الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 45
ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ} يُخْبِرُ اللهُ ـ تَعَالَى، أَنَّهُ بَعَثَ بَعْدَ الرُّسُلِ الَّذينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ، نَبِيَّهُ مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ ـ عَلَيْهِما السَّلَامُ، رَسُولَيْنِ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِالْآيَاتِ وَالْحُجَجِ الدَّامِغَاتِ وَالْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَاتِ، وَفي ذِكْرِ أُخُوَّةِ هارونَ لِمُوسَى ـ عَلَيْهِمَا السَّلَامٌ، إِشَارَةٌ إِلَى تَبَعِيَّتِهِ لَهُ فِي الإِرْسَالِ، واللهُ أَعلمُ.
قولُهُ: {بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} الْآيَاتُ: الْمُعْجِزَاتُ، والدَّلَائِلُ الَّتِي أَيَّدَ اللهُ بها نَبيَّيْهِ موسى وهارونَ ـ عَلَيْهِما السَّلامُ، وهي تِسْعٌ: يَدُهُ الَّتي كانَتْ تَخْرُجُ بَيْضَاءَ مُضيئَةً إِذا أَدْخَلها في جيْبِهِ، وَالعَصَا التي تَتَحَوَّلُ إِلى ثُعبانٍ مُخيفٍ عَظِيمٍ يلتَقِفُ ما يكونُ أَمامَهُ، وَالطُّوفانُ، والجَرَادُ، والقُمَّلُ، والضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَنَقْصُ الثَّمَرَاتِ، وَالطَّاعُونُ تِلْكَ الأُمُورُ الَّتي سَلَّطَها اللهُ عَلَى فِرعَونَ وقومِه. وليسَ فَلْقُ البَحْرِ، وَانْفِجَارُ العُيُونِ مِنَ الحَجَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ مُعجزاتٍ فيما بَعْدُ مِمَّا هُوَ غَيْرُ مَشْهودٍ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، لأنَّهُ غَيْرُ مُلائمٍ لِمُقْتَضِى المَقَامِ، لِأَنَّ المُرَادَ هُنَا مَا كَذَّبُوهُ وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهُ، لِقولِهِ ـ تَعَالَى، بَعْدَ ذَلِكَ: {فَكَذَّبُوهُمَا فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ} الآيةَ: 48، مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ المُبَاركةِ. فَأَمَّا انْفِلاقُ البحَرِ فقدْ عايَنُوهُ وهلَكوا فيهِ، وأَمَّا باقي المُعجِزاتِ والآياتِ فكانتْ بعدَ هلاكهم، ولذلكَ فهي غيرُ مقصودةٍ هُنَا لعدمِ دُخولِها فيما كَذَّبوا بِهِ.
وَالسُّلْطانُ المُبِينُ هوَ الحُجَّةُ الواضِحَةُ المُلْزِمَةُ للخَصْمِ أَنْ يُقَرَّ بِمَا دُعِي إِلَيْهِ، وَإِضَافَتُهَا إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ "نا" جاءَ لِتَعْظِيمِ شَأْنِهَا والتَّنْوِيهِ بِهَا. وَالسُّلْطَانُ الْمُبِينُ: هُوَ الْحُجَّةُ الْوَاضِحَةُ الَّتِي لَقَّنَهَا اللهُ لنبيِّهِ مُوسَى ـ عليْهِ السَّلامُ، فَانْتَهَضَتْ عَلَى حُجَجِ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ.
قولُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} ثُمَّ: حَرْفُ عَطْفٍ وَتَرَاخٍ. و "أَرْسَلْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رَفْعٍ متحَرِّكٍ هو "نا" المُعَظِّمِ نفسَهَ ـ سُبْحانَهُ، و "نا" التعظيمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. و "مُوسَى" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ، وعلامةُ نَصْبِهِ فتحةٌ مُقدَّرةٌ على آخِرِهِ لتعذُّرِ ظهورها على الأَلِفِ. وَ "وَأَخَاهُ" الواوُ: للعَطْفِ، وَ "أَخَاهُ" مَعْطُوفٌ عَلَى "مُوسَى" منصوبٌ مِثْلُهُ، وعلامةُ نَصْبِهِ الألِفُ لأنَّهُ مِنَ الأسماءِ الخمسةِ، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ. و "هَارُون" بَدَلٌ مِنْ "أَخَا" منصوبٌ مِثْلُهُ، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لَهُ، وَيَجوزُ أَنْ يكونَ مَنْصُوبًا عَلَى الاخْتِصَاصِ بِإِضْمَارِ "أَعْني"، ولمْ ينوَّنْ لأنَّهُ ممنوعٌ مِنَ الصَّرفِ بالعلميَّةِ والعُجْمةِ. و "بِآيَاتِنَا" الباءُ حرفُ جَرٍّ لِلْمُلابَسَةِ مُتَعَلِّقٌ بِحَالٍ مِنْ "مُوسَى" وَ "هَارُونَ" عَليْهِما السّلامُ؛ أَيْ: حَالَةَ كَوْنِهِمَا مُتَلَبِّسَيْنِ بِآيَاتِنَا، و "آيَاتِنَا" مَجْرُورٌ بحَرْفِ الجَرِّ، مُضافٌ، و "نا" ضميرُ المعَظِّمِ نفسَهُ ـ سُبْحانَهُ، مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "وَسُلْطَانٍ" الواوُ: للعَطْفِ، و "سُلْطَانٍ" مَعْطُوفٌ عَلَى "آياتِنَا"، مجرورٌ مِثْلُهُ. و "مُبِينٍ" صِفَةٌ لِـ "سُلْطانٍ" مَجْرورةٍ مِثلُهُ. وَالْجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} الآيةَ: 31، السَّابقةَ.