لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ
(99)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا} أَيْ: لوْ كانتْ آلِهَةً ـ كَمَا يَزْعُمُونَ، تلكَ الأَصْنامُ الَّتي يَعْبُدُها أُولَئِكَ الكَفَرةُ وَالمُشْركونَ، مَا وَرَدُوا نارَ جَهَنَّمَ، فيجوزُ أَنْ يَعُودَ الضميرُ عَلَيْهِمْ، ويجوزُ أَنْ يَعُودَ على آلِهَتِهمْ، ويَجوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَصْنامِهِمْ لقولِهِ تعالى في الآيةِ التي قبلَها: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لها واردونَ}، ولقولِهِ في هَذِهِ الآيةِ: "وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ"، وَهُوَ الوَجْهُ ـ وَاللهُ أعلمُ.
قولُهُ: {وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} أَيْ: وَهُمُ معَ آلِهَتِهِم باقونَ أَجْمَعِين، عَابِدينَ وَمَعْبُودينَ ماكثونَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا مُخلَّدينَ، لا يَخرجونَ مِنْها ولا يُخْرجونَ إِلَى ما شاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ.
قولُهُ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً} لَوْ: حَرْفُ شَرْطٍ غيرُ جازِمٍ. و "كَانَ" فعلٌ ماضٍ ناقصٌ، مبنيٌّ على الفتْحِ. و "هَؤُلَاءِ" الهاءُ: للتَّنْبيهِ، و "أُلاءِ" اسْمُ إِشَارَةٍ مبنيٌّ على الكسْرِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ اسْمُ "كانَ". و "آلِهَةً" خَبَرُها مَنْصُوبٌ بِها، وَجُمْلَةُ "كانَ" مِنِ اسْمِها وَخَبَرِها فِعْلُ شَرْطٍ لِـ "لَوْ" لا مَحَلَّ لَهَا مَنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {مَا وَرَدُوهَا} مَا: نَافِيَةٌ. و "وَرَدُوهَا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجَماعَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ، وَ "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ، وَالجُمْلَةُ جَوَابُ "لَوْ" لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ، وَجُمْلَةُ "لَوْ" الشَّرْطِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْرابِ.
قولُهُ: {وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} الوَاوُ: حالِيَّةٌ، و "كُلٌّ" مَرْفوعٌ بالابْتِداءِ. و "فِيهَا" في: حَرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِالخَبَرِ "خَالِدُونَ"، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحَرْفِ جَرٍّ. وَ "خَالِدُونَ" خَبَرُهُ مَرفوعٌ، وعلامةُ رَفْعِهِ الواوُ لأنَّهُ مِنَ الأَسْماءِ الخمسَةِ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ، وَقِيلَ فِيهَا أَنَّها فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الفَاعِلِ فِي "وَرَدُوهَا"، أَيْ "جَهَنَّمِ"، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ مَجِيءُ الحَالِ مِنَ المُضَافِ إِلَيْهِ فِي غَيْرِ المَوَاضِعِ المُسْتَثْنَاةِ. وَجَوَّزَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبُريُّ: أَنْ تَكونَ بَدَلًا مِنْ جُمْلَةِ قَوْلِهِ {حَصَبُ جَهنَّمَ} مِنَ الآيَةِ قَبْلَهَا، أَيْ بَدَلًا مِنَ المُفْرَدِ الواقعِ خَبَرًا، وَإِبْدالُ الجُمْلَةِ مِنَ المُفْرَدِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا بِمَعْنَى الآخَرِ جَائِزٌ، إِذِ التَّقْديرُ: إِنَّكمْ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ.
قَرَأَ العامَّةُ: {آلِهَةً} بالنَّصْبِ خَبَرًا لِـ "كانَ" كما تَقَدَّمَ بيانُهُ في مبحَثِ الإعْرابِ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ "آلهةٌ" بِالرَّفْعِ، وَتَخْريجُ قِرَاءَتِهِ كَتَخْريجِ قَوْلِ العُجَيْرِ السَّلولِيِّ:
إِذَا مِتُّ كانَ النَاسُ صِنْفَانِ شامِتٌ ....... وَآخَرُ مُثْنٍ بِالَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ
فَفِيهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ.