وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ
(47)
قولُهُ ـ تَعَالى شأْنُهُ: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} اسْتِعْجَالُ الأَمْرِ: طَلبُ الإِسْراعِ في إِنْجَازِهِ، واسْتَعْجَلَهُ: طَلَبَ عَجَلَتَهُ؛ أَوْ تَقَدَّمَهُ. قالَ الشَّاعرُ عُمَيْرُ بْنُ شُيَيْمِ بْنِ عَمْرٍو التَّغْلِبِيُّ الْمُلَقَّبُ بِالقُطَامِيِّ:
واسْتَعْجَلونا وكانوا من صَحابَتِنا ................ كما تَعَجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرَّاد
أيْ سبقونا وتقدَّمونا، وَالفُرَّاطُ: هُمُ المُتَقَدِّمُونَ في طَلَبِ المَاءِ. وَالوُرَّادُ: هُمُ الْمُتَأَخِرُونَ في ذَلِكَ. وهو مِنَ "عَجِلَ" أَيْ أَسْرعَ وَ "العَجَلُ" و "العَجَلَةِ" خِلَافُ البِطْءِ. يقالُ: رَجُلٌ عَجِلٌ، وعَجُلٌ، وعَجُولٌ، وَعَجْلانُ، إِذَا كانَ بَيِّنَ العَجَلَةِ، والمْرْأَةُ "عَجْلَى"، والنِّسْوةُ عَجَالَى وَعِجَالٌ. وَالعَاجِلُ والعَاجِلَةُ: نَقِيضُ الآجِلِ وَالآجِلَةِ. وَعَاجَلَهُ بِذَنْبِهِ، إذَا أَخَذَهُ بِهِ وَلَمْ يُمْهِلْهُ. وقولُ سيِّدِنا مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ لِقَوْمِهِ: {أَعْجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} الآيةَ: 150، مِنْ سُورَةِ الأَعْرَافِ، مَعْنَاهُ: أَسَبَقْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ؟. وَ "أَعْجَلَهُ" وَ "عَجَّلهُ" تَعْجيلًا، اسْتَحَثَّهُ عَلَىَ الإِسْراع في إِنْجَازِ الأَمْرِ. وَعَجَّلْتُ لَهُ كَذَا، أَيْ: قدَّمتُهُ لَهُ، وأنفذْتُهُ إِلَيْهِ قبلَ مَوعدِهِ وأوانِهِ. والعُجَالَةُ: مَا تَعَجَّلتَهُ مِنْ شَيْءٍ.
وَكافُ الْخِطَابُ تَعُودُ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْخِطَابُ لَهُ، وَالْمَقْصُودُ بِهِ إِبْلَاغُهُ إِيَّاهُمْ. وهَذِهِ الجُملةُ الكريمةُ مَعْطوفةٌ عَلَى جُمْلَةِ {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} الْآيةَ: 42، السَابقةِ، عَطْفَ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ، فَإِنَّ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ نَبِيَّهُمْ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، تَكْذيبُهُمْ بِالْوَعِيدِ. فإنَّهمْ قَالُوا: لَوْ أَنَّ مُحَمَّدًا كانَ صَادِقًا فِي وَعِيدِهِ لَعُجِّلَ لَنَا وَعِيدُهُ، وإنَّما كَانَ اسْتِعْجالُهُم نُزُولَ الْعَذَابِ تحدِّيًا لهُ وَاسْتِهْزَاءً بِهِ، كَمَا قَالَ مِنْ سُورةِ الْأَنْفَال: {وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ} الآيَةَ: 32، وَقَالَ منْ سُورَةَ السَّجْدَةِ: {وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} الآيةَ: 28.
وَجيءَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهِمْ وَتَجَدُّدِهِ. وَزيدَتِ الْبَاءُ عَلى "الْعَذابِ" لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الِاسْتِعْجَالِ وشِدَّتِهِ، وَللتَّعبيرِ عَنْ حِرْصِهِم عَلَى تَعْجِيلِهِ.
أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ"، قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنْ جَهَلَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} الآيةَ: 32، مِنْ سورةِ الأنفالِ.
قولُهُ: {وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ} تَأْنِيسٌ لِقَلْبِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَللْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ، كَيْ لَا يَسْتَبْطِئُوا وَعْدَ ربِّهِم بإِنْزالِ عذابِهِ بالمُشْرِكينَ وَنَصْرِهم عَلَيْهِمْ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَعْدِ هُنَا: هُوَ مَا أَوْعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي يَسْتَعْجِلُونَ نُزُولَهُ. فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْتِعْجَالُ المُشْرِكينَ عَذَابَ اللهِ مَبْنِيًّا عَلَى عَدَمِ يَقِنِهمْ بِوُقُوعِهِ أُعْقِبَ بِقَوْلِهِ: "وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ"، أَيْ: فَالْعَذَابُ الْمَوْعُودُ لَهُمْ وَاقِعٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ. وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ الكَريمِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورَةِ: العَنْكَبُوت: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} الْآيَةَ: 53، ثُمَّ قَالَ في الآيَةِ: 54، بَعْدَهَا: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}، وَقَالَ مِنْ سُورَةِ (ص): {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} الآية: 16، وَغَيْرِهَا مِنْ آياتٍ.
فَإِنَّهُ ـ سُبْحانَهُ، مُنْجِزٌ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ، وَلَكِنَّ حِكْمَتَهُ قَطَعَتْ مَوْعِدًا لِذَلِكَ، كَمَا قَالَ في الآيةَ: 8، مِنْ سورةِ هودٍ ـ عليْهِ السَّلامُ: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} وقالَ مِنْ سُورَةِ العَنْكَبُوتِ: {وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} الآيةَ: 53.
قولُهُ: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الجُمْلَةِ لِمَا قبلَها، أَنَّهم يَسْتَبْطِئُونَ إِنْجازَ وَعْدِ اللهِ فيهِم بِتَعْذِيبِهمْ، وكأَنَّهُ ـ سُبحانَهَ، يَرُدُّ عَلَى اسْتِبْطَائهِمْ العذابَ يومًا أَوْ سَنَةً أَوْ بضْعَ سِنِينَ قائلًا: مهما أُخِّرَ عَذابُكم فَلَنْ يَتَأَخرَ يومًا واحدًا، لأَنَّ اليومَ الواحِدَ عندَ اللهِ يساوي ألفَ سَنَةٍ مما تعدَّونَهُ أَنْتُمْ.
وَقَالَ مِنْ سُورَةِ السَّجْدَةِ: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} الآيَةَ: 5، فالآيَتَانِ مُتَوَافَقَتَانِ عَلَى أنَّ اليومَ عندَ اللهِ كَأَلْفِ سَنَةٍ منْ سِنِيِّ زمانِنَا. وَقَالَ فِي الآيَةِ: 4، مِنْ سُورَةِ الْمَعَارِجِ: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}، وقدْ بَيَّنَ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ يَوْمَ الْأَلْفَ في سُورةِ الحَجِّ هُوَ أَحَدُ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ الَّتِي خَلَقَ اللهُ فِيهَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.
فقد أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ، والدَّيْلَمِيُّ، عَنْ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدُّنْيَا كُلُّهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ ـ تَبَارَكَ وتعَالَى: "وَإِن يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ".
وأَخْرَجَ عَبْدُ ابْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالى: "وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ"، قَالَ: مِنَ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ الَّتِي خَلَقَ اللهُ فِيهَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ.
ورَوى ابْنُ أَبِي حاتمٍ أَيضًا عَنْهُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ يَوْمَ الْأَلْفِ فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ، هُوَ مِقْدَارُ سَيْرِ الْأَمْرِ وَعُرُوجِهِ إِلَيْهِ تَعَالَى، وَأَمَّا يَوْمُ الْخَمْسِينَ أَلْفًا، المذْكورُ في سُورَةِ المعارجِ فَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
وَأَخْرَجَ أيضًا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الدُّنْيَا جُمُعَةٌ مِنْ جُمَعِ الْآخِرَةِ، سَبْعَةُ آلَافِ سَنَة، فَقَدْ مَضَى مِنْهَا سِتَّة آلَافٍ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنْهُ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ـ أَسْلَمَ، قَالَ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}، "وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ"، وَجَعَلَ أَجَلَ الدُّنْيَا سِتَّةَ أَيَّامٍ، وَجَعَلَ السَّاعَة فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، فَقَدْ مَضَتِ السِّتَّة الْأَيَّامِ، وَأَنْتُم فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ فَمَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الْحَامِلِ، إِذَا دَخَلَتْ فِي شَهْرِهَا، فَفِي أَيَّةِ سَاعَةٍ وَلَدَتْ كَانَ تَمَامًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ، قالَ: "وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ"، قَالَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِنِصْفِ يَوْمٍ. قِيلَ: وَمَا نِصْفُ الْيَوْمِ؟ قَالَ خَمْسمِئَةِ عَامٍ، وَتَلَا: "وَإِن يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ".
وَأَخْرَجَ أحمدُ في "الزُّهْدِ" وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ سُمَيْرِ بْنِ نَهَارٍ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ، بِمِقْدَارِ نِصْفِ يَوْمٍ، قُلْتُ: وَمَا مِقْدَارُ نِصْفِ يَوْمٍ؟ قَالَ: أَوَ مَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَ:: "وَإِن يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ".
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبُ الإيمانِ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ، فَانْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَغَ مِنْهَا، كَانَ لَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنِ انْتَظَرَ حَتَّى يُفْرَغَ مِنْهَا كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ، وَالقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: حُقَّ لِعَظَمَةِ رَبِّنَا أَنْ يَكُونَ قِيرَاطُهُ مِثْلَ أُحُدٍ، وَيَوْمُهُ كَأَلْفِ سَنَةٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعيَّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: مَا طُولُ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى الْمُؤْمِنِ إِلَّا كَمَا بَيْنَ الأُولَى وَالْعَصْرِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي الدُّنْيَا فِي "الأمل" عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا جُمُعَةٌ مِنْ جُمَعِ الْآخِرَةِ.
وَقيلَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِجَمِيعِهَا هوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ الاخْتِلَافَ في المدَّةِ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ حَالِ الْمُؤْمِنِ، وَحَالِ الْكَافِرِ، لِأَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَخَفُّ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْهُ عَلَى الْكَافِرِ كَمَا قَالَ ـ تَعَالَى، مِنْ سورةِ المُدَّثِّرِ: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} الآيتانِ: (9 ـ 10). فَإِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَطُولُ عَلَى الْكُفَّارِ، وَيَقْصُرُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
قولُهُ تَعَالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} الواوُ: للاسْتِئْنَافِ، و "يَسْتَعْجِلُونُكَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَعَلَامَةُ رَفعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ فِي آخِرِهِ، لِأَنَّهُ مِنَ الأَفعالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَماعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفَاعِلِيَّةِ. وكافُ الخطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ على المَفْعُوليَّةِ، و "بِالْعَذَابِ" الباءُ: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَسْتَعْجِلُونُ". وَالجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْرَابِ.
قولُهُ: {وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ} الوَاوُ: حَالِيَّةٌ. و "لَنْ" ناصِبَةٌ نافِيَةٌ. و "يُخْلِفَ" فِعْلٌ مُضارعٌ منصوبٌ بـ "لَنْ"، ولفظُ الجلالةِ "اللهُ" فَاعِلُهُ مَرفوعٌ بِهِ. و "وَعْدَهُ" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ، وهوَ مُضافٌ. الهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ. وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النِّصْبِ على الحالِ مِنْ ضميرِ الفَاعِلَ في "يَسْتَعْجِلُون"، وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ، والتَّقْديرُ: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ، حَالَةَ كَوْنِهِمْ، لَنْ يُخْلِفَ اللهُ ـ تَعَالى، وَعْدَهُمْ.
قَوْلُهُ: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا} الواوُ: عاطِفَةٌ، أَوْ اسْتِئْنَافِيَّةٌ. و "إنَّ" حرفٌ ناصِبٌ، ناسَخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ. و "يومًا" اسْمُهُ منصوبٌ بِهِ. و "عِنْدَ" منصوبٌ على الظَّرْفِيَّةِ الاعتباريَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "يَوْمًا"، وهوَ مُضافٌ. و "ربِّكَ" مجرورٌ بالإضافةِ إلَيْهِ، ومضافٌ أيْضًا، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ. و "كَأَلْفِ" الكافُ: حرفُ جَرٍّ وتَشْبيهٍ، مُتَعلِّقٌ بِخَبَرِ "إِنَّ" المُقَدَّرِ. وَ "أَلْفِ" مَجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، مُضافٌ. وَ "سَنَةٍ" مَجْرُورٌ بالإِضَافَةِ إِلَيْهِ. و "مِمَّا" مِنْ: حرفُ جَرٍّ مُتعَلِّقٌ بصِفَةٍ مُقدَّرةٍ لـ "سَنَةٍ"، وَ "مَا" نَكِرَةٌ مَوصُوفَةٌ، أَوْ مَوْصُولَةٌ مَبنيَّةٌ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَجُمْلَةُ "إِنَّ" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الجَمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، عَلَى كَوْنِها حَالًا مِنْ فَاعِلِ "يَسْتَعْجِلُونَ"، والتقديرُ: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ، حَالَةَ كَوْنِهِمْ: لَنْ يُخْلِفِ اللهُ وَعْدَهُمْ، وَحَالَةَ كَوْنِ يَوْمٍ مِمَّا وَعَدَهُمْ رَبُّهُمْ، كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، أَوْ هِيَ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {تَعُدُّونَ} فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَعَلَامَةُ رَفعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ فِي آخِرِهِ، لِأَنَّهُ مِنَ الأَفعالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَماعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفَاعِلِيَّةِ. والجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةٌ لِـ "ما" المَوصولَةِ فلا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ، أَوْ صِفَةٌ لَهَا في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. وَالعائدُ، أَوِ الرَّابِطُ مَحْذُوفٌ، والتَّقْديرُ: مِمَّا تَعُدُّونَهُ.
قَرَأَ الجُمهورُ: {مِمَّا تَعُدُّونَ} بالتَّاءِ مِنْ فوقُ، على الخِطابِ، وَقرأَ
الأَخَوانِ (حمزَةُ والكِسائيُّ)، وابْنُ كَثِيرٍ: "يَعُدُّونَ" بِيَاءِ الغَيْبة، مِنْ تَحْتُ. والقِرَاءَتانِ واضِحَتَانِ.