الموسوعة القرآني
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 80
وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80)
قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} وهُوَ ـ سُبْحانَهُ، الذي يَهَبَ الحَياةَ لِمَنْ يَشَاءُ حَسْبَما يَقْتَضِيهِ علمُهُ وحِكْمَتُهُ وإِرادَتُهُ، فيُخْرِجُهُ مِنْ حَيِّزِ العَدَمِ إِلَى حَيِّزِ الوُجودِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يكونَ لِأَحَدٍ أَوْ لِشَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ رَأْيٌ أَوْ شَراكَةٌ مَعَهُ ـ تباركَ وتعالى.
قوْلُهُ: {وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} وَلَهُ أَيْضًا ـ جلَّ وعلا، "اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ" دونَ أَنْ يُؤَثِّرَ في اخْتِلَافِهِمَا أَحَدٌ غَيْرُهُ، واختلافُ الليْلِ والنَّهارِ: يعني تَعَاقُبَهُمَا، وهو مِنْ قَوْلِكَ: فُلَانٌ يَخْتَلِفُ إِلى المكانِ الفُلانيِّ إِذَا كانَ يَتَرَدَّدُ عَلَى ذلكَ المَكانُ جيئَةً وذَهَابًا، وَيجوزُ أنْ يكونَ مَعْنَى اخْتِلافِهِما الزِّيادَةُ والنُّقْصانُ فيهِما.
قولُهُ: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أَيْ: أَلَا تَتَفَكَّرُون بالنَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ في هَذا الكوْنِ العظيمِ كَيْفَ أَوْجَدَهُ الهَُ على أَكْمَلِ وَجْهٍ، وَنَظَّمَهُ أَدَقَّ نِظامٍ، وهوَ ـ سُبحانَهُ، يديرُهُ وَيَتَصَرَّفُ فيهِ كما يشاءُ بعظيمِ قُدْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يستَعينَ بِأَحَدٍ أوْ يُنيبَ عنهُ أَحَدًا، لتوصِلَهُم عُقولُهُم إلى أَنَّ الذي خلقَ هذا الخلقَ ونظَّمَهُ ويتصَرَّفُ بكلِّ ما فيهِ، هوَ الوحيدُ المُستحقُّ العبادةَ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي} الواوُ: حرفٌ للعَطْفِ، و "هوَ" ضميرٌ مُنْفَصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلى الفتْحِ في مَحلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ. و "الذي" اسْمٌ مَوْصولٌ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ خَبَرُ المُبْتَدَأِ، وَهذهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ منَ الآيةِ الَّتي قَبْلَها: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ} عَلَى كَوْنِها جملَةً مُسْتَأْنَفةً لَا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {يُحْيِي}: فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رَفعِهِ ضمَّةٌ مُقدَّرةٌ على آخِرِهِ لِثِقَلِ ظهورِها على الياءِ، وفاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يعودُ على الهِا ـ تَعَالَى، وَالْجٌمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ صِلَةُ الاسْمِ المَوْصٌولِ "الذي" لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قوْلُهُ: {وَيُمِيتُ} الواوُ: للعَطْفِ، و "يُميتُ" مَعْطُوفٌ عَلَى "يُحْيِ" قبلَهَ ولهُ مِثْلُ إعرابِه.
قولُهُ: {وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "لَهُ" اللَّامُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهَ في محلِّ الجَرِّ بحرْفِ الجَرِّ. و "اخْتِلَافُ" مَرْفوعٌ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ، وهوَ مُضافٌ، و "اللَّيْلِ" مجرورٌ بالإِضافةِ إِلَيْهِ. وَ "النَّهَارِ" مَعْطُوفٌ عَلَى اللَّيلِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ الصِّلَةِ على كونِها صِلَةَ الاسْمِ المَوْصولِ لَا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أفلا: الهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهامِ التَّوْبِيخِيِّ، داخِلَةٌ عَلى مَحْذوفٍ. والفاءُ: عاطفةٌ عَلى ذَلِكَ المَحْذوفِ. وَ "لا" نافيةٌ. وَ "تعقلونَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ، مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الَّناصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفعِهِ ثُبُوتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بِالْفاعِليَّةِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ الصِّلةِ السَّابقةِ "يُحْيِي" على كونِها صلةَ الاسْمِ المَوْصولِ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قرَأَ الجُمْهورُ: {تَعْقِلُونَ} على الخطابِ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرِو بْنِ العلاءِ ـ في رِوَايَةٍ عَنْهُ: "يَعْقِلُونَ" بالياءِ عَلَى أَنَّ الالْتِفاتَ إِلَى الغَيْبَةِ لِحِكايَةِ سُوءِ حَالِ المٌخاطَبِينَ.