الموسوعة القرآني
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 53
فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا} فَاءُ التَّعْقِيبِ هُنَا لِأَنَّ الْأُمَمَ لَمْ تَترَيَّثْ في أَخذِ قَرَارِها عَقِبَ تَبْلِيغِ المُرْسلينَ إِيَّاهُمْ قولَهُ ـ تَعَالى: {وَأَنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} الْآيةَ: 52 السَّابقةِ، فَاتَّخَذُوا آلِهَةً كَثِيرَةً، حتى صَارَ دِينُهُمْ مُتَقَطِّعًا، ومُوزَعا بينهم قِطَعًا قِطَعُا، فكانَ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ صَنَمُهمُ الخاصُّ بِهِمْ، وَلكُلِّ صَنَمٍ منْ هذِهِ الأصْنامِ عِبَادَتُهُ وطقوسُهُ الخَاصَّةُ بِهِ. فَالضَّمِيرُ في قولِهِ: "فَتَقَطَّعُوا" عَائِدٌ إِلَى الْأُمَمِ الْتي سَبقَ ذِكْرُها فَهُمُ الْمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ: {وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} الْآيةَ: 52 السَّابقةِ. وهوَ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ. فَالْكَلَامُ مَسُوقٌ لِذَمِّهم. وَلِذَلِكَ فإِنَّ في فَاءِ التَّعْقِيبِ هَذِهِ مَعْنَى التَّفْرِيعِ، فَقد تَفَرَّعَ عَلَى مَا أَمَرَهُمٌ اللهُ بِهِ مِنَ تَوْحِيدِهِ وعبادَتِهِ دونَ شَريكٍ أَنَّهُمْ أَتَوْا بِعَكْسِ ما طُلِبَ مِنْهُمْ، فَيكونُ فِي الْكَلَامُ تَعْجِيبٌ مِنْ حَالِهِمْ إِضافةً إِلى ذَمِّهم.
وَأَصْلُ التَّقَطُّعِ مُطَاوِعٌ لـ "قَطَّعَ". وَقد اسْتُعْمِلَ مُتَعَدِّيًا بِمَعْنَى "قَطَّعَ" المُفيدِ لِشِّدَّةِ التَّقْطيعِ، أَيْ: قَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ قِطَعًا كَثِيرَةً، أَيْ: تَفَرَّقُوا عَلَى مِلَلٍ ونِحَلٍ كَثِيرَةٍ، وَجَعَلَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ دِينًا خاصًّا بِهِ مُستقِلًا عَنِ الآخرينَ. وَنَظِيرُ هُذَا قوْلُهُم: "تَخَوَّفَهُ السَّيْرُ"، وَ "تَجَهَّمَهُ اللَّيْلُ"، وَ "تَعَرَّفَهُ الزَّمَنُ".
وَأْخَرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: "فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا" قَالَ: أَيْ تَقَطَّعُوا كِتَابَ اللهِ بَيْنَهُمْ فَحَرَّفُوهُ وَبَدَّلُوهُ. وَقَالَهُ أَيْضًا الْحَسَنُ البَصْرِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ.
وقَالَ مُجَاهِدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: هَؤُلاءِ هُمْ أَهْلُ الكِتَابِ. تَفْسِيرُ الإمامِ الطَّبَرِيِّ رَحمَهُ اللهُ ـ تَعَالى: (18/30).
وَقَالَ الكَلْبِيُّ: يَعْنِي مُشْرِكِيِ العَرَبِ وَالْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى تَفَرَّقوا أَهْواءً وأَحْزَابًا. ذَكَرَهُ عَنْه ابْنُ الجَوْزِيِّ: (5/478)، وَالرَّازِيُّ: (23/105).
وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ "فَتَقَطَّعُوا" فعلًا قَاصِرًا، وَأُسْنِدَ التَّقَطُّعُ إِلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِبْهَامِ، ثُمَّ مُيِّزَ بِقَوْلِهِ: "أَمْرَهُمْ" كَأَنَّهُ قِيلَ: تَقَطَّعُوا أَمْرًا، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ نُحَاةِ الْكُوفَةِ يُجَوِّزُونَ كَوْنَ التَّمْيِيزِ مَعْرِفَةً.
وَ "أَمْرَهُم": شَأْنَهُمْ وَأَمْرُ دِينِهِمْ. فَقَدْ جَاءَ "الْأَمْرُ" هُنَا بِمَعْنَى الْحَالِ والشَّأْنِ في الدينِ.
