يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109)
قولُهُ ـ تَعَالَى شأْنُهُ: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ} يَنَفِي اللهُ ـ سُبحانَهُ وَتَعَالى، في هذِهِ الجُملةِ الكريمةِ أَنْ تَنْفَعَ أَحَدًا شفاعَةُ أَحَدٍ يومَ القِيَامَةِ عِنْدَهُ ـ تَبَارَكَتْ أَسْماؤهُ، ثمَّ يَسْتَثْنِي بعدَها مَنْ أَذِنَ لهُ، وَلِمَنْ أَذِنَ.
وَ "يَوْمَئِذٍ: أَيْ: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} الآيَةَ: 102، السَّابقة. وَ "تَنْفَعُ" مِنَ النَّفْعِ الذي هوَ ضِدُّ الضُرِّ، وهُوَ ما يُسْتَعانُ بهِ في الوُصُولِ إِلَى الخَيْر، وَالاسْمُ "المَنْفَعَةُ"، وَ "النَّفاعُ" و "النَّفِيعَةُ"، وَفاعِلُ النَّفْعِ: يُسَمَّى "نَفُوعًا" ومَنْ كَثُرَ نَفعُهُ سُمِّيَ "نَفَّاعًا" للمُبالغةِ، والجَمْعُ "نُفُعٌ"، بالضَّمِّ. وَ "النَّافِعُ" مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنَى، وَ "اسْتَنْفَعَ" فُلانٌ: طَلَبَ النَّفْعَ مِنْ غَيْرِهِ، فَهُوَ مُسْتَنْفِعٌ، قالَ الشَّاعِرُ:
ومُسْتَنْفِعٍ لَمْ يَجْزِه بِبَلائِه ................. نَفَعْنا ومَوْلًى قد أَجَبْنا لِيُنْصَرا
و "الشَّفَاعَةُ" مِنَ الشَّفْعِ، وهوَ الزوجُ، بِخلافُ الوَتْرِ الذي هوَ الفَرْدُ، ومِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (( .. وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ)) جاءَ ذلكَ فيما أَخْرجَهُ الشَّيْخانِ، وغَيْرُهُما، مِنْ حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قَالَ: ((للهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِئَةٌ إِلَّا وَاحِدًا لَا يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ)). وأَخْرَجَ الإمامُ أحمدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُما، قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَوَاحِدَةً، إِنَّ اللهَ تَعَالَى وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ)). مُسْنَدُ الإمامِ أَحْمَد: (2/155، برقم: 6439). وَيُقالُ كَانَ وَتْرًا فَشَفَعْتُهُ شَفْعًا، وَشَفَعَ الوَتْرَ صَيَّرَهُ زَوْجًا، قَالَ جَريرُ بْنُ عَطِيَّةَ:
وَمَا بَاتَ قَوْمٌ ضَامِنينَ لَنَا دَمًا ................ فَيَشْفِينَا إِلَّا دِماءٌ شَوافِعُ
أَنْشَدَ ابْنُ الأَعْرابيِّ هَذَا البَيْتَ لِسُويْدِ بْنِ كِرَاعٍ، وَإنَّما هُوَ لِجَريرِ بْنِ عَطِيَّةَ في دِيوانِهِ. وَشُفْعَةُ الضُّحَى: رَكْعَتَا الضُّحَى فَقَدْ أَخْرَجَ الإمامُ أَحَمْدٌ في مُسْنَدِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ حَافَظَ عَلَى شُفْعَةِ الضُّحَى غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ)). وَيَعْنِي بها رَكْعَتَيْ الضُّحَى وَهِيَ مِنَ الشَّفْعِ الذي هوَ الزَّوْجِ، وَيُرْوَى "شَفعَة" بالفَتْحِ، كَ "غَرْفَة"، وَ "شُفْعَة" بالضَّمِّ، كَ "غُرْفة". وشَفَعَ يَشْفَعُ شَفاعَةً، وتَشَفَّعَ، طَلَبَ حاجَةً. وَالمُفْرَدُ منهُ شَفِيعٌ وَشَّافِعُ، ويُجْمَعُ عَلَى شُفَعاء، وَاسْتَشْفَعَ بَفُلانٍ على فُلانٍ، وَتَشَفَّعَ لَهُ إِلَيْهِ فَشَفَّعَهُ فِيهِ. واسْتَشْفَعَهُ طلَبَ مِنْهُ الشَّفاعَةَ، أَيْ: قَالَ لَهُ "كُنْ لي شافِعًا"، وقالَ اللهُ تعالى مِنْ سُورةِ النِّساءِ: {مَنْ يَشْفَعْ شَفاعةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصيبٌ مِنْها، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} الآيَةَ: 85. وَفسَّرَ المُبَرِّدُ وثَعْلِبُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {مَنْ ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} الآيَة: 155، مِنْ سُورةِ البقرةِ بِالدُّعاءُ، وَالشَّفاعَةُ كَلامُ الشَّفِيعِ في حاجَةٍ يَسْأَلُها لِغَيْرِهِ، وَشَفَعَ إِلَيْهِ طَلَبَ إِلَيْهِ، والشَّافِعُ الطالِبُ لِغَيْرِهِ يَتَشَفَّعُ بِهِ إِلَى المَطْلوبِ، قال الأَعْشَى:
واسْتَشْفَعَتْ مَنْ سَراةِ الحَيِّ ذَا ثِقةٍ ...... فَقَدْ عَصاها أَبُوها والذي شَفَعَا
قوْلُهُ: {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} بعدَ أَنْ نَفَى فِي الجُمْلَةِ الأُولَى مِنْ هَذِهِ الآيَةِ الكَريمةِ أَنْ تَنْفَعَ أَحَدًا شفاعَةُ أَحَدٍ يومَ القِيَامَةِ عِنْدَهُ ـ تَبَارَكَتْ أَسْماؤهُ، اسْتَثْنَى هُنَا مَنْ أَذِنَ لهُ، وَلِمَنْ أَذِنَ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وهَذا كَقَوْلِهِ في الآيةِ 255، مِنْ سُورةِ البَقَرَةِ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}، وَقَوْلِهِ مِنْ سُورةِ الأَنْبِيَاءِ: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} الآيَةَ: 28، وَقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ سَبَأٍ: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} الآيَةَ: 23، وَقَوْلِهِ مِنْ سُورةِ النَّجْمِ: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لَا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى} الآيةَ: 26. وقولِهِ مِنْ سُورةِ المُدَّثِّرِ: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شفاعة الشافعين} الآيةَ: 48.