وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: "وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى"، قَالَ: التَّمَام. أَيْ إلى تمامِ الخَلْقِ.
قولُهُ: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} أَيْ: ونُخْرِجُكمْ أَطْفالًا، فإنَّ "طِفْلًا" فِي مَعْنَى أَطْفَال، دَلَّ عَلَى ذلكَ مِيمُ جَمَاعَةِ الذُّكورِ، وَكَأَنَّما قَالَ: وَنُخْرِج كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ طِفْلًا. أَوْ أَنَّهُ نَصْبٌ عَلَى المَصْدَرِيَّةِ فِي مَوْضِعِ الحَالِ. وَقالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ، مَنْ سورةِ النُّورِ: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا} الآيةَ: 31، فَدَلَّ هَذَا أَيْضًا عَلَى مَصْدَرِيَّتِهِ.
أَيْ: بَعْدَ أَنْ نَخْلُقَكُمْ كالمُضْغَةِ عِظَامًا، ثُمَّ نَكْسُوا العِظامَ لَحْمًا، ثُمَّ نُنْشِئُ ذَلِكَ الْجَنِينَ خَلْقًا آخَرَ، نُخْرِجُكُم مِنْ بَطُونِ أُمَّهاتِكُمْ طِفْلًا فِي الْوَقْتِ الْمُحدَّدِ.
وَ "الطِّفْلُ" ـ بكَسْرِ الطاءِ، هوَ الصَّغيرُ أَوِ المَوْلودُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَيَشْمَلُ الإِنْسانَ وَالحَيَوانَ بَيِّنَ الطَّفَلِ وَالطَّفالَةِ وَالطُّفُولَةِ وَالطُّفُولِيَّةِ وَيُجمَعُ عَلى أَطْفَالٍ. والعَرَبُ تَقُولُ: جَارِيَةٌ طِفْلٌ، وَجَارِيَتَانِ طِفْلٌ، وجَوارٍ طِفْلٌ، وَغُلَامٌ طِفْلٌ، وَغِلْمَانُ طِفْلٌ. وَيَقولونَ: طِفْلٌ، وَطِفْلَةٌ، وَطِفْلانِ، وِطِفْلَتَانِ، وَأَطْفَالٌ، وَلَا يُقَالَ: طِفْلَاتٌ.
وَ "الطَّفْلُ" ـ بِفَتْحِ الطاءِ، هُوَ الرَّخْصُ النَّاعِمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ويُجْمَعُ عَلى طِفَالٍ وَطُفُولٍ، وهيَ طَفْلَةٌ. قالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبِ:
وَلَقَدْ لَهَوْتُ بِطَفْلةٍ مَيَّالَةٍ ................... بَلْهاءَ تُطْلِعُني عَلَى أَسْرارِها
أَرَادَ الشَّاعِرُ أَنْ يقولَ هَيَ غِرٌّ لَا دَهاءَ لَهَا، وَلِذَلِكَ فَهِيَ تُخْبِرُهُ بِأَسْرَارِها، وَلَا تَفْطَن لِمَا في ذَلِكَ مِنْ أَذًى وَخَطَرٍ عَلَيْهَا. أَوْ لأَنَّها غَلَبَتْ عَلَيْها سَلَامَةُ صَدْرِها، وصفاءُ طَوِيَّتِها، وَحُسْنُ ظَنِّها بِالنَّاسِ، لِأَنَّها أَغْفَلَتْ أَمْرَ دُنْياها فَجَهِلتْ حِذْقَ التَّصُرُّفِ في مِثْلِ هَذِهِ الأُمورِ. أَمَّا الطَّفَل بفتح الطاءِ والفاءِ فوقتُ ما بعد العصر، مِنْ قولِهم: طَفَلَتِ الشَّمْسُ إِذَا مالَتْ للغُروب. وأَطْفَلَتِ المَرْأَةُ: صَارَتْ ذَاتَ طِفْلٍ. وَطَفُلَ، طَفَالَّةً وَطُفُولَةً. وَالمُطْفِلُ مِنَ الإِنْسِ والوَحْشِ. ذَاتُ الطِّفْلِ، والجَمْعُ: مَطافِيلُ ومَطَافِلُ. وطَفَّلَ الكَلامَ تَطْفيلًا تَدَبَّرَهُ. وَالطَّفَلُ: ظُّلْمَةُ الليْلِ. وَالطُّفَيْلِيُّ، وَالطِّفْليلُ: مَنْ يَأْتي وَلائِمَ الطَّعامِ دُونَ دَعْوَةٍ.
قولُهُ: {ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} أَيْ: لِتَبْلُغُوا كَمَالَ قُوَّتِكُمْ وَعَقْلِكُمْ وَتَمْيِيزِكُمْ بَعْدَ أَنْ خَرَجِتُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالجَهْلِ لا تَمْلُكونَ أَيَّ قُوَّةٍ وَلَا تَعْلَمونَ أَيْ شَيْءٍ.
