فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى
(117)
قوْلُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} الخِطابُ لِأَبِينا آدَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُ فِي كُلٍّ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَسُورةِ الْأَعْرَافِ، وَسُورةِ الْحِجْرِ، وَسُورةِ الْكَهْفِ، لَكِنَّها فِي كُلِّ مَرَّةٍ كانَتْ تُحْكَى بِأُسْلُوبٍ مُخْتَلِفٍ، عَلى سَنَنِ الإِعْجازِ القُرْآنِيِّ. ثُمَّ ذَكَرَ هَهُنَا، مِنْ هَذَا الْإِنْبَاءِ قِصَّةُ آدَمَ لِيَحْذَرَ بَنُوهُ وَسْوَسَةَ الشَّيْطَانِ وَغَوَائِلَهُ، وَمَنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ مِنْهُمْ ذُكِّرَ بِمَا جَرَى لِأَبِيهِ آدَمَ مَعَهُ وَأَنَّهُ أُوضِحَتْ لَهُ عَدَاوَتُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ نَسِيَ مَا عَهِدَ إِلَيْهِ رَبُّهُ وَأَيْضًا لَمَّا أُمِرَ بِأَنْ يَقُولَ: {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} الآيةَ: 114، السَّابقةِ. كَانَ مِنْ ذَلِكَ ذِكْرُ قِصَّةِ آدَمَ وَذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِهِ فِيهَا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهَا، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَزِيدُ عِلْمٍ لَهُ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ، وَمَنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ مِنْهُمْ ذُكِّرَ بِمَا جَرَى لِأَبِيهِ آدَمَ مَعَهُ.
والإِشَارَةُ بـ "هَذَا" إِلَى الشَّيْطَانِ، وَالمُرَادُ مِنْهَا تَحْقِيرُهُ وَالهُزْءُ بِهِ، والتقليلُ مِنْ شأْنِ وَسْوَسَتِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ: {أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ}، كَمَا حَكَاهُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي الآيَةِ: 36، مِنْ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَدْ بَيَّنَتْ مُرادَهُمُ الجُمْلَةُ الَّتي قَبْلَهَا مِنَ الآيَةِ ذَاتِها، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالى: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا}، فَهُمْ إِنَّما أَرادوا بِذَلِكَ الهُزْءَ بالنَّبيِّ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، والتَّقْلِيلَ مِنْ شأْنِ دعوتِهِ إلى توحيدِ ربِّهِ ـ تَبَارَكَتْ أَسماؤُهُ.
وَقَوْلُهُ هنا: "عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ" كَقَوْلِهِ فِي الآيةِ: 22، مِنْ سورةِ الْأَعْرَافِ: {وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ}. فَقدْ ذُكِرَتْ عَدَاوَتُهُ لَهُمَا جُمْلَةً هُنَالِكَ، أَمَّا هُنَا فقد وَذُكِرَتْ مَفَصَّلَةً، إِذِ ابْتُدِئَ بِـ "آدَمَ" فِي ذِكْرِ مُتَعَلِّقِ عَدَاوَةِ الشَّيطانِ، لِأَنَّ آدَمَ هُوَ مَنْشَأُ العَدَاوَةِ لِحَسَدِ الشَّيْطَانِ لَهُ، ثُمَّ أُتْبِعَ بِذِكْرِ زَوْجِهِ لِأَنَّ عَدَاوَةَ الشَّيْطانِ لَهَا تَبَعٌ لِعَدَاوَتِهِ لِزَوْجَهَا، فَكَانَتْ عَدَاوَتُهُ مُتَعَلِّقَةً بِكِلَيْهِمَا لِاتِّحَادِ عِلَّةِ الْعَدَاوَةِ، وَهِيَ الحَسَدُ عَلَى مَا وَهَبَهُمَا اللهُ مِنْ تكريمٍ وما منحَهُما مِنْ عِلْمِ الْأَسْمَاءِ الَّذِي هُوَ عُنْوَانُ الْفِكْرِ الْمُوَصِّلِ إِلَى الْهُدَى، وَهُوَ عُنْوَانُ التَّعْبِيرِ عَنِ الضَّمِيرِ الْمُوَصِّلِ لِلْإِرْشَادِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يُبْطِلُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ، وَيَعَقِّدُ عَمَلَهُ فِي اسْتِهْوَائِهِمَا وَذَرِّيَّتِهِمَا، فَقَدْ كانَ يَرَى نَفْسَهُ أَجْدَرَ بِالتَّفْضِيلِ عَلَى آدَمَ، ولِذَلِكَ فَقدْ حسَدَهُ وَحَنَقَ عليْهِ لَمَّا أُمِرَ بِالسُّجُودِ لَهُ.
