عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة آل عمران، :الآية: 19 الجمعة نوفمبر 09, 2012 4:13 pm | |
| إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} الدِّينُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الطَّاعَةُ وَالْمِلَّةُ، وَالْإِسْلَامُ بِمَعْنَى الْإِيمَانِ والطاعات، قال أَبُو الْعَالِيَةِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَالْأَصْلُ فِي مُسمّى الايمانِ والإسلامِ هو الإخلاصُ والاستسلامُ، وما سواه فمردود، وطريق النجاة على صاحبِه مسدودٌ.وَالْإِسْلَامِ التَّغَايُرُ، لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ. وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمُرَادَفَةِ. فَيُسَمَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاسْمِ الْآخَرِ، كَمَا فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَقَالَ: ((هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ))؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ((شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسًا مِنَ الْمَغْنَمِ)) الْحَدِيثَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَابًا فَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى وَأَرْفَعُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَزَادَ مُسْلِمٌ ((وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ)). وَيَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى التَّدَاخُلِ وَهُوَ أَنْ يُطْلَقَ أَحَدُهُمَا وَيُرَادَ بِهِ مُسَمَّاهُ فِي الْأَصْلِ وَمُسَمَّى الْآخَرِ، كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِذْ قَدْ دخل فيها التصديق والأعمال، ومنه قول عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ)). أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَالْحَقِيقَةُ هُوَ الْأَوَّلُ وَضْعًا وَشَرْعًا، وَمَا عَدَاهُ مِنْ بَابِ التَّوَسُّعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ} الْآيَةَ. أَخْبَرَ تَعَالَى عَنِ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُمْ بِالْحَقَائِقِ، وَأَنَّهُ كَانَ بَغْيًا وطلباً للدنيا. قال ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالْمَعْنَى: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ. الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ النَّصَارَى، وَهِيَ تَوْبِيخٌ لِنَصَارَى نَجْرَانَ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: الْمُرَادُ بِهَا الْيَهُودُ. وَلَفْظُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَعُمُّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، أَيْ {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ} يَعْنِي فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ} يَعْنِي بَيَانَ صِفَتِهِ وَنُبُوَّتِهِ فِي كُتُبِهِمْ. وَقِيلَ: أَيْ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْإِنْجِيلَ فِي أَمْرِ عِيسَى وَفَرَّقُوا فِيهِ الْقَوْلَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بِأَنَّ اللَّهَ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. قولُه تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله} قرأ الكسائي بفتحِ الهمزةِ والباقون بكسرِها. فأمَّا قراءةُ الجماعَةِ فعلى الاستئنافِ، وهي مؤكدةٌ للجملة الأولى وفائدتُهُ أنَّ قولَه: {لا إله إلا هو} توحيدٌ، وقولَه: {قائماً بالقِسْطِ} تعديلٌ، فإذا أَردْفه قولَه: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام} فقد آذن أنَّ الإِسلامَ هو العدلُ والتوحيد، وهو الدينُ عند الله، وما عداه فليس في شيءٍ من الدين عنده.وأمَّا قراءةُ الكسائي ففيها أوجهٌ، أحدُها: أنّها بدلٌ من {أنَّه لا إله إلا هو} على قراءةِ الجمهور في {أنَّه لا إلهَ إلّا هو" وفيه وجهان، أحدهما: أنَّه مِن بدلِ الشيءِ مِنَ الشيءِ، وذلك أنَّ الدين الذي هو الإِسلامُ يتضمَّنُ العدْلَ والتوحيدَ وهو هو في المعنى. والثاني: أنَّه بدلُ اشتمالٍ لأنَّ الإِسلامَ يشتمِلُ على التوحيدِ والعَدْلِ.الثاني من الأوجُهِ السابقةِ أنْ يكونَ {أنَّ الدين} بدلاً من قوله: {قائماً بالقسط} ثمَّ لك اعتباران، أحدُهما: أَنْ تَجْعَلَه بدلاً من لفظِهِ فيكونُ محلُّ {أنَّ الدين} الجرَّ. والثاني: أنْ تجعلَه بدلاً مِنْ مَوْضِعِه فيكونُ محلُّها نصباً. وهذا الثاني لا حاجةَ إليه وإن كان أبو البقاء ذكره، وإنّما صَحَّ البدلُ في المعنى؛ لأنَّ الدينَ الذي هو الإِسلامُ قِسْطٌ وعَدْلٌ، فيكونُ أيضاً مِن بدلِ الشيءِ من الشيءِ، وهما لعينٍ واحدةٍ. ويجوزُ أَنْ يكونَ بدلَ اشتمالٍ لأنَّ الدينَ مشتملٌ على القِسْطِ وهو العدلُ. وهذه التخاريجُ لأبي علي الفارسي، وتَبِعَهُ الزمخشري في بَعْضِها.ثمَّ قال: وعلى البدل من "أنه" خَرَّجه هو وغيرُه، وليس بجيِّدٍ لأنَّه يُؤَدِّي إلى تركيبٍ بعيدٍ أَنْ يأتيَ مثلُه في كلامِ العربِ وهو: عَرَف زيدٌ أنَّه لا شجاعَ إلَّا هو وبَنو دارِمٍ مُلاقياً للحروبِ لا شُجاع إلَّا هو البَطَلُ الحامي أنَّ الخَصْلَةَ الحميدةَ هي البسالةُ، وتقريبُ هذا المثال: ضرب زيدٌ عاتكةً والعُمَران حَنِقاً أختَك، فَحَنِقاً حالٌ من زيد، وأختَك بدلٌ من عاتكة، ففصل بين البدلِ والمُبدلِ منه بالعطفِ، وهو ما لا يجوزُ، وبالحالِ لغيرِ المُبْدَلِ منه، وهو ما لا يجوزُ، لأنَّه فُصِلَ بأجنبي بين المُبْدَلِ منه والبدل.قوله: "عرف زيد" هو نظيرُ: "شهد الله" وقولُه: "أنّه لا شجاع إلّا هو" نظيرُ "أنه لا إله إلا هو". وقولُه: "وبنو دارم" نظيرُ قولِه: "والملائكة". وقولُه: "ملاقياً للحروب" نظيرُ قوله: "قائما بالقسط"، وقولُه "لا شُجاعَ إلَّا هو" نظيرُ قولِه: "لا إله إلا هو" فجاء بِه مُكَرَّراً كما في الآية، وقوله: "البطل الحامي" نظيرُ قولهِ: "العزيز الحكيم" وقوله "أن الخصلة الحميدة هي البسالة" نظيرُ قوله : "إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام" ولا يَظْهَرُ لي مَنْعُ ذلك ولا عَدَمُ صحةِ تركيبه حتى يقول "ليس بجيد" وبعيد أن يأتي عن العرب مثله". وما ادَّعاه بقولِهِ في المثال الثاني أنَّ فيه الفصلَ بأجنبي فيه نظرٌ، إذ هذه الجملُ صارَتْ كلُّها كالجملة الواحدة لِمَا اشتملت عليه من تقويةِ كلماتٍ بعضِها ببعضٍ، وأبو عليّ وأبو القاسم الزمخشري وغيرُهُما لم يكونوا في محلِّ مَنْ يَجْهَلُ صحةَ تركيبِ بعضِ الكلامِ وفسادِهِ.