والأَشُدُّ مِنَ الشِّدَّةِ الصَّلابَةِ، وَهِيَ نَقِيضُ اللِّينِ، وَتَكونُ فِي الجَوْهَرِ والعَرَضِ، وتُجْمَعُ على شِدَدٍ، مِنْ شَدَّ يَشُدُّ ويَشِدُّ شَدًّا فَاشْتَدَّ وَكُلُّ مَا أُحْكِمَ فَقَدْ شُدَّ، وشُدِّدَ وشَدَّدَ هُوَ وَتَشَادَّ، وشيء شَدِيدٌ بَيِّنُ الشِّدَّةِ، والشَديدُ والمُشْتَدُّ القَوِيٌّ وَشَدَّ اللهُ مُلْكَهُ وَشَدَّدَهُ: قَوَّاهُ والتَّشْديدُ خَلَافُ التَّخْفِيفِ، والتَّشَدُّدُ في الأَمْرِ بعكسِ التساهُلِ فيهِ، وَشَدَّ عَلَى يَدِهِ أَيَّدَهُ وَقَوَّاهُ، وأَعَانَهُ. وتقولُ شَدَدْتُ الشَّيْءَ أَشُدُّهُ شَدًّا إِذا أَوثَقْتَهُ، كَقَولِهِ ـ تَعَالى: {فشُدُّوا الوَثاق} وَقولِه: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي}. وَرَجُلٌ شَديدٌ: قَوِيٌّ وجَمْعُهُ أَشِدّاءُ وَشِدادٌ وَشُدُدٌ، وشَادَّهُ مُشادَّةً وَشِدادًا غَالَبَهُ. وَالشِّدَّةُ المَجَاعَةُ، وصعوباتُ الزَّمانِ، وَمَكارِهُ الدَّهْرِ، والجَمْعُ شَدائِدُ، وَالمُتَشَدِّدُ وَالشَّديدُ: البَخِيلُ، قَالَ طَرَفَةُ بْنُ العبدِ:
أَرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرامَ ويَصْطَفي ....... عَقِيلَةَ مَالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ
وَالشَّدُّ: الحُضْرُ، والعَدْوُ، فَيُقالُ: اشْتَدَّ إذا عَدَا، قالَ رُشَيْدُ بْنُ رُمَيْضٍ الْعَنَزِيُّ:
هَذَا أَوَانُ الشَّدِّ فَاشْتَدِّي ............... زِيَمْ قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بِسَوَّاقٍ حُطَمْ
لَيْسَ بِراعِي إِبِلٍ وَلَا غَنَمْ .................... ولا بِجَزَّارٍ عَلى ظَهَرِ وَضَمْ
وَزِيَمْ: اسْمُ فَرَسِهِ وفي الحَدَيثِ الشَّريفِ عَنْ السُّدِّيِّ قَالَ سَأَلْتُ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ عَنْ قَوْلِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فَحَدَّثَنِي أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ((يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ ثُمَّ يَصْدُرُونَ مِنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ، فَأَوَّلُهُمْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، ثُمَّ كَالرِّيحِ، ثُمَّ كَحُضْرِ الْفَرَسِ، ثُمَّ كَالرَّاكِبِ فِي رَحْلِهِ، ثُمَّ كَشَدِّ الرَّجُلِ، ثُمَّ كَمَشْيِهِ)). أَخْرَجَهُ الأئمَّةُ: أَحْمَد: (1/434، رقم: 4141)، والتِّرْمِذِي أَبو عيسى: (5/317، رقم: 3159) وحَسَّنَهُ، وَالحاكِمُ: (4/629، رقم: 8741) وَقالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وأَخْرَجَهُ أَيْضًا: الدَّارِمِيُّ: (2/424، رقم: 2810). وأَشُدُّ الرَّجُلِ بُلوغُهُ الحُنْكَةَ والمَعْرِفَةَ، قَالَ تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ}، وَواحِدُ الأَشُدِّ: شَدٌّ فِي القِياسِ والواحِدَةُ شِدَّةٌ وهيَ القُوَّةُ والجَلَادَةُ وَيقالُ بَلَغَ الرَّجُلُ أَشُدَّهُ إِذَا اكْتَهَلَ، وَقالَ الزَّجَّاجُ أَبو إسْحاق: هُوَ مِنْ نَحْوِ سَبْعَ عَشْرَةَ إِلَى الأَرْبَعِينَ، وقالَ غيرُهُ: هُوَ مَا بَيْنَ الثَّلاثينَ وَالأَرْبَعْينَ، وَيُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ. وَقالَ الأَزْهَرِيُّ: الأَشُدُّ في كِتَابِ اللهِ تَعَالى في ثَلاثَةِ مَعَانٍ يَقْرُبُ اخْتِلافُها، فَأَمَّا قَوْلُهُ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} فَمَعْنَاهُ الإِدْرَاكُ والبُلُوغُ، وَحِينَئِذٍ رَاوَدَتْهُ امْرَأَةُ العَزِيزِ عَنْ نَفْسِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تقْرَبوا مَالَ اليَتيمِ إِلَّا بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ مَعْنَاهُ: احْفَظُوا عَلَيْهِ مَالَهُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ، فإِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ فَادْفَعُوا إِلَيْهِ مَالَهُ. قَالَ: وبُلُوغُهُ أَشُدَّهُ أَنْ يُؤْنَسَ مِنْهُ الرُّشْدُ مَعَ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} حَتَّى يَبْلُغَ ثَمَانيَ عَشْرَةَ سَنَةً. قالَ أَبو إِسْحَقٍ الزَّجَّاجُ: لَسْتُ أَعْرِفُ مَا وَجْهُ ذَلِكَ، لأَنَّهُ إِنْ أَدْرَكَ قَبْلَ ثَمَاني عَشْرَةَ سَنَةً وَقَدْ أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ فَطَلَبَ دَفْعَ مَالِهِ إِلَيْهِ وَجَبَ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ الأَزْهَرِيُّ: وَهَذَا صَحيحٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ، وَفِي صِحاحِ الجوهَرِيِّ: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} أَيْ: قُوَّتَهُ، وَهُوَ مَا بَيْنَ ثَمَاني عَشْرَةَ إِلَى ثَلاثينَ، وَهُوَ وَاحِدٌ جاءَ عَلى بِنَاءِ الجَمْعِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى عليْهِ السَّلامُ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} فإِنَّهُ قَرَنَ بُلُوغَ الأَشُدِّ بِالاسْتِوَاءِ، وَهوَ أَنْ يَجْتَمِعَ أَمْرُهُ وَقُوَّتُهُ وَيَكْتَهِلَ وَيَنْتَهِيَ شَبابُهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ ـ تَعَالَى، منْ سُورَةِ الأَحْقافِ: {حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعينَ سَنَةً} فَهُوَ أَقْصَى نِهَايَةِ بُلُوغِ الأَشُدِّ، وَعِنْدَ تَمَامِهَا بُعِثَ سيِّدُنا مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا رِسُولًا، وَقَدِ اجْتَمَعَتْ حُنْكَتُهُ وَتَمَامُ عَقْلِهِ، فَبُلوغُ الأَشُدِّ مَحْصُورُ الأَوَّلِ مَحْصُورُ النِّهايةِ غَيْرُ مَحْصُورِ مَا بَيْنَ ذَلِكَ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قولُهُ: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى} أَيْ: ومِنْكمُ مَنْ يتوفاهُ اللهُ قَبْلِ بُلُوغِهِ أَشُدَّهُ، فيَمُوتُ قبلَ أَنْ تَكْتَمِلَ رُجُولَتَهُ، لِأَنَّ بلوغَ الأَشُدِّ يَعْنِي اكْتِمالَ الرُّجولةِ، عَلَى نحوِ ما بَيَّناهُ آنِفًا.
قولُهُ: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} وَمِنْكُمْ مَنْ يَطولُ عُمْرُهُ، ويُمَدُّ فِي أَجَلِهِ، حَتَّى يَهْرَمَ، مِنْ بَعْدِ شَبَابِهِ وَبُلُوغِهِ أَشُدَّهُ وَهوَ غايةُ قوَّتِهِ جِسْمًا وَعَقْلًا، فَيَعُودُ إِلَى الضَّعْفِ فيهِما، فَيَهْرَمُ وَيُسَيْطِرُ الوَهْنُ عَلَى جِسْمِهِ، ويحتاجُ مَنْ يُساعِدُهُ في طعامِهِ وشَرابِهِ حَرَكتِهِ وَنَظَافَةِ جِسْمِهِ، وَكَأَنَّهُ عَادَ إِلى مَرْحَلَةِ الطُّفولةِ بكُلِّ ما تَحْتَاجُ مِنِ اهْتِمَامِ مَنْ حَوْلَهُ وَعِنَايَتِهم بِهِ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِـ "أَرْذَلِ الْعُمُرِ".
قوْلُهُ: {لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} حيثُ يضْعُفُ عَقْلُهُ، ويَتَبَخَّرُ عِلْمُهُ، ويَذْهَبُ فهْمُهُ، وَتَمَّحي ذَاكِرتهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: يُريدُ يَبْلُغُ مِنَ السِّنِّ مَا يَتَغَيَّرُ فيهِ عَقْلُهُ حَتَّى لَا يَعْقِلُ شَيْئًا. قالَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا في أَهْلِ الشِّرْكِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ لَمْ يَصِرْ بِهَذِهِ الحَالَةِ، واحْتَجَّ بِقَوِلِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورةِ التِّينِ: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآيتانِ: (5 و 6)، قَالَ: إِلَّا الذينَ قَرَأُوَا القُرْآنَ.
قولُهُ: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً} بعْدَ أَنْ ذكَرَ اللهُ ـ تَعَالَى، للنَّاسَ مَرَاحَلَ رِحْلةِ النَّاسِ في هَذِهِ الحَيَاةِ، وبَيَّنَ الأَطْوَارَ الَّتي يَمُرُّ بِهَا خَلْقُهُم، وَالْأَحْوَالَ الَّتي تَتَعَرَّضُ لَهَا حياتُهُم، دَلَّهُمْ عَلَى قُدْرتِهِ عَلَى إِحْيَائِهِمْ مَرَّةً ثانِيَةً، ممثِّلًا لهم بالأَرضِ الَّتي تكونُ مَيِّتَةً في فَصْلِ الصَّيفِ خَالِيَةً مِنْ مَظاهِرِ الحَيَاةِ بسببِ الجفافِ وارتفاعِ درجاتِ الحرارَةِ، فَتَبْدُوا هَامِدَةً جَامِدَةً باهِتَةً لَا نُضْرَةَ فيها ولا حَيَاةَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالى: "وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً" قَالَ: لَا نَبَاتَ فِيهَا.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالى: "وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً" أَيْ غَبْرَاءَ مُتَهَشِّمَةً.
