فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86)
قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} بَعْدَ شُهودِ سيِّدِنا مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، مِيقَاتَ رَبِّهِ، رَجَعَ إِلَى بَني إسْرائيلَ، قَوْمِهِ، وَهَو فِي حالٍ مِنَ الغَضَبِ مِنْ فَعْلَتِهم، وَالأَسَفِ الشَّديدِ عَلَيْهِمْ، فَكيفَ يَعْبُدونَ الْعِجْلَ التِّمْثَالَ، مِنْ دُونِ ربِّهِمُ الكَبِيرِ المُتَعالِ.
غَضْبَانَ: هوَ اسْمُ فاعِلٍ مِنْ "غَضِبَ، يغضَبُ"، إِذا سَخِطَ دونَ خوفٍ، فَالْغَضَبُ: انْفِعَالٌ لِلنَّفْسِ وَهَيَجَانُها، ويَنْشَأُ عَنْ إِدْرَاكِها أَنَّ ثمَّةَ مَا يَسوؤها وَيُسْخِطُهَا دُونَ أَنْ يُخَالِجْهَا خَوْفٍ، وَالْوَصْفُ مِنْهُ غَضْبَانٌ.
وَ "أَسِفًا" مَعْنَاهُ شَدِيدُ الْغَضَبِ. فَالْأَسَفُ هُنَا: هُوَ شِدَّةُ الْغَضَبِ، والْأَسَفُ: انْفِعَالٌ لِلنَّفْسِ يَنْشَأُ مِنْ إِدْرَاكِها أَنَّ ثمَّةَ مَا يُحْزِنُهَا، وَمَا تَكْرَهُهُ مَعَ انْكِسَارِ الْخَاطِرِ. وَالْوَصْفُ مِنْهُ "أَسِفَ". وَقَدِ اجْتَمَعَ الِانْفِعَالَانِ فِي نَفْسِ سيِّدِنا مُوسَى ـ عليْهِ السَّلامُ، لِأَنَّهُ ساءَهُ وُقُوعُ ذَلِكَ فِي أُمَّتِهِ، وَهُوَ لَا يَخَافُهُمْ، فَانْفِعَالُهُ الْمُتَعَلِّقُ بِحَالِهِمْ غَضَبٌ، وَهُوَ أَيْضًا يَحْزُنُهُ وُقُوعُ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي مُنَاجَاةِ اللهِ تَعَالَى الَّتِي كَانَ يَأْمُلُ أَنْ تَكُونَ سَبَبًا في رِضَى اللهِ تَعَالَى عَنْ قَوْمِهِ، فَإِذَا بِهِمْ أَتَوْا بِمَا لَا يُرْضِي اللهَ فَقَدِ انْكَسَرَ خاطرُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ.
وَعَلَى هَذَا فَإنَّ قَوْلَهُ "غَضْبَانَ أَسِفًا" أَيْ: غَضْبَانَ شَدِيدَ الْغَضَبِ. ومِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الآيَةِ: 55، مِنْ سُورةِ "الزُّخْرُفِ": {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} أَيْ: فَلَمَّا أَغْضَبُونَا بِتَمَادِيهِمْ فِي الْكُفْرِ، مَعَ تَوَالِي نُزُولِ الْآيَاتِ البيَّناتِ الواضِحاتِ عَلَيْهِمُ، انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ، فأَغْرَقْناهمْ أَجْمَعينَ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْأَسَفُ هُنَا يَعْنِي الْحُزْنَ وَالْجَزَعَ. أَيْ: أَنَّ نبيَّ اللهِ مُوسَى ـ عَلَى نَبِيِّنا وَعَليْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، رَجَعَ مِنْ مِيقَاتِ ربِّهِ وهوَ فِي حَالٍ مِنَ الحُزْنِ العَمِيقِ والجَزَعِ الشَّديدِ، أَيْ: حالَ كَوْنِهِ غَضْبَانَ حَزِينًا جَزِعًا، لِكُفْرِ قَوْمِهِ بِعِبَادَتِهِمْ لِلْعِجْلِ.
