روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 22

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ      فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:  22 Jb12915568671



المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ      فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:  22 Empty
مُساهمةموضوع: المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 22   المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ      فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:  22 I_icon_minitimeالأربعاء يناير 05, 2022 9:32 pm

وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} هَذِهِ الآيةُ الكريمةُ هِيَ خيرُ شاهِدٍ عَلَى أَفضَليَّةِ سيِّدِنا أبي بكْرٍ الصِّدِّيقِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ومكانَتِهِ في الدِّينِ، لِأَنَّهُ هوَ المُشارُ إليْهِ بِـ "أُلُو الفَضْلِ مِنْكُمْ" ففيهِ نَزَلَتْ كما في البخاري ومسلمٍ وغيرِهِما، لَمَا حَلَفَ أَنْ يَقْطَعَ عَنِ ابْنِ خَالَتِهِ "مِسْطح" ما كَانَ يُعْطيهِ إِيَّاهُ مِنْ صِلَةٍ وَنَفَقَةٍ لِتَكَلُّمِهِ في عِرْضِ ابْنَتِهِ السَّيِّدَةِ عائشَةَ أُمِّ المُؤمنينَ ـ رَضِيَ اللهُ عنها وأَرضاها، وَمُشاركتِهِ في حديثِ الإِفْكِ.
وكانَ مِسْطَحًا مِمَّنْ تَوَرَّطَ في حَدِيثِ الإِفْكِ، في جَمَاعَةٍ مِنْ أَفَاضِلِ الصَّحَابَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، لَكِنَّهُ فُتِنَ بِمَا قِيلَ، وَانْسَاقَ خَلْفَ مَنْ رَوَّجُوا لِهَذِهِ الإِشَاعَةِ الكَذِبِ، كعبدِ اللهِ ابْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلولٍ، رَأْسِ النِّفاقِ، وزَعيمِ المُنافِقِينَ.
فلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ المُباركَةُ، وَقَرَأَهَا عليْهِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ، قَالَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (بَلْ أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي). وَرَدَّ إِلَى "مِسْطَحٍ" نَفَقَتَهُ، وَقَالَ: (وَاللهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا). بَلْ رُوِيَ أَنَّهُ ضَاعَفَ لَهُ العطاءَ. فقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ ذُو قرَابَةٍ لِأَبي بَكْرٍ مِمَّنْ كَثَّرَ عَلَى السَّيِّدةِ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، لَا يَصِلُهُ بِشَيْءٍ، وَقَدْ كَانَ يَصِلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ منكم والسَّعَةِ". إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَصَارَ أَبُو بَكْرٍ يُضْعِفُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، بَعْدَمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ضِعْفَيْ مَا كَانَ يُعْطِيهِ.
إذًا فإِنَّ مَعْنَى الآيَةِ: لَا يَحْلِفُ أَصْحَابُ الْفَضْلِ وَالسِّعَةِ، أَيِ: الْغِنَى كَأَبِي بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ. فقدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّهُ قالَ فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالى: "وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ والسَّعَةِ". يَقُولُ: لَا تُقْسِمُوا أَنْ لَا تُنْفِقُوا عَلَى أَحَدٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّهُ قالَ فِي قَوْلِهِ ـ تعالى: "وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ والسَّعَةِ". قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ رَمُوا السَّيِّدةَ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنها، بِالْقَبيحِ، وأَفْشَوْا ذَلِكَ، وَتَكَلَّمُوا فِيهَا، فَأَقْسَمَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنْ لَا يَتَصَدَّقُوا عَلَى رَجُلٍ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَلَا يَصِلُوهُ، قَالَ: لَا يُقْسِمُ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ، وَأَنْ يُعْطُوهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ كَالَّذي كَانُوا يَفْعَلُونَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُم، وَأَنْ يَعْفُو عَنْهُمْ. 
وَ "لا يَأْتَلِ": لَا يَحْلِفْ، وهوَ مِنْ قَوْلِكَ: أَلَيْتُ أَلَّا أَفْعَلَ كَذا: إِذَا حَلَفْتَ أَلَّا تَفْعَلَهُ، وَ "أُولُوا الْفَضْلِ" أَيْ: ذوو الفَضْلِ في الدِّينِ، وَ "السَّعَةِ". المُرادُ هَنَا: سَعَةُ الرِّزْقِ وكَثْرةُ المَالِ.
فَقَوْلُهُ: "يَأْتَلِ" على زِنَةِ "يَفْتَعِلُ" مِنَ الْأَلِيَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ، تَقُولُ الْعَرَبُ آلَى يُؤْلِي وَائْتَلَى يَأْتَلِي: إِذَا حَلَفَ، وَمِنْ ذلكَ قَوْلُهُ ـ تَعَالَى، مِنْ سورةِ البقرةِ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} الآيةَ: 226، أَيْ: يَحْلِفُونَ، مُضَارِعُ "آلَى" يُؤْلِي إِذَا حَلَفَ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وَيَوْمًا عَلَى ظَهْرِ الْكَثِيبِ تَعَذَّرَتْ ..................... عَلَيَّ وَآلَتْ حَلْفَةً لَمْ تَحَلَّلْ
أَيْ حَلَفَتْ حَلْفَةً، وَمِنْهُ قَوْلُ عَاتِكَةَ بِنْتِ زَيْدٍ الْعَدَوِيَّةِ تَرْثِي زَوْجَهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ:
فَآلَيْتُ لَا تَنْفَكُّ عَيْنِي حَزِينَةً .................... عَلَيْكَ وَلَا يَنْفَكُّ جِلْدِيَ أَغْبَرَا
وَالْأَلِيَّةُ الْيَمِينُ، وَعليْهِ قَوْلُ الشاعِرِ كُثَيِّرُ عَزَّةَ يَمْدَحُ الخليفةَ الأمَويَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ:
قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ......................... وَإِنْ سَبَقَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتِ
الْأَلَايَا: جَمْعُ أَلِيَّةٍ وَهِيَ الْيَمِينُ كَ "قَضِيَّةِ" وَ "قَضَايَا".
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: قَوْلُهُ: "وَلَا يَأْتِلِ"، أَيْ: لَا يُقَصِّرُ أَصْحَابُ الْفَضْلِ، وَالسِّعَةِ كَأَبِي بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي إِيتَاءِ أُولَى الْقُرْبَى كَ "مِسْطَحٍ"، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ "يَأْتَلِ" بزِنَةِ "يَفْتَعِلُ" مِنْ "أَلَا فِي الْأَمْرِ يَأْلُو": إِذَا قَصَّرَ وَأَبْطَأَ فِيهِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ ـ تَعَالَى، مِنْ سورةِ آلِ عِمْرَانَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} الآيةَ: 118، أَيْ لَا: يُقَصِّرُونَ فِي مَضَرَّتِكُمْ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَولُ النابغةِ الْجَعْدِيِّ:
وَأَشْمَطَ عُرْيَانًا يَشُدُّ كِتَافَهُ ....................... يُلَامُ عَلَى جَهْدِ الْقِتَالِ وَمَا ائْتَلَا
وَقَوْلُ الْرَّبيعِ بْنِ ضَبُعٍ الفِزاريِّ يمدحُ بنيهِ وَأَزْواجِهِمْ عَلى بِرِّهِمْ بِهِ:
وَإِنَّ كَنَائِنِي لَنِسَاءُ صِدْقٍ ............................... فَمَا آلَى بَنِيَّ وَلَا أَسَاءُوا
فَقَوْلُهُ: فَمَا آلَى بَنِيَّ: يَعْنِي مَا قَصَّرُوا، وَلَا أَبَطئُوا وَالقولُ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ حَلِفَ أَبِي بَكْرٍ أَلَّا يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ، وَنُزُولَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي ذَلِكَ الْحَلِفِ مَعْرُوفٌ. وَهَذَا الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْحَلِفِ عَنْ فِعْلِ الْبِرِّ مِنْ إِيتَاءِ أُولَى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمُهَاجِرِينَ، جَاءَ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ كَقَوْلِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورةِ البقرةِ: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} الآية: 224، أَيْ: لَا تَحْلِفُوا بِاللَّهِ عَنْ فِعْلِ الْخَيْرِ، فَإِذَا قِيلَ لَكُمُ: اتَّقُوا وَبَرُّوا، وَأَصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ قُلْتُمْ: حَلَفْنَا بِاللَّهِ لَا نَفْعَلُ ذَلِكَ، فَتَجْعَلُوا الْحَلِفَ بِاللَّهِ سَبَبًا لِلِامْتِنَاعِ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ.
فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَبَائِرَ الذُّنُوبِ لَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ; لِأَنَّ هِجْرَةَ مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ مِنْ عَمَلِهِ الصَّالِحِ، وَقَذْفَهُ لِأُمِّ المُؤمنين السَّيِّدةِ عَائِشَةَ ـ رضِيَ اللهُ عنها، مِنَ الْكَبَائِرِ وَمع ذلك فلَمْ يُبْطِلْ هِجْرَتَهُ; لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ فِيهِ بَعْدَ قَذْفِهِ لَهَا ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هِجْرَتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لَمْ يُحْبِطْهَا قَذْفُهُ. فَإنَّ الْأَعْمَالَ الصالحةَ لَا يُحْبِطُها غَيْرُ الشِّرْكِ بِاللَّهِ ـ تعالى، لقولِهِ في الآيةِ: 65، مِنْ سُورَةِ الزُّمَرِ: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: هَذِهِ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَيضًا، مِنْ حَيْثُ لُطْفُ اللَّهِ بِالْقَذَفَةِ الْعُصَاةِ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَقِيلَ: أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} الآيةَ: 47، منْ سُورَةِ الأَحْزَابِ، وقيلَ: أَرْجَى آيَةٍ في كتاب اللهِ قولُهُ ـ تعَالى، مِنْ سُورَةِ الإسْراءِ: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه} الآيةَ: 84، وَقِيلَ غيرُ ذلكَ. اللهُ أَعْلَمُ.
قولُهُ: {أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وَ "أَنْ يُؤْتُوا" أَيْ: أَنْ يُعْطُوا، فَلَا يَحْلِفُوا عَلَى أَلَّا يُعْطُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ، وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَ "مَسْطَحٍ"، فَقد كانَ لَهُ قَرَابَةٌ مِنْ أبي بكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُما، وَكانَ مِنْ فُقَرَاءِ المُهاجِرينَ الَّذينَ هَاجَرُوا في سَبيلِ اللهِ.
فإِنَّ هَذِهِ الأَوْصَافَ كُلَّهَا هِيَ لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍ، جِيءَ بِهَا، بِطَريقِ العَطْفِ للإشارةِ إِلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهَا تَصْلُحُ لِأَنْ تكونَ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً لِاسْتِحْقاقِ العفوِ والرحمةِ والعَطاءِ. وَقد حُذِفَ المَفْعُولُ الثَّاني لِظُهُورِهِ، والتقديرُ: عَلَى ألَّا يُؤْتُوهُمْ شَيْئًا.
قوْلُهُ: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} وَلْيَعْفُوا عَمَّا فَرَطَ مِنْ إِخْوانِهِم تجاهَهُمْ، وَلْيَصْفَحُوا بالإِغْضاءِ عَمَّا فَرَطَ منهم، فَالْعَفْوُ عنِ الذَّنبِ: التَّسَتُّرُ عَلَيْهِ، وَالصَّفْحُ عنْهُ: الإِعْرَاضُ عمَّا كانَ، فَلْتَتَجاوَزُوا عَنِ الأَخْطَاءِ، وَلْتُعْرِضُوا عَنِ العُقُوبَةِ. لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَظِّ النَّفْسِ، وَلَا يَلِيقُ بِأَهْلِ الفَضْلِ.
