عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: جذور الأزمة السورية وآفاقها السبت فبراير 11, 2012 6:09 pm | |
| جذور الأزمة السورية وآفاقها
منذ فجر الإسلام وانتصارات العدالة والفكر الوسطي الذي جاء به الإسلام ، على قوى الاستغلال الغاشمة التي كانت تهيمن على العالم ، قوّة المال المنهوب من عرق الشعوب ـ وما جُمِع مالٌ من حلالٍ قطّ ـ المال الذي كان مكنوزاً في خزائن اليهود والأكاسرة والقياصرة ، المجموع بالقوة الطاغية والأساليب الملتوية ، المال الذي تحميه قوى البغي والعدوان ، وتتنازع عليه بين حين حين فتنشب حروب تأكل الآلاف من المستضعفين ، وَقود كلِّ حربٍ ـ في العادة ـ وكلّ صراع ، إذ يحتاط الأثرياء لأنفسهم ويحصنونها ، ويكونون في مقدمة صفوف الهاربين منها ، ويدفعون الفقراء لتطحنهم ثفالها تحت عناوين وشعارات ، يجيد الماكرون صياغتها . وجاء محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ برسالة من ربِّ العالمين ، تنصر المستضعفين ، وتحفظ لكلّ ذي حقٍّ حقَّه ، فتألَّب عليه وعلى دعوتِهِ أثرياءُ الجزيرة العربية من عرب ويهود ، ونصرَه اللهُ عليهم ، فخشي كسرى وقيصر من انتشار هذا الدين ووصوله إلى بلادهم ، وإيقاظِه شعوبَهم، فأعدا العدّة ووجّها السرايا والزحوف للقضاء على هذه الدعوة في مهدها ، لكن ديناً أراد الله له أن يبسط على الأرض نوره ، ما كانت لتستطيع إطفاءه قوى الاستكبار والغطرسة بالغة ما بلغت . وعمّ الإسلام وعمّ العدل ، ودخل الناسُ في دين الله أفواجاً ، لكن قلّة حاقدةً ، ذهبت ريحُها ، اندسّتْ بين صفوف المسلمين مُظهِرةً الإيمان ومُبطِنةً الكفر ، لتفرّق هذه الصفوف ، حيناً بإذكاء نار الفتنة بين المسلمين وبالاغتيالات أحياناً ، فاغتالت أئمّةَ المسلمين من كبار أصحاب الرسول الكريم ، عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ، ومن ثم ابنه الحسين من بعده ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ فقد خدعوه وورّطوه واستدرجوه ثم تخلَّوا عنه وأسلموه للقتل ، ومازالوا يندبونه إلى اليوم ، لا حبّاً به ، بل إذكاءً لنار الفتنة وتعميقاً للخلاف . وما زال هذا دأبهم في كل عصر ومصر ، وكانت آخرُ معاركهم ، حين انتصر الخميني في إيران على شاهه ، مدعوماً من الغرب الذي احتضنه وأمدّه حتى انتصرت ثورتُه ، فما إن صارت مقاليد الأمور إليه حتّى امتدت يده إلى جيرانه العرب المسلمين ، فقضم بعضاً من الجزر العربية مستغلاً تشتُّتَ العرب وضعفَهم ، واتجهت أنظاره إلى العراق ، محرّكاً فيها فئتَه وجُندَه ، تحت شعار تصدير الثورة ، الأمرُ الذي نبَّه العرب المسلمين من سباتهم العميق فاجتمعوا على حربِه والحدِّ من خطرِه ، وهنا جاء دور يهود إسرائيل ، حلفائه الاستراتيجيين ، فأمدّوه بالسلاح ، بالرغم من أنه رفعَ شعار القضاء على إسرائيل ، لكن اليهودَ يعرفون حقيقةَ هذا الشعار وزيفه ، ويعرفون اليوم أن المستهدف من السلاح النووي الذي يسعى إليه إنما جيرانه العرب المسلمين ليخوّفهم به ويبسط سيطرته عليهم ، وما التهديدات التي يطلقونها ضدّه إلا لتوتير أعصاب العرب ودفعهم لشراء المزيد من السلاح واستنزاف طاقاتهم وثرواتهم . أقول لقد اجتمع العرب على حرب إيران ما عدا النظام الطائفي