الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
(35)
قَولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} مِنْ صِفَاتِ المُؤمنينَ المُخْبِتِينَ المَذْكورينَ في الآيةِ التي قَبْلَها، وقدْ تقدَّمَ وَصْفُهُمْ هُناكَ بأَنَّهُمْ مُخْبِتُونَ، أَيْ مُتواضِعون لأَنَّ التَواضُعَ مِنْ صفاتِ الْمُؤْمِنُينَ وشِيَمِهِمْ، كَمَا أَنَّ التَّكَبُّرُ مِنْ سِمَاتِ الْمُشْرِكِينَ لِقَولِهِ ـ تَعَالَى، فيهم: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} الآيةَ: 35، مِنْ سُورةِ غَافِر. فقدْ وَصَفَ اللهُ عبادَهُ المُؤمنينَ هُنَا في هَذِهِ الآيةِ بأَرْبَعِ صِفاتٍ أُخْرَى هِيَ: ذِكْرُ اللهِ ـ تَعَالَى، والخَوْفُ الشَّديدُ مِنْهُ، فَالْوَجَلُ معناهُ الْخَوْفُ الشَّدِيدُ مِنْهُ عندَ ذِكْرِهِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْأَذَى فِي سَبِيلِهِ، وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ لمَرضاتِهِ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَى المُحْتَاجِينَ مِنْ خَلْقِهِ. وَكُلُّ هَذِهِ الصِّفَاتِ مَظَاهِرُ لِصِفةِ التَّوَاضُعِ سالفةِ الذِّكْرِ.
أَمَّا الوَجَلُ عندَ ذِكْرِ اللهِ فإنَّ المُتَّصِفَ بها هوَ مِنَ السَّبْعةِ الذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، فقد أخْرجَ الإمامُ أَحْمَدُ وغيرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حتَّ لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا فقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ)). أَخَرجَهُ الأئمَّةُ: أَحْمَدُ في مُسْنَدِه: (2/439، برقم: 9663)، والبُخَاري في صَحيحِهِ: (1/168، برقم: 660)، وَمُسْلِمٌ في صحيحِهِ: (3/93)، وَالتِّرمِذِيُّ في جامِعِهِ: (2391)، وَالنَّسَائيُّ في "السُّنَنُ الكُبْرَى": (5890)، وابْنُ خُزَيْمَةَ في صحيحِهِ: (358).
قولُهُ: {والصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ} الْمُرَادُ بِالصَّبْرِ: الصَّبْرُ عَلَى مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْأَذَى فِي سَبِيلِ التَمَسُّك بدينِهِمُ الْإِسْلَامِيِّ الحنيفِ. وَالصَّبْرُ خُلُقٌ إِيمانيٌّ كريمٌ وفَضِيلَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ ساميةٌ، إِذَا كَانَ تَخَلُّقًا بِأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِ وتَمَسُّكًا بِمَبادئِهِ وَالْتِزَامًا بِآدَابِهِ، قَالَ تَعَالَى مِنْ سُورةِ الْبَقَرَة: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} الآيَتَانِ: (155 ـ 156).
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ أَبُو بِسْطَامَ النَّبْطِيِّ البَلخيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قالَ: "الَّذينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ"، عِنْدَمَا يُخَوَّفُونَ، و "الصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُم"، مِنَ الْبلَاءِ وَالمُصِيبَاتِ.
وَحَسْبُ الصَّابرينَ مَعِيَّةُ اللهِ لَهُمْ، وحُبِّهِ إِيَّاهُمْ قَالَ ـ تَعَالَى مِنْ سُورةِ البقرةِ: {إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الآيةَ: 153، وَقَالَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: {وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} الآيةَ: 146. فأَيُّ شَرفٍ يعدِلُ هذا الشَّرَفَ، وأَيَّةُ غَنِيمَةٍ تَوَازي أَنْ يكونَ اللهُ معكَ ويُحِبُّكَ؟.
قَوْلُهُ: {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} الصَّلاةُ صِلَةٌ بيْنَ العبدِ وَرَبِهِ وَإِقَامَتُها بِأَدَائِهَا عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ حَسْبَمَا قَرَّرَهُ فُقَهاءُ الأَمَّةِ ونَصُّوا علَيْهِ ـ جَزَاهُمُ اللهُ خَيْرًا، وَلَا يَكونُ قِيَامُها إِلَّا بِخُشوعِ القَلْبِ فِيهَا وَحُضُورِهِ مَعَ رَبِّهِ ومَولاهُ، لِأَنَّ حُضُورَ القَلْبِ هُوَ رُوحُ الصَّلاةِ، وَبَاقِي أَركانِها وهَيْئَاتِها هِيَ الجَسَدُ وَالأَعْضاءُ، وَجَسَدٌ لَا روحَ فيهِ لَا يَقُومُ.
قولُهُ: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} الْمُرَادُ مِنَ الْإِنْفَاقِ هنا الْنَّفَقَةُ عَلَى الفقراءِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَالضُّعَفَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا هُوَ دَأْبُ الْمُخْبِتِينَ لِرَبِّ العالَمِينَ. وَأَمَّا الْإِنْفَاقُ عَلى الضَّيْوفِ وَالْأَصْحَابِ وَالنُّدَمَاءِ فِي مَجَالِسِ الشَّرَابِ وغيرِها. وَنَظِيرُ إِتْمَامِ الْأَيْسَارِ فِي مَوَاقِعِ المَيْسِرِ، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبيانيُّ:
إِنِّي أُتَمِّمُ أَيْسَارِي وَأَمْنَحُهُمْ ........ مَثْنَى الأَيَادِي وَأَكْسُوا الْجَفْنَةَ الْأُدُمَا
فَقَدْ كَانَتْ تِلْكَ عَادَةُ الأَثْرِياءِ المُتْرَفِينَ، وَالمُسْرِفِينَ الْمُتَكَبِّرُينَ مِنَ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ بُغْيَةَ اكَتِسابِ الحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَالسُّمْعَةِ الحسَنَةِ، كَما جاءَ فيما رواهُ أبو هُريرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ عنِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، أَنَّهُ قالَ: ((أَوَّلُ النَّاسِ يُقْضَى فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأَتَى اللهُ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ لَهُ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنْ قَاتَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، ثُمَّ أُمِرَ فَيُسْحَبُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى النَّارِ، وَأَتَى اللهُ بِرَجُلٍ قَدْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ لَهُ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ فَقَالَ: تَعَلَّمْتُ الْقُرْآنَ وَعَلَّمْتُهُ فِيكَ، وَقَرَأْتُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ؛ لِيُقَالَ: فُلَانٌ عَالِمٌ، وَفُلَانٌ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، ثُمَّ أُمِرَ فَيُسْحَبُ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى النَّارِ، وَأَتَى بِرَجُلٍ قَدْ أَعْطَاهُ اللهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فِيهَا فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ فَقَالَ: مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيْهَا، فَقَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَيُسْحَبُ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى النَّارِ)). أَخْرَجَهً الأَئمَّةُ: إِسْحاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ في مسندِهِ، والنَّصُّ لَهُ : (1/324)، والحاكم في مُسْتدركهِ: (1/189)، ووافقهُ الذَّهبيُّ، وأَبو نُعيمٍ في "الحِلْيةٍ": (2/192)، البَيْهقيُّ في "الآداب"، وفي "شُعَبُ الإيمان"، وفي السُّننِ الكُبرى: (9/283).
وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنْ يَجْمَعَ المَرْءُ بينَ تِلْكَ الصِّفَاتِ، فقد لا يَجِدُ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ مَا يُنْفِقُ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنْ لَا يُخِلَّ بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذهِ الصِّفاتِ عِنْدَ إِمْكَانِهَا.
قَولُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ} الذينَ: اسْمٌ موصولٌ مبنيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ الجَرٍّ نَعْتًا للمُخْبِتِيْنَ، أَوْ بَدَلًا مِنْهُمْ، أَوْ بَيَانًا لَهُمْ. ويجوزُ أَنْ يكونَ محلَّهُ النَّصْبُ عَلَى المَدْحِ. أَوِ الرَّفْعُ عَلَى إِضْمَارِ "هُمْ" وَهُوَ مَدْحٌ أَيْضًا، وَيُسَمَّى "قَطْعًا". و "إِذَا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ، مُتضَمِّنٌ معنى الشَّرطِ، خافضٌ لِشَرْطِهِ مُتَعلِّقٌ بجوابِه. و "ذُكِرَ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ مبنيٌّ على الفتْحِ، ولفظُ الجلالةِ "اللهُ" نَائِبٌ عَنْ فاعِلِهِ مَرْفوعٌ، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الجرِّ بِإِضَافَةِ "إِذَا" إِلَيْهَا عَلَى كَوْنِها فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا.