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وغيرِهِما مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ هِلاَلٍ الْعَنَزِيِّ، قَالَ: انْطَلَقْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، وَتَشَفَّعْنَا بِثَابِتٍ (البَنَانِيِّ)، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي الضُّحَى، فَاسْتَأْذَنَ لَنَا ثَابِتٌ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَأَجْلَسَ ثَابِتًا مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، إِنَّ إِخْوَانَكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَسْأَلُونَكَ أَنْ تُحَدِّثَهُمْ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ. قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَيَقُولُونَ لَهُ: اشْفَعْ لِذُرِّيَّتِكَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَإِنَّهُ خَلِيلُ اللهِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللهِ، فَيُؤْتَى مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى ـ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَإِنَّهُ رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ، فَيُؤْتَى عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُوتَى، فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا، فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، فَأَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لاَ أَقْدِرُ عَلَيْهِ الآنَ، يُلْهِمُنِيهِ اللهُ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ لِيَ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: رَبِّ، أُمَّتِي، أُمَّتِي، فَيُقَالُ: انْطَلِقْ، فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ، أَوْ شَعِيرَةٍ، مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ لِيَ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: أُمَّتِي، أُمَّتِي، فَيُقَالُ لِيَ: انْطَلِقْ، فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ إِلَى رَبِّي ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ لِيَ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي، أُمَّتِي، فَيُقَالُ لِيَ: انْطَلِقْ، فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ)).
هَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي أَنْبَأَنَا بِهِ، فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا كُنَّا بِظَهْرِ الْجَبَّانِ، قُلْنَا: لَوْ مِلْنَا إِلَى الْحَسَنِ (البَصْرِيِّ) ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، وَهُوَ مُسْتَخْفٍ فِي دَارِ أَبِي خَلِيفَةَ، قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا سَعِيدٍ، جِئْنَا مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَبِي حَمْزَةَ، فَلَمْ نَسْمَعْ مِثْلَ حَدِيثٍ حَدَّثَنَاهُ فِي الشَّفَاعَةِ، قَالَ: هِيهِ، فَحَدَّثْنَاهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: هِيهِ، قُلْنَا: مَا زَادَنَا، قَالَ: قَدْ حَدَّثَنَا بِهِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ جَمِيعٌ، وَلَقَدْ تَرَكَ شَيْئًا مَا أَدْرِي أَنَسِيَ الشَّيْخُ، أَوْ كَرِهَ أَنْ يُحَدِّثَكُمْ فَتَتَّكِلُوا، قُلْنَا لَهُ: حَدِّثْنَا، فَضَحِكَ، وَقَالَ: خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ، مَا ذَكَرْتُ لَكُمْ هَذَا إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ:
((ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فِي الرَّابِعَةِ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ لَكَ، أَوْ قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ إِلَيْكَ، وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَكِبْرِيَائِي، وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي، لأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)). قَالَ: فَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ، أَنَّهُ حَدَّثَنَا بِهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أُرَاهُ قَالَ: قَبْلَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ جَمِيعٌ. أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ في صحيحِهِ: (9/179، برقم: 7510). وَمُسْلِمٌ في صحيحِهِ: (1/125، برقم: 398). والنَّسائي، فِي "السُنَنُ الكُبْرَى": (11066). وَغَيْرُهُمْ.
قوْلُهُ: {وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} أَيْ: وَرَضِيَ قولَ الشافِعِ في شَأْنِهِ، أَوْ رَضِيَ قَوْلَ العَبْدِ لِأَجْلِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْ لمْ يَرَضَ اللهُ منهُ قَوْلَهُ، أَوْ قَوْلَ المُتَشَفِّعينَ بِهِ فلا تَنْفَعُهُ شفاعَةٌ مِنْ أَيٍّ كانَ وهذا كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورةِ النَّبَأِ: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَوابًا} الآيةَ: 38.
قوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ} يَوْمَئِذٍ: يومَئذٍ: هُوَ "يومَ" مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الزَّمانيَّةِ، مُضافٌ، وَ "إِذٍ" ظَرْفٌ لِمَا مَضَى مِنَ الزَّمانِ، مَبْنِيٌّ بِسُكونٍ مُقَدَّرٍ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافَة إِلَيْهِ، وَالتَّنْوينُ عِوَضٌ عَنِ الجُمْلَةِ المَحذوفَةِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَنْفَعُ"، أَوْ بَدَلٌ مِنْ {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ. و "لَا" نافيةٌ، و "تَنْفَعُ" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ. و "الشَّفَاعَةُ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، وَالجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قوْلُهُ: {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} إِلَّا: أَداةُ اسْتِثْناءٍ مُفَرَّغٍ. و "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ وَاقِعٌ عَلَى المَشْفُوعِ بِهِ، فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على المَفْعُوليَّةِ بـ "تَنْفَعُ"، وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ بَدَلًا مِنَ "الشَّفَاعَةُ" عَلَى قَاعِدَةِ المُسْتَثْنَى المَنْفِيِّ، أَوْ النَّصْبِ عَلى الاسْتِثْناءِ المُتَّصِلِ مِنَ "الشَّفَاعَةُ" وَلَا بُدَّ فِي هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ مِنْ تَقْديرِ مُضافٍ، والتقديرُ: إِلَّا شَفَاعَةُ مَنْ أَذِنَ لَهُ، وَإِذَا اعْتُبِرَ المُسْتَثْنَى مُنْقَطِعًا وَجَبَ نَصْبُهُ، فَتَلُخُصَ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ مُتَقَارِبَة الرَّجَحَانِ، وقد رَجَّحَ الزَّمَخْشَرِيُّ الرَّفْعَ عَلَى البَدَلِيَّةِ، وَتَبِعَهُ في ذلكَ القاضِي البَيْضَاوِيِ. وَ "أَذِنَ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلى الفَتْحِ. و "لَهُ" اللامُ حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَذِنَ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "الرَّحْمَنُ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، وَالجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هذِهِ صِلَةُ المَوْصُولِ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قَوْلُهُ: {وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} الواوُ: للعَطْفِ، وَ "رَضِيَ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌ عَلى الفتْحِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى اللهِ تَعَالَى. و "لَهُ" اللامُ حَرْفُ جَرٍّ للتَّعْلِيلِ في المَوْضِعَيْنِ كَقَوْلِهِ مِنَ سُورةِ الأحقاف: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} الآيةَ: 11، أَيْ: لِأَجْلِهِ وَلِأَجْلِهِمْ، وهوَ مُتَعَلِّقٌ بِـ "رَضِيَ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "قَوْلًا" مَفْعُولُهِ منصوبٌ بِهِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى جمْلَةِ "أَذِنَ" عَلَى كونِها صِلَةَ الاسْمِ المَوْصُولِ فَلَيسَ لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الإِعْرَابِ.