الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 108
قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {قالَ اخْسَؤُوا فِيها} في الآيةِ التي قبلَها طلبوا مِنَ الهِد ـ تَعَالى، أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنَ النارِ، وتعهَّدوا بأَلَّا يعودوا إلى كفرهم وشِرْكِهِمْ وطُغيانِهِم وظُلْمِهم.
وفي هَذِهِ الآيةِ المُباركَةِ جاءَهُمُ الرَّدَّ مِنَ الهُْ ـ تَعَالىَ وعَزَّ، على طَلَبِهِمْ بـ "اخْسَؤُوا فيها" وهي كلمةٌ للزَّجْرِ وَالشَتْمِ والطَّرْدِ، يَعْني أَنَّ طلَبَهُم لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ. ولمْ يَأْتِهِمُ الرَّدُ مُباشَرةً وسَريعًا مُبَالَغَةً في تَحْقيرِهِمْ والاسْتِهَانَةِ بِهِم، فقد قَالَ عَبْدٌ اللهِ بْنُ عَمرِو بْنِ العاصِ ـ رَضِيَ الهُْ عنهُما: إِنَّهُمْ لَا يُجَابُونَ إِلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مِثْلِ عُمْرِ الدُّنْيَا ثُمَّ يُجَابُونَ بِقولِهِ: "اخْسَؤُوا فِيهَا". رَوَاهُ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ": (13/152 ـ 153)، وَهَنَّادُ فِي "الزُّهْدِ": (1/158)، وَالطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ": (25/99)، وَابْنُ أَبي حاتِمٍ: (7/1 أ ـ ب)، والبَيْهَقِيُّ في "البَعْثُ والنُّشُورُ": (ص: 312)، والبَغَوِيُّ فِي "شَرْح السُّنَّةِ": (15/154).
وقالَ مُقاتِلٌ: يُرَدُّ عَلَيْهِمْ بَعْدَ مِقْدَارِ الدُّنْيَا مِنْذُ يَوْمِ خُلِقَتْ إِلَى أَنْ تَفْنَى سَبْعَ مَرَّاتٍ. "تَفْسيرُ مُقَاتِلِ ابْنِ سُليمانَ": (2/33 ب).
وَالفِعْلُ "خَسَأَ" هُوَ مِنْ بَابِ "مَنَعَ"، وَمَعْنَاهُ ذَلَّ وأُبْعِدَ وأُسْكِتَ. والخَاسِئُ مِنَ الكِلَابِ وغيْرِها المُبْعَدُ الَّذي لَا يَحقُّ لَهُ أَنْ يَدْنُوَ، والمَطْرُودُ، يقالُ: خَسَأَ الكَلْبَ ونَحْوَهُ يَخْسَؤُهُ خَسْأً وُخُسُوءًا، فَخَسَأَ وانْخَسَأَ، إِذا طَرَدَهُ وزَجَرَهُ، فَقَالَ لَهُ "اخْسَأْ". وَالخَاسِئُ المُبْعَدُ الصَّاغِرُ وَيَأْتِي الفعلُ "خَسَأَ" لازمًا وَمُتَعَدِّيًا.
قولُهُ: {وَلا تُكَلِّمُونِ} مُنِعُوا مِنْ خِطَابِ اللهِ ـ تَعَالَى، اسْتِهَانَةً بِهِم، وتحقيرًا وَتَيْئيسًا لَهُمْ مِنَ النَّجَاةِ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ عَذابِ الهِْ ـ تعالى، في نارِ جَهَنَّمَ، نَعُوذُ بالهَِ مِنْ غَضَبِهِ. وَهُوَ نَهْيٌ لَّهُمْ عَنْ جَمِيعِ أَجْنَاسِ الكَلَامِ أَيْضًا. وَانْظُرْ: "تَفْسِير الإمامِ الطَّبَري": (18/59)، وَ "تَفْسير الإمامِ الثَّعْلَبي": (3/65 أ).
قولُهُ تَعَالى: {قالَ}: فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هُوَ) يَعودُ عَلَى اللهِ ـ تعالى، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْراب.
قولُهُ: {اخْسَؤُوا فِيها} اخْسَؤُوا: فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على حَذْفِ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسةِ، وواوُ الجماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ فاعِلُهُ، والألفُ للتَّفريق. و "فِيهَا" في: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "اخْسَؤُوا"، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَالْجُمْلَةُ الفعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ
النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قَالَ".
قولُهُ: {وَلا تُكَلِّمُونِ} الواوُ: للعَطْفِ. و "لَا" ناهِيَةٌ جَازِمَةٌ. و "تُكَلِّمُونِ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَجْزُومٌ بِـ "لَا" النَّاهِيَةِ، وعلامةُ جَزْمِهِ حذْفُ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمْسَةَ. وَالنُّونُ: هَذِهِ نُونُ الوِقَايَةِ، وياءُ المُتَكَلِّمِ المَحْذوفَةٌ اجْتِزاءً عَنْهَا بِكَسْرَةِ نُونِ الوِقَايَةِ، ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على المَفْعُولِيَّةِ، وَالْجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفً عَلَى جُمْلَةِ "اخْسَئُوا" على كونِها مَقولَ القولِ لـ "قالَ".