وَ "هَامِدَةً" سَاكِنَةً خاشِعَةٌ لَا حَرَكَةَ فَيهَا، وَلَا نَبَاتَ وَلَا حَيَاةَ، مِنْ هَمَدَ يَهْمُدُ هُمُودًا، وَهَمَدَ الثَّوبُ: بَلِيَ. ومنهُ قَولُ الأَعْشَى:
قالَتْ قُتَيْلَةُ مَا لِجِسْمِكَ شَاحِبًا؟ ............ وَأَرَى ثِيابَكَ بَالِياتٍ هُمَّدا
وهَمِدَ: مَاتَ، والهُمُودُ: المَوْتُ والانْطِفَاءُ وَالبِلَى والفَنَاءُ. وَنَبَاتٌ هَامِدٌ، أَيْ: يَابِسٌ.
وَهَمَدَتِ النَّارُ تَهْمُدُ هُمُودًا: انْطَفأَتْ وَذَهَبَتِ. وَالهَمْدَةُ: السَّكْتَةُ. وأَهْمَدَ: سَكَتَ عَلَى مَا يَكْرَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاعِي النُّميري:
وإِنِّي لَأَحْمِي الْأَنْفَ مِن دُونِ ذِمَّتي .... إِذَا الدَّنِسُ الوَاهِي الْأَمَانَةِ أَهْمَدَا
وَأَهْمَدَ فِي المَكَانِ: أَقَامَ فِيهِ. وأَهْمَدَ فِي السَّيْرِ: أَسْرَعَ فيهِ. فَهُوَ مِنَ الأَضْدَادِ. فقدْ فشَبَّهُ اللهُ ـ تَعَالى، فِهَذِهِ الآيةِ الكريمةِ الأَرضَ بِالْمَيِّتِ الذي حِسَّ لَهُ.
قولُهُ: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} دَلَّنَا اللهُ ـ تَعَالَى، بإحيائهِ الأَرْضَ بعدَ مَوْتِها، وإِعادَتِهِ الحياةَ إِلَيْها، بِمُجَرَّدِ سِقَايَتِها بمِياهِ الأَمْطارِ، عَلَى قُدْرتِهِ في أَنْ يُحْيَيَ المَوْتَى بعْدَ أَنْ تَبْلَى أَجَسَادُهُم، وتتلاشَى أَشْلاؤهم، وَتَتَنَاثَرَ ذَرَّتها وَأَجْزاؤها. فَكَمَا أَنَّ الأَرْضَ تَعُودُ مُخْضَرَّةً نَضِرةً تُزَيِنُها الأَزْهارُ مُنْ كُلِّ نَوْعٍ وَلَوْنٍ، وَهَذَا الأَمْرُ يَتَكَرَّرُ في كُلِّ عامٍ، وَيَرَاهُ الجَميعُ. كَذَلِكَ فإنَّهُ ـ سُبْحانَهُ، يُحْيَ البَشَرَ ويُعِيدُهُم إلى الحياةِ مَرَّةً ثانيةً يَوْمَ القِيَامَةِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالى: "فَإِذا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ" يَقُول: نُفَرِّقُ الْغَيْثَ فِي سَبَخَتِهَا وَرُبوعِهَا.
قولُهُ: {وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} الزَّوْجُ: خلافُ الفَرْدِ، فيُقالُ للاثْنَيْنِ: زَوْجانِ، وَهُمَا زَوْجٌ. أَي كلٌّ منهما زوجُ الآخَرِ. وَ "البَهيجُ" النَّضِرُ الحَسَنُ الذي يَسُرُّ النَّاظِرَ إِلَيْهِ. وَقَدْ بَهُجَ بالضَّمِ بَهاجَةً وبَهْجَةً أَيْ: حَسُنَ. وَأَبْهَجَنِي هَذا المَنظَرُ، أَيْ: سَرَّني بِحُسْنِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالى: "وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ"، قالَ: أَيْ حَسَنٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُما، فِي قَوْلِهِ: "زَوْجٍ بَهِيجٍ" قَالَ: حَسَنٍ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} يَا: حَرْفُ نِدَاءٍ للبعيدِ. و "أَيُّ" مُنَادَى نَكِرَةٌ مَقْصُودَةٌ، مَبْنِيٌّ عَلى الضَّمِّ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى النِّداءِ، و "ها": حَرْفٌ للتَّنْبِيهِ. و "النَّاسُ" صِفَةٌ لِـ "أَيُّ" مرفوعَةٌ مثلُها، أَوْ مرفوعٌ على البَدَلِ مِنْهَا، وَجُمْلَةُ النِّداءِ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قوْلُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ} إِنْ: حَرفُ شَرطٍ جازِمٌ، وَ "كُنْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ نَاقِصٌ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ، والتَّاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على الضَّمِّ في محلِّ الرَّفعِ اسْمُ "كانَ"، والميمُ: علامةُ جَمْعِ المُذَكَّرِ. و "فِي" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرِ "كانَ"، و "رَيْبٍ" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "مِنَ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِالخَبَرِ "في رَيْبٍ" أَوْ بِصِفَةٍ لَهُ. وَ "الْبَعْثِ" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وجملةُ "كانَ" مِنِ اسْمِها وخبرِها فِي مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِهِ فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا.
