الموسوعة القرآني
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 82
قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {قَالُوا أَئذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} هُوَ كَقَوْلِهِم فِي مَا نَقَلَ الهُم ـ تَعَالَى، عَنْهُمْ، فَقَالَ فِي الآيَةِ: 29، مِنْ سُورَةِ الأَنْعَام: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}. وَقالَ مِنْ سُورَةِ يَس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا ونَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} الآيةَ: 78. وقالَ مِنْ سورةِ الدُّخانِ: {إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ} الآيةَ: 35، وقالَ مِنْ سُورَةِ النَّازِعاتِ: {أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} الآيَتَانِ: (11 و 12).
وقدْ رَدَّ ـ تَعَالَى ذِكْرُهُ، عليهِمْ قولَهُمْ هَذَا في مَوَاضِعَ كَثِيرةٍ مِنْ كتابِهِ العزيزِ، فَقَالَ في الآيةِ: 5، مِنْ سُورَةِ الحجِّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ}، وقالَ مِنْ سورةِ الرُّومِ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} الآيةَ: 27، وقالَ مِنْ سُورَةِ يَس: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وهوَ بكلِّ خلقٍ عَلِيمٍ} الآيَةَ: 79.
قولُهُ تعالى: {قَالُوا} فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وَواوُ الجَماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفَاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ للتَّفْريقِ، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعراب.
قولُهُ: {أَئِذَا مِتْنَا} أَئِذَا: الهَمْزَةُ: لِلِاسْتِفْهامِ الإنْكاريِّ الاسْتِبُعَادِيِّ، وهِيَ دَاخِلَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ مَعْلُومٍ مِنْ جَوَابِ "إِذَا". و "إذا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ فيهِ مَعنى الشَّرطِ، خافضٌ لشَرطِهِ، مُتَعَلِّقٌ بجوابِهِ. و "مِتْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ هو ضميرُ جماعَةِ المُتَكَلِّمينَ "نَا"، وَ "نَا" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، وَالْجُمْلَةُ الفعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بإِضَافَةِ "إِذَا" إِلَيْهَا.
قَوْلُهُ: {وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا} الوَاوُ: للعَطْفِ، وَ "كُنَّا" فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ هو ضميرُ جماعَةِ المُتَكَلِّمينَ "نَا"، و "نَا" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ اسْمُ "كان"، وَ "تُرَابًا" خَبَرُها منصوبٌ بِها. وَ "وَعِظَامًا" الواوُ: للعَطْفِ، و "عِظَامًا" مَعْطُوفٌ عَلى "تُرَابًا" منصوبٌ بما نُصِبَ بِهِ، وجُمْلَةُ "كَنَّا" مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "مِتْنَا"، على كونِها في مَحَلِّ الجَرِّ، بإضَافَةِ "إذا"، كَوْنَهَا فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا، وَ "إِذَا" الظَّرْفيَّةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذوفٍ مَعْلُومٍ مِنَ الجَوَابِ، وليْسَ مُتَعَلِّقًا بِالْجَوَابِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ "إِنْ" لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا، كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ غيْرَ مَرَّةٍ.
قوْلُهُ: {أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} أَئِنَّا: الهَمْزَةُ: لِلِاسْتِفْهَامِ الإِنْكَارِيِّ التَّعَجُّبِيِّ. و "إِنَّا" إِنَّ: حرفٌ نَاصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ، للتَّوكيدِ. و "نَا" جماعَةِ المُتَكَلِّمينَ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُ "إِنَّ". و "لَمَبْعُوثُونَ" اللَّامُ: المُزحلقةُ للتوكيدَ (حرفُ ابْتِدَاءٍ). و "مبعوثوّن" خَبَرُ "إن" مَرْفوعٌ بها، وعلامةُ رَفعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ السَّالمُ، والنونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ. وَجُمْلَةُ "إن" جَوَابُ "إِذَا"، لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ، وَجُمْلَةُ "إِذَا" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ: "قَالُوا".
قَرَأَ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ: {أَئِذَا مِتْنَا} بِالِاسْتِفْهَامِ فِي: أَئِذَا مِتْنَا، وَحَذَفَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ، فِي "أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ"، بَلْ قَرَأَ: "إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ" ـ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ لِدَلَالَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْأَوَّلِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الثَّانِي الْمَحْذُوفِ.
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِالْعَكْسِ، فَحَذَفَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ، مِنْ "أَئِذَا"، وَقَرَأَ "إِذَا" بِدُونِ اسْتِفْهَامٍ، وَأَثْبَتَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: "أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ"، وَقَدْ دَلَّ الِاسْتِفْهَامُ الثَّانِي الْمُثْبَتُ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ، عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الْأَوَّلِ الْمَحْذُوفِ فِيهَا.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَعَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ بِالِاسْتِفْهَامِ فِيهِمَا مَعًا: "أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ" وَهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ فِي الْهَمْزَتَيْنِ، فَنَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو يُسَهِّلُونَ الثَّانِيَةَ، وَالْبَاقُونَ يُحَقِّقُونَهَا، وَأَدْخَلَ قَالُونُ، وَأَبُو عَمْرٍو وَهِشَامٌ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ أَلِفًا بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْقَصْرِ دُونَ الْأَلِفِ.
قرأَ الجُمْهورُ: {مُتْنا} بِضَمِّ الْمِيمِ، وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَالأخَوانِ (حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ)، وَقرَأَ حَفْصٌ، عَنْ عَاصِمٍ: "مِتْنَا" ـ بِكَسْرِها، عَلَى إِسْنَادِ الْفِعْلِ "مَاتَ" إِلَى تَاءِ الْفَاعِلِ.