قوْلُهُ: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} تَفْرِيعٌ عَلَى الْإِخْبَارِ بِعَدَاوَةِ إِبْلِيسَ لَآدَمَ وَزَوْجِهِ: فقدْ نُهِيَا عَنْ أَنْ يَتَسَبَّبَ إِبْلِيسُ فِي خُرُوجِهِمَا مِنَ الْجَنَّةِ، وهذا نَهْيُ تَحْذِيرٍ لَهُمَا فإِنَّ مِنْ شأْنِ الْعَدُوِّ أَنْ لَا يَرُوقُهُ صَلَاحُ حَالِ عَدُّوِهُ. وَقد وَقَعَ هَذا النَّهْيُ فِي صُورَةِ النَّهْيٍ عَنِ العَمَلِ الذي هُوَ مِنْ أَعْمَالِ الشَّيْطَانِ لَا مِنْ أَعْمَالِ آدَمَ كِنَايَةً عَنْ نَهْيِ آدَمَ عَنِ التَّأَثُّرِ بِوَسَائِلِ إِخْرَاجِهِمَا مِنَ الْجَنَّةِ، كَمَا يُقَالُ: لَا أَعْرِفَنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا، كِنَايَةً عَنْ: لَا تَفْعَلْ، أَيْ لَا تَفْعَلْ كَذَا حَتَّى أَعْرِفَهُ مِنْكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ النَّهْيَ عَنْ أَنْ يَبْلُغَ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ خَبَرَ فِعْلِ الْمُخَاطَبِ.
قولُهُ: {فَتَشْقَى} أَيْ: فَتَتْعَبُ فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ بِالكَدْحِ، والْكَدِّ، وَالِاكْتِسَابِ. لِأَنَّهُ لَنْ يُحَصِّلُ لُقْمَةَ الْعَيْشِ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْجَنَّةِ حَتَّى يَحْرُثَ الْأَرْضَ، ثُمَّ يَزْرَعُهَا، ثُمَّ يَقُومُ عَلَى الزَّرْعِ ويَتَعَهَّدُهُ بالعِنَايَةِ والرِّعايَةِ، حَتَّى يُنضُجَ، ثُمَّ يجْمَعُهُ ويُحَضِّرُ مِنْهُ طعامَهُ. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُما، في رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْهُ: "يُريدُ شَقَاءَ الدُّنْيَا وَنَصَبِهَا". وَقَالَ السُّدِّيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (الحَرْثُ، وَالزَّرْعُ، والعَجْنُ، والخَبْزُ). وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (فَتَشْقَى فِي كَدِّ المَعِيشَةِ).
