الموسوعة القرآني
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 88
قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(88)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} أَمْرٌ آخَرُ مِنَ اللهِ ـ تَعَالَى، لرسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ، وسؤالٌ آخَرُ يوَجِّهِهُ للمُشركينَ، في مَعْرِضِ إِقامَةِ الحجَّةِ عَلَيْهِمْ مِنْ مَنْطوقِ لِسانِهِمْ، وهيَ أَسْئلةٌ مُفحِمَةٌ لا يُمْكِنُهُمْ اِلَّا أَنْ يُجِابوا عَنْها بالإيجابِ.
وهذا السُّؤالُ الجَديدُ هُوَ عمَّنْ بِيَدِهِ أَمْرُ كُلِّ شَيْءٍ ومُلْكُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ ذكْرُهُ في الآياتِ السَّابقةِ، ومِمَّا لَمْ يُذْكَرْ، وَقَدْ جِيءَ هَذِهِ المَرَّةَ بِصِيغَةِ "مَلَكُوت" مُبَالَغَةً فِي الْمُلْكِ، أَيْ الْمُلْكُ الظَّاهِرُ المُطْلَقُ لِكُلِّ مَوْجودٍ، الشَّامِلُ لِكُلِّ الوُجُودِ، تَمَلُّكًا وتَصَرُّفًا وتقديرًا وتَدْبِيرًا.
قولُهُ: {وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} وَهُوَ يَمْنَعُ مَنْ يَشَاءُ مِمَّنْ يَّشاءُ ويَحْمِيهِ مِنَ السُّوءِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ شَيْءٌ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ شَيْئًا إذا أَرادَهُ ـ جَلَّ جَلالُهُ العَظِيمُ، بسُوءٍ. مِنْ أَجَارَ فُلانًا: إذا حَماهُ، وَأَجَارَ عَلَيْهِ: إِذَا حَمَى مِنْ بَطْشِهِ. وَقد عُدَّيَ هذا الفِعْلُ بِحرفِ الجَرِّ "عَلَى" لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى النُّصْرَةِ، أَوْ الاسْتِعْلاءِ.
قولُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} هوَ تَكْريرٌ لاسْتِهَانَتِهِمْ بالأمْرِ وَتَجْهِيلٍ لَهُمْ عَلَى مَا تقدَّمَ ذِكْرُهُ.
قولُهُ تَعَالى: {قُلْ} فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} مَنْ: اسْمُ اسْتِفْهامٍ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ. و "بِيَدِهِ" الباءُ: حَرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ، و "يدِ" مَجْرُورٌ بخَرْفِ الجَرِّ، مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فَي محلِّ الجَرِّ بالإِضافَةِ إِلَيْهِ. و "مَلَكُوتُ" مَرفوعٌ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ، وهوَ مُضافٌ، و "كُلِّ" مَجْرُورٌ بالإِضافَةِ إِلَيْهِ، مُضافٌ، و "شَيْءٍ" مجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وهذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ الرَّفعِ على كونِهَا خَبَرَ "مَنْ" الاسْتِفْهَامِيَّة، وَجُمْلَةُ "مَنْ" الاسْتِفْهَامِيَّةُ: فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قُلْ".
قولُهُ: {وَهُوَ يُجِيرُ} الواوُ: عَاطِفَةٌ، وَيجوزُ أَنْ تكونَ حالِيَّةً. و "هُوَ" ضميرٌ مُنْفَصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ. و "يُجيرُ" فعلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ النّاصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ "هو" يعودُ على اللهِ ـ تَعَالَى، والجملةُ الفعليَّةُ هَذِهِ خبَرُ المُبْتَدَأِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ إِمَّا عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "مَنْ" الاسْتِفْهَامِيَّةِ، على كونِها في محَلِّ النَّصْبِ بِـ "قُلْ"، أَوْ عَلَى الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَكِنِّ فِي الخَبَرِ.
قولُهُ: {وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} الوَاوُ: عَاطِفَةٌ، وَ "لَا" نافيةٌ، وَ "يُجَارُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مُغَيَّرُ الصِّيغَةِ، مَبْنِيٌّ للمَجْهولِ، مَرفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ. وَ "عَلَيْهِ" عَلَى: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِنَائِبِ فَاعِلٍ لِـ "يجارُ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في محلِّ الرَّفعِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "يُجِيرُ" على كونِها خبرَ المُبْتَدَأِ.
قولُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} إِنْ: شَرْطِيَّةٌ، و "كُنْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هوَ "تاءُ" الفاعِلِ، في مَحَلِّ الجَزْمِ فعلُ شرطِ "إِنْ"، و "تاءُ" الفاعِلِ المتحرِّكةُ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرَّفعِ اسْمُ "كانَ" والميمُ للجمعِ المذكَّرَ. ، وَجَوَابُ "إِن" الشَّرْطِيَّةِ مَحْذُوفٌ، والتقديرُ: إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ، فَأَخْبِرُوني، وجُملَةُ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قُلْ".
قولُهُ: {تَعْلَمُونَ} فِعْلٌ مُضَارِعٌ، مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الَّناصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفعِهِ ثُبُوتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بِالْفاعِليَّةِ. والجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ خَبَرُ "كانَ" في محلِّ النَّصْبِ.