وَ "زُبُرًا" هُنَا جَمْعُ زَبُورٍ، وَهُوَ الْكِتَابُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "زُبُرًا" كُتُبًا. رَوَاهُ عَنْه الإمامُ الطَّبَرِيُّ في تَفْسِيرِهِ "جامعُ العُلومِ والحِكَمِ: (18/30). وَذَكَرَهُ الإمامُ السُّيُوطِيُّ فِي "الدُّرُّ المَنْثُورُ في التَّفسيرِ بالمَأْثورِ": (6/103) وَنِسَبَهُ أَيْضًا لِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وَابْنِ أَبي حَاتِمٍ، وابْنِ المُنْذِرِ فِي تَفَاسِيرِهِمْ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا" قَالَ: كُتُبُ اللهِ حَيْثُ فَرَّقوهَا قِطَعًا و "كُلُّ حِزْبٍ" يَعْنِي: كُلَّ قِطْعَةٍ، وَهَؤُلَاءِ أَهْل الْكِتَابِ. مِنَ اليَهُودِ والنَّصارى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُما، أَنَّهُ قالَ: "فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا": هَذَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْأَدْيَانِ، و "كُلُّ حِزْبٍ" كُلُّ قَوْمٍ، و "بِمَا لديهم فَرِحُونَ" أَيْ: مُعْجَبُونَ بِرَأْيِهِمْ. وَقَالَهُ أَيْضًا قَتَادَةُ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ، رَوَاهُ عَنْهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "تَفْسيرِهِ": (2/46)، وَالطَّبَرِيُ في تفسيرِهِ: (18/29)، وَذَكَرَهُ السُيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ المَنْثُورِ": (6/103)، ونَسَبَهُ أَيْضًا لِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وابْنِ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنِ المُنْذِرِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقٍ الزَّجَّجُ في "مَعَانِي القُرْآنِ وإِعْرابُهُ" لَهُ: (4/16). وَتَأْويلُهُ: أَنّضهُمْ جَعَلُوا دِينَهُمْ كُتُبًا مُخْتَلفَةً، وهو جَمْعُ "زَبُورٍ".
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: وَهِيَ كُتُبٌ أَحْدَثُوهَا يَحْتَجُّونَ فِيهَا لِمَذَاهِبِهِمْ. تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: (18/30)، وقالَهُ أَيْضًا الثَّعْلَبِيُّ في تَفْسِيرِهِ: (2/62 أ).
هذا وَقَدِ اسْتُعِيرَ اسْمُ الْكِتَابِ هنا لِلدِّينِ، ذلكَ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الدِّينِ أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِهِ كِتَابٌ، والظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الاسْتِعَارَةَ هي للتَّهَكُّمِ بِهِم، إِذْ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ فَرِيقٍ منهم كِتَابٌ حَقِيقَةً، وَإِنَّما اتَّخَذُوا عَقَائِدَ لِأَنْفُسِهِمْ يدينونَ بِهَا، لَوْ أَنَّها دُوِّنتْ لَكَانَتْ زُبُرًا.
قولُهُ: {كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} وَهُمْ لَيْسُوا بِحَالِ مَنْ يَفْرَحُ، وَالْحِزْبُ: هُمُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ يَجْتَمِعَونَ عَلَى أَمْرٍ مَّا، سَوَاءً أَكَانَ اعْتِقَادًا أَوْ عَمَلًا، وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَلِكَ.
و "بِمَا لَدَيْهِمْ" أَيْ: بما همْ عَلَيْهِ مِنْ فِكْرٍ ومُعْتَقَدٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُما: يُريدُ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ خِلَافِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَسْرُورُونَ.
وثَمَّةَ صِفَةٌ لِحِزْبٍ مَحْذُوفَةٌ هُنَا بِدَلَالَةِ الْمَقَامِ، أَيْ: كُلُّ حِزْبٍ مِنْهُمْ فَرِحٌ بِمَا لَدَيْهِ مِنْ دِينٍ واعْتِقَادٍ.
وَ "فَرحونَ" أَيْ رَاضُونَ جَذِلُونَ بِأَنَّهُمُ اتَّخَذُوا طَرِيقَتَهُمْ فِي الدِّينِ، فهمْ مَسْرُورُونَ بذلكَ أَعْلَى دَرَجاتِ السُّرورِ، لِأَنَّ الفَرَحَ هُوَ قُمَّةُ السُّرُورِ، وَشِدَّةُ الْمَسَرَّةِ. فقد قالَ مُقَاتِلُ ابْنُ سُلَيْمانَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: يَقُولُ: كُلُّ أَهْلِ مِلَّةٍ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الدِّينَ رَاضُونَ. "تَفْسِيرُ مُقاتِلْ": (2/31 أ).
وقالَ الفَرَّاءُ: يَقُولُ مُعْجَبُونَ بِدِينِهِمْ، يَرَوْنَ أَنَّهُمْ عَلَى الحَقِّ. "مَعَاني القُرْآنِ" له: (2/238).