وَقَوْلُهُ ـ تَعَالَى، فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا" فِيهِ الْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ إِذَا أَسَاءَ إِلَيْهِمْ بَعْضُ إِخْوَانِهِمُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْفُوا عَنْ إِسَاءَتِهِمْ وَيَصْفَحُوا وَأَصْلُ الْعَفْوِ: مِنْ عَفَتِ الرِّيحُ الْأَثَرَ إِذَا طَمَسَتْهُ. وَالْمَعْنَى: فَلْيَطْمِسُوا آثَارَ إِسَاءَةِ إِخْوانِهم لهم بِحِلْمِهِمْ عليهم وَتَجَاوُزِهِمْ عَنْهُم، وَالصَّفْحِ عَنْ أَخطائهم: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الصَّفحُ: مُشْتَقٌّ مِنْ صَفْحَةِ الْعُنُقِ، أَيْ: أَعْرِضُوا عَنْ مُجازَاتِهم بإِسَاءَتِهِمْ حَتَّى كَأَنَّكُمْ تَوَلَّوْنَهَا بِصَفْحَةِ عُنُقِكم، مُعْرِضِينَ عَنْهَا.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ كَتابِ اللهِ المعظَّمِ، قالَ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرانَ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} الآيَتَانِ: (133 و 134). وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبي سَلَمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا نَقُصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ قَطٌّ، تَصَدَّقوا، وَلَا عَفَا رَجُلٌ عَنْ مَظْلَمَةٍ إِلَّا زَادَهُ اللهُ عِزًّا، فاعْفُوا يُعْزُّكُمُ اللهُ، وَلَا فَتَحَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ مَسْأَلَةَ النَّاسِ إِلَّا فَتَحَ اللهُ لَهُ بَابَ فَقْرٍ، أَلَا إِنَّ الْعِفَّةَ خَيْرٌ)).
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ أَبي الدُّنْيَا، فِي ذَمِّ الْغَضَبِ والخَرائِطِيُّ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَالْحَاكِمُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ أَبي وَائِلٍ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ (ابْنَ مَسْعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ)، أَتَاهُ رَجُلٌ بِرَجُلٍ نَشْوَانَ فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، ثمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ بِهِ: مَا أَنْتَ مِنْهُ؟ قَالَ: عَمُّهُ. قَالَ: مَا أَحْسَنْتَ الْأَدَبَ، وَلَا سَتَرْتَهُ: "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ"، ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنِّي لَأَذْكُرُ أَوَّلَ رَجُلٍ قَطَعَهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَى رَجُلٌ، فَلَمَّا أَمَرَ بِهِ لِتُقْطَعَ يَدُهُ كَأَنَّمَا سُفَّ وَجْهُهُ رَمَادًا، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّ هَذَا شَقَّ عَلَيْكَ؟ قَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا للشَّيْطَانِ عَوْنًا عَلَى أَخِيكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي للْحَاكِمِ إِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ حَدٌّ إِلَّا أَنْ يُقِيمَهُ، وَإِنَّ اللهَ عَفْوٌّ يُحِبُّ الْعَفْوَ ثمَّ قَرَأَ: "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ".
وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ كَظْمَ الْغَيْطِ وَالْعَفْوَ عَنِ النَّاسِ مِنْ صِفَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَكَفَى بِذَلِكَ حَثًّا عَلَى ذَلِكَ، وَدَلَّتْ أَيْضًا: عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْإِحْسَانِ الَّذِي يُحِبُّ اللَّهُ الْمُتَّصِفِينَ بِهِ، كَما قَالَ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورةِ النِّساءِ: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} الآيةَ: 149، وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ ـ تباركَ وَتَعَالَى، فِي هَذَهِ الْآيَةِ المُباركةِ أَنَّ الْعَفْوَ مَعَ الْقُدْرَةِ مِنْ صِفَاتِهِ ـ تَعَالَى، وَكَفَى بِذَلِكَ حَثًّا عَلَيْهِ، وَقَالَ مِنْ سُورةِ الحِجْرِ: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} الآيةَ: 85، وَقَالَ مِنْ سُورَةِ الشُّورى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} الآيةَ: 43، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ المُباركاتِ.
قولُهُ: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ؟ فَلْتَفْعُلُوا بِعِبَادِهِ مَا تُحِبُّونَ أَنْ يُفْعَلَ بِكُمْ، وَاللَّهُ ـ تباركَتْ أَسْماؤُهُ، غَفُورٌ في غايةِ المَغْفِرَةِ، مَعَ كَثْرَةِ ذُنُوبِ عِبَادِهِ، رَحِيمٌ في مُنْتَهَى الرَّحْمَةِ بخلقِهِ، فَلَا حُدودَ لِرَحْمَتِهِ كَمَا لَا حُدُودَ لِعَفْوِهِ ومَغفرَتِهِ، فَتَأَدَّبُوا بما أَرشَدَكمْ اللهُ إِلَيْهِ مِنْ آدَابَ، وَتَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِهِ، وَتشبَّهُوا بأهْلِ الفضلِ مِنْ عبادِهِ.  
قولُهُ: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فتَخَلَّقوا بأَخلاقِ اللهِ ليُحِبَّكمُ اللهُ وَيَرْضَى عَنْكُمْ، فارْحَمُوا خَلقَهُ لِيَرْحَمَكمْ، واغْفِرُوا لَهُمْ خَطيئَتَهم، لِيَغْفِرَ لَكُمْ خَطاياكُم، وَسَامِحُوهُمْ ليُسامحَكُمْ، والخلقُ كُلُّهُم عِيَالُ اللهِ ـ كَمَا قَالَ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ، في مَا أَخْرَجَهُ الأئمَّةُ ـ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالى: البَيْهَقِيُّ في "شُعَبُ الإيمانِ" (ح: 7445)، والطَّبَرَانيُّ في "المعجَمِ الكَبيرِ: (ح: 10033)، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ في مُسْنَدِهِ: (6/، رقم: 3315 و 3370)، مِنْ حَديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قال: قالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، وَأَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ)). وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا البَيْهَقِيُّ في (شُعَبُ الإيمانِ): (ح: 7448)، وَأَبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ: (2/102)، مِنْ حَديثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَأَنْفِقُوا عَلَى عيالِهِ يُنْفِقْ عَلَيْكُمْ. كما أخْرجَ الشيخانِ وغيرُهما في الصَّحيح مِنْ حديثِ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ((مَا مِنْ يَومٍ يُصْبِحُ الْعبَادُ فِيهِ إِلَّا وَمَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقَولُ أَحَدُهُما: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا))، وَكَذَا فِي الْمَسَاءِ عِنْدَ الْغُرُوبِ يُنَادِيَانِ أَيْضًا. صحيحُ البُخَارِي: (1374)، كِتَابُ: الزَّكاةِ، وَكِتَابُ الزَّكاةِ أَيْضًا مِنْ صحيحِ مُسْلِمٍ: (1010)، وَأَخْرَجَهُ أَبو داودٍ الطَّيَالِسِيُّ: "979"، وَأَحْمَدُ في المُسْنَدِ: (5/197)، والحاكِمُ: (2/445) وصَحَّحَهُ ووافقَهُ الذَّهَبيُّ، وَأَخرجهُ البَغَوِيُّ في شَرحِ السُّنَّةِ: (4045). ورَوَاهُ الطَّبَراني في "الكبيرُ" و "الأَوْسَطُ"
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي يَا بن آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ في الصَّحيحِ: (4407) كتابُ: التَّفْسيرِ، وَمُسْلِمٌ: (993)، في كِتابِ: الزَّكاةِ، مِنْ تفسيرِهِ. وَأَخْرَجَ الأئمَّةُ: أَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَةَ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي (الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ) عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ يَمِينَ اللهَ مَلْأَى لَا تَغِيضُها نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقِسْطُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ)). مُسْنَدُ أَحْمَدٍ: (2: 242) و (2: 500)، وصَحيحُ البُخارِيّ: (5: 213) و (8: 173)، وصحيح مسلم: (3: 77)، وَسُنَن التِّرْمِذِيِّ: (4: 317/ 5036)، والبغويُّ في "شَرْحُ السُّنَّةِ: (6 /154 ـ 155). كنز العمّال: (1: 224/ 1130).
