عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة آل عمران، :الآية: 14 الأربعاء نوفمبر 07, 2012 2:41 pm | |
|
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قولُه تباركت أسماؤه: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ } كلامٌ مستأنَفٌ سِيقَ للتنفيرِ عن الحظوظِ النَفْسانيَّةِ التي كثيراً ما يَقعُ القتالُ بسببِها إثْرَ بيانِ حالِ الكَفَرَةِ والتنصيصِ على عَدَمِ نفعِ أموالِهم وأولادِهم لهم وقد كانوا يتعزَّزون بذلك، والمُرادُ من النّاسِ الجِنْسُ، وزُيِّنَ مِنَ التَّزْيِينِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ مَنِ الْمُزَيِّنُ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: اللَّهُ زَيَّنَ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي التَّنْزِيلِ: {إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها}، وَلَمَّا قَالَ عُمَرُ: الْآنَ يَا رَبِّ حِينَ زَيَّنْتَهَا لنا! نزلت: {قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ}. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْمُزَيِّنُ هُوَ الشَّيْطَانُ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْحَسَنِ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ زَيَّنَهَا؟ مَا أَحَدٌ أَشَدَّ لَهَا ذَمًّا مِنْ خَالِقِهَا. فَتَزْيِينُ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ بِالْإِيجَادِ وَالتَّهْيِئَةِ لِلِانْتِفَاعِ وَإِنْشَاءِ الْجِبِلَّةِ عَلَى الْمَيْلِ إِلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَتَزْيِينُ الشَّيْطَانِ إِنَّمَا هُوَ بالوَسْوَسَةِ والخَديعةِ وَتَحْسِينِ أَخْذِهَا مِنْ غَيْرِ وُجُوهِهَا. وَالْآيَةُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ ابْتِدَاءُ وَعْظٍ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ تَوْبِيخٌ لِمُعَاصِرِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ. وَالشَّهَوَاتُ جَمْعُ شَهْوَةٍ وهى معروفةٌ. ورجلٌ شهوانٌ للشيءِ، وشيءٌ شَهِيٌّ أَيْ مُشْتَهًى. وَاتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ مُرْدٍ وَطَاعَتُهَا مَهْلَكَةٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: ((حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ)). رَوَاهُ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفَائِدَةُ هَذَا التَّمْثِيلِ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا تُنَالُ إِلَّا بِقَطْعِ مَفَاوِزِ الْمَكَارِهِ وَبِالصَّبْرِ عَلَيْهَا. وَأَنَّ النَّارَ لَا يُنْجَى مِنْهَا إِلَّا بِتَرْكِ الشَّهَوَاتِ وَفِطَامِ النَّفْسِ عَنْهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((طَرِيقُ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ وَطَرِيقُ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ)). أَيْ طَرِيقُ الْجَنَّةِ صَعْبَةُ الْمَسْلَكِ فِيهِ أَعْلَى مَا يَكُونُ مِنَ الرَّوَابِي، وَطَرِيقُ النَّارِ سَهْلٌ لَا غِلَظَ فِيهِ وَلَا وُعُورَةَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: "سَهْلٌ بسهوة". قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنَ النِّساءِ} بَدَأَ بِهِنَّ لِكَثْرَةِ تَشَوُّفِ النُّفُوسِ إِلَيْهِنَّ، لِأَنَّهُنَّ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ وَفِتْنَةُ الرِّجَالِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَشَدَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. فَفِتْنَةُ النِّسَاءِ أَشَدُّ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ. وَيُقَالُ: فِي النِّسَاءِ فِتْنَتَانِ، وَفِي الْأَوْلَادِ فِتْنَةٌ وَاحِدَةٌ. فَأَمَّا اللَّتَانِ فِي النِّسَاءِ فَإِحْدَاهُمَا أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى قَطْعِ الرَّحِمِ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْمُرُ زَوْجَهَا بِقَطْعِهِ عَنِ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ. وَالثَّانِيَةُ يُبْتَلَى بِجَمْعِ المال من الحلال والحرام. لِأَنَّهُنَّ قَدْ خُلِقْنَ مِنَ الرَّجُلِ، فَهِمَّتُهَا فِي الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ خُلِقَ فِيهِ الشَّهْوَةُ وَجُعِلَتْ سَكَنًا لَهُ، فَغَيْرُ مَأْمُونٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَأَمَّا الْبَنُونَ فَإِنَّ الْفِتْنَةَ فِيهِمْ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ مَا ابْتُلِيَ بِجَمْعِ الْمَالِ لِأَجْلِهِمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْقَناطِيرِ} الْقَنَاطِيرُ جَمْعُ قِنْطَارٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً} وَهُوَ الْعُقْدَةُ الْكَبِيرَةُ مِنَ الْمَالِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: قَنْطَرَ الرَّجُلُ إِذَا بَلَغَ مَالُهُ أَنْ يُوزَنَ بِالْقِنْطَارِ. والْقِنْطَارُ مَأْخُوذٌ مِنْ عَقْدِ الشَّيْءِ وَإِحْكَامِهِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: قَنْطَرْتُ الشَّيْءَ إِذَا أَحْكَمْتُهُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْرِيرِ حَدِّهِ كَمْ هُوَ عَلَى أَقْوَالٍ عَدِيدَةٍ، فَرَوَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((الْقِنْطَارُ أَلْفُ أُوقِيَّةٍ وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ))، وَقَالَ بِذَلِكَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ، لَكِنَّ الْقِنْطَارَ عَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ فِي قَدْرِ الْأُوقِيَّةِ". وَقِيلَ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ أُوقِيَّةٍ، أَسْنَدَهُ الْبُسْتِيُّ فِي مُسْنَدِهِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الْقِنْطَارُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ أُوقِيَّةٍ الْأُوقِيَّةُ خَيْرٌ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)). وَقَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَبُو هُرَيْرَةَ أَيْضًا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَمِنَ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ دِيَةُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَالضَّحَاكِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: ثَمَانُونَ أَلْفًا. وقال قَتَادَةُ: مِائَةُ رِطْلٍ مِنَ الذَّهَبِ أَوْ ثَمَانُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنَ الْفِضَّةِ. والْقِنْطَارُ بِإِفْرِيقِيَّةَ وَالْأَنْدَلُسِ ثَمَانِيَةُ آلَافِ مِثْقَالٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. وقال السُّدِّيُّ: أَرْبَعَةُ آلَافِ مِثْقَالٍ. وقال مُجَاهِدٌ: سَبْعُونَ أَلْفَ مِثْقَالٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ كذلك. وقيل غير ذلك. وقال الربيع بن أَنَسٍ: الْقِنْطَارُ الْمَالُ الْكَثِيرُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سبحانه: {وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً} أَيْ مَالًا كَثِيرًا. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: ((إِنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ قَنْطَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَنْطَرَ أَبُوهُ)) أَيْ صَارَ لَهُ قِنْطَارٌ مِنَ الْمَالِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى "الْمُقَنْطَرَةِ" فَقَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ: مَعْنَاهُ الْمُضَعَّفَةُ، وَكَأَنَّ الْقَنَاطِيرَ ثَلَاثَةٌ وَالْمُقَنْطَرَةَ تِسْعٌ. وقيلَ: الْقَنَاطِيرُ جَمْعُ الْقِنْطَارِ، وَالْمُقَنْطَرَةُ جَمْعُ الْجَمْعِ، فَيَكُونُ تِسْعَ قَنَاطِيرَ. وقال السُّدِّيُّ: الْمُقَنْطَرَةُ الْمَضْرُوبَةُ حَتَّى صَارَتْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ. وقال مَكِّيٌّ: الْمُقَنْطَرَةُ الْمُكَمَّلَةُ، وَحَكَاهُ الْهَرَوِيُّ، كَمَا يُقَالُ: بِدَرٌّ مُبَدَّرَةٌ، وَآلَافٌ مُؤَلَّفَةٌ. وَقِيلَ: الْمُقَنْطَرَةُ إِشَارَةٌ إِلَى حُضُورِ الْمَالِ وَكَوْنِهِ عَتِيدًا. وَفِي صَحِيحِ الْبُسْتِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المقنطرين. قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ} الذَّهَبُ معروفةٌ وَالْفِضَّةُ مَعْرُوفَةٌ. فَالذَّهَبُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الذَّهَابِ، وَالْفِضَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنِ انْفَضَّ الشَّيْءُ تَفَرَّقَ، وَهَذَا الِاشْتِقَاقُ يُشْعِرُ بِزَوَالِهِمَا وَعَدَمِ ثُبُوتِهِمَا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي الْوُجُودِ. قَوْلُهُ تَعَالَى {وَالْخَيْلِ} سُمِّيَ الْفَرَسُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَخْتَالُ فِي مَشْيِهِ. قَالَ وَهْبٌ بنُ منبِّهٍ: فَلَيْسَ تَسْبِيحَةٌ وَلَا تَكْبِيرَةٌ وَلَا تَهْلِيلَةٌ يُكَبِّرُهَا صَاحِبُهَا إِلَّا وَهُوَ يَسْمَعُهَا فَيُجِيبُهُ بِمِثْلِهَا. وَفِي الْخَبَرِ: ((إِنَّ اللَّهَ عَرَضَ عَلَى آدَمَ جَمِيعَ الدَّوَابِّ، فَقِيلَ لَهُ: اخْتَرْ مِنْهَا وَاحِدًا فَاخْتَارَ الْفَرَسَ، فَقِيلَ لَهُ: اخْتَرْتَ عِزَّكَ، فَصَارَ اسْمُهُ الْخَيْرَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَسُمِّيَتْ خَيْلًا لِأَنَّهَا مَوْسُومَةٌ بِالْعِزِّ فَمَنْ رَكِبَهُ اعْتَزَّ بِنِحْلَةِ اللَّهِ لَهُ وَيَخْتَالُ بِهِ عَلَى أَعْدَاءِ الله تعالى. وسمي فرساً لِأَنَّهُ يَفْتَرِسُ مَسَافَاتِ الأرضِ افْتِرَاسَ الْأَسَدِ، ويقطعُها كالالتهامِ بيَديْه على شيءٍ خبطاً وتناوُلًا، وسميَ عربيًّا لأنَّه جِيءَ بِهِ مِنْ بَعْدِ آدَمَ لِإِسْمَاعِيلَ جَزَاءً عَنْ رَفْعِ قَوَاعِدِ الْبَيْتِ، وَإِسْمَاعِيلُ عَرَبِيٌّ، فَصَارَ لَهُ نِحْلَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَسُمِّيَ عَرَبِيًّا. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَدْخُلُ الشَّيْطَانُ دَارًا فِيهَا فَرَسٌ عَتِيقٌ)). وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَتِيقًا لِأَنَّهُ قَدْ تَخَلَّصَ مِنَ الْهِجَانَةِ. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَيْرُ الْخَيْلِ الْأَدْهَمُ الْأَقْرَحُ "في وجهه بياض" الْأَرْثَمُ "بياض في الأنف والشفة العليا" ثُمَّ الْأَقْرَحُ الْمُحَجَّلُ "بياض في نهاية قوائمه الأربعة" طَلْقُ الْيَمِينِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدْهَمَ فَكُمَيْتٌ عَلَى هَذِهِ الشِّيَةِ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ. وَفِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ فَرَسًا فَأَيُّهَا أَشْتَرِي؟ قَالَ: ((اشْتَرِ أَدْهَمَ أَرْثَمَ مُحَجَّلًا طَلْقَ الْيَمِينِ أَوْ مِنَ الْكُمَيْتِ عَلَى هَذِهِ الشِّيَةِ تَغْنَمُ وَتَسْلَمُ)). وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ النِّسَاءِ مِنَ الْخَيْلِ. وَرَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَلِرَجُلٍ وِزْرٌ)) الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، شُهْرَتُهُ أَغْنَتْ عَنْ ذِكْرِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْمُسَوَّمَةِ} يَعْنِي الرَّاعِيَةَ فِي الْمُرُوجِ وَالْمَسَارِحِ. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ قال: (نهى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّوْمِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَعَنْ ذَبْحِ ذَوَاتِ الدَّرِّ) السَّوْمُ هُنَا فِي مَعْنَى الرَّعْيِ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فِيهِ تُسِيمُونَ}. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمُسَوَّمَةُ الْمُعَلَّمَةُ بِشِيَاتِ الْخَيْلِ فِي وُجُوهِهَا، مِنَ السِّيمَا وَهِيَ الْعَلَامَةُ. وقيل غيرُ ذلك وكُلُّ مَا ذُكِرَ يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ، فَتَكُونُ رَاعِيَةً مُعَدَّةً حِسَانًا مُعَلَّمَةً لِتُعْرَفَ مِنْ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْأَنْعامِ} النَعَمُ الإِبِلِ، والأَنْعَامُ الإِبِلُ وَكُلُّ مَا يَرْعَى. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ يَرْفَعُهُ قَالَ: ((الْإِبِلُ عِزٌّ لِأَهْلِهَا وَالْغَنَمُ بَرَكَةٌ وَالْخَيْرُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)). وَفِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الشَّاةُ مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ)). وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَغْنِيَاءَ بِاتِّخَاذِ الْغَنَمِ، وَالْفُقَرَاءَ بِاتِّخَاذِ الدَّجَاجِ. وَقَالَ: عِنْدَ اتِّخَاذِ الْأَغْنِيَاءِ الدَّجَاجَ يَأْذَنُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَلَاكِ الْقُرَى. وَفِيهِ عَنْ أم هاني أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا:" اتَّخِذِي غَنَمًا فَإِنَّ فِيهَا بَرَكَةً". وإِسْنَادُه صَحِيحٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْحَرْثِ} الْحَرْثُ هُنَا اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُحْرَثُ. وَفَى الْحَدِيثِ: ((احْرُثْ لِدُنْيَاكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبَدًا)). يُقَالُ حَرَثْتُ وَاحْتَرَثْتُ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ: ((احْرُثُوا هَذَا الْقُرْآنَ)). أَيْ فَتِّشُوهُ. فالْحَرْثُ التَّفْتِيشُ، وَفِي الْحَدِيثِ: ((أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ الْحَارِثُ)). لِأَنَّ الْحَارِثَ هُوَ الْكَاسِبُ، وَاحْتِرَاثُ الْمَالِ كَسْبُهُ، وفي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ما من مُسْلِمٍ غَرَسَ غَرْسًا أَوْ زَرَعَ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ)). قَالَ الْعُلَمَاءُ: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ مِنَ الْمَالِ، كُلُّ نَوْعٍ مِنَ الْمَالِ يَتَمَوَّلُ بِهِ صِنْفٌ مِنَ النَّاسِ، أَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَيَتَمَوَّلُ بِهَا التُّجَّارُ، وَأَمَّا الْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ فَيَتَمَوَّلُ بِهَا الْمُلُوكُ، وَأَمَّا الْأَنْعَامُ فَيَتَمَوَّلُ بِهَا أَهْلُ الْبَوَادِي، وَأَمَّا الْحَرْثُ فَيَتَمَوَّلُ بِهَا أَهْلُ الرَّسَاتِيقِ. فَتَكُونُ فِتْنَةُ كُلِّ صِنْفٍ فِي النَّوْعِ الَّذِي يَتَمَوَّلُ، فَأَمَّا النِّسَاءُ وَالْبَنُونَ فَفِتْنَةٌ لِلْجَمِيعِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا} أَيْ مَا يُتَمَتَّعُ بِهِ فِيهَا ثُمَّ يَذْهَبُ وَلَا يَبْقَى. وَهَذَا مِنْهُ تَزْهِيدٌ فِي الدُّنْيَا وَتَرْغِيبٌ فِي الْآخِرَةِ. رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّمَا الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَلَيْسَ مِنْ متاع الدنيا شيءٌ أَفْضَلَ مِنَ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ)). وَفِي الْحَدِيثِ: ((ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّكَ اللَّهُ)) أَيْ فِي مَتَاعِهَا مِنَ الْجَاهِ وَالْمَالِ الزَّائِدِ عَلَى الضَّرُورِيِّ. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيْسَ لِابْنِ آدَمَ حَقٌّ فِي سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ بَيْتٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَجِلْفُ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بن معد يكرب. وسئل سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: بِمَ يَسْهُلُ عَلَى الْعَبْدِ تَرْكُ الدُّنْيَا وَكُلِّ الشَّهَوَاتِ؟ قَالَ: بِتَشَاغُلِهِ بما أمر به. قولُه تعالى: {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} وَالْمَآبُ المَرْجِعُ، وَمَعْنَى الْآيَةِ تَقْلِيلُ الدُّنْيَا وَتَحْقِيرُهَا وَالتَّرْغِيبُ فِي حُسْنِ الْمَرْجِعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ. قولُه تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ} العامةُ على بنائِهِ للمفعول، والفاعلُ المحذوفُ هو لفظُ الجَلالَةِ "اللهُ تعالى"؛ لِمَا رَكَّب في طِباعِ البَشَرِ مِنْ حُبِّ هذه الأشياءِ. وقَرأَ مُجاهدٌ: "زَيَّن" مبنيًّا للفاعل، "حُبَّ" مفعول به نصاً، والفاعلُ: إمَّا ضميرُ اللهِ تعالى لتقدُّم ذكرِهِ الشريفِ في قولِه تعالى: {والله يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ} آل عمران: 13، وإمَّا ضميرُ الشيطان، أُضْمِرَ وإنْ لم يَجْرِ له ذِكْرٌ، لأنَّه أصلُ ذلك، فَذِكْرُ هذه الأشياءِ مؤذنٌ بِذِكْرِهِ. وأضافَ المصدرَ لمفعولِهِ في "حُبّ الشهوات". و"الشَّهوات": جمعُ "شَهْوة" بسكون العين، فَحُرِّكَت في الجمع، ولا يجوزُ التسكينُ إلا في ضرورةٍ كقولهِ: وَحُمِّلْتُ زَفْرَاتِ الضحى فَأَطَقْتُها ............ ومالي بزَفْرَات العَشِيِّ يَدَانِ بتسكين الفاء. والشهوةُ: مصدرٌ يُراد به اسمُ المفعولِ أي: المُشْتَهَيَات فهو من باب: رجلٌ عَدْلٍ، حيث جُعِلَتْ نفسَ المصدر مبالغةً، والشهوة: مَيْلُ النفس، ويُجْمَعُ على "شَهَوات"، كالآية الكريمة، وعلى "شُهَى" كغُرَف، قالت امرأةٌ من بني نَضْر بن معاوية: فلولا الشُّهَى واللهِ كنتُ جديرةً .......... بأَنْ أتركَ اللَّذاتِ في كلِّ مَشْهَدِ وقال النحويون: لا تُجْمَعُ فَعْله المعتلة اللامِ يَعْنُون بفتحِ الفاء وسكون العين على فُعَل إلَّا ثلاثةَ ألفاظٍ: كَوَّة وكُوَى فيمن فَتَحَ كاف "كَوَّة" وقَرْيَة وقُرَى ونَزْوَة ونُزَى، وقد يُسَمَّى المُشْتَهَى شهوةً، وقد يُقال للقوةِ التي بها تَشْتَهي الشيءَ شهوةً، وقولُه تعالى: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات" يحتمل الشهوتين. قولُه: {مِنَ النساء} في محلِّ نصبٍ على الحال من "الشهوات" والتقدير: حالَ كونِ الشهواتِ من كذا وكذا فهي مفسّرةٌ لها في المعنى، ويَجوزُ أَنْ تكونَ "مِنْ" لبيان الجِنس. قولُه: {والقناطير} جمع قِنْطار. وفي نونِهِ قولان أحدُهما: وهو قولُ جماعة أنها أصليةُ، وأنَّ وزنَها فِعْلال كحِمْلاَق وقِرْطاس. والثاني أنَّها زائدةٌ ووزنُه فِنعال ك "قِنْعَاس" وهو الجَمَل الشديد، قيل: واشتقاقه من: قَطَرَ يَقْطُر إذا سال، لأنَّ الذهَبَ والفِضَّةُ يُشَبَّهان بالماء في سُرْعَةِ الانقلابِ وكثرةِ التقلبِ. وقيل هو مأخوذٌ من قَنْطَرْتُ الشيءَ إذا عَقَدْتَه وأَحْكمته، ومنه: القَنْطَرَةُ لإِحكامِ عَقْدِها. قوله: {مِنَ الذهب} كقولِهِ: "مِنْ النساء" وقد تقدَّم. والذهبُ مؤنَّثٌ، ولذلك يُصَغَّر على "ذُهَيْبة"، ويُجمَعُ على ذَهاب وذُهوب. وقيل: "الذهب" جمعٌ في المعنى لـ "ذَهَبة"، واشتقاقُه من الذَّهاب. الفضة يُجْمع على فِضَض. واشتقاقُها من انفضَّ الشيء إذا تفرَّق، ويقال: "رجل ذَهِب" بكسرِ الهاء، أي: رأى مَعْدِن الذهب فَدُهِش. قولُه: {والخيل} عطفٌ على "النساء". والخيلُ فيه قولان، أحدُهما أنه جمعٌ ولا واحدَ لَه مِن لَفظِه بل مفردُهُ "فرس" فهو نظيرُ: قومٍ ورَهْطٍ ونساءٍ. والثاني: أنَّ واحدَه "خايل" فهو نظير راكب ورَكْب، وتاجِر وتَجْر، وطائِر وطَيْر، وفي هذا خلافٌ بين سِيبَويْهِ والأخفش، فسيبويهِ يَجْعَلُهُ اسمَ جمعٍ، والأخفشُ يَجْعَلُهُ جمعَ تكسير. وفي اشتقاقِها وجهان، أحدُهُما: من الاختيال وهو العُجْبُ، سُمِّيت بذلك لاختيالِها في مِشْيتها وطولِ أذْنابِها. قال امرؤ القيس: لها ذَنَبٌ مثلُ ذَيْلِ العرو ..................... سِ تَسُدَّ به فرجَها مِنْ دُبُرْ والثاني: من التخيُّل، قيل: لأنَّها تتخيَّل في صورة مَنْ هو أعظمُ منها. وقيل: أصلُ الاختيالِ من التخيُّل، وهو التشبُّه بالشيء؛ لأنَّ المختالَ يتخيَّل في صورةِ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ كِبْراً، والأخيلُ: الشِّقْراقُ لأنَّه يَتَغَيَّر لونُهُ بحسَبِ المَقام مرةً أحمرَ، ومرة أخضَرَ، ومرةً أصفرَ، وعليه قولُ الأسدي: كأبي براقِشَ كلَّ لَوْ ..................................... نٍ لونُهُ يَتَخَيَّلُ وجَوَّز بعضُهم أَنْ يكون مخففاً من "خَيِّل" بتشديد الياء نحو: "مَيْت" في مَيِّت، و"هَيْن" في هَيِّن. وفيه نظرٌ لأنَّ كل ما سُمِع فيه التخفيف سُمِع التثقيلُ، وهذا لم يُسْمع إلَّا مخفَّفاً، وقد تقدَّم نظير