أَيْ: كُلُّ حِزْبٍ مِنْهُمْ فَرِحٌ بِدِينِهِ مِنْ غَيْرِ استنادٍ إلى دَلِيلٍ أَوْ بُرْهَانٍ، وَلَا تفَكُّرٍ ولا تَبَصُّرٍ، بَلْ لِمُجَرَّدِ الْعُكُوفِ عَلَى أَمْرٍ وَرثوهُ عَنْ آبائهم وأجْدادِهم أَوِ اعْتَادوا عَلَيْهِ، وَهوَ أَمْرٌ مُتَقَرِّرٌ بَيْنَهُمْ مِنْ قَبْلُ، في دِينِهم الَّذِي ارْتَضَوْهُ لأنْفُسِهم، ولذلكَ فهُمْ يَشُنُّونَ الحَربَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ، وَيُعَادُونَهُ، ممَّا يُفْضِي إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ صفوفِ الْأُمَّةِ الْوَاحِدَةِ. وَلِذَلِكَ كانَ قوْلُهُ: "كُلُّ حِزْبٍ بما لديهِمْ فَرحونَ" صالحًا لأنَّ يُذَيَّلَ بِهِ قَوْلُهُ: {وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً}.
وهَذِهِ الجُمْلةُ الكريمةُ هِيَ تَذْيِيلٌ لِمَا قَبْلَهُا، وَفيهِا زِيادةُ ذَمٍّ لَهُمْ. وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّقَطُّعَ يَقْتَضِي التَّحَزُّبَ، وَلِذَلِكَ فَقَدْ ذُيِّلَ بِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ فَرِحٌ بِدِينِهِ ومُعْتَقَدِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا} الفاءُ: للاسْتِئْنَافِ، و "تَقَطَّعُوا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الضَّمِ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةَ، والأَلِفُ للتَّفْريقِ، وَ "أَمْرَهُمْ" مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الخَافِضِ؛ أَيْ: تَفَرَّقُوا فِي أَمْرِهِمْ، ويجوزُ أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، وَعُدِيَ "تَقَطَّعُوا" إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى "قَطَعُوا". و "بَيْنَهُمْ" منصوبٌ على الظَّرْفِيَّةِ الاعتباريَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَقَطَّعُوا" وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ علامةُ الجَمعِ المُذَكَّرِ. و "زُبُرًا" منصوبٌ على الحالِ مِنْ فَاعِلِ "تَقَطَّعُوا"؛ أَيْ: حَالَةَ كَوْنِهِمْ أَحْزَابًا مُتَخَالِفِينَ. وَالْجُمْلَةُ الفعْلِيَّةُ هذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} كُلُّ: مَرفوعٌ بالابْتِداءِ مُضافُ، وَ "حِزْبٍ" مَجرورٌ بالإضافَةِ إِلَيْهِ. و "بِمَا" الباءُ: حَرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "فَرِحُونَ"، و "ما" اسْمٌ موصولٌ مبنيٌّ على السُّكون في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "لَدَيْهِمْ" منْصوبٌ على الظَّرْفِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذوفِ صِلَةٍ لِـ "ما" المَوْصولةِ. و "فَرِحُونَ" خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ مَرْفوعٌ، وعلامةُ رَفعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ السَّالمُ، والنُّونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْ ضميرِ الفَاعِلِ في "تَقَطَّعًوا".
قَرَأَ الْجُمْهُورُ: {زُبُرًا} بِضَمِّ الزَّايِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، جَمْعُ زَبُورٍ، وَهُوَ الْكِتَابُ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بْنُ العلاءِ بِخِلَافٍ عَنْهُ "زُبَرًا" بِضَمِّ الزَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ جَمْعُ "زُبْرَةٍ" بِمَعْنَى قِطْعَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "زُبرًا" يُريدُ فِرَقًا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: قِطَعًا فِرَقًا، فَصَارُوا أَدْيانًا: يَهُودًا وَنَصَارَى وَصَابِئِينَ وَمَجُوسًا، وَأَصْنَافًا شَتَّى كَثِيرَةً. ذَكَرَهُ المَاوَرْدِيُّ في تفسيرِهِ: (4/57). وَقَالَهُ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيمانَ فِي "تَفْسيرَهِ": (2/31 أ).
وَقَالَ الفَرَّاءُ: المَعْنَى فِي "زُبُرٍ" و "زُبَرٍ" وَاحِدٌ. "مَعَانِي القُرْآنِ" لَهُ: (2/238). وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الزُبْرَةَ بِمَعْنَى القِطْعَةَ وَتُجْمَعُ عَلَى "زُبُرٍ" وَ "زُبَر"، وَعَلَيْهِ فلَيْسَ لِلكُتُبِ فِي الآيَةِ مَعْنَى، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الَّذينَ قَالوا بأَنَّ فِي الآيَةِ فَرْقًا وَقَطْعًا مِنَ المُفَسِّرين لَمْ يَقُولُوهُ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِفَتْحِ البَاءِ، وَإِنَّما فَسَّرُوهُ عَلَى قِرَاءَةِ العامَّةِ.
وَقَالَ أبو العبَّاسِ المُبَرِّدُ: "زُبَرًا" أَيْ: فِرَقًا مُخْتَلِفَةً، وَاحِدُهَا زَبُورٌ. وَالزُّبَرُ وَاحِدُهَا زُبْرَةً، وَهِيَ القِطْعَةُ. وَعَلى هَذَا فالزُّبُرُ الفِرَقُ والطَّوائفُ، واللهُ تَعَالَى أَعْلمُ.