قوْلُهُ: {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} الفاءُ: رَابْطَةٌ لِجَوَابِ الشَّرطِ، و "إِنَّا" إِنَّ: حرفٌ نَاصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ، وَ "نَا" ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ. وَ "خَلَقْنَاكُمْ" فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ، و "نَا" ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، وَالكافُ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى المَفْعُوليَّةِ، والميمُ: للجمعِ المُذكَّرِ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "خَلَقْنَا"، و "تُرَابٍ" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "إِنَّ"، وَجُمْلَةُ "إِنَّ" مِنِ اسْمِها وخبرِها فِي مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِهَا جَوَابًا لَهَا، وَلَكِنَّهُ عَلَى تَأْويلِ: فَمُزِيلُ رَيْبكُمْ، إِنْ تَنْظُروا فِي بِدْءِ خَلْقِكُمْ، وَجُمْلَةُ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةُ جَوَابُ النِّداءِ، فَلَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قوْلُهُ: {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} ثُمَّ: حَرْفُ عَطْفٍ وَتَرْتِيبٍ وَتَراَخٍ، و "مِنْ نُطْفَةٍ" جارٌّ وَمَجْرُورٌ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: "مِنْ تُرَابٍ" وَقدْ عُطِفَ هوَ ومَا بَعْدَهُ بِـ "ثُمَّ" للدَّلالَةِ عَلَى وُجُودِ تَرَاخٍ فِي تَطَوُّرِ الخَلْقِ، والتَّدَرُّجِ فيهِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ. وَ "ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ" و "ثمَّ مِنْ مُضْغَةٍ" مِثْلُ "ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ" مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. و "مُخَلَّقةٍ" صِفةٌ لـ "مُضْغَةٍ" مجرورةٌ مِثلُها. وَ "غَيْرِ" مَعْطُوفٌ عَلَى "مُخَلَّقَةٍ" مجْرورٌ مِثْلُهُ، و "مُخَلَّقةٍ" مجرورٌ بالإِضافةِ إِلَيْهِ.
قوْلُهُ: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} اللَّامُ: لامُ "كي" حَرْفُ جَرٍّ وَتَعْلِيلٍ، و "نُبَيِّنَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ" مُضْمَرَةً بَعْدَ لَامِ "كي" جَوَازًا، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (نحنُ) يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَعَالى. و "لَكُمْ" اللامُ حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "نُبَيِّنَ"، وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ، مَجْرُورِ بِلَامِ "كي"، مُتَعَلِّقٌ بِقولِهِ: "خَلَقْنَا"، وَمَفْعُولُ التَبْيِينِ هُنَا مَحْذُوفٌ لِلتَّفْخِيمِ والتَّعْظيمِ، والتَّقْديرُ: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ عَلَى هَذِهِ الأَطْوَارِ المَذْكورَةِ، لِتَبْيِينِ دَلَائِلِ قُدْرَتِنَا لَكُمْ.
قوْلُهُ: {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا} الوَاوُ: اسْتِئْنافيَّةٌ، و "نُقِرُّ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجُوبًا تقديرُهُ "نحنُ" يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَبَارَكَ وتَعالى، و "فِي" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "نُقِرُّ"، وَ "الْأَرْحَامِ" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، و "مَا" اسْمٌ مَوْصُولٌ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ على المَفْعُوليَّةِ، وَالجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} نَشَاءُ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وَفَاعِلُ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجُوبًا تقديرُهُ "نحنُ" يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَعَالى، و "إِلَى" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "نُقِرُّ"، أَوْ بِحَالٍ مِنْ "مَا" الْمَوْصُولَةِ. و "أَجَلٍ" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، و "مُسَمًّى" صِفَةٌ لِـ "أَجَلٍ" مجرورةٌ مِثْلُهُ، وعلامةُ الجَرِّ مقدَّرةٌ على آخِرِهِ لتعَذُّرِ ظهورِها على الأَلِفِ. وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ صِلَةٌ لِـ "مَا" الموصولةِ لا محلَّ لها مِنَ الإعْرابِ، والعائدُ مَحْذُوفٌ، والتَّقْديرُ: مَا نَشَاءُ إِقْرَارَهُ.
