لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ
(27)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} صفةٌ أُخْرى للملائكَةِ، الذينَ وصَفَهُمْ فيما تَقدَّمَ بأَنَّهُم {عِبادٌ مُكرَّمونَ}، وَهَذِهِ الصِّفَةُ الجديدةُ التي وصَفَهُمْ بها هُنَا هِيَ أَنَّهُمْ لِفَرْطِ تَأَدُّبِهِمْ مَعَهُ ـ سُبْحانَهُ، صامتونَ لَا يتكلمونَ إِلَّا إذا أَمَرَهمْ بالكلامِ، فَلَا يَسْبِقُ قَوْلُهُمْ قَوْلَهُ ـ تَعَالَى، وَلَا يَقُولونَ شَيْئًا حَتَّى يَقُولَهُ هُوَ، أَوْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَقُولُوهُ، وَهذا كِنَايَةٌ عَنْ كَمَالِ تَأَدُّبِهِمْ في حَضْرَةِ مَوْلاهُمْ وطَاعَتِهِمْ لَهُ، وَانْقِيادِهِمْ لِأَمْرِهِ.
قولُهُ: {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} وإِذَا كانَ هَذَا شأْنُهُمْ في التَّأَدُّبِ، أَنْ يَلَزَمُوا الصَّمْتَ ويَتَجَنَّبوا الثَّرْثَرَةَ، فإِنَّ العَمَلِ بما لمْ يكلَّفوا بِهِ مِنْ بابٍ أَوْلَى، إِذًا فهمْ لا ينطقونَ إلَّا إِذا أْمُرهُمْ، وَلَا يَأْتُونَ بِعَمَلٍ إلَّا إذا كَّفَهُمْ بِهِ ربُّهُمْ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فإِذا: أُمِرُوا بعمَلٍ مَّا قاموا بِهِ مِنْ فورِهِمْ عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ الذي أَمَرَهُمْ بِهِ مَوْلاهُمُ العَظيمُ، وبكاملِ التَّسْلِيمِ، دُونَ اعْتِراضٍ أَوْ ترَدُّدٍ، أَوِ تَقْديمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ، أَوْ زِيادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، وبِمْنَتَهَى الإِتْقَانَ.
قولُهُ تَعَالى: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} لا: نافيَةٌ، وَ "يَسْبِقُونَهُ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأَفْعالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحلِّ النَّصْبِ على المَفْعُولِيَّةِ، وِ "بِالْقَوْلِ" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَسْبِقُونَهُ"، و "الْقَوْلِ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ، وَالجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ، صِفَةً ثانِيَةً لِـ {عِبَادٌ} مِنَ الآيةِ التي قبلَها.
قولُهُ: {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} الوَاوُ: حرفُ عَطْفٍ، و "هُمْ" ضميرٌ منفصِلٌ مبنيٌّ على السُّكون في مَحَلِّ الرَّفعِ بالابتِداءِ. و "بِأَمْرِهِ" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتْعَلِّقٌ بِـ "يَعْمَلُونَ"، وَ "يَعْمَلُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأَفْعالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والجُملةُ خَبَرُ المُبْتَدَأِ في محلِّ الرَّفعِ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ الرَّفْعِ، عطْفًا عَلَى التي قبلَها، أوْ على أَنَّها صِفةٌ ثالِثَةٌ لِـ {عبادٌ}.
قرأَ العامَّةُ: {يَسْبِقونه} بِكَسْرِ الباءِ وَقُرِئَ بِضَمِّها عَلَى أَنَّهُ مُضَارِعٌ سَبَقهُ، أَيْ غَلَبَهُ فِي السَّبْقِ، يُقال: سَابَقَهُ فَسَبَقَهُ يَسْبُقُهُ، أَي: غَلَبَهُ فِي السَّبْقِ. وَمُضَارِعُ "فَعَلَ" فِي المُغَالَبَةِ مَضْمُومُ العَيْنِ مُطْلَقًا، إِلَّا في يَاءَيْ العَيْنِ أَوِ اللَّامِ، وَالمُرَادُ: لَا يَسْبِقُونَهُ بِقَوْلِهِ، فَعُوِّضَ الأَلِفُ وَاللَّامُ عَنِ الضَّمَّةِ عِنْد الكُوفِيِّينَ، والضَّمِيرُ مَحْذوفٌ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ، أَيْ: بِالْقَوْلِ مِنْهُ.