وَرَدَ في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ الكَريمَةِ عَنِ السَّيِّدةِ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهَا وأَرْضاها، أَنَّها قَالَتْ: كَانَ مِسْطَحُ بْنُ أُثاثَةَ مِمَّنْ تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ، وَكَانَ قَرِيبًا لِأَبي بَكْرٍ، وَكَانَ فِي عِيَالِهِ، فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنْ لَا يُنيلَهُ خَيْرًا أَبَدًا. فَأَنْزَلَ اللهُ ـ تعالى: "وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُم وَالسَّعَةِ" قَالَتْ: فَأَعَادَهُ أَبُو بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، إِلَى عِيَالِهِ وَقَالَ: لَا أَحْلِفُ عَلى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا تَحَلَّلْتُها، وأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: حَلَفَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَنْفَعُ مِسْطَحَ بْنِ أُثَاثَةَ، وَلَا يَصِلُهُ، وَكَانَ بَينَهُ وَبَيْنَ أَبي بَكْرٍ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، فَأَقْبَلَ إِلَى أَبي بَكْرٍ يَعْتَذِرُ، فَقَالَ مِسْطَحٌ: جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، وَاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ، مَا قَذَفْتُها، وَمَا تَكَلَّمْتُ بِشَيْءٍ مِمَّا قِيلَ لَهَا، أَيْ خَالِي ـ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ خَالَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَكِنْ قَدْ ضَحِكْتَ، وَأَعْجَبَكَ الَّذِي قِيلَ فِيهَا، قَالَ: لَعَلَّهُ يَكونُ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ ـ تَعَالَى، فِي شَأْنِهِ قولَهُ: "وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ منكم والسَّعَةِ".
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: حَلَفَ أَبُو بَكْرٍ فِي يَتيمَيْنِ كَانَا فِي حِجْرِهِ، كَانَا فِيمَنْ خَاضَ فِي أَمْرِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَحَدُهُمَا مِسْطَحُ بْنُ أُثاثَةَ، قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، فَحَلَفَ لَا يَصِلُهُمَا، وَلَا يُصِيبَا مِنْهُ خَيْرًا. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الكَريمةُ: "وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ منكم والسَّعَةِ".
