تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)
{تلك أمّةٌ} أي الأنبياء جماعة ، أو هم إبراهيم وإسماعيل وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباطَ {قد خلت} أي مضت بالموت {لها ما كسبت} من الأعمال {ولكم ما كسبتم} منها {ولا تسألون عما كانوا يعملون} أي لا يُسأل أحدٌ عن عمل غيرِه بل يُسأل عن عمله ويجزى به ، وهذا تكرير للآية السابقة بعينها للمبالغة فى الزجر عما هم عليه من الافتخار بالآباء و الاتكال على أعمالهم قال الله تعالى: {فاذا نفخ فى الصور فلا أنساب ..} .
روي أنه لمّا انصرف هارون الرشيد ـ رحمه الله ـ من الحج أقام بالكوفة أياماً ، فلمّا خرج وقف بهلول المجذوب على طريقه وناداه بأعلى صوته يا هارون ثلاثاً ، فقال هارون: من الذي يناديني؟ تعجّباً، فقيل له: بهلول المجنون ، فوقف هارون وأمر برفع الستر وكان يكلم الناس وراء الستر فقال له: ألم تعرفني؟ قال بلى: أعرفك . فقال: من أنا؟ قال: أنت الذي لو ظلم أحدٌ فى المشرق وأنت فى المغرب سألك الله عن ذلك يوم القيامة . فبكى هارون وقال: كيف ترى حالي؟ قال اعرضْه على كتاب الله وهي الجزء الثاني (( إنّ الأبرارَ لفي نعيم وإنّ الفُجّارَ لَفي جحيم )) . قال هارون: أين أعمالُنا؟ قال: إنما يتقبّلُ اللهُ من المتقين . قال: وأين قرابتُنا من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم؟ قال: (( فإذا نُفخ في الصور فلا أنسابَ بينهم )) قال: وأين شفاعةُ رسول الله لنا؟ قال: (( يومئذٍ لا تَنفعُ الشفاعةُ إلاّ مَن أذن له الرحمنُ ورضي له قولاً )) فلا بدّ من الأعمال الصالحة والاخلاص فيها فان الله يتقبلها لا غيرَها .
قال الجنيد رحمه الله: الإخلاص سرٌّ بين العبدِ وبين الله تعالى لا يعلمُه ملكٌ فيكتبه ولا شيطانٌ فيُفسدُه ولا هوى فيميله .و قال الفضيلُ بنُ عياض رحمه الله: ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك عنهما .
قال بعض الحكماء مثل من يعمل الطاعة للرياء والسمعة كمثل رجل يخرج إلى السوق وقد ملأ كيسه حصى فيقول الناس ما املأ كيس فلان ولا منفعة له سوى مقالة الناس ، وفى الحديث: "أخلصوا أعمالكم لله تعالى فإن الله لا يقبل إلاّ ما خلص له ، ولا تقولوا هذا لله وللرَحِم وليس لله تعالى منه شىء" وفي حديث آخر: "لعن الله من لعن والديه ولعن الله من ذبح لغير الله" قال النووي رحمه الله: المراد الذبح باسم غير الله . وقد اعتبر بعض العلما ما يذبح عند استقبال السلطان تقرُّباً إليه مما أُهِلّ به لغير الله . وقال آخرون هذا غير محرّم لأنهم انما يذبحونه استبشارا بقدومه فهو كذبح العقيقة لولادة المولود ومثل هذا لا يوجب التحريم .