ِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)
الإسلام هو الإخلاص وهوا الاستسلام ، وحقيقتُه الخروج عن أحوال البشريّة بالكليّة من منازعات الاختيار ومعارضات النفس ، يريد الله سبحانه وتعالى أن يلفتنا إلى أنه قال لإبراهيم أسلم فقال أسلمت ، إذن فمطلوب الحق سبحانه وتعالى من عبده أن يسلم إليه ، ولم يقل الحق أسلم إِليّ ، لأنها مفهومة ، ولم يقل أسلم لربك لأن الإسلام لا يكون إلا لله . واصطفاؤه في الدنيا إنما هو للرسالة وما يتعلق بصلاح الآخرة .
قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ} في "إذ" خمسةُ أوجهٍ أصَحُّها أنه منصوبٌ بـ "قال أَسْلَمْتُ" أي: قال أسلمتُ وقتَ قولِ الله له أَسْلَمْ. الثاني: أنه بَدَلٌ من قوله "في الدنيا" . الثالث: أنه منصوبٌ باصطفيناه . الرابع: أنه منصوبٌ بـ "اذكر" مقدَّراً . وعلى تقدير كونِه معمولاً لاصطفيناه أو لـ "اذكر" مقدرّاً يبقى قولُه " قال أسلمْتُ" غيرَ منتظم مع ما قبله ، إلاّ أنْ يُقدَّرَ حذفُ حرفِ عطفٍ أي: فقال ، أو يُجْعَلَ جواباً لسؤالٍ مقدَّرٍ أي: ما كان جوابُه؟ فقيل: قال أسلَمْتُ ، الخامس: أبْعَدَ بعضُهم فجعله مع ما بعدَه في محلِّ نصبٍ على الحالِ والعاملُ فيه "اصطَفَيْناه" .
وفي قوله: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ} التفاتٌ إذ لو جاءَ على نَسَقِهِ لقيل: إذ قلنا ، لأنَّه بعدَ "ولقَدِ اصْطَفَيْناه" وعكسُه في الخروجِ من الغَيْبةِ إلى الخطابِ .
وقوله: {لِرَبِّ العالمين} فيه من الفخامة ما ليس في قوله "لك" أو "لربّي" ، لأنه إذا اعترف بأنَّه ربُ جميعِ العالمينِ اعتَرَف بأنه ربُّه وزيادةٌ بخلافِ الأول فلذلك عَدَلَ عن العبارَتَيْنِ . وفيه قوله: "أَسْلْمِ" حَذْفُ مفعولٍ تقديرُه: أَسْلِمْ لربِّك .