الموسوعة القرآني
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 71
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} الْمُرَادُ بِالْحَقِّ هُنا هُوَ اللهُ ـ تَعَالَى، فإِنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى ـ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ" الحَقَّ، كَمَا جاءَ فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورَةِ الحَجِّ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ} الآيَةَ: 6، وَقَوْلِهِ مِنْ سورةِ النُّورِ: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} الآيَةَ: 25، وَهوَ قولُ أَكْثَرِ المُفَسِّرينَ، مِنْهم: مُجَاهِدٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرِهِمْ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
وَقيلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ فِي الْآيَةِ: هُوَ الْحَقُّ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْبَاطِلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ في الآيةِ: 70، السَّابقةِ مِنْ هَذِهِ السُّورةِ المُباركةِ: {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}، وَقدِ اخْتَارَ ابْنُ عَطِيَّةَ هَذَا الْقَوْلَ وَأَنْكَرَ الْأَوَّلَ.
وَعَلَيْهِ فَإِنَّ مَعْنَى الآيَةِ: أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ كَوْنُ الْحَقِّ مُتَّبِعًا أَهْوَائِهِمْ الَّتِي هِيَ الشِّرْكُ بِاللهِ وَادِّعَاءُ وَالْأَنْدَادِ، وَالْزَّوْجَةِ لَهُ والأَوْلَاد، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ المُسْتَحِيلَاتِ، لَفَسَدَ كُلُّ شَيْءٍ، لِأَنَّ الحَقَّ بهَذَا الْفَرْضَ يَصِيرُ أَبْطَلُ الْبَاطِلِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُومَ بِهِ السَّمَاواتُ وَالْأَرْضِونَ ولا يستَقِرَّ فيها نظامٌ، فإِنَّ اسْتِقَامَةَ نِظَامِ هَذَا الْكونِ لَا تُمْكِنُ إِلَّا بِقُدْرَةِ وَإِرَادَةِ إِلَهٍ واحِدٍ هُوَ الْحَقُّ مُنْفَرِدًا بِالتَّشْرِيعِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ـ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ.
وقالَ الفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: المُرادُ بالحقِّ في هَذِهِ الآيةِ هُوَ القُرْآنُ. فَيَكونُ المَعْنَى: لَوْ أَنَّ اللهَ نَزَّلَ القُرْآنَ بِمَا يُحِبُّونَ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَوْ أَنَّ اللهَ ـ سُبْحانَهُ، شَرَعَ لهُمْ مَا أَحَبُّوا تَشْرِيعَهُ، وَأَرسَلَ إلَيْهِمْ مَنِ اقْتَرَحُوا علَيْهِ إِرْسَالَهُ، فكانْ أَمْرُ التَّشْرِيعِ وَإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِحَسَبِ أَهْوَائِهِمُ الْفَاسِدَةِ، لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَمَنْ فِيهِنَّ، لِأَنَّ أَهْوَاءَهُمُ الْفَاسِدَةَ وَشَهَوَاتِهِمُ الْبَاطِلَةَ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا نِظامُ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ. وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذلكَ قَوْلُهُ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورةِ النِّساءِ: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} الآيةَ: 53، وَقَالَ مِنْ سورةِ الأَعْرَافِ: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} الآيةَ: 100، وقالَ مِنْ سورةِ الزُّخْرُفِ: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} الآيةَ: 31، وَقَدْ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِمْ في الآيَةِ الَّتِي بعدَها فَقَال: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} الْآيَةَ: 32، لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَوْ أُنْزِلَ عَلَى أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَهُوَ كَافِرٌ يَعْبُدُ الْأَوْثَانَ فَلَا فَسَادَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، فَالْعِبَادُ، مُخْتَلِفُو الآرَاءِ وَالأَهْوَاءِ، وَاللهُ هُوَ وَحْدَهُ الْكَامِلُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ وَتَدْبِيرِهِ لِخَلْقِهِ ـ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قولُهُ: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} أَيْ: بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِمَا فِيهِ شَرَفُهُمْ وَفَخْرُهُمْ، وَهُوَ القُرْآنُ الكَريمُ وما فيهِ مِنْ شَرعٍ حكيمٍ، وهمْ إِذا حَمَلُوه للعالَمِ ونَشَروهُ بَيْنَ النَّاسِ كانَ لَهُمُ شَرفُ الرِّيادةِ والقيادَةِ في الدُّنيا، وعَظِمُ الأجْرِ والثوابِ في الآخِرَةِ.
واخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي المُرادِ بِالذِّكْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: ذِكْرُهُمْ: فَخْرُهُمْ، وَشَرَفُهُمْ، لِأَنَّ نُزُولَ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فِيهِ لَهُمْ أَكْبَرُ الْفَخْرِ وَالشَّرَفِ، وَعَلَى هَذَا، فَتكونُ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورَةِ الزُّخرُفِ: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} الآيَةَ: 44. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الذِّكْرُ هُنَا: هُوَ الْوَعْظُ، فَتكونُ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرانَ: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} الآيةَ: 58. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الذِّكْرُ هُوَ مَا كَانُوا يَتَمَنَّوْنَهُ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورَةِ الصَّافَّاتِ: {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ} الآيَتانِ: (168 و 169)، فَتكونُ هَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورَةِ فاطِرٍ: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} الآيةَ: 42، فَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا} الْآيَةَ ذاتَها، كَقَوْلِهِ هُنَا، "فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ"، وَكَقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ الأنعام: {أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ} الآيةَ: 157. وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَخِيرِ كَثِيرَةٌ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ} الواوُ: اعْتِراضِيَّةٌ. وَ "لَوْ" شَرْطِيَّةٌ غيرُ جازمةٍ. وَ "اتَّبَعَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ. و "الْحَقُّ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ. و "أَهْوَاءَهُمْ" مَفْعولُهُ مَنْصوبٌ بِهِ، مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ، والميمً: للجمعِ المُذَكَّرِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ اعْتِراضِيَّةٌ بَيْنَ المُضْرَبِ عَنْهُ ـ وَهُوَ قَوْلُهُ {أَكْثَرُهُمْ للحَقِّ كارِهُونَ}، وَالْمُنْتَقَلِ إِلَيْها ـ وهي قَوْلُهُ: {أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ}، فَلَيسَ لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} اللَّامُ: رَابِطَةٌ لِجَوابِ "لَوْ" الشَّرطِيَّةِ غيرِ الجازمةِ. وَ "فَسَدَتْ" فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ، والتَّاءُ السَّاكنةُ لتأْنيثِ الفاعِلِ. و "السَّمَاوَاتُ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ. وَ "وَالْأَرْضُ" الواوُ: للعَطْفِ، و "الْأَرْضُ" مَعْطوفٌ عَلَيْهِ مَرفوعٌ مِثْلُهُ، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ جَوَابُ "لَوْ" الشَّرْطِيَّةِ غيرِ الجازمةِ، فَليسَ لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الإِعْرَابِ. وَجُمْلَةُ "لَوْ" مِنْ شَرْطِها وجوابِها جملةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُعْتَرِضَةٌ لاعْتِرَاضِهَا بَيْنَ المَعْطوفِ وَالمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فليسَ لها مَحَلٌّ مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَمَنْ فِيهِنَّ} الواوُ: للعَطْفِ، وَ "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى السَّمَوَاتِ. و "فِيهِنَّ" في: حرفُ جَرٍّ مُتَعلِّقٌ بِصِلَةٍ مُقدَّرَةٍ للاسْمِ الْمَوْصُولِ، و "هنَّ" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على الفتْحِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ.
قولُهُ: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} بَلْ: حَرْفٌ للإِضْرابِ والانْتِقَالِ. و "أَتَيْنَاهُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ "نا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، و "نا" التَّعظيمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفْعِ بالفَاعِلِيَّةِ، و "هُمْ" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ على المَفْعُولِيَّةِ. و "بِذِكْرِهِمْ" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَتَيْنَا"، وَ "ذِكْرِ" مَجْرُورٌ بحرْفِ الجَرِّ، مُضافٌ، و "هِمْ" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ.
وَالْجُمْلَةَ الفعليَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} الفاءُ: عَاطِفَةٌ. وَ "هِمْ" ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالابْتِدَاءِ. و "عَنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بالخبرِ "مُعْرِضُونَ" و "ذِكْرِ" مَجْرورٌ بحرْفِ الجَرِّ، مُضافٌ، و "هِمْ" ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ. وَ "مُعْرِضُونَ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ مَرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ السَّالمُ، والنُّونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ. وهَذِهِ الْجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ قَبْلَهَا على كونِها جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً ليسَ لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الإعْرَابِ.
قَرَأَ الجٌمْهُورُ: {وَلَوِ اتَّبَعَ} بِكَسْرِ الوَاوِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وقرأَ يحيى ابْنُ وَثَّابٍ "ولوُ اتَّبَعَ" بِضَمِّهَا تَشْبِيهًا لَهَا بِوَاوِ الضَّمِيرِ، كَمَا كُسِرَتْ واوُ الضَّمِيرِ تَشْبِيهًا بِهَا.
قرأَ الجمهورُ: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ} بِإسْنَادِ الفِعْلِ إِلَى ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ. وَالْمُرَادُ: أَتَتْهُمْ رُسُلُنَا.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرِو ابْنُ العلاءِ في رِوَايَةٍ: "آتَيْنَاهُمْ" بِالْمَدِّ بِمَعْنَى أَعْطيْنَاهُمْ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ المَفْعُولُ بِهِ الثاني غَيْرَ مَذْكُورٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ "بذِكْرِهم" والباءُ مَزيدَةٌ فِيهِ.
وقرأَ ابْنُ أَبي إِسْحَاقٍ، وعِيسَى بْنُ عُمَرَ، وَأَبُو عَمْرٍو في روايةٍ أُخرى
عنهُ أَيْضًا: "أَتَيْتُهم" بَتَاءِ المُتَكَلِّمِ وَحْدَهُ.
وَقرأَ أَبُو البَرَهْسِمِ الحِمْصِيُّ، عِمْرانُ بْنُ عُثْمَانَ الزُّبَيْدِيُّ، وأَبُو حَيَوَةَ شُريحُ بْنُ يزيدٍ الحَضْرَمِيُّ، وعَاصِمُ بْنُ العَجَّاجِ الجَحْدَرِيُّ البَصْرِيُّ أبو المُجَشِّرِ، وأَبُو رَجَاءٍ النَّقَّاشُ: "أَتَيْتَهُمْ" بِتَاءِ الخِطَابِ، فيَعُودُ الضَّميرُ إِلَى سَيِّدِنا رَسُولِ اللهِ ـ صلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قرأَ العامَّةُ: {بذِكْرِهم} وَقرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وأَبُو الجَوْزَاءَ، عَيْسَى بْنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الهَمْدَانِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: "بِذِكْرَاهُمْ" بِأَلِفِ التَأْنِيثِ.
وَقَرأَ قَتَادَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: "نُذَكِّرُهم" بِنُونِ المُتَكَلِّمِ المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، مَكَانَ بَاءِ الجَرِّ عَلَى أَنَّهُ مُضَارِعُ "ذَكَّرَ" الْمُشَدَّدِ، وَتَكونُ جملةُ "نُذَكِّرُهم" حَالِيَّةً.