيَّروا دينَهم وحرَّفوا كُتُبَ اللهِ تعالى المُنزَّلَةَ وقتلوا أَنبياءَهم ولم يكن ممَّن تعلَّم مِن بقايا أخبارِهم مِن أعظمِ المُعجزات وخَوارِقِ العادات. أو يُقال مِن الجائز أنْ يكونَ قد ذَكرَ اللهُ تعالى في التوراة إذا جاءكم شخصٌ مِن نعتِه كذا وكذا، يَدعوكم إلى كيت وكيت فاتَّبِعوه فإنَّه نبيٌّ مبعوثٌ إليكم فإذا قال: أنَا الذي ذُكِرتُ بكذا وكذا مِن النُّعوتِ كان مِن أَعظمِ الخَوارِقِ. قولُه تعالى: {فاعبدوه} إشارةٌ إلى اسْتِكمالِ القُوَّةِ العَمَلِيَّةِ فإنَّه مُلازَمَةُ الطاعةِ التي هي الإتيانُ بالأَوامرِ والانْتِهاءُ عن المَناهي، وتعقيبُ هذين الأَمريْن بقولِه سبحانه: {هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} تقرير لما سبق ببيان أن الجمع بين الأمرين الاعتقاد الحق ، والعمل الصالح هو الطريق المشهود له بالاستقامة ، ومعنى قراءة الفتح على ما ذكر لأن الله ربي وربكم فاعبدوه قوله تعالى :وقرأ العامة: {إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ} بكسرِ الهمزةِ على الإِخْبارِ المُستأنفِ، وهذا ظاهِرٌ على قولِنا إنَّ "جئتُكم" تأكيدٌ، أمَّا إذا جَعَلْتَه تأسيسًا وَجَعَلْتَ الآيةَ هي قولَه: {إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ} بالمعنى الذي ذَكَرْتُه أوَّلاً فلا يَصِحُّ الاستئنافُ، بل يكونُ الكسرُ على إضمارِ القولِ وذلك القولُ بدلٌ من الآية، كأنَّ التقدير: وجئتُكم بآيةٍ من ربِّكم وهي قَوْلي: "إنَّ الله"، فقولي بدلٌ من "آية"، و"إنَّ" وما في حَيِّزها معمولةٌ لقولي، ويكون قوله: {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} اعتراضًا بيْن البدلِ والمُبدَلِ منه. وقُرئَ بفتحِ الهمزةِ وفيه أَوْجُهٌ، أحدُها: أنَّه بدلٌ من "آية" كأنَّ التقديرَ: وجِئْتُكم بأنَّ الله ربِّي وربُّكم، أي: جِئْتُكم بالتوحيدِ، وقولُه: {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} اعتراضٌ أيضاً. الثاني: أنَّ ذلك على إضمار لامِ العِلَّةِ، ولامُ العِلَّةِ متعلِّقةٌ بِما بعدَها من قولِه: "فاعبدوه" والتقديرُ: فاعبدوه لأنَّ اللهَ ربِّي وربُّكم كقولِه تعالى: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ} قريش: 1 إلى أنْ قالَ: {فَلْيعبدوا} إذِ التقديرُ: فَلْيَعبُدوا ربَّ هذا البيتِ لإِيلافِ قريشٍ، وهذا عند سيبويْهِ وأَتْباعِهِ ممنوعٌ؛ لأنَّه متى كان المَعمولُ أَنَّ وما في صِلَتِها امتنَع تقديمُها على عاملِها، لا يُجيزونَ أن تَقولَ: "أنَّ زيداً منطلقٌ عَرَفْتُ" تريدُ: "عَرَفْتُ أنَّ زيداً مُنْطَلِقٌ" للقُبْحِ اللَّفْظيِّ، إذ تَصَدُّرُها لَفظًا يَقتَضي كسرَها. الثالث: أنْ يَكونَ "أن الله" على إسقاطِ الخافضِ وهو "على" و"على" يتعلَّق بالآيةِ نفسِها، والتقديرُ: وجِئْتُكم بآيةٍ على أنَّ اللهَ، كأنَّه قيلَ: بعلامةٍ ودَلالةٍ على توحيدِ الله تعالى، وعلى هذا فالجُملَتان الأَمريَّتان اعتراضٌ إيضًا وفيه بُعْدٌ.وقولُه: {هذا صِرَاطٌ} هذا: إشارةٌ إلى التوحيدِ المَدْلُولِ عليه بقولِهِ: "إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ" أو إلى نفسِ "إنَّ الله" باعتبارِ هذا اللفظِ هو الصراطَ المستقيمَ. | |
|