الموسوعة القرآني
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 86
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ} في الآيةِ: 84، السَّابقةِ، أَمَرَ الهُِ ـ تَعَالى، نَبِيَّهُ ـ صَلَّى الهُع عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَسْأَلَ مُشْرِكِيِ مَكَّةِ عَنْ خالِقِ الأَرضِ وما عَلَيْها، وما لِكِهَا، والمُتَصَرِفِ فيها، وأَكَّدَ في الآيةِ: 85، التي بعدها، أَنَّهُمْ {سَيَقُولُونَ لهِا} وقدْ قالوَّا ذلكَ لأنَّهُ لا جوابَ لهم إلَّا هَذا الجَوابَ، فما مِنْ موجودٍ يمكنُ أَنْ يدَّعي ذلكَ ولا يمكنُ أَنْ يَقْبَلَ العقلُ جوابًا غيرَ هَذا.
وهنا يأمُرُ الحقُّ ـ جَلَّ وعَزَّ، أنْ يَسْأَلهُم، عنْ خالِقِ السَّمواتِ السَّبعِ وما في هِنَّ وخالقِ العَرْشِ العظيمِ الذي هوَ مَركَزُ القيادةِ والسيطرةِ عَلَى الوُجُودِ كُلِّهِ ـ كما يُعَبِّرُ العَسْكريُّونَ في العَصْرِ الحديث، وَمَنْ هوَ المُهَيْمِنُ على الموجوداتِ كُلِّها والْمُتَصَرِّفُ فيها جميعًا، ولذلكَ نَعَتَهُ العظيمُ ـ تَبَارَك وتَعَالَى، بِالْعَظِيمِ، وأَيُّ عَظَمَةٍ يمكنُ أنْ تَبْلُغَ شَأْوَ هَذِهِ العَظَمَةِ.
قولُهُ: {وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} رَبُّ العرشِ العظيمِ صاحِبُهُ الذي خَلَقَهُ، ومالِكُهُ المُهيمِنُ عليْهِ، وقرئَ "العظيم" بالضَّمِّ" فتكونُ العظَمَةُ مِنْ صِفاتِ الرَّبِّ ـ سُبْحانَهُ وَتَعَالى، والعَرْشُ: بِنَاءٌ مِنَ الخَشَبِ وهوَ مِنْ: عَرَشَ يَعْرُشُ ـ ويَعْرِشُ، عَرْشًا. وَبِئْرٌ مَعْرُوشَةٌ وَكُرُومٌ مَعْرُوشَاتٌ: ذاتُ عريشٍ، أَيْ: سَقْفٍ مِنْ خَشَبٍ. وما يتخَذُ لِكَرْمَةِ العنَبِ للتتسلَّقهُ وتُعَرِّشَ عليْهِ، والعَريشُ: وَشِبْهُ الْهَوْدَجِ يُتَّخَذُ على الرَّاحِلَةِ لِتَقْعُدَ فيه المَرْأَةُ. والجَمْعُ عُرُشٌ. وَعَرْشُ المَلِكِ، أَوِ السُّلطانِ: السَريرُ الذي يَقْعُدُ عَلَيْهِ ليُمارسَ سلطَتَهُ وسُلْطانَهُ، والعرْشُّ رمزُ الملكِ والسُّلْطانِ، وهوَ هنا في الآيةِ، رمْزٌ لسَطْوةِ الهَِ الهِن ـ جَلَّ جلالُهُ، وهيمنتِهِ على مخلوقاتِهِ. وقولُهُمْ ثُلَّ عَرْشُ فلانٍ، يعني وَهَى أَمْرُهُ وَذَهَبَ عِزُّهُ ومجدُهُ وسُلْطانُه. ومِنْ ذلكَ قولُ زُهَيْرِ بْنِ أبي سُلْمى يَمْدَحَ هَرَمَ بْنَ سِنانٍ والحارِثَ بْنَ عَوْفٍ. وقد أصلحا بَيْنَ قبيلتَيْ عبسٍ وذُبيانَ، وَدَفَعا دِيَّاتِ القَتْلى مِنَ القَبيلَتَيْنَ، فحقنا دماءهما:
تَداركْتُما عَبْسًا وَقَدْ ثُلَّ عَرْشُهَا ......... وَذُبْيَانَ إِذْ زَلَّتْ بِأَقْدَامِهَا النَعْلُ
وهُو تَمثيلٌ لِذَهابِ عِزِّهمْ وَفَناءِ دَوْلَتِهم.
قولُهُ تَعَالى: {قُلْ} فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ} مَنْ: اسْمُ اسْتِفْهَامٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ. وَ "رَبُّ" خَبَرُهُ مَرْفوعٌ، وهو مُضافٌ. وَ "السَّمَاوَاتِ" مَجرورٌ بالإضافَةِ إِلَيْهِ. وَ "السَّبْعِ" صِفَةٌ لِـ "السَّمَاوَاتِ" مَجْرُورٌ مِثْلُهُ. وهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القَوْلِ لِـ "قُلْ".
قولُهُ: {وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} الوَاوُ: للعَطْفِ، وَ "رَبُّ العَرْشِ" معطوفٌ عَلَى "ربَّ السماواتِ" مِنَ الجُمْلَةِ التي قبلَها ولهُ مِثْلُ إعرابِهَ. وَ "الْعَظِيمِ" بالجَرِّ: صِفَةٌ لِلْعَرْشِ، وَبِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِـ "رَبُّ".