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تعالى: "وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُم" قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَال لَهُ مِسْطَحٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبي بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قَرَابَةٌ وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِهِ، وَكَانَ مِمَّنْ أَذَاعَ عَلَى السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنها، مَا أَذَاعَ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ بَرَاءَتَها وَعُذْرَهَا، تَأَلَّى أَبُو بَكْرٍ لَا يَرزؤُهُ خَيْرًا، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا أَبَا بَكْرٍ فَتَلَاهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: ((أَلَا تُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكَ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَاعْفُ عَنْهُ وَتَجَاوَزْ)). فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا جَرَمَ وَاللهِ لَا أَمْنَعُهُ مَعْرُوفًا كُنْتُ أُولِيهِ قَبْلَ الْيَوْمَ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} الواوُ}: للاسْتِئْنَافِ. وَ "لا" ناهِيَةٌ جَازِمَةٌ. و "يَأْتَلِ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَجْزُومٌ بـ "لا" النَّاهِيَةِ، وَعَلامَةُ جَزْمِهِ حَذْفُ حَرْفِ العِلَّةِ، وَهِيَ اليَاءُ. و "أُولُو" فَاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، وعلامةُ رَفعِهِ الواوُ لِأَنَّهُ مَلْحَقٌ بِجَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ. وَهُوَ مُضافٌ. وَ "الْفَضْلِ" مَجرورٌ بالإضافةِ إلَيْهِ. و "مِنْكُمْ" مِنْ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِقٌ بِحِالٍ مِنَ الفَاعِلِ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مَتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ، والميمُ: علامةُ الجَمْعِ المُذَكَّرِ. و "وَالسَّعَةِ" الواوُ: حَرفُ عَطْفٍ، و "السَّعَةِ" معْطُوفٌ عَلَى "الْفَضْلِ" مجرورٌ مِثْلُهُ. وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أَنْ: حرفٌ نَاصِبٌ مَصْدريٌّ، وَ "يُؤْتُوا" فِعْلٌ مُضارعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ"، وَعَلَامَةُ نَصْبِهِ حَذفُ النُّونِ آخِرِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأَفعالِ الخمْسَةِ، وواوُ الجماعَةِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِـ  "يُؤْتُوا"، مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ هي الفارِقَةٌ. و "أُولِي" مَفْعُولُهُ مَنْصوبٌ بِهِ، وعلامةُ نَصْبِهِ الياءُ لأَنَّهُ مُلْحقٌ بجَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالمِ، وَهُوَ مُضَافٌ، وَالقُرْبى مَجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. وَ "الْمَسَاكِينَ" وَ "الْمُهَاجِرِينَ" مَعْطُوفانِ عَلَى "أُولِي الْقُرْبَى" مَنْصُوبانِ مِثْلُهُ، وعَلَامَةُ النَّصْبِ الياءُ لأَنَّهُ جَمْعُ المُذَكَّرِ السَّالمُ. و "فِي" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "المُهَاجِرينَ" و "سَبِيلِ" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، مُضافٌ، ولفظُ الجلالةِ "اللَّهِ" مجرورٌ بالإضافةِ إلَيْهِ. وَجُمْلَةُ "يُؤْتُوا" الفعليَّةُ هَذِهِ في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بِحَرْفِ جَرٍّ مَحْذُوفٍ مُتَعَلِّقٍ بِـ "يَأْتَلِ"، مَعَ تَقَديرِ "لَا" النافيةِ؛ أَيْ: عَدَم إِيتاءِ "أُولِي الْقُرْبَى".
قولُهُ: {وَلْيَعْفُوا} الواوُ: عاطِفَةٌ. وَاللَّامُ: لَامُ الأَمٍرَ. و "يَعْفُوا" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَجْزومٌ بِلَامِ الأَمْرِ، وعلامَةُ جَزْمِهِ حَذْفُ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأَفْعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِليَّةِ. وَالجُمْلَةُ فِعْليَّةٌ مَعْطوفَةٌ عَلى جُمْلَةَ "يَأْتَلِ" عَلَى كَوْنِها مُسْتَأْنفةً لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْراب.
قولُهُ: {وَلْيَصْفَحُوا} الواوُ: حَرْفُ عَطْفٍ، وَ "لْيَصْفَحُوا" فِعْلٌ وَفاعِلُهُ، مَعْطُوفٌ عَلَى "لْيَعْفُوا" ولَهُ مِثْلُ إعْرابِهِ، وَ الجُمْلَةُ مَعطوفةٌ عَلَى جُمْلَةِ "لا يَأْتَلِ" أَيْضًا، عَلَى كَوْنِها مُسْتَأْنفةً لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْراب.