قوْلُهُ: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} ثُمَّ: حَرْفُ عَطْفٍ وَتَرَاخٍ. و "نُخْرِجُكُمْ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، وفَاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (نحنُ)، يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَعَالَى، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحلِّ النَّصْبِ على المفعوليَّةِ، والميمُ عَلامَةُ الجَمْعِ المُذَكَّرِ. و "طِفْلًا" منصوبٌ على الحالِ مِنْ مَفْعُولِ نُخْرِجُكُمِ؛ أَيْ: صِغَارًا، وَإِنَّمَا وُحِّدَ: لِأَنَّهُ فِي الأَصْلِ مَصْدَرٌ، كَ "الرِّضَا" و "العَدْلِ"، فَيَلْزَمُ الإِفْرَادَ وَالتَّذْكِيرَ. وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلةِ "نُقِرُّ" عَلَى كَوْنِها مُسْتَأْنَفَةً لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} ثُمَّ: حَرْفُ عَطْفٍ وَتَرَاخٍ، و "لِتَبْلُغُوا" اللَّامُ: لَامُ "كَيْ" حَرْفُ جَرٍّ وَتَعْلِيلٍ، وَ "تَبْلُغُوا" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ" مُضْمَرَةً بَعْدَ لَامِ "كَيْ" جَوَازًا، وعَلَامَةُ نَصْبِهِ حَذْفُ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَواوُ الجماعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفَاعِلِيَّةِ، وَالأَلِفُ لِلتَّفْريقِ. وَ "أَشُدَّكُمْ" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ، وهوَ مُضافٌ، وَكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإِضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ: عَلامَةُ الجَمْعِ المُذَكَّرِ، وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ، مَعَ "أَنْ" المُضْمَرَةِ، فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورِ بِالَّلامِ، والتَّقْديرُ: لِبُلُوغِكُمْ أَشُدَّكُمْ، وَهَذَا الجَارُّ وَالمَجْرُورُ مُتَعَلَّقٌ بِمَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلَى نُخْرِجُكُمِ، والتَّقْديرُ: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا، ثُمَّ نُرَبِّيكُمْ لِبُلُوغِكُمْ أَشُدَّكُمْ. وَقِيلَ: إِنَّ "ثُمَّ" هُنَا زَائِدَةٌ، وَالجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِـ "نُخْرِجُكُمْ".
قوْلُهُ: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى} الوَاوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ، و "مِنْكُمْ" مِنْ: حَرْفُ
جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ، وَكَافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بحَرْفِ الجَرِّ، والميمُ: عَلامَةُ تَذْكيرِ الجَمْعِ. وَ "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ. وَ "يُتَوَفَّى" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مُغَيَّرُ الصِّيغَةِ (مَبْنِيٌّ للمَجْهولِ)، مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفْعِهِ ضمَّةٌ مُقَدَّرٌ عَلَى آخِرِهِ لتَعَذُّرِ ظُهُورِها عَلَى الأَلِفِ، وَنَائِبُ فَاعِلِهِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هُوَ) يَعُودُ عَلَى "مَنْ"، وَالجُمْلَةُ الفعْلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةُ "مَنْ" الْمَوْصُولَةِ، لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ، وَالتَّقْديرُ: وَمَنْ يُتَوَفَّى بَعْدَ بُلُوغِ الأَشُدِّ، وَقَبْلَ الهَرَمِ كَائِنٌ مِنْكُمْ، وَالْجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قوْلُهُ: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} الوَاوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ، و "مِنْكُمْ" مِنْ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ، وَكَافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بحَرْفِ الجَرِّ، والميمُ: عَلامَةُ تَذْكيرِ الجَمْعِ. وَ "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ. وَ "يُرَدُّ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مُغَيَّرُ الصِّيغَةِ (مَبْنِيٌّ للمَجْهولِ)، مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَنَائِبُ فَاعِلِهِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جَوَازًا تقديرُهُ (هُوَ) يَعُودُ عَلَى "مَنْ"، وَ "إِلَى" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُرَدُّ"، و "أَرْذَلِ" مَجْرُورٌ بحرفِ الجَرِّ، وهوَ مُضافٌ، و "العُمُرِ" مَجْرورٌ بالإِضافَةِ إِلَيْهِ، وَالجُمْلَةُ الفعْلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةُ "مَنْ" الْمَوْصُولَةِ، لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ. وَالْجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الجُمْلَةِ الاسْمِيَّةِ الَّتي قَبْلَهَا عَلَى كَوْنِها جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا
لَيْسَ لَهَا مَحَلَّ مِنَ الإِعْرَابِ.
قوْلُهُ: {لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} اللَّامُ: حَرْفُ جَرٍّ وَتَعْلِيلٍ، و "كي" حَرْفُ نَصْبٍ وَمَصْدَرٍ. و "لا" نَافِيَةٌ. و "يَعْلَمَ" فِعْلٌ مُضارِعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "كَيْ"، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى المَرْدُودِ. و "مِنْ" حَرْفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِحَالٍ مِنْ "شَيْئًا". وَ "بَعْدِ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ، وهوَ مُضافٌ، وَ "عِلْمٍ" مَجْرُورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. وَ "شَيْئًا" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ؛ لِأَنَّ "عَلِمَ" هُنَا بِمَعْنَى "عَرَفَ"، وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مَعَ "كي" المَصْدَرِيَّةِ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بِاللَّامِ، والتَّقديرُ: لِعَدَمِ عِلْمِهِ شَيْئًا، وهذا الجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُرَدُّ".
قوْلُهُ: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً} الوَاوُ: اسْتَئْنَافَيَّةٌ، وَ "تَرَى" فِعْلٌ مُضارِعٌ مَرْفُوعٌ لتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رَفْعِهِ ضَمَّةٌ مُقدَّرةٌ عَلَى آخِرِهِ لتَعَذُّرِ ظُهُورِها على الأَلِفِ، وَفَاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجُوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ)، يَعُودُ عَلَى أَيِّ مُخَاطَبٍ يكونُ أَهْلًا للرُّؤْيَةِ، و "الْأَرْضَ" مَفْعُولُهُ مَنْصُوبٌ بِهِ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ هُنَا بَصَرِيَّةٌ. و "هَامِدَةً" منصوبٌ على الحالِ مِنَ الأَرْضِ، وَالْجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قوْلُهُ: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ} الفاءُ: عَاطِفَةٌ، و "إِذَا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ فيهِ معنى الشَّرْطِ، خافضٌ لِشَرْطِهِ، مُتَعَلِّقٌ بجوابِهِ. وَ "أَنْزَلْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ هوَ "نا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، و "نَا" التَّعْظِمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ. و "عَلَيْهَا" عَلَى: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَنْزَلْنَا"، وَ "هَا" ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "الْمَاءَ" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بِإِضَافَةِ "إِذَا" إِلَيْها. لِكَوْنِهَا فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا.