وَقِيلَ: "أَسِفًا" أَيْ: مُغْتَاظًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغَضَبِ وَالْغَيْظِ، هوَ أَنَّ الغَضَبَ: نَقيضُ الرِّضا، وهُوَ مِن اللهِ سُخْطُهُ عَلَى مَنْ عَصَاهُ، أَمَّا الغَيْظُ فهُوَ غَضَبٌ كامِنٌ في نَفْسِ العاجِزِ. وَقَدْ وَصَفَ اللهَ تَعَالَى نَفْسَهُ المُقدَّسَةَ بِالْغَضَبِ، وَلَمْ يَصِفْها بالغَيْظِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُجِزِ العُلَماءُ وَصْفَهُ بِهِ.
وَمَا ذَكَرَهُ ـ جَلَّ جَلَالُهُ، هُنَا فِي هَذِهِ الآيَةِ مِنْ كَوْنِ مُوسَى رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا ذَكَرَهُ فِي غَيْرِهَا، وإنَّما مَعَ ذِكْرِ أَشْيَاءَ مِنْ آثَارِ غَضَبِهِ الْمَذْكُورِ هُنَا، فَقَالَ في الآيَةِ: 150، مِنْ الْأَعْرَافِ: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}، وَقَدْ أَشارَ تَعَالَى إِلى إِلْقائهِ الأَلْواحَ وأَخْذِهِ بِرَأْسِ أَخيهِ هُنَا فِي الآيةِ: 94، مِنْ هَذهِ السُّورةِ المُبَارَكَةِ، فَقَالَ حِكَايَةً عَلَى لِسانِ أَخِيهِ هارونَ ـ عليْهِما السَّلامُ: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي}.
وَفي هَذِهِ الْآيَاتِ المُبَارَكاتِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ كَالْعِيَانِ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالى لَمَّا أَخْبَرَ مُوسَى بِكُفْرِ قَوْمِهِ وَعِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ فقَالَ لهُ في الآيَةِ: 85، السَّابِقَةِ: {قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ}، وَمعَ أَنَّ الخَبَرَ مِنَ اللهِ يَقِينٌ لَا شَكَّ فِيهِ، فإِنَّ مُوسَى لَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ، ولَمْ يأْخُذْ بِرَأْسِ أَخِيه، وَلَكِنَّهُ لَمَّا عَايَنَ قَوْمَهُ متَحَلِّقونَ حولَ الْعِجْلِ يَعْبُدُونَهُ، أَثَّرَتْ فِيهِ مُعَايَنَةُ ذَلِكَ تَأْثيرًا لَمْ يُؤَثِّرْهُ فِيهِ الْخَبَرُ الْيَقِينُ مِنْ ربِّ العالمينَ، فَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ حَتَّى تَكَسَّرَتْ، وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ، لِشِدَّةِ غَضَبِهِ مِنِ انْتِهَاكِ حُرُمَاتِ اللهِ تَعَالَى، بِعِبَادَةِ غيرِهِ.
وَأَخْرَجَ الأَئِمَّةُ: أَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالبَزَّارُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالطَّبَرانِيُّ، وأَبُو الشَّيْخِ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى لَيْسَ الْمُعَايِنُ كَالْمُخْبَرِ، أَخْبَرَهُ رَبُّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ، أَنَّ قَوْمَهُ فُتِنُوا بَعْدَهُ، فَلَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ، فَلَمَّا رَآهُمْ وَعَايَنَهُمْ أَلْقَى الْأَلْوَاحَ)). مُسْنَدُ أَحْمَدٍ: (1/215(1842)، و (1/271(2447)، وأخرجَهُ الحاكِمُ فِي ـ كتابِ التَّفْسيرِ مِنْ مُسْتَدْرَكِهِ: (2/412، برقم: 3435) وَصَحَّحَهُ على شرطِ الشَّيْخَيْنِ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ.
لقدَ كانَ هَذَا الأَمْرُ في ابْتِدَاءِ قِيَامِ مُوسَى ـ عليْهِ السَّلامُ، فِي جَمَاعَةِ مِنْ قَوْمِهِ ـ وَفِيهِمْ هَارُونَ وَفِيهِمُ السَّامِرِيُّ، وَهُوَ يَقْرَعُ أَسْمَاعَهُمْ بِزَوَاجِرِ وَعْظِهِ، فَابْتَدَأَ بِخِطَابِ قَوْمِهِ كُلِّهِمْ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ هَارُونَ لَا يَكُونُ مُشَايِعًا لَهُمْ، فَلِذَلِكَ ابْتَدَأَ بِخِطَابِ قَوْمِهِ ثُمَّ وَجَّهَ الْخِطَابَ إِلَى هَارُونَ بِقَوْلِهِ في الآيَتَيْنِ: (92 و 93)، مِنْ هذِهِ السُّورَةِ المُبَارَكَةِ: {قالَ يَا هارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}.
قوْلُهُ: {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا} اسْتِئْنافٌ بَيَانِيٌّ افْتُتِحَ بِـ "يَا قَوْمِ" تَمْهِيدًا لِلَّوْمِ، لِأَنَّ أَذَى الرَّجُلِ مِنْ قَوْمِهِ أَحَقُّ فِي تَوْجِيهِ الْمَلَامِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ "فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي". وَالِاسْتِفْهَامُ فِي "أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ" إِنْكَارِيٌّ، فَقَدْ نُزِّلُوا مَنْزِلَةَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ لَمْ يَعِدْهُمْ وَعْدًا حَسَنًا، لِأَنَّهُمْ أَجْرُوا أَعْمَالَهُمْ عَلَى حَالِ مَنْ يَزْعُمُ ذَلِكَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ زَعْمَهُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هذا الاسْتِفهامُ تَقْرِيرِيًّا، وَشَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى فَرْضِ النَّفْيِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَالْوَعْدُ الْحَسَنُ هُوَ: وَعْدُ الله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُوسَى بِإِنْزَالِ التَّوْرَاةِ، وَمُوَاعَدَتُهُ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً لِلْمُنَاجَاةِ، وَقَدْ أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ، فَهُوَ إِذًا وَعْدٌ لِقَوْمِهِ، لِأَنَّ في ذَلِكَ صَلَاحًا لَهُمْ، وَلِأَنَّ اللهَ وَعَدَهُمْ بِأَنْ يَكُونَ نَاصِرًا لَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَهَادِيًا لَهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ، وَهُوَ الْمَحْكِيُّ بِقَوْلِهِ تعالى في الآيةِ: 80، السَّابقةِ، مِنْ هَذِهِ السُّورةِ المُبَارَكَةِ: {وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ}. فإِنَّ مُوسَى ـ عَلَى نَبِيِّنَا وعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمَّا رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، وَوَجَدَهُمْ قَدْ عَبَدُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ، قَالَ لَهُمْ: "يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا". فإِنَّ أَظْهَرَ الْأَقْوَالِ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْوَعْدِ الْحَسَنِ: أَنَّهُ وَعَدَهُمْ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَى نَبِيِّهِمْ كِتَابًا فِيهِ كُلُّ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَفِيهِ أَقْوَالٌ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَفي كُلِّ فِعْلٍ مُضَارِعٍ أَتَى في الْقُرْآنِ الكريمِ مَجْزُومًا بِـ "لَمْ" مَسْبوقةً بهَمْزَةِ اسْتِفْهَامِ. كَقَوْلِهِ هُنَا: "أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا" وَجْهَانِ مَعْرُوفَانِ عِنْدَ عُلَمَاءِ التفسيرِ:
أَوَّلُهما: أَنَّ مُضَارَعَتَهُ تَنْقَلِبُ مَاضَوِيَّةً، وَنَفْيَهُ يَنْقَلِبُ إِثْبَاتًا. فَيَصِيرُ قَوْلُهُ: "أَلَمْ يَعِدْكُمْ" بِمَعْنَى وَعَدَكُمْ، وَكذلكَ قَوْلُهُ مِنْ سورةِ الانْشِراحِ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: شَرَحْنَا، وَقَوْلُهُ مِنْ سُورَةِ البَلَد: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن} الآيات: (8 ـ 10) فإنَّ المَعْنى: جَعَلْنَا لَهُ عَيْنَيْنِ ولِسَانًا وشَفتينِ، وهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ.
وَوَجْهُ انْقِلَابِ الْمُضَارَعَةِ مَاضَوِيَّةً ظَاهِرٌ، لِأَنَّ "لَمْ" حَرْفُ قَلْبٍ تَقْلِبُ الْمُضَارِعَ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ إِلَى مَعْنَى الْمُضِيِّ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ.
وَوَجْهُ انْقِلَابِ النَّفْيِ إِثْبَاتًا أَنَّ الْهَمْزَةَ إِنْكَارِيَّةٌ، فَهِيَ مُضَمَّنَةٌ مَعْنَى النَّفْيِ، فَيَتَسَلَّطُ النَّفْيُ الْكَامِنُ فِيهَا عَلَى النَّفْيِ الصَّرِيحِ فِي "لَمْ" فَيَنْفِيهِ، وَنَفْيُ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ، فَيَؤُولُ إِلَى مَعْنَى الْإِثْبَاتِ.
ثَانِيهما: أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ فِي ذَلِكَ للتَّقْرِيرِ، وَهُوَ حَمْلُ الْمُخَاطَبِ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِمَضْمُونِهِ فَيَقُول: "بَلَى"، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: "أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا" حَمَلُهُمْ عَلَى أَنْ يُقِرُّوا بِمَضْمُونِهِ فَيَقُولُوا بَلَى. وَنَظِيرُ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ جَرِيرِ بْنِ عطيَّةَ:
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا ............... وَأَنْدَى الْعَالَمِينَ بُطُونَ رَاحٍ
فَإِذَا عَرَفْنَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالى: "فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا" إِلَى قَوْلِهِ منَ الآيةِ التي تَليهَا: {بِمَلْكِنَا}، قَدْ بَيَّنَ اللهُ فِيهِ أَنَّ مُوسَى لَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِمْ فِي شِدَّةِ غَضَبٍ مِمَّا فَعَلُوا، وَعَاتَبَهُمْ عَلَيْهِ، فقَالَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْعِتَابِ: "أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ"، فَإِنَّ بَعْضَ عِتَابِهِ لَهُمْ لَمْ يُبَيِّنْهُ، وَكَذَلِكَ بَعْضُ فِعْلِهِ بهمْ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كتابِهِ العَزيزِ، فقالَ فِي الآيةِ: 150، مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} وَقَدْ كانَ ذَلِكَ فِي الْقِصَّةِ بِعَيْنِهَا.
قولُهُ: {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ} أَيْ: أَفَطالَتْ عَلَيْكُمْ مُدَّةُ مُفارَقَتي إِيَّاكُمْ!. والِاسْتِفْهَامُ هُنَا لِلْإِنْكَارِ أَيْضًا، يَعْنِي لَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ، لِأَنَّ طُولَ الْعَهْدِ مَظِنَّةُ النِّسْيَانِ، وَالْعَهْدُ قَرِيبٌ لَمْ يَطُلْ فَكَيْفَ نَسِيتُمْ؟. وَهوَ مُفَرَّعٌ عَلَى الاسْتِفهامِ الذي قَبْلَهُ في قَوْلِهِ: "أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ"، أَيْ: لَيْسَ بَعِيدًا الْعَهْدُ بِوَعْدِ اللهِ إِيَّاكُمْ.
وَالْمُرَادُ بِطُولِ الْعَهْدِ طُولُ الْمُدَّةِ، أَيْ بُعْدُهَا، والمَعْنَى لَمْ يَبْعُدْ زَمَنُ وَعْدِ رَبِّكَمْ إِيَّاكُمْ حَتَّى تَيْأَسُوا مِنَ الْوَفَاءِ، فَتَكْفُرُوا، وَتُكَذِّبُوا مَا بَلَّغْتُكُمُ إِيَّاهُ مِنْ وَعْدِ اللهِ لَكمْ، فَتَكُونُ لَكُمْ شُبْهَةُ عُذْرٍ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ عِبَادَةِ اللهِ ـ تباركَ وتَعَالى، وَتَعْبُدُوا رَبًّا غَيْرَ الَّذِي دَعَوْتُكُمْ إِلَى عبادَتِهِ، رَبًّا صَنَعَهُ لَكُمُ السَّامِرِيُّ، وَتَنْسَوْا عَهْدَ اللهِ تَعَالى.