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّقَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: التَّعَبُ فِي اكْتِسَابِ الْمَعِيشَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ في الآيَتَيْنِ: (118 و 119): {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى}، فاحْذَرْ أَنْ يُخْرِجَكَ عَدُوِّكَ مِنْ دَارِ الرَّاحَةِ لأَنَّ كلَّ حاجاتِكَ مِنْ طعامٍ، وشَرَابٍ، وَكِسْوَةٍ، وَسَكَنٍ، مُؤَمَنٌ لكَ فيها دونَ أَيِّ جُهْدٍ مِنْكَ. وَقَدْ أُسْنِدَ تَرَتُّبُ الشَّقَاءِ عَلَى الخروجِ مِنَ الجنَّةِ إِلَى آدَمَ خَاصَّةً دُونَ زَوْجِهِ إِيجَازًا، لِأَنَّ فِي شَقَاءِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ شَقَاءَ الْآخَرِ لِتَلَازُمِهِمَا فِي الْكَوْنِ، وفيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ شَقَاءَ الذَّكَرِ أَصْلُ شَقَاءِ الْمَرْأَةِ، وفِيهِ رِعَايَةٌ للْفَاصِلَةِ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى"، قَالَ: عَنَى بِهِ شَقَاءَ الدُّنْيَا، فَلَا تَلْقَى ابْنَ آدَمَ إِلَّا شَقِيًّا نَاصِبًا.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، فِي الْحِلْيَةِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ آدَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا أُهْبِطَ إِلَى الأَرْضِ اسْتَقْبَلَهُ ثَوْرٌ أَبْلَقُ فَقِيلَ لَهُ: اعْمَلْ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ وَيَقُولُ: هَذَا مَا وَعَدَني رَبِّي: "فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى" ثُمَّ نَادَى حَوَّاءَ: أَحَوَّاءُ، أَنْتِ عَمِلْتِ فِي هَذَا، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ يَعْمَلُ عَلَى ثَوْرٍ إِلَّا قَالَ: حَوَّاءُ دَخَلَتْ عَلَيْهِمِ مِنْ قَبْلِ آدَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
أَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: لَمْ يَقُلْ فَتَشْقَيَانِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ مَعَهُ، فَوَقَعَ الْمَعْنَى عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَعَلَى أَوْلَادِهِمَا كَقَوْلِه تَعَالى في أَوَّلِ سورةِ الطَّلاق: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ}، وكقولِهِ مِنْ سُورةِ التحريم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمْ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} الآية: (1)، ثُمَّ قالَ: {قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُم} الآيةَ: (2) فَدَخَلُوا جميعًا معهُ فِي الْمَعْنى، وَإِنَّمَا كَلَّمَ اللهُ تعالَى النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ.
وَقالَ الفَرَّاءُ: (وَلَمْ يَقُلْ: فَتَشْقَيَا، لِأَنَّ آدَمَ المُخَاطَبَ وَفِي فِعْلِهِ اكْتِفَاءٌ مِنْ فِعْلِ المَرْأَةِ) "مَعَاني القُرْآنِ" له: (2/193). يَعْنِي: أَنَّ أَوَّلَ الآيَةِ خِطَابٌ لآدَمَ، وَصَرَفُ الخِطَابِ فِي آخِرِهَا إِلَى آدَمَ لِوِفاقِ الفَوَاصِلِ، وكانَ فِي خِطابِهِ اكْتِفَاءٌ عَنْ خِطابِ حَوَّاءَ، كَقَولِهِ تَعَالى مِنْ سورةِ (ق): {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} الآيةَ: 17، فَاكْتَفَى بالقَعِيدِ عَنْ صَاحِبِهِ. واللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {فَقُلْنَا} الفَاءُ: للعَطْفِ، و "قُلْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ هو "نا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبحانَهُ، و "نَا" التعظيمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والجملةُ مَعْطُوفةٌ عَلَى ملةِ {اسْجُدُوا} عَلَى كونِها في محلِّ النَّصْبِ بـ {قُلْنَا}.
قولُهُ: {يَا آدَمُ} يَا: أَدَاةُ نِداءٍ للبَعِيدِ. و "آدَمُ" مُنَادَى مُفْرَدُ العَلَمِ، مبنيٌّ على الضَّمِّ في محلِّ النَّصْبِ بياءِ النِّداءِ، وَجُمْلَةُ النِّداءِ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ {قُلْنَا}.
قوْلُهُ: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} إِنَّ: حرفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتوكيدِ. و "هذا" الهاءُ: للتنبيهِ، وَ "ذا" اسْمُ إِشارةٍ مَبنيٌّ عَلى السُّكونِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ. و "عَدُوٌّ" خَبَرُهُ مرقوعٌ بِهِ. و و "لَكَ" اللامُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلَّقٌ بِالخَبَرِ "عَدُوٌّ"، أَوْ بصِفَةٍ لَهُ، وكافُ الخطابِ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "وَلِزَوْجِكَ" الواوُ: للعطْفِ، و "زَوْجِكَ" مَجْرورٌ بحرفِ الجَرَّ معْطُوفٌ عَلَى "لَكَ" وهوَ مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. وَالجُمْلَةُ فِي مَحَلَّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قُلْنَا" عَلَى كَوْنِها جَوَابَ النَّدَاءِ.
قوْلُهُ: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ} الفاءُ: عَاطِفَةٌ، و "لا" نَاهِيَةٌ جَازِمَةٌ. و "يُخْرِجَنَّ" فِعْلٌ مُضارِعٌ مبنيٌّ على الفتحِ لاتِّصالِهِ بنونِ التوكيدِ الثَّقيلةِ فِي مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "لا" النَّاهِيَةِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جَوازًا تَقْديرُهُ (هوَ) يَعُود عَلَى {الشَّيْطانِ}، وضميرُ خِطابِ المُثَنَّى مُتَّصِلٌ بِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على المَفْعُوليَّةِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "إِنَّ". و "مِنَ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُخْرِجَنَّ"، و "الْجَنَّةِ" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ.
قوْلُهُ: {فَتَشْقَى} الفاءُ: عَاطِفَةٌ سَبَبِيَّةٌ، و "تشقى" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ" مُضْمَرَةً وُجُوبًا بَعْدَ فاءِ السَبَبِيَّةِ الوَاقعَةِ فِي جَوَابِ النَّهْيِ، وعلامَةُ نَصْبِهِ فتحةٌ مُقَدَّرةٌ على آخِرِهِ لتعَذُّرِ ظهورِها على الأَلِفِ، وَفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى "آدَمُ" عليْهِ السَّلامُ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةُ "أَنْ" المُضْمَرَةِ الوَاقِعَةِ فِي جَوَابِ النَّهْيِ، و "أَنْ" مَعَ صِلَتِهَا في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَعْطوفٍ عَلَى مَصْدَرٍ مُتَصَيَّدٍ مِنَ الجُمْلَةِ الَّتي قَبْلَهَا مِنْ غَيْرِ سَابِكٍ لِإِصْلاحِ المَعْنَى، والتقديرُ: لَا يَكُنْ إِخْرَاجُهُ إِيَّاكُمَا فَشَقَاؤُكُمَا، وقد أُفْرِدَ الضَّمِيرُ فِي "تَشْقَى" لِأَنَّ آدَمَ هُوَ المُخَاطَبُ مِنْ أَوَّلِ القِصَّةِ، فَهُوَ المَقْصُودُ بالخِطابِ، وَإِلَّا فَمُقْتَضَى السِّيَاقِ أَنْ يُقَالَ: فَتَشْقَيَا، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مُفَصَّلًا فِي مَبْحَثِ التَّفْسيرِ.
والنَّهْيُ هوَ لإِبْلِيسَ فِي الصُّورَةِ، والمُرَادُ بِهِ هُمَا أَيْ: لَا تَتَعَاطَيَا أَسْبَابَ الخُرُوجِ فَيَحْصُلَ لَكُمَا الشَّقَاءُ، وَهُوَ الكَدُّ وَالتَّعَبُ الدُّنْيَوِيُّ خَاصَّةً لكسْبِ أَسبابِ العَيْشِ. قالَ الشَّيْخُ أَبو حَيَّانَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الفِعْلُ مَرْفُوعًا عَلى الاسْتِئْنافِ، أَيْ: فَأَنْتَ تَشْقَى. قَالَ السَّمينَ: وَهُوَ بَعِيدٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ؛ إِذْ لَيْسَ المَقْصُودُ الإِخْبَارَ بِأَنَّهُ يَشْقَى، بَلْ إِنْ وَقَعَ الإِخْرَاجُ لَهُمَا مِنْ إِبْلِيسَ حَصَلَ مَا ذُكِرَ.