قَوْلُهُ: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} اهْتَزَّتْ: فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ عَلَى الفَتْحِ، والتَّاءُ السَّاكِنَةُ لتَأْنيثِ الفاعِلِ، وَالفاعِلُ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هي) يَعُودُ عَلَى "الْأَرْضَ"، وَالجُمْلَةُ جَوَابُ "إِذَا"، لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ. وَجُمْلَةُ "إِذَا" مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "تَرَى" على كونِها مُسْتَأْنَفَةً لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. وجملةُ "رَبَتْ" وَجملةُ "أَنْبَتَتْ" مَعْطُوفَتانِ عَلَى جُمْلَةِ "اهْتَزَّتْ" ولَهُما مِثْلُ إِعْرَابِها. وَ "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بصِفَةٍ لِمَفْعُولٍ بهِ مَحْذوفٍ، وَالتَّقْديرُ: وَأَنْبَتَتْ أَلْوَانًا، أَوْ أَزْواجًا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ. وَيَجوزُ: أَنْ تكونَ "مِنْ" زَائِدَةٌ، أَيْ: أَنْبَتَتْ كُلَّ زَوْجٍ. وَهَذَا عِنْدَ الكُوفِيِّينَ وَالأَخْفَشِ، وَ "كُلِّ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وهوَ مُضافٌ، وَ "زَوْجٍ" مجرورٌ بِالإِضافةِ إلَيْهِ. و "بهيجٍ" صِفةٌ لـ "زوجٍ" مجرورةٌ مِثْلُهُ.
قرَأَ الجُمْهُورُ: {رَبَتْ} أَيْ: زَادَتْ، مِنْ رَبَا يَرْبُو. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر، وَعَبْدُ اللهِ ابْنُ جَعْفَر، وَأَبُو عَمْرٍو ـ فِي رِوَايَةٍ عنْهُ: "وَرَبَأَتْ" بِالْهَمْزِ، أَيْ: ارْتَفَعَتْ. يُقَالُ: رَبَأَ بِنَفْسِهِ عَنْ كَذَا: إِذا ارْتَفَعَ عَنْهُ. وَمِنْهُ الرَّبِيئَةُ، وَهُوَ مَنْ يَطْلُعُ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ لِيَنْظُرَ لِلْقَوْمِ مَا يَأْتِيهِمْ. وَيُقَالُ لَهُ: "رَبِيْءٌ" أَيْضًا، ومِنْهُ قَولُ امْرِئِ القيسِ:
بَعَثْنا رَبِيْئًا قَبْلَ ذَلِكَ مُخْمِلًا ....... كَذِئْبِ الغَضَى يَمْشِي الضَّراءَ وَيَتَّقي
المُخْمِلُ: هُو الصَّيَّادُ الَّذي يُخْمِلُ نَفْسَهُ، أَيْ: يَسْتُرُهَا وَيُخْفِيها لِئَلَّا يَشْعُرَ بِهِ الصِّيْدُ.
قرأَ العامَّةُ: {البَعْثِ} بتَسْكينِ العَيْنِ، وَقَرَأَ الحَسَنُ "البَعَث" بِفَتْحِها، وَهِيَ لُغَةٌ فيها، ك "الطَّرَدِ" في الطَّرْدِ، وَ "الجَلَبِ" في "الجَلْبِ". وَتَسْكينُ العَيْنِ عِنْدَ الكُوفِيِّينَ للتَّخْفِيفِ يَقِيسُونَهُ عَلَى مَا وَسَطُهُ حَرْفُ حَلْقٍ كَ "النَّهْرِ" وَ "النَّهَرِ"، وَ "الشَّعْرِ" و "الشَّعَرِ"، وَالبَصْرِيُّونَ لَا يَقِيسونَهُ، وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ هُوَ عِنْدَهُمْ مِمَّا جَاءَ فِيهِ لُغَتَانَ.
قَرَأَ العامَّةُ: {مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} عَلَى الجَرِّ فِي "مُخَلَّقةٍ"، وَفِي "غَيْرِ"، عَلَى النَّعْتِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبي عَبْلَةَ "مُخلَّقةً وغيرَ مُخَلَّقةٍ" بِنَصْبِهِمَا عَلَى الحَالِ مِنَ النَّكِرَةِ، وَهُوَ قَليلٌ جِدًّا وَإِنْ كَانَ سِيبَوَيْهِ قَاسَهُ.
قَرَأَ العامَّةُ: {وَنُقِرُّ} بِالرَّفْعِ عَلَى الاسْتِئْنافِ، فَلَيْسَ عَلَّةً لِمَا قَبْلَهُ لِيَنْتَصِبَ نَسَقًا عَلَى مَا تَقَدَّمَهُ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ، وَعَاصِمٌ ـ فِي رِوَايَةٍ: "وَنُقِرَّ" بِنَصْبِهِ. قالَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبُرِيُّ: عَلى أَنْ يَكونَ مَعْطُوفًا فِي اللَّفْظِ، والمَعْنَى مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ اللّامَ فِي "لِنُبِيِّنَ" لِلتَّعْلِيلِ، وَاللَّامَ المُقَدَّرَةَ مِنْ "نُقِرُّ" لِلصَّيْرُورَةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ (مَعْطُوفًا في اللَّفْظِ) يَدْفَعَهُ قَوْلُهُ: (وَاللَّامُ المُقَدَّرَةُ) فإِنَّ تَقْديرَ اللَّامِ يَقْتَضِي النَّصْبَ بِإِضْمَارِ "أَنْ" بَعْدَهَا، لَا بِالعَطْفِ عَلَى مَا قَبْلَهُ. وَرُويَ عَنْ عَاصِمٍ أَنَّهُ قرأَ أَيْضَا "ثُمَّ نُخْرِجَكم" بِنَصْبِ الجِيمِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبي عَبْلَةَ "لِيُبيِّنَ وَيَقِرُّ" بِالْيَاءِ مِنْ تَحْتُ فِيهِمَا، والفاعِلُ هُوَ اللهُ ـ تَعَالَى، كَمَا فِي قِراءَةِ النُّونِ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ ـ فِي رِوَايَةٍ "وَنَقُرُّ" بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ القافِ وَرَفْعِ الرَّاءِ، مِنْ "قَرَّ المَاءَ يَقُرُّهُ" إِذَا: صَبَّهُ. وَقَرَأَ أَبُو زَيْدٍ النَّحْوِيُّ "وَيَقِرَّ" بِفَتْحِ اليَاءِ مِنْ تَحْتُ، وَكَسْرِ القافِ، وَنَصْبِ الرَّاءِ، أَيْ: وَيَقِرَّ اللهُ. وَهُوَ مِنْ "قَرَّ المَاءَ" إِذَا صَبَّهُ. وَفِي (الكامِلِ) لابْنِ جبارَةَ "لِنُبَيِّنَ" وَ "نُقِرَّ" و "ثُمَّ نُخْرِجَكُمْ" بِالنَّصْبِ فِيهِنَّ، يَعْنِي وَبِالنُّونِ فِي الجَميعِ بِالْيَاءِ فِيهِمَا مَعَ النَّصْبَ. وَقَرَأَ أَبُو حاتِمٍ، وَعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ: بِالْيَاءِ وَالرَّفْع. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالقِرَاءَةُ بِالرَّفْعِ إِخْبَارٌ بِأَنَّهُ ـ تَعَالَى، يُقِرُّ فِي الأَرْحامِ مَا يَشَاءُ أَنْ يُقِرَّهُ. ثُمَّ قَالَ: وَالقِرَاءَةُ بِالنَّصْبِ تَعْليلٌ، مَعْطُوفٌ عَلَى تَعْلِيلٍ. مَعْنَاهُ: خَلَقْنَاكٌمْ مُدَرَّجِين، هَذَا التَّدْريجُ لِغَرَضَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ نُبَيِّنَ قُدْرَتَنا. وَالثاني: أَنْ نُقِرَّ فِي الأَرْحامِ مَنْ نُقِرُّ، ثُمَّ يُوْلَدُوا، وَيَنْشَؤُوا، ويَبْلُغُوا حَدَّ التَّكْليفِ فأُكَلِّفَهُمْ. وَيَعْضُدُ هَذِهِ القِرَاءَةَ قَوْلُهُ: "ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ". قالَ السَّمينُ: وَتَسْمِيةُ مِثْلِ هَذِهِ الأَفْعَالِ المُسْنَدَةِ إِلَى اللهِ ـ تَعَالى، غَرَضًا لَا يَجُوزُ.
قَرَأَ العامَّةُ: {نَشاءُ} بفتْحِ النُّونِ، وَقَرَأَ يحيى بْنُ وَثَّابٍ: "نِشَاءُ" بِكَسْرِها، وَهُوَ كَسْرُ حَرْفِ المُضَارَعَةِ.
قرأَ العامَّةُ: {يُتَوَفَّى} بضمِّ الياءِ وَالبِنَاءِ للمَفعُولِ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ "يَتَوَفَّى" بِفَتْحِ الياءِ والبِنَاءِ للفاعِلِ. وَفِيها تَخْريجَانِ، أَحَدُهُما: أَنَّ الفاعِلَ ضَميرُ البَارِي ـ سُبْحانَهُ وتَعَالَى، أَيْ: يَتَوَفَّاهُ اللهُ ـ تَعَالَى، كَذَا قَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَالثاني: أَنَّ الفاعِلَ ضَمِيرُ "مَنْ"، أَيْ: يَتَوَفَّى أَجَلَهُ. وَهَذَهِ القَرَاءَةُ كَالَّتي فِي الآيةِ: 234، مِنْ سُورةِ البَقَرَةِ: {وَالّذينَ يَتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ}. أَيْ: مُدَّتَهُمْ. وَرُوِيَ عَنْ أَبي عَمْرٍو، وَنافِعٍ أَنَّهُمَا قَرَآ "العُمْر" بِسُكُونِ المِيمِ وَهُوَ تَخْفِيفٌ قِياسِيُّ نَحْوَ: "عُنْق" في "عُنُق".