وَالْعَهْدُ: مَعْرِفَةُ الشَّيْءِ وَتَذَكُّرُهُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أُطْلِقَ عَلَى الْمَفْعُولِ كَإِطْلَاقِ الْخَلْقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ، أَيْ طَالَ الْمَعْهُودُ لَكُمْ، وَبَعُدَ زَمَنُهُ حَتَّى نَسِيتُمُوهُ، وَعَمِلْتُمْ بِخِلَافِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْمَصْدَرِ وَهُوَ عَهْدُهُمُ للهِ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرهِ، وَالْعَمَلِ بِشَرِيعَتِهِ.
وَقد تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى منْ سُورَةِ البَقَرَةِ: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ} الآيةَ: 27، ثُمَّ فِي قَوْلِهِ بَعَدَ ذَلكَ في الآيةِ: 40، مِنَ السُّورةِ ذاتِها: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}.
قولُهُ: {أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أَمْ: هُنَا هِيَ للإِضْرَابِ الإِبْطَالِيِّ. وَالِاسْتِفْهَامُ الْمُقَدَّرُ بَعْدَها اسْتفهامٌ إِنْكَارِيٌّ أَيْضًا، إِذِ التَّقْدِيرُ: بَلْ أَرَدْتُمْ بِعِبادَتِكُمُ العِجْلَ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكمْ، فَإِنَّ حالَكمْ هَذا إِنَّما هوَ كَحالِ مَنْ يُحِبُّ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْهِ غَضَبٌ مِنَ اللهِ ـ تَعَالى، لِيَحِلَّ بِهِ عذابُهُ. وَمَا مِنْ أَحَدٍ يُحِبُّ غَضَبَ رَبِّهِ وَعَذابَهَ، وَلَكِنَّهُ قَدْ يَأْتي بِسَبَبِ ذَلِكَ. وَالْمَعْنَى: بَلْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ. وَمَعْنَى إِرَادَتِهِمْ حُلُولَ الْغَضَبِ: أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يَسْتَوْجِبُ غَضَبَ رَبِّهِمْ بِإِرَادَتِهِمْ. فَكَأَنَّهُمْ إِنَّما أَرَادُوا غَضَبَهُ ـ تَعَالى، لَمَّا أَرَادُوا سَبَبَهُ، وَهُوَ الْكُفْرُ بربِّهِمْ، بَعِبَادَتِهِمْ لِلْعِجْلِ.
وَفِي قَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، "أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ" اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ، إِذْ شَبَّهَ حَالَهُمْ فِي ارْتِكَابِهِمْ أَسْبَابَ حُلُولِ غَضَبِ اللهِ عَلَيْهِمْ مِنْ غيرِ دَاعٍ إِلَى ذَلِكَ بِحَالِ مَنْ يُحِبُّ حُلُولَ غَضَبِ اللهِ عَلَيْهِ إِذِ الْحُبُّ لَا سَبَبَ لَهُ.
قولُهُ: {فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي} وَقالَ في الآيَةِ: 15، مِنْ سُورَةِ الأَعْرافِ: {بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي}. وَمَعْنَى "مَوْعِدِي": وَعْدُ اللهِ عَلَى لِسَانِهِ، فَإِضَافَتُهُ إِلَى ضَمِيرِهِ لِأَنَّهُ المُبَلِّغُ لَهُ الْوَاسِطَةُ فِي ذَلِكَ. أَيْ: أَخْلَفْتُمْ مَا وَعَدْتُموني بهِ مِنْ أَنَّكمْ سُتُحْسِنونَ الخِلافَةَ بَعْدِي، فَقَدْ كَانُوا وَعَدُوهُ أَنْ يَتْبَعُوهُ، لَمَّا تَقَدَّمَهُمْ إِلَى الْمِيقَاتِ، وَأَنْ يَثْبُتُوا عَلَى طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى. فَأَخْلَفُوا وعْدَهُ، وعَبَدُوا الْعِجْلَ مِنْ بعدِهِ، وَعَكَفُوا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتْبَعُوا مُوسَى. فَقَدْ أَخْلَفُوا مَوْعِدَهُ بِالْكُفْرِ، وَبِعَدَمِ اللَّحَاقِ بِهِ، والمُضِيِّ عَلَى أَثَرِهِ.