قال الزمخشري: وقُرئا مفتوحين على أنَّ الثاني بدلٌ من الأول كأنه قيل: شَهِدَ الله بأنَّ الدينَ عند الله الإِسلامُ، والبدلُ هو المبدلُ منه في المعنى، فكانَ بياناً صريحاً لأنَّ دينَ الإِسلام هو التوحيدُ والعدلُ. قال: فهذا نَقْلُ كلامِ أبي عليٍّ دونَ استيفاءٍ.الثالثُ من الأوجُهِ: أَنْ يكونَ "أنَّ الدينَ" معطوفاً على "أنَّه لا إله إلا هو"، حُذِفَ منه حرفُ العطفِ، قاله ابنُ جرير، وضَعَّفَهُ ابنُ عطيَّة، ولم يبيِّن وجهَ ضَعْفِهِ. ووَجْهُ ضَعفِهِ أنه متنافِرُ التركيب مع إضمارِ حرفِ العطفِ، فَيُفْصَلُ بين المتعاطِفَيْنِ المرفوعَيْن بالمنصوبِ المفعولِ، وبين المتعاطفين المنصوبين بالمرفوعِ وبجملتي الاعتراضِ، وصار في التركيبِ نظيرَ قولِك: "أكل زيدٌ خبزاً وعمروُ سمكاً" يعني فَفَصْلتَ بين "زيد" وبين "عمر" بـ "خبزاً"، وفصلْتَ بين "خبزاً" وبين "سمكاً" بعمرٍو، إذ الأصلُ قبل الفصل: أكل زيدٌ وعمر خبزاً وسمكاً.الرابعُ: أَنْ يكونَ معمولاً لقولِهِ: "شهِدَ الله" أي: شَهِدَ الله بأنَّ الدينَ، فلمَّا حُذِفَ الحرفُ جازَ أَنْ يَحْكُمَ على موضِعِه بالنصب أو بالجرِّ. فإنْ قلت: إنما يتجهُ هذا التخريجُ على قراءةِ ابن عباس، وهي كسرُ إنَّ الأولى، وتكون حينئذٍ الجملةُ اعتراضاً بين "شَهِدَ" وبين معمولِهِ، وأمَّا على قراءةِ فَتْحِ "أنَّ" الأولى، وهي قراءةُ العامة فلا يَتَجِهُ ما ذكرْتُهُ من التخريج، لأن الأولى معمولةٌ له استَغْنَى بها. فالجوابُ: أنَّ ذلك متجهٌ أيضاً مع فتحِ الأولى وهو أَنْ تَجْعَلَ الأولى على حَذْفِ لامِ العلة، تقديرُهُ: شهد الله أنَّ الدين عندَ اللهِ الإِسلامُ لأنه لا إله إلا هو، وكان يَحِيك في نفسي هذا التخريجُ مدةً، ولم أَرَهم ذكروه حتى رأيتُ الواحديَّ ذَكَرَه، وقال: وهذا معنى قول الفراء حيث يقولُ في الاحتجاجِ للكسائي: إنْ شِئْتَ جَعَلْتَ "أنه" على الشرطِ، وجَعَلْتَ الشهادةَ واقعةً على قولِهِ: "إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام" وتكونُ "أنَّ" الأولى يصلُح فيه الخَفْضُ كقولِك: شهد اللهُ لوحدانيتِهِ أنَّ الدينَ عن اللهِ الإسلام. وهو كلامٌ مُشْكِلٌ في نفسِهِ، ومعنى قولِهِ: "على الشرط" أي: العلة، سَمَّى العلةَ شرطاً لأنَّ المشروطَ متوقفٌ عليه كتوقُّفِ المعلولِ على علتِهِ، فهو علَّةٌ، إلَّا أنَّه خلافُ اصْطِلاحِ النَحويين.ثم اعترَضَ الواحديُّ على هذا التخريجِ بأنه لو كانَ كذلك لم يَحْسُنْ إعادةُ اسمِ الله ولكانَ التركيبُ "إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام"، لأنَّ الاسْمَ قد سَبَقَ فالوجهُ الكنايةُ، ثمَّ أَجابَ بأنَّ العَربَ ربَّما أَعادت الاسْمَ موْضِعَ الكناية وأنشد لعدي بن زيد: لا أَرَى الموتَ يَسْبِقُ الموتَ شيءٌ ....... نَغَّصَ الموتُ ذا الغِنى والفقيرايعني أنَه من بابِ إيقاعِ الظاهِرِ موقعَ المُضمَرِ، ويزيدُهُ هنا حُسْناً أنَّه في موضِعِ تعظيمٍ وتفخيمٍ.