قوْلُهُ: {أَلَا تُحِبُّونَ}  أَلَا: الهَمْزَةُ: اسْتِفْهامِيَّةٌ، وَ "لَا" نافِيَةٌ. و "تُحِبُّونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجَازِمِ، وَعَلَامَةُ رَفْعِهِ ثُبوتُ النُّونِ في آخِرِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأَفْعالِ الخَمسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِليَّةِ. وَالجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هذِه مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْرَابِ.
قولُهُ: {أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} أَنْ: حَرْفٌ نَاصِبٌ مَصْدَرِيٌّ، وَ "يَغْفِرَ"، فِعْلٌ مُضارعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ" وَلفظُ الجلالةِ "اللهُ" مَرْفوعٌ بالفاعِلِيَّةِ. و "لَكُمْ" اللَّامُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَغْفِرَ"، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنيٌّ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ: للجمعِ المُذَكَّرِ وَالجُمْلَةُ في تَأْويلِ مَصْدَرٍ، مَنْصُوبٍ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ لِـ "تُحِبُّونَ"؛ والتقديرُ: أَلَا تُحِبُّونَ مَغْفِرَةَ اللهِ لَكُمْ؟.
قوْلُهُ: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الوَاوُ: حاليَّةٌ، ولفظُ الجلالَةِ "اللَّهُ" مرفوعٌ بالابْتِداءِ. وَ "غَفُورٌ" خَبَرُهُ الأَوَلُ مَرْفوعٌ. و "رَحِيمٌ" خَبَرٌ ثَانٍ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ، على الحالِ مِنْ فَاعِلِ "يَغْفِر".
قرَأَ الجُمْهُورُ: {يَأْتَلِ} فَيَجُوزُ أَنْ يكونَ على زِنَةَ "يَفْتَعِلُ" مِنَ "الأَلِيَّةِ" وَهِيَ الحَلْفُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ مِنْ أَلَوْتُ، أَيْ "قَصَّرْتُ" وَقَدْ تقدَّمَ الكلامُ عنهما في مَبْحثِ التفسيرِ.
وقال العُكْبُريُّ أَبو البَقاءِ: وقُرِئ "وَلَا يَتَأَلَّ" عَلَى وَزْنِ "يَتَفَعَّل" وَهُوَ مِنْ الأَلِيَّة أيْضًا. وَمِنْهُ قَوْلُ الفَارِسِ الشَّاعِرِ زَيْدُ بْنُ حُصَيْنِ بْنِ ضِرارٍ الضَبِيِّ:
تَأَلَّى ابنُ أَوْسٍ حَلْفَةً لِيَرُدَّني .............................. إلى نِسْوةٍ كأنَّهنَّ مَفائِدُ
قرأَ الجُمْهُورُ: {أَنْ يُؤْتُوا} عَلَى إِسْقَاطِ الجارِّ، والتَّقْديرُ: عَلَى القَوْلِ الأَوَّلِ، ولا يَأْتَلِ أُولوو الفَضْلِ عَلى أَنْ لَا يُحْسِنُوا. وَعَلَى الثَّاني: وَلَا يُقَصِّرَ أُولُو الفَضْل في أَنْ يُحْسِنُوا. وَقَرَأَ أَبُو حَيَوَةَ، وأَبُو البَرَهْسَمِ، وابْنُ قطيب "تُؤْتُوا" بِتَاءِ الخِطابِ. فيكونُ الْتِفاتًا مُوَافِقًا لِقَوْلِهِ: "أَلَا تُحِبون".
قرأَ الجُمْهورُ: {ولْيَعْفوا ولْيَصْفحوا} بياءِ الغيبةِ، وَقَرَأَ الحَسَنُ وَسُفْيَانُ بْنُ الحُسَيْنِ: "وَلْتَعْفُوا وَلْتَصْفَحُوا"، بتاء الخِطَابِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا بَعْدَهُ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 22
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 15
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 32
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:1
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 16
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 33 (1)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: