إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ
(110)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} يُخْبِرُ اللهُ ـ تَعَالَى، أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا هوَ ظاهِرٌ مُعْلَنٌ مِنَ القَوْلِ، وَمَا كانَ مِنْهُ سِرًا مكتومًا مَخْفِيًّا عَنِ النَّاسِ.
وَقَالَ ـ سُبْحانَهُ: "يَعَلمُ" وَلَمْ يَقُلُ "يَسْمَعُ" لأنَّ العِلْمَ أَوسَعُ وأَشْمَلُ، فقد يَسْمَعُ الكلامَ سامعٌ ولا يفقهُ معناهُ، وَلَا يُدْرِكَ مَرْماهُ، لكنَّ اللهَ ـ تباركَ وتَعَالَى، يَسْمَعُ كلَّ ما يقالُ مِنَ الكلامِ سَواءً كانَ مُعْلَنًا أَوْ مَخْفِيًا مكتومًا مُسَرًّا بِهِ، فيفهَمُ مَعْنَاهُ، وَيُدْرِكُ مَرْمَاهُ، ويُقَدِّرُ مآلاتِهِ، فيمضي مِنْهُ ما يَشاءَ، ويُبْطِلُ مِنْهُ ما يَشَاءُ، ويَجْزِي عَلَيْهِ مَنْ شاءَ بِمَا شَاءَ.
وَفِيهِ وَعْدٌ وتَنْبِيهٌ وَزَجْرٌ للمُشْرِكينَ وَأَعْداءِ الدِّينِ عَنِ المَكْرِ بِسَيِّدِنا محمَّدٍ رَسُولِ رَبِّ العَالَمِينَ ـ عَلَيْهِ أَفضَلُ الصَّلاةِ وأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، وَتَحْذيرٌ لهُمْ مِنَ القَوْلِ فِيهِ بِمَا لَا يَلِيقُ بِجَنَابِهِ الشَّريفِ.
قولُهُ تَعَالى: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ} إِنَّهُ: حرفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتَّوكيدِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمٌ لَهُ، يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَعَالَى. و "يَعْلَمُ" فعلٌ مُضَارِعُ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى ضميرِ اللهِ ـ تَعَالى. و "الجَهْرَ" مفعولُهُ منصوبٌ بِهِ. و "مِنَ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِحالٍ مِنْ "الجَهْرِ"، و "القَوْلِ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وَالجُمْلَةُ الفعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "إنَّ"، وجُمْلَةُ "إنَّ" مِنِ اسْمِها وَخَبَرِها مُسْتَأْنَفَةٌ في حَيِّزِ القَوْلِ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {وَيَعْلَمُ مَا} الواوُ: حرفُ عَطْفٍ، و "يَعْلَمُ" فعلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يعودُ على ضميرِ اللهِ ـ تَعَالَى، و "ما" مَصْدَرِيَّةٌ، والمَصْدَرُ المُؤَوَّلُ مِنْ "مَا تَكْتُمُونَ" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على المَفْعُوليَّةِ لِـ "يَعْلَمُ". أَوْ أَنَّ "مَا" اسْمٌ مَوْصُولٌ مَبْنٍيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَفعُولٌ بِهِ لِـ "يَعْلَمُ"، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في محلِّ الرَّفعِ عَطْفًا على جملةِ "يَعْلَمُ" الأُولَى، عَلَى كونِهَا خَبَرَ "إنَّ".
قولُهُ: {تَكْتُمُونَ} فِعْلٌ مُضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رَفعِهِ ثُبوتُ النُّونِ في آخِرِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفَاعِلِيَّةِ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةُ المَوْصُولِ الحرفي "ما" لَا مَحَلِّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ، وَالعائدُ مَحْذُوفٌ، والتَّقْديرُ: تَكْتُمُونَهُ.