الحاكم سورية منذ أربعين سنة وتزيد ، والذي جمعه مع الإيرانيين وحدةُ العداوة والهدف ، فهو الآخر ناقم على الأكثريّة السنيّة التي كانت لها السيادة أثناء الحكم العثمانيِّ ، فكان النظامَ العربيَّ الوحيدَ الذي وقف على جانب الإيرانيين وأمدهم بالسلاح وكل ما يحتاجون . ثم توقفت الحرب ، وأراد اليهودُ الصهاينةُ أن ينتقموا من العراق ، الذي طُردوا منه على يَدِ بختَنَصّرَ منذ مئات السنين فجاؤوا بحلفائهم الجدد في الغرب ، وحلفائهم القدامى في إيران وأتباعها في العراق ، وكان لهم ما أرادوا لكن في غفلةٍ من العرب ومؤازرةٍ من حكامِهم وأكرادِ العراق " السُنّةِ " هذه المرّة . ولاحت تباشيرُ فجرِ الربيعِ العربيِّ ، وهبَّتْ رياحُ التغيير على المنطقة ، فكان الشيعةُ في أوّل صفوف المؤيدين لها والمصفقين ، وما إن وصلت إلى سوريةَ ضدّ حليفهم الاستراتيجي حتى اكفهرت الوجوه وتغيرت المواقف ، فأصبحت المطالبةُ بالحريّة جريمةً ، والثورةُ على الفساد والفاسدين خيانةً ، وبشعارات مزيفة هذه المرة ايضاً . ولنُسلّمْ جدلاً بأنَّ نظامَ الحكم في سوريا نظامٌ مقاومٌ وممانعٌ ، هل هذا مبرِّرٌ للسكوت على جرائمه ضدَّ شعبِه ، من فسادٍ وإفسادٍ وسرقة أموال الشعب وسلبِه حريّتَه وكرامتَه والولوغِ في دم أبنائه لأكثرَ من أربعين سنة ، علماً بأنّ إسرائيلَ ما عَرَفت الهدوءَ والاستقرار إلاّ في هذه الفترة التي حكم فيها هؤلاء الممانعين . دعْك من مسرحيّاتِ حرب تشرين التي سلّموا فيها نيِّفاً وعشرين قرية للعدو ، والتي كان لا بدَّ منها لظهورِ الخائن بمظهر البطل المجاهد والشريف الممانع . وأسفر التحالفُ الطائفيُّ عن وجهِهِ من جديد ، واستدعى كلَّ قوّاتِه وتحالفاتِه العالميّة ، وفي المقدّمةِ روسيا التي سبق له أن تحالف معها على هذه الأمّة ، وما تحالفُ الدولةِ الصفويّةِ مع روسيا القيصريّة ضد الدولةِ العثمانية عنا ببعيد ، حيث ما منعتهم أخوَّةُ الدين التي ما فتئوا يتشدقون بها بين الحين والحين للضحك على الذقون ، ولنتخلّى عن تعصُّبنا لفئتنا ، بينما هم يزدادون تعصُّباً لطائفيَّتِهم ويشتدون تمسكاً بها ، فهم في كلِّ يوم يُسيئون إلى نبيِّنا في أزواجه وكبارِ أصحابه أمام أنظار وأسماع المتمسكين " بالأخوة الإسلاميّة " ، وما ذا يبقى لنا من الإسلام إذا سبّينا أزواج نبيِّه ، أمّهاتِ المؤمنين ومن أصحابه المقربين رضي الله عنهم أجمعين ، وهم الذين أوصلوا لنا هذا الدين؟. ولذلك فإن المعركة في سوريَّة ليست كغيرها من المعارك ، فهي ليست معركةً بين حاكمٍ فاسدٍ متسلِّطٍ مستبدٍّ ، وشعبٍ ثائرٍ للحصول على كرامتِه وحقوقِه ، إنّما هي معركةُ فئةٍ من طائفيِّين متعصِّبين لطائفيتهم ، ولهم تحالفاتهم الاستراتيجيّة ذاتُ الجذورِ الضاربةِ بعيداً في التاريخ ، وبين فئةٍ هي الأكثريّةُ المظلومةُ المغلوبةُ على أمرها ، في ظلِّ تآمرٍ دوليٍّ وتخاذلٍ عربي وضَياعٍ إسلامي. ولهذا فإنها مرشّحةٌ لتطوراتٍ خطيرةٍ قد تتعدّى حدودَ المنطقةِ ، وقد تؤدّي إلى حربٍ كونيّةٍ ثالثةٍ ذلك لأنَّ قُوى الاستكبارِ والفتنةِ لا تريد أن تتخلى عن حليفِها الاستراتيجيِّ ليسترد الشعبُ حقوقَه المسروقةِ وكرامتَه المستباحة ، كما أن الشعبَ مصرٌّ على نيل حقوقه مهما كلَّفه ذلك من تضحيات .
| |
|