قولُهُ: {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} وجِلَتْ: فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ، والتاءُ السَّاكنةُ لتأنيثِ الفاعِلِ. و "قلوبُهُمْ" فَاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ، والميمُ: علامةُ جمعِ المُذكَّرِ. والجُمْلَةُ جَوَابُ "إِذَا" لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ، وَجُمْلَةُ "إِذَا" صِلَةُ للاسْمِ المَوْصُولِ "الذينَ"، وَالعائدُ ضَمِيرُ قُلُوبِهِمْ.
قوْلُهُ: {وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا} الوَاوُ: للعطْفِ، وَ "الصَّابِرِينَ" مَعْطُوفٌ عَلَى الاسْمِ الموصولِ "الذينَ". و "عَلَى" حَرْفُ جَرٍّ متعلق بـ "الصَّابِرينَ". وَ "مَا" اسمٌ موصولٌ مَبْنِّيٌ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرَّ بحرفِ الجَرِّ.
قولُهُ: {أَصَابَهُمْ}. فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلى الفَتْحِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هوَ) يعودُ "مَا"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ على المَفْعُولِيَّةِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ، والجَمْلَةُ صِلَةُ "مَا" المَوْصُولَةِ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} الوَاوُ: للعطفِ، و "الْمُقِيمِي" مَعْطُوفٌ عَلَى "الاسْمِ الموصولِ "الذينَ" أَيْضًا، وهوَ مُضافٌ، وَقدْ حُذِفَتْ نُونُهُ لِلإِضَافَةِ. وَ "الصَّلَاةِ" مَجرورٌ بالإضافَةِ إِلَيْهِ.
قوْلُهُ: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} الوَاوُ: للعطْفِ، و "مِمَّا"، مِنْ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُنْفِقُونَ"، و "ما" اسْمٌ مَوْصُولٌ بِمَعْنَى "الَّذي" مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "رَزَقْنَاهُمْ" فَعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ "نا" معظِّمِ نفسَهُ ـ سُبْحانَهَ، و "نَا" التَّعْظِيمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ على المَفْعولِيَّةِ، والميمُ: علامةُ تَذْكيرِ الجمعِ، وَالجُمْلَةُ صِلَةُ "ما" المَوْصُولَةِ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ، والعائدُ مَحْذُوفٌ، والتَّقْديرُ: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمُوهُ.
قولُهُ: {يُنْفِقُونَ} فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأَفعالِ الخمسَةِ، وَواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والجُمْلَةُ مَعْطوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ "إِذَا"، عَلَى كَوْنِهَا صِلَةَ "الَّذين"؛ أَيْ: الَّذينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهمْ وَيُنْفِقُونَ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ.
قَرَأَ العامَّةُ: {وَالْمُقِيمِيِّ الصَّلَاةِ} بِخَفْضِ "الصَّلَاةِ" بِإِضَافَةِ المُقِيمِينَ إِلَيْهَا. وَقَرَأَ الحَسَنُ، وَأَبُو عَمْرٍو ـ في رِوَايَةٍ، بِنَصْبِهَا عَلَى حَذْفِ النَّونِ تَخْفِيفًا، كَمَا يُحْذَفُ التَّنْوينُ لِالْتِقَاءِ السَاكنَيْنِ.
وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْأَعْمَشُ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، بِهَذَا الأَصْلِ: "والمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ" بِإِثْباتِ النُّونِ، وَنَصْبِ "الصَّلاةِ".
وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ: "وَالمُقِيمِ الصَّلَاةَ" بِمِيمٍ لَيْسَ بَعْدَهَا شَيْءٌ. وَهَذِهِ لَا تُخَالِفُ قِراءَةَ العامَّةِ لَفْظًا، وَإِنَّما تَظْهَرُ مُخَالَفَتُها لَهَا وَقْفًا وَخَطًّا.