هذا البحثِ في لفظ "الغَيْب". قوله: {المسومة} أصلُ التسويم: التعليمُ، ومعنى مُسَوَّمة: مُعْلَمَة إمَّا بالكَيِّ وإمَّا بالبُلْقِ كما جاءَ ذلك في التفسير. وقيل: بل هو من سَوَّم ماشِيَته أي: رعَاهَا، فمعنى مُسَوَّمة أي: مَرْعِيَّة، يقال: "أَسَمْتُ ماشيتي فسامَتْ"، قال تعالى: {فِيهِ تُسِيمُونَ} النحل: 10، وسَوَّمْتها فاستامت، فيكونُ الفعل عُدِّي تارةً بالهمزة وتارةً بالتضعيف. وقيل: بل هو من السيمِياء وهي الحُسْن، فمعنى مُسَوَّمة أي: ذاتُ حسن، لأنّه من الوسم. وقد رَدَّ عليه بعضُهم باختلافِ المادتين. قد أجابَ بعضُهم عنه بأنَّه من بابِ المقلوبِ فيصحُّ ما قاله. وقد تقدَّمَ تحقيقُ ذلك في قوله: {يَسُومُونَكُمْ} البقرة: 49 وقوله تعالى: {بِسِيمَاهُمْ} البقرة: 273. قوله: {والأنعام} هي جمع نَعَم، والنَّعَمُ مختصةٌ بثلاثة أنواع: الإِبلِ والبقرِ والغنمِ وقال الهروي: النَّعَمُ تذكَّر وتؤنَّث، وإذا جُمع انطلق على الإِبل والبقر والغنم. وظاهرُ هذا أنّه قبلَ جمعِه على "أنعام" لا يُطْلق على الثلاثةِ الأنواع، بل يختصُّ بواحدٍ منها، وهذا الظاهر النَّعَمُ الإِبلُ فقط، وهو مذكَّرٌ ولا يؤنَّثُ تقول: "هذا نَعَمٌ وارد، وهو جمعٌ لا واحدَ له من لفظه" وقال ابن قتيبة: "الأنعامُ: الإِبلُ والبقر والغنم، واحده نَعَم، وهو جمعٌ لا واحدَ له من لفظِه، سُمِّيت بذلك لِنُعومَةِ مَشْيِها ولِينِها، وعلى الجُمْلَةِ فالاشتقاقُ في أسماءِ الأجْناسِ قليلٌ جداً. قوله: {والحرث} قد تقدَّم تفسيرُه، وهو هنا مصدرٌ واقعٌ موقعَ المفعول به، فلذلك وُحِّدَ ولم يُجْمَعْ كما جُمِعَت أَخواتُه. ويجوزُ إدغامُ الثاءِ في الذال وإنْ كان بعضُ الناسِ ضَعَّفَه بأنَّه يَلْزَمُ الجمعُ بين ساكنين والأوّلُ ليسَ حرفَ لِين، قال: "بخلاف" يَلْهَثُ ذلك "حيث أُدْغِم الثاءُ في الذالِ لانتفاءِ التقاءِ الساكنين، إذ الهاءُ قبلَ الثاءِ متحركةٌ". وقد تَضَمَّنَتْ هذه الآيةُ الكريمةُ أنواعاً مِن الفَصاحةِ والبلاغةِ فمِنْها: الإِتيانُ بها مُجْمَلَةً، ومنها: جَعْلُه لها نفس الشهوات مبالغةً في التنفير عنها، ومنها: البَدَاءَةُ بالأهمِّ فالأهمِّ، فَقَدَّم أولاً النساءَ لأنهن أكثرُ امتزاجاً ومخالطةً بالإِنسانِ. ومنها: بناءُ الفعلِ للمفعول؛ لأنَّ الغرضَ الإِعلامُ بحصول ذلك. ومنها: إضافةُ الحُبِّ للشهوات، والشهواتُ هي الميلُ والنزوع إلى الشيء. ومنها التجنيس: "القناطير المقنطرةِ". ومنها: الجمعُ بين ما يشبه المطابقة في قوله: "والذهب والفضة" لأنهما صارا متقابلين في غالِب العُرف. ومنها: وصفُ القناطيرِ بالمقنطرة الدالةِ على تكثيرها مع كثرتها في ذاتها. ومنها: ذِكْرُ هذا الجنس بمادة الخيل لِما في اللفظ من الدلالة على تحسينه، ولم يقل: الأفراس، وكذا قوله: "والأنعام" ولم يَقُل الإبل والبقر والغنم، ولأنه أَخْضَرُ. قوله: {ذلك مَتَاعُ} الإشارةُ بـ "ذلك" للمذكور المتقدِّم، فلذلك وَحَّدَ اسمَ الإِشارةِ، والمشارُ إليه متعددٌ كقولِه تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} البقرة: 68، وقد تقدَّم شيآن. قوله: {المآب} هو مَفْعَل من: آب يؤوب أي رَجَع، والأصل: مَأْوَب فَنُقِلت حركةُ الواو إلى الهمزة الساكنة قبلَها، فَقُلِبت الواوُ ألفاً، وهو هنا اسمُ مصدرٍ أي: حَسَنُ الرجوعِ، وقد يَقعُ اسْمَ مكانٍ أو زمانٍ، تقولُ: آبَ يَؤُوب أَوْباً وإياباً ومآباً، فالأْوْبُ والإِيابُ مَصدرانِ والمَآبُ اسْمٌ لهما.
| |
|