الخامس: أَنْ تكونَ على حَذْفِ حرفِ الجر معمولةً لِلَفْظِ "الحكيم" كأنّه قيل: الحكيم بأنَّ، أي: الحاكم بأنَّ، فحكيم مثالُ مبالغةُ مُحَوَّلٌ من فاعِل، فهو كالعليم والخبير والبصير، أي: المبالِغُ في هذه الأوصاف، وإنَّما عَدَلَ عن لفظ "حاكم" إلى "حكيم" مع زيادةِ المبالغة لموافقةِ العزيز. ومعنى المبالغةِ تكرارُ حكمِهِ بالنسبةِ إلى الشرائع أنَّ الدين عندَ اللهِ هو الإِسلام، أو حَكَمَ في كلِّ شريعة بذلك. وهذا الوجهُ ذكره الشيخُ وكأنَّه من تَخريجِه ثم قال: فإن قلت: لِمَ حَمَلْتَ الحكيم على أنَّه مُحَوَّلٌ من فاعل إلى فعيل للمبالغة، وهلاَّ جَعَلْتَه فعيلاً بمعنى مُفْعِل، فيكون بمعنى مُحْكِم، كما قالوا: أَليم بمعنى مُؤْلِم وسَميع بمعنى مُسْمِع مِن قولِ الشاعر عَمْرو بن معدي كَرِب: أَمِنْ ريحانَةَ الداعي السميعُ ................... يؤرقني وأصحابي هجوع فالجوابُ أَنَّا لا نُسَلِّمُ أَنَّ فعيلاً بمعنى مُفْعِل، وقد يُؤَوَّل أليمِ وسميع على غير مُفْعِل، ولئن سَلَّمْنَا ذلك فهو من النُّدورِ والشذوذ بحيث لا يَنْقَاسُ، بخلاف فَعيل مُحَوَّلٌ من فاعِل فإنه كثيرٌ جداً خارجٌ عن الحصرِ كعليم فإنَّ العربيَّ القُحَّ الباقي على سَجِيَّتِهِ لم يَفْهَمْ عن "حكيم" إلّا أنه مُحَوَّلٌ من فاعل للمبالغةِ ، ألا ترى أنه لَمَّا سَمِعَ قارئاً يقرأ : {والسارقُ والسارقةُ فاقطعوا أيدَيهما جزاءً بما كَسَبَا نكالاً من الله والله غفور رحيم} أنكر أنْ تكونَ فاصلةُ هذا التركيبِ السابقِ: "والله غفور رحيم" فقيل له: التلاوةُ: "والله عزيز حكيم"، فقال: هكذا يكون: عَزَّ فحكم فقطع. فَفَهِمَ من حكيم أنَّه مُحوَّلٌ للمُبالغة السالفة من "حاكم"، وفَهْمُ هذا العربي حجةٌ قاطعةٌ بما قلناه، وهذا تخريجٌ سهل سائغُ جداً، يُزيل تلك التكلفاتِ والتركيباتِ العَقِدَةَ التي يُنَزَّه كتابُ الله عنها.وأمَّا على قراءة ابنِ عباس فكذلك نقول، ولا نجعل "أنَّ الدين" معمولاً لـ "شهد" كما زَعَمُوا وأنَّ "إنه لا إله إلا هو" اعتراضٌ يعني بين الحال وصاحبها وبين "شهد" ومعمولِهِ، بل نقولُ: معمولُ "شَهِدَ" هو "إنه" بالكسرِ على تخريجِ مَنْ خَرَّجَ أنَّ "شهد" لَمَّا كان بمعنى القولِ كُسِرَ ما بعدَه إجراءً له مُجْرَى القولِ، أو نقول "إنه" معموله وعُلِّقَتْ، ولم تَدْخُلِ اللامُ في الخبر لأنه منفيٌّ، بخلافِ أَنْ لو كان مثبتاً فإنك تقول: "شهدت إنَّ زيداً لمنطلقٌ" فَتُعَلَّقُ بـ "إنَّ" مع وجودِ اللام لأنَّه لو لم تكن اللامُ لفَتَحْتَ "أنَّ" فقلت: شهدت أنَّ زيداً منطلق، فَمَنْ قرأ بفتح "أنه" فإنه لم يَنْوِ التعليق، ومَنْ كَسَرَ فإنَّه نوى التعليقَ ولم تدْخُل اللامُ في الخبرِ لأنه منفيٌّ كما ذكرنا.قوله: {بَغْياً} فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّه مفعولٌ مِن أجلِهِ، العامل فيه "اختلف" والاستثناءُ مفرغٌ. والتقدير: وما اختلفوا إلَّا للبغي لا لغيرِهِ. والثاني: أنَّه مصدرٌ في محلِّ نصبٍ على الحالِ من "الذين" كأنه قيل: ما اختلفوا إلاَّ في هذه الحالِ، وليس بقويٍّ، والاستثناءُ مفرَّغٌ أيضاً. الثالث: أنَّه منصوبٌ على المصدرِ والعامِلُ فيه مقدَّرٌ كأنَّه لَمَّا قيل: "وما اختلف" دَلَّ على معنَى: "وما بَغَى" فهو مصدرٌ مؤكِّدٌ، وهذا قولُ الزجاج، والأولُ قولُ الأخفش، ورجَّحه أبو علي. ووقع بعد "إلا" مستثنيان وهما: "مِنْ بعدِ" و"بَغْياً" وقد تقدَّم تخريجُ ذلك وما ذَكَرَ الناسُ فيه.قوله: {وَمَن يَكْفُرْ} مَنْ: مبتدأٌ، وفي خبره الأقوالُ الثلاثةُ، أعني فعلَ الشرطِ وَحْدَهُ، أو الجوابَ وحدَه، أو كلاهما. وعلى القولِ بكونِهِ الجوابَ وحده لا بدَّ من ضميرٍ مقدَّرٍ أي: سريعُ الحسابِ له، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك. | |
|