وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ
(93)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أَيْ: أَعْرَضُوا عَنْ قَوْلِنَا، وتَقَطَّعُوا فَصَارُوا فِرَقًا وأَحَزَابًا وَجَمَاعَاتٍ. وَقالَ ابْنُ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِيمَا أَخْرَجَهُ عنْهُ ابْنُ جَريرٍ: اخْتَلفُوا فِي الدِّينِ، وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، في رَوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْهُ: يُريدُ المُشْرِكِينَ، اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً.
ونقلَ البَغَوِيُّ عَنِ الكَلْبِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ يَقُولُ: فَرَّقوا دِينَهم فِيمَا بَيْنَهُمْ، يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، كُلُّ فِرْقَةٍ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ عَلَى الحَقِّ. وَنَقَلَ الإمامُ الوَاحِدِيُّ في تَفْسيرِهِ "البَسيطُ" عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ في "مَجَازِ القُرْآنِ": (2/42)، وَأَبي إِسْحَاقٍ الزَّجَّاج في "مَعَاني القُرْآنِ وإعْرابُهُ": (3/404). أَنَّ المَعْنَى: اخْتَلَفُوا وَتَفَرَّقُوا؛ لِأَنَّ تَقَطُّعَهُمْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ تَفْرِقَةٌ.
وَنَقَلَ ابْنُ مَنْظورٍ في لِسَانِ العَرَبِ عَنِ العلَّامَةُ الأَزْهَرِيُّ قوْلَهُ فِي "تَهْذِيبِ اللُّغَةِ": وَيُجُوزُ أَنْ يَكونَ قَوْلُهُ: "وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ" أَيْ: تَفَرَّقُوا فِي أَمْرِهْمْ. "لِسانُ العَرَبِ": (8/276).
قوْلُهُ: {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} وَلكِنَّهُم مَهما تَقَطَّعُوا وَتَفَرَّقوا واخْتَلَفُوا فإنَّهُمْ تَحْتَ سَطْوَتِنا وَسُلْطانِنَا، وَهُمْ ـ لا شَكَّ، رَاجِعُونَ إلى حُكْمِنَا فِي وَقْتٍ لَا حُكْمَ فيهِ لِأَحَدٍ سِوَانَا.
قولُهُ تَعَالَى: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} الواوُ: للعَطِفَ، عَلَى مَحْذوفٍ تَقْديرُهُ: فَأَعْرَضُوا عَنِ العِبَادَةِ، وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ. و "تَقَطَّعُوا" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلى الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجَماعَةِ، وواوُ الجَماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفَاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ للتَّفْريقِ. وَ "أَمْرَهُمْ" مَفْعُولُهُ مَنْصُوبٌ بِهِ، وَقدْ عُدِّيَ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى "قَطَّعُوا". وَهُوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وَالمِيمُ: عَلَاَمةُ جَمْعِ المُذكَّرِ. أَوْ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الخافِضِ، أَيْ: تَفَرَّقوا في أَمْرِهم، الثالث: وقالَ أَبُو البقاءِ العُكْبُرِيُّ، هُو تَمْيِيزٌ، أَيْ: تَقَطَّعَ أَمْرُهُمْ، فجَعَلَهُ مَنْقُولًا مِنَ الفَاعِلِيَّةِ. وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ مَعْنًى وَهُوَ مَعْرِفَةٌ، فَلَا يَصِحُّ تمييزُه مِنْ جِهَةِ صِنَاعَةِ البَصْرِيِّينَ. وَ "بَيْنَهُمْ" مَنْصُوبٌ عَلى الظَّرْفِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَقَطَّعُوا"، وَهُوَ مُضافٌ، وَالهاءُ: ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإِضَافَةِ إِلَيْهِ، وَالمِيمُ عَلامَةُ جَمْعِ المُذَكَّرِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلى تَلْكَ الجُمْلَةِ المَحْذُوفَةِ.
قوْلُهُ: {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} كُلٌّ: مَرْفوعٌ بالابْتِداءِ، على نِيَّةِ الإضافةِ. و "إِلَيْنَا" إِلَى حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "رَاجِعُونَ"، و "نا" ضميرُ المُعظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الجرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَ "رَاجِعُونَ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ، مَرفوعٌ وعلامةُ رفعِهِ الواوُ لأَنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السَّالمُ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْرابِ.