الموسوعة القرآني
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 90
بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ} هوَ كَقَوْلِهِ آنِفًا في الآيةِ:
71، السَّابقةِ: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهُمِ}، أَيْ: فَإِنَّ الَّذِي أَتَيْنَاهُمْ بِهِ هوَ الْحَقُّ، يَعْنِي الْقُرْآنَ الكَريمَ. وفي هَذا إِبْطَالٌ لأَنْ يَكُونُوا مِنَ المَسْحُورِينَ، فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا خُيِّلَ إِلَيْهِمْ. وفيهِ رَدٌّ عَلَى اتِّهَامِ النَّبيِّ صَلَّى الهُْ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، بالسِّحْرِ.
وَفيهِ الْتِفَاتٌ بِالْعُدُولُ عَنِ الْخِطَابِ مِنْ قَوْلِهِ في الآيَةِ الَّتِي قبلَها: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}، إِلَى الْغَيْبَةِ في "أَتيْناهم"، لِأَنَّهُمُ الْمُوَجَّهُ إِلَيْهِمُ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ. وَفِي مُقَابَلَةِ الْحق بِـ "لَكاذِبُونَ" مُحَسِّنُ الطِّبَاقِ.
قولُهُ: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} وَالْعُدُولُ عَنِ الْخِطَابِ مِنْ قَوْلِهِ: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} الْمُؤْمِنُونَ: 89. إِلَى الْغَيْبَةِ الْتِفَاتٌ لِأَنَّهُمُ الْمُوَجَّهُ إِلَيْهِمُ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ.
وَقولُهُ هُنَا "الْحَقُّ" يَعْنِي أَيْضًا "الصِّدْقَ" فَي مُقابِلَ نِسْبَتِهِمْ إِلَى الْكَذِبِ بِقَوْلِهِ "كَاذِبُونَ"، أَي فِيمَا رَمَوْا بِهِ القُرْءَانَ الكَريمَ حِينْ قَالوا في الْآيةَ: 83، السَّابقةَ: {إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ}. فَيَكونُ فَي ذَلِكَ مُحَسِّنًا بَديعِيًّا هُوَ الطِّباقُ.
قولُهُ تَعَالى: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ} بَلْ: حَرْفُ إِضْرَابٍ وَابْتِدَاءٍ. و "أَتَيْنَاهُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتَّصالِهِ بضميرِ رَفعٍ مُتَحَرِّكِ هوَ "نا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهَ، و "نا" التَّعظيمِ هَذا ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، وَالهاءُ: ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ، والميمُ لتذِكيرِ الجَمْعِ. و "بِالْحَقِّ" الباءُ: حرفُ جَرٍّ لِلتَّعْدِيَةِ كَمَا يُقَالُ: ذَهَبَ بِهِ، أَيْ: أَذْهَبَهُ. وهوَ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَتَيْنَا"، أَوْ بِحالٍ مِنْ ضميرِ الفَاعِلِ مِنْ "أَتَيْنَا"؛ والتقديرُ: حَالَةَ كَوْنِنَا مُتَلَبِّسينَ بِالْحَقِّ، وَالْجُمْلَةُ فِعْلِيَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لها مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} الواوُ: للحالِ، وَ "إِنَّ" حَرْفٌ ناصِبٌّ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ، للتَّوْكيدِ، و و الهاءُ: ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ واسْمُ "إنَّ"، والميمُ لتذْكيرِ الجَمْعِ. و "لَكَاذِبُونَ" اللَّامُ: هي المُزَحْلَقَةُ للتَّوْكيِدِ (حَرْفُ ابْتِداءٍ). و "كَاذِبُونَ" خَبَرُ "إِنَّ"، مرفوعٌ بِهَا، وعلامةُ رَفعِهِ الواوُ لأنَّهُ جَمْعُ المُذكَّرِ السَّالِمُ، والنُّونُ عِوَضٌ مِنَ التَّنْوينِ في الاسْمِ المُفْرَدِ. وَجُمْلَةُ "إِنَّ" مَعَ اسْمِها وخبرِها في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحَالِ مِنْ ضَمِيرِ المَفْعُولِ في "أَتَيْنَاهُم"، وقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ تكونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جملةِ "أَتَيْنَا" عَلى كَوْنِهَا جملةً مُسْتَأنَفَةً ليسَ لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الإِعْرَابِ.
قرَأَ الجمهورُ: {أَتيناهُمْ} بِيَاءِ المُتَكَلِّمِ، وَقَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبي إِسْحَاق: "أَتَيْتَهم" بِتَاءِ الخِطَابِ للنَّبيِّ ـ صلَّى الهُْ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.