لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)
أيمان جمع يمين وهو الحَلِفُ وسمّيتْ بها لمعنيين. أحدُهما أنّها من اليمين التي هي اليَدُ اليُمنى وكانوا إذا تحالفوا فى العهود تصافحوا بالأيمان فسمّيت بذلك. والثاني أنّ اليمينَ هي القوّةُ قال تعالى: {لأخذْنا منه باليمين} وسمّيتْ به لأنّ الحالفَ يَتقوّى بيمينه على حفظ ما حلف عليه من فعل أو ترك. وَقِيلَ: يَمِينٌ مِنَ الْيُمْنِ، وَهُوَ الْبَرَكَةُ، سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَحْفَظُ الْحُقُوقَ.
واللّغوُ ما جرى به اللسانُ على مقتضى السهْوِ فليس لهُ كثيرُ خطرٍ في الخير والشرّ، ولكن ما انطوت عليه الضمائر، واحتوته السرائر، من قصود صحيحة، وعزائم قويّة فذلك الذي يؤاخذُ به إنْ كان خيراً فجزاءٌ جميل، وإنْ كان شرّاً فعناءٌ طويل. فاللغوُ الساقطُ الذي لا يُعتدُّ به من كلامٍ وغيرِه. ولَغا إِذَا أَتَى بِمَا لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْكَلَامِ، أَوْ بِمَا لَا خَيْرَ فِيهِ، وَفِي الْحَدِيثِ: ((إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ)). وَلُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ ((فَقَدْ لَغَيْتَ)). وَفَى الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ" فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ.
وقد يُطْلَقُ على كل كلامٍ قبيح "لَغْو". قال تعالى: {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مرّوا كرامًا} الفرقان: 72 و{لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً} مريم: 62 وقال الشاعر:
ورَبِّ أسرابِ حجيجٍ كُظَّمِ .................... عن اللَّغَا ورفَثِ التكلُّمِ
وقيل: اللغو ما يُطْرَحُ من الكلامِ استغناءً عنه، مأخوذٌ من قولِهِم لِما لا يُعْتَدُّ به من أولادِ الإِبلِ في الدِيَةَ "لَغْوُ" ومنه:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... كما أَلْغَيْتَ في الدِّيَة الحُوارا
وقيل: هو ما لا يُفْهَمُ، من قولِهم: "لغا الطائرُ" صَوَّت: واللغوُ: ما لَهِجَ به الإِنسانُ، واللغةُ مأخوذةٌ من هذا.
"ولَغِي بكذا: أي لَهج به لَهَج العُصفور بِلَغاه، ومنه قيل للكلام الذي تَلْهَجُ به فَرقةٌ لُغة، لجعلها مشتقةً من لَغِي بكذا أي أولغ به. وقد ذُكرَ أنّ اللّغةَ ما لا يفيدُ: ومنه اللغةُ لأنَّها عند غيرِ أهلِها لَغْوٌ.
ولغو اليمين عند الشافعي رضي الله تعالى عنه ما سبق له اللسان، وما في حكمه مما لم يقصد منه اليمين. وَقالَ مالك: اللَّغْوُ مَا يُحْلَفُ بِهِ عَلَى الظَّنِّ، فَيَكُونُ بِخِلَافِهِ. وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَى الشَّيْءِ لَا يَظُنُّ إِلَّا أَنَّهُ إِيَّاهُ، فَإِذَا لَيْسَ هُوَ، فَهُوَ اللَّغْوُ، وَلَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَنَحْوَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ: أَنَّ قَوْمًا تَرَاجَعُوا الْقَوْلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَرْمُونَ بِحَضْرَتِهِ، فَحَلَفَ أَحَدُهُمْ لَقَدْ أَصَبْتُ وَأَخْطَأْتَ يَا فُلَانُ، فَإِذَا الْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: حَنِثَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَيْمَانُ الرُّمَاةِ لَغْوٌ لَا حِنْثٌ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةٌ)). وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا أَنَّ اللَّغْوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ عَلَى الشَّيْءِ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُوجَدُ بِخِلَافِهِ، فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ. وَالَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهِ آثِمٌ كَاذِبٌ لِيُرْضِيَ بِهِ أَحَدًا، أَوْ يَعْتَذِرَ لِمَخْلُوقٍ، أَوْ يَقْتَطِعَ بِهِ مَالًا، فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ حَلَفَ أَلَّا يَفْعَلَ الشَّيْءَ الْمُبَاحُ لَهُ فِعْلُهُ ثُمَّ يَفْعَلُهُ، أَوْ أَنْ يَفْعَلَهُ ثُمَّ لَا يَفْعَلُهُ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَغْوُ الْيَمِينِ أَنْ تَحْلِفَ وَأَنْتَ غَضْبَانُ، وَقَالَهُ طَاوُسٌ. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((لَا يَمِينَ فِي غَضَبٍ)) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ تَحْرِيمُ الْحَلَالِ، فَيَقُولُ: مَالِي عَلَيَّ حَرَامٌ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، وَالْحَلَالُ على حرام، وقال مَكْحُولٌ الدِّمَشْقِيُّ، وَمَالِكٌ أَيْضًا، إِلَّا فِي الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ أَلْزَمَ فِيهَا التَّحْرِيمَ إِلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا الْحَالِفُ بِقَلْبِهِ. وَقِيلَ: هُوَ يَمِينُ الْمَعْصِيَةِ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُرْوَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا الزُّبَيْرِ، كَالَّذِي يُقْسِمُ لَيَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ أَوْ لَيَقْطَعَنَّ الرَّحِمَ فَبِرُّهُ تَرْكُ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَتْرُكْهَا فَإِنَّ تَرْكَهَا كَفَّارَتُهَا" أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: لَغْوُ الْيَمِينِ دُعَاءُ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ: أَعْمَى اللَّهُ بَصَرَهُ، أَذْهَبَ اللَّهُ مَالَهُ، هُوَ يَهُودِيٌّ، هُوَ مُشْرِكٌ، هُوَ لِغِيَّةٍ إِنْ فَعَلَ كَذَا.
وقال مُجَاهِدٌ: هُمَا الرَّجُلَانِ يَتَبَايَعَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: وَاللَّهِ لَا أَبِيعُكَ بِكَذَا، وَيَقُولُ الْآخَرُ، وَاللَّهِ لَا أَشْتَرِيهِ بِكَذَا. وقال النَّخَعِيُّ: هُوَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَلَّا يَفْعَلَ الشَّيْءَ ثم ينسى فيفعله.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَالضَّحَّاكُ: إِنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ هِيَ الْمُكَفَّرَةُ، أَيْ إِذَا كُفِّرَتِ الْيَمِينُ سَقَطَتْ وَصَارَتْ لَغْوًا، وَلَا يُؤَاخِذُ اللَّهُ بِتَكْفِيرِهَا وَالرُّجُوعِ إِلَى الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلًا: إِنَّ اللَّغْوَ أَيْمَانُ الْمُكْرَهِ. أَمَّا الْيَمِينُ مَعَ النِّسْيَانِ فَلَا شَكَّ فِي إِلْغَائِهَا. لِأَنَّهَا جَاءَتْ عَلَى خِلَافِ قَصْدِهِ، فَهِيَ لَغْوٌ مَحْضٌ. وَيَمِينُ الْمُكْرَهِ بِمَثَابَتِهَا. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَمِينُ الْمَعْصِيَةِ فَبَاطِلٌ، لِأَنَّ الْحَالِفَ عَلَى تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ عِبَادَةً، وَالْحَالِفُ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ مَعْصِيَةً، وَيُقَالُ لَهُ: لَا تَفْعَلْ وَكَفِّرْ، فَإِنْ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ أَثِمَ فِي إِقْدَامِهِ وَبَرَّ فِي قَسَمِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ دُعَاءُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَا فَيَنْزِلُ بِهِ كَذَا، فَهُوَ قَوْلٌ لَغْوٌ، فِي طَرِيقِ الْكَفَّارَةِ، وَلَكِنَّهُ مُنْعَقِدٌ فِي الْقَصْدِ، مَكْرُوهٌ، وَرُبَّمَا يُؤَاخَذُ بِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا يَدْعُوَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَرُبَّمَا صَادَفَ سَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللَّهَ أَحَدٌ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ)). وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَمِينُ الْغَضَبِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ حَلِفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَاضِبًا أَلَّا يَحْمِلَ الْأَشْعَرِيِّينَ وَحَمَلَهُمْ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ. وَسَيَأْتِي فِي" بَرَاءَةٌ)).
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ الْيَمِينُ الْمُكَفِّرَةُ فَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُ يُحْكَى. فقَدْ رَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤَاخَذَةَ بِالْإِطْلَاقِ فِي اللَّغْوِ، فَحَقِيقَتُهَا لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ، وَالْمُؤَاخَذَةُ فِي الْأَيْمَانِ هِيَ بِعُقُوبَةِ الْآخِرَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَفِيمَا تُرِكَ تَكْفِيرُهُ مِمَّا فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَبِعُقُوبَةِ الدُّنْيَا فِي إِلْزَامِ الْكَفَّارَةِ، فَيُضَعَّفُ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا الْيَمِينُ الْمُكَفِّرَةُ، لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ قَدْ وَقَعَتْ فِيهَا،
وَتَخْصِيصُ الْمُؤَاخَذَةِ بِأَنَّهَا فِي الْآخِرَةِ فَقَطْ تَحَكُّمٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هُوَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ: هُوَ مُشْرِكٌ إِنْ فَعَلَ، أَيْ هَذَا اللَّغْوَ، إِلَّا أَنْ يَعْقِدَ الْإِشْرَاكَ بِقَلْبِهِ وَيَكْسِبَهُ.
