الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 43
أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ
(43)
قوْلُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا} أَيْ: أَمْ أَنَّ لِهَؤلاءِ المُشْركينَ المُسْتَهْزئينَ آلِهَةٌ مِنْ دُونِنا تَمْنَعُ عَنْهُمْ عَذَابِنَا، أَوْ تَرُدُّهُ عَنْهُمْ، إِنْ قَضَتْ مَشِيئَتُنا بِعَذابِهم. لِذَلِكَ تَراهُمْ مُعْرِضِينَ عَنْ دِينِنَا ورَسولِنا الذي أرسَلْناهُ إليْهِمْ، والكِتابِ الذي أَنْزَلْناهُ عَلَيْهِ، لاهينَ عَنْ وَعيدِنا لَهُمْ، غيْرَ مبالِينَ بِمَا نُنْذِرُهم بِهِ مِنْ شديدِ العَذَابِ الأَلِيمِ.
قوْلُهُ: {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} يَعْني: لَا تَسْتَطِيعُ آلِهَتُهُمُ تِلْكَ الَّتي يَعْبُدُونَها مِنْ دُونِنا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْ السُّوءِ، إِذَا ما أَسَاءَ أَحَدٌ إِلَيْها، وَلَا تستطيعُ أَنْ تَدْفعَ العَذَابِ عَنْ نَفْسِها، إِنْ أَرَدْنَا نَحْنُ أَنْ نُعَذِبَهَا، فَكَيْفَ تَسْتَطيعُ أَنْ تَنْصُرَكم؟. وَعَذابُ هَذِهِ الأَصْنَامِ المُتَّخَذَةِ آلِهَةٌ ثابتٌ لَهَا يَوْمَ القيامَةِ حَتَّى ولو كانتْ مِنْ حديدٍ أَوْ حجارةٍ أَوْ مِنْ أيْشيْئٍ كانَ وذلكَ بِقَولِهِ ـ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ البَقَرَة: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين} الآيةَ: 24، وَبِقَوْلِهِ: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا * يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} الآياتِ: (50 ـ 52) مِنْ سُورةِ الإِسْراءِ. وَفِي الآيَةِ: 6، مِنْ سُورةِ التَّحْريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}.
قوْلُهُ: {وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ} أَيْ: وَلَا هُمْ يُجارُونَ مِنَّا، ذَلِكَ لِأَنَّ المُجيرَ صَاحِبٌ لِمَنْ يُجَيرُ. وَقَالَ مُجاهِدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَعْنِي: وَلَا هُمْ مِنَّا يُنْصَرُونَ. يَعْنِي: لَا يَأْمَنُونَ مِنْ عَذَابِنَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: المَعْنَى: لَا نَصْحَبُهُمْ فَنَدْفَعُ عَنْهُمْ فِي أَسْفَارِهِمِ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ} أَمْ" مُنْقَطِعَةٌ للإضرابِ بِمَعْنَى "بَلْ"، وَثَمَّةَ هَمْزَةٌ للاسْتِفْهامِ الإِنْكارِيِّ هُنَا، وَالتَّقْديرُ: بَلْ أَلَهُمْ آلِهَةٌ. و "لَهُمْ" اللامُ حَرفُ جَرٍّ، مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ، والميمُ: علامةُ جمعِ المُذكَّرِ. و "آلِهَةٌ" مَرفوعٌ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ، وَهذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْراب.
قولُهُ: {تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا} تَمْنَعُ: فعلٌ مُضارعٌ مَرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هي) يَعُودُ عَلَى "آلِهَةٌ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ على المَفْعُولِيَّةِ، الميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. وَ "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةٍ ثانيَةٍ لِـ "آلِهَةٌ" أَيْ: آلِهَةٌ مِنْ دُونِنَا تَمْنَعُهُمْ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: إِنَّ في الكلامِ تَقْديمًا وَتَأْخِيرًا. وَذَهَبَ الحُوفِيُّ إِلى أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بـ "تَمْنَعُهم" قِيلَ: وَالمَعْنَى: أَلَهُم آلِهَةٌ تَجْعَلُهُمْ فِي مَنْعَةٍ وَعِزٍّ. وَ "دُونِنَا" مَجْرُورٌ بحرْفِ الجَرِّ مُضافٌ، و "نا" المُعظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهَ، ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإِضافَةِ إِلَيْهِ. وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ صِفَةٌ لِـ "آلِهَةٌ" فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ.
قوْلُهُ: {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} لَا: نافيةٌ، و "يَسْتَطِيعُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأَفْعالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ فاعِلُهُ. وَ "نَصْرَ" مَفْعُولُهُ مَنْصوبٌ بِهِ وهو مُضافٌ، وَ "أَنْفُسِهِمْ" مَجْرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ علامةُ جَمْعِ المُذكَّرِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لها منَ الإِعْرابِ، وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يكونَ في محلِّ الرَّفعِ صِفَةً لـ "آلهة"، وَفِيهِ بُعْدٌ مِنْ حَيْثُ المَعْنَى، واللهُ أَعْلِمُ.
قوْلُهُ: {وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ} وَلَا: الواوُ: عاطِفَةٌ. وَ "لَا" نَافِيَةٌ. و "هُمْ" ضميرٌ مُنْفَصِلٌ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ. و "مِنَّا" مِنْ: حرفُ جرٍّ مُتَعَلَّقٌ بِالخبرِ "يُصْحَبُونَ". و "يُصْحَبُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَبنيٌّ للمَجْهولِ، مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأَفْعالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ نائبًا عَنْ فاعِلِهِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ المُبْتَدَأِ. وَالجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ "لَا يَسْتَطِيعُونَ" على كونِها جُمْلَةً مُسْتَأْنَفةً لَا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.