عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 46 السبت سبتمبر 22, 2012 7:19 pm | |
| الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) لم يقل: الذين تَيَقَّنوا أنَّهم مُلاقوا رَبِّهم لأنَّ مُجرَّدَ الظنِّ أنَّك مُلاقٍ اللهَ ـ سُبحانّه وتعالى ـ كافٍ أنْ يَجعلَك تَلتَزِمُ بالمِنهجِ الإلهي. فما بالك إذا كنتَ مُتيقِّنًا. فكلُّ مُكذِّبٍ بالآخرةِ خاسِرٌ. والنفسُ البشريَّةُ لابدَّ أنْ تَحتاطَ للقاءِ اللهِ وأنْ تَعترفَ أنَّ هناكَ حشْرًا وتعملَ لذلك. يقول المَعَرِّي في آخرِ حياتِه: زعمَ المُنجِّمُ والطبيبُ كلاهُما ........ لا تُحْشَرَ الأجسادُ قلتُ إليكُماإنْ صَحَّ قولُكما فلسْتُ بِخاسِرٍ ....... أو صحَّ قولي فالخَسارُ عَليكُماوالرجوعُ إلى اللهِ ـ سبحانه وتعالى ـ أمرٌ يَقينيٌّ. فما دُمتَ قد جِئتَ إلى الدُّنيا مَخلوقاً مِنَ اللهِ فأنتَ لا مَحالةَ سَتَرْجِعُ إليه.والظّنُّ في الأَصلِ الحُسْبانُ، وهو هُنَا بِمَعْنَى الْيَقِينِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ} الحاقة: 20. وقوله: {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها} الكهف: 53. لمّا رأو النار وتيقنوا من أنهم مُعذَّبون فيها، قَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ:فَقُلْتُ لَهُمْ ظُنُّوا بأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ ........... سَراتُهم في الفارِسِيِّ المُسَرَّدِوَقَالَ أَبُو دَاوُودَ:رُبَّ هَمٍّ فَرَّجْتَهُ بِغَرِيمٍ ......................... وَغُيُوبٍ كَشَفْتَهَا بِظُنُونِفاستُعْمِلَ الظَنُّ استعمالَ اليقينِ مَجازًا، كما استُعْمِل العِلْمُ استعمالَ الظنِّ كقولِه: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} الممتحنة:10.وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الظَّنَّ فِي الْآيَةِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَابِهِ وَيُضْمَرُ فِي الْكَلَامِ بِذُنُوبِهِمْ فَكَأَنَّهُمْ يَتَوَقَّعُونَ لِقَاءَهُ مُذْنِبِينَ. وَأَصْلُ الظَّنِّ وَقَاعِدَتُهُ الشَّكُّ مَعَ مَيْلٍ إِلَى أَحَدِ مُعْتَقَدَيْهِ وَقَدْ يُوقَعُ مَوْقِعَ الْيَقِينِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّهُ لَا يُوقَعُ فِيمَا قَدْ خَرَجَ إِلَى الْحِسِّ، وَإِنَّمَا تَجِدُ الِاسْتِعْمَالَ فِيمَا لَمْ يَخْرُجْ إلى الحِسِّ بمعنى كَهَذِهِ الْآيَةِ وَالشِّعْرِ. وقد يَجيءُ الْيَقِينُ بِمَعْنَى الظَّنِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَوَّلَ السُّورَةِ وَتَقُولُ سُؤْتُ بِهِ ظَنًّا وَأَسَأْتُ بِهِ الظَّنَّ يُدْخِلُونَ الْأَلِفَ إِذَا جَاءُوا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ. ولكنَّ العربَ لا تَسْتَعْمِلُ الظنَّ استعمالَ اليقين إلّا فيما لم يَخْرُجْ إلى الحِسِّ والمشاهدةِ، ولا تَجِدُهم يقولون في رجلٍ مَرْئيٍّ حاضراً: أظنُّ هذا إنساناً. ومعنى {مُلاقُوا رَبِّهِمْ} ملاقوا جَزَاءَ رَبِّهِمْ. واللقاءُ وصولُ أحدِ الجِسميْن إلى الآخرِ بحيثُ يُماسُّه، والمُرادُ مِن مُلاقاةِ الربِّ ـ سُبحانه ـ إمّا مُلاقاةُ ثوابِه أو رُؤيَتِه، وكلٌّ منهما مَظنونٌ مُتوقّعٌ لأنَّه وإنْ عَلِمَ الخاشعُ أنّه لا بُدَّ مِن ثوابٍ للعملِ الصالحِ، وتحقَّقَ أنَّ المؤمنَ يَرى ربَّه يومَ القيامة لكن مِنْ أينَ يَعلمُ ما يُختَمُ به عملُه، ففي وصفِ أولئك بالظَنِّ إشارةٌ إلى خوفِهم، وعدمِ أَمنِهم مَكْرَ ربِّهم {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ القومُ الخاسرون} الأعراف: 99.و"لَقِيَ" يتضمَّن معنى "لاقى" كأنّه يَعْني أنَّ المادَّةَ لذاتِها تَقتَضي المُشاركةَ. وفي الكلامِ حَذْفٌ تقديرُه: مُلاقُو ثوابِ ربِّهم وعقابِه. ويَصِحُّ أن تكونَ المُلاقاةُ هنا الرؤيةَ التي عليها أهلُ السُّنَّةِ وورد بها متواترُ الحديث، فعلى هذا لا يُحْتاج إلى حَذْفِ مضاف. وفي تعقيب الخاشعين به حينئذٍ لُطْفٌ لا يَخفى. وَقِيلَ: جَاءَ عَلَى الْمُفَاعَلَةِ وَهُوَ مِنْ وَاحِدٍ، مِثْلَ عَافَاهُ اللَّهُ.ومُلاقو ربِّهم، صيغةٌ تَصلُحُ لماضي الزمانِ والحاضرِ، وهم مُلاقون ربِّهم في المستقبل. ولكنَّ المُوقنين ـ لِتَحَقُّقِهم بِما يَكونُ مِن أحكامِ الغيبِ ـ صاروا كأنَّ الوعدَ لهم تَقَرَّرَ، والغيبَ لهم حُضور.{وَأَنَّهُمْ} بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَطْفٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ "وَإِنَّهُمْ" بِكَسْرِهَا عَلَى الْقَطْعِ. {إِلَيْهِ} أَيْ إِلَى رَبِّهِمْ وَقِيلَ إِلَى جَزَائِهِ. {راجِعُونَ} إِقْرَارٌ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ والعرض على الملك الأعلى.قولُه تعالى: {الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} الذين: يَحتملُ موضعُه الحركاتِ الثلاثَ، فالجرُّ على أنه تابعٌ لِما قَبْلَه نعتاً، وهو الظاهرُ، والرفعُ والنصبُ على القَطْع. وقولُه: {مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} من بابِ إضافةِ اسمِ الفاعلِ لِمَعمولِه إضافةَ تخفيفٍ لأنّه مستقبلٌ، وحُذِفَتِ النونُ للإِضافة، والأصلُ: مُلاقونَ ربِّهم. وقولُه تعالى: {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} عَطْفٌ على "أَنَّهم" الأولى وما في حَيِّزها، و"إليه" متعلِّقٌ بـ "راجعون"، والضميرُ: إمَّا للرَّبِّ سبحانَه أو للثَّوابِ كما تقدَّم، أو للقاءِ المفهوم من "مُلاقُو". وقَرأَ ابنُ مسعودٍ ـ رضي اللهُ تعالى عنه ـ "يَعلمون" بدلاً من يظنُّون. | |
|