وقوله: {غَفُورٌ حَلِيمٌ} صِفَتَانِ لَائِقَتَانِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ طَرْحِ الْمُؤَاخَذَةِ، إِذْ هُوَ بَابُ رفق وتوسعة.
قوله تعالى: {باللغو} متعلَّقٌ بـ {يُؤاخِذُكم}. والباءُ معناها السببيةُ كقولِه تعالى: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} العنكبوت: 40، و{وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ} النحل: 61.
واللَّغْوُ: مصدرُ لَغا يَلْغو، يقال: لَغا يلغو لَغْواً، مثل غَزا يغزوا غزواً ولَغِي يَلْغَى لَغَىً مثل لَقِيَ يَلْقَى لَقَىً، ومن الثاني قولُه تعالى: {والغوا فِيهِ} ومنه قول الفرزدق:
ولَسْتَ بمأخوذٍ بلَغْوٍ تَقُوله .............. إذا لم تُعَمِّدْ عاقِدَاتِ العَزائِمِ
ويُحْكى أن الحسنُ سُئل عن اللغو وعن المَسْبِيَّة ذاتِ زَوْج، فنهض الفرزدق وقال: ألم تَسْمَع مَا قُلْتُ، وأنشده. فقال الحسنُ: ما أذكاك لولا حِنْثُك.
قوله: {في أَيْمَانِكُمْ} فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أن يتعلَّقَ بالفعلِ قبلَه. الثاني: أَنْ يتعلَّقَ بنفسِ المصدرِ قبلَه كقولك: "لغا في يمينِه". الثالث: أن يتعلق بمحذوف على أنّه حال من اللغو، وتعرفه من حيث المعنى أنك لو جعلتَه صلةً لموصولٍ، ووصفْتَ به اللغوَ لصَحَّ المعنى، أي: اللغوُ الذي في أَيْمانِكم.
قوله: {ولكن يُؤَاخِذُكُم} وَقَعْت هنا "لكن" بين نقيضَيْنِ باعتبار وجودِ اليمينِ، لأنها لا تَخْلُوا: إمَّا أَنْ لا يقصِدَها القلبُ بل جَرَتْ على اللسانِ وهي اللغُو، وإمَّا أن يقصِدَها وهي المنعقدةُ.
قوله: {بِمَا كَسَبَتْ} متعلِّقٌ بالفعلِ قبلَه، والباءُ للسببيةِ كما تقدَّم. و"ما" يجوزُ فيها ثلاثةُ أوجهٍ، أظهرُها: أنها مصدريةٌ لتقابِلَ المصدرَ وهو اللغوُ، أي: لا يؤاخِذُكم باللغوِ ولكنْ بالكَسْبِ. والثاني. أنها بمعنى الذي.
ولا بُدَّ من عائدٍ محذوفٍ أي: كَسَبَته، ويرجِّحُ هذا أنها بمعنى الذي أكثرُ منها مصدريةً. والثالثُ: أن تكونَ نكرةً موصوفةً والعائدُ أيضاً محذوفٌ وهو ضعيفٌ.
والحليمُ مِنْ حَلُم ـ بالضمّ ـ يَحْلُم إذا عَفَا مع قدرة، وأمَّا حَلِمَ الأديمُ فبالكسر، وتَثَقَّبَ يَحْلَم بالفتح أي: فسد وتثقَّب قال:
فإنَّك والكتابَ إلى عليٍّ ..................... كدابِغَةٍ وقد حَلِمَ الأَديمُ
وأمَّا "حَلَم" أي رأى في نومِه فبالفتح، ومصدرُ الأولِ "الحِلْم" بالكسر قال الجَعْدي:
ولا خيرَ في حِلْمٍ إذا لم تَكُنْ له ......... بوادرُ تَحْمي صَفْوَه أن يُكَدَّرا
ومصدرُ الثاني "الحَلَمُ" بفتحِ اللامِ، ومصدرُ الثَالثِ، "الحُلُم" و "الحُلْم والحُلُم" بضمِّ الحاءِ مع ضمِّ اللامِ وسكونِها.