وَقالَ مُجاهِدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: "فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي" قالَ عَهْدِي. تَفْسيرُ مُجاهِدٍ: (464). يَعْنِي مَا عَهِدَ إِلَيْهِمْ مُوسَى، وَما أَوْصاهُمْ بِهِ مِنَ الإِقامَةِ عَلى طاعَةِ اللهِ.
وَقالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: "فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي" أَيْ: نَسَبْتُمُوهُ إِلَى الخُلْفِ. يَعْنِي وَعْدَهُ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِمْ.
وَقيلَ كذلكَ: "فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي" معناهُ: تَرَكْتُمُ السَّيْرَ عَلَى أَثَرِي. وَهذا تَفْرِيعٌ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ الثَّانِي. وَاللهُ أَعْلَمُ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} الفاءُ: عَاطِفَةٌ، وهي هنا مُجَرَّدَةٌ عَنِ التَّعْقيبِ، أَوْ هيَ للاسْتِئنافِ. وَ "رَجَعَ" فِعْلٌ ماضٍ مُبنيٌّ على الفتْحِ. و "مُوسَى" فاعِلُهُ مرفوعٌ، وعلامةُ رَفعِهِ ضمَّةٌ مُقدَّرَةٌ على آخِرِهِ لِتَعَذُّر ظهورِها على الأَلِفِ. وَالجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ {أَضَلَّ} مِنَ الآيةِ الَّتي قبلَها، عَلى كَوْنِها في مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ {قالَ}. ويَجُوزُ أَنْ تكونَ مُسْتَأْنَفَةً لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْرَابِ، إِذا اعْتَبَرْنا الواوَ للاسْتِئْنافِ. وَ "إِلَى" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "رَجَعَ"، و "قَوْمِهِ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ، مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "غَضْبَانَ" مَنْصَوبٌ عَلَى الحَالِ مِنْ "مُوسَى" ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَامْتَنَعَ مِنَ التَّنْوينِ لِأنَّهُ صِفَةٌ عَلى وَزْنِ "فَعْلان". و "أَسِفًا" حالٌ ثانيَةٌ مِنْهُ مَنْصَوبٌ.
قولُهُ: {قَالَ} قَالَ: فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ الظاهرِ على آخرِه، وَفَاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلى سيِّدِنا "مُوسَى" عَلَيْهِ السَّلامُ، وَالجُمْلَةُ استئنافٌ بَيَانيٌّ لَا مَحَلٌّ لها مِنَ الإِعْرابِ.
قَوْلُهُ: {يَا قَوْمِ} يا: الياءُ: أَداةٌ لِنِداءِ البعيدِ، وَ "قَوْمِ" منْصوبٌ على النَداءِ مَنْصوبٌ وَعَلَامَةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ مُقَدَّرَةٌ عَلى مَا قَبْلِ ياءِ المتكلِّمِ المَحْذوفَةِ للتَّخْفِيفِ، وهوَ مُضافٌ، وَياءُ المُتكلِّمِ المَحْذوفةُ للتَّخْفِيفِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافَةِ إِلَيْهِ، وَجُمْلَةُ النِّداءِ هذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لـ "قَالَ".
قوْلُهُ: {أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا} أَلَمْ: الهمزة: للاسْتِفْهَامِ التَّقْريريِّ، وقدْ أوضَحْنا ذلكَ في مكانِهِ مِنْ مَبْحثِ التَفْسيرِ وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا للاسْتِفْهَامِ الإنْكارِيِّ. و "لَمْ" حَرْفُ جَزْمٍ ونَفْيٍ وقلبٍ. و "يَعِدْكُمْ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَجْزُومٌ بِـ "لم" وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ، مَفْعُولٌ بِهِ أَوَّلُ، وَالمَفْعُولُ الثَّاني مَحْذوفٌ، والتقديرُ: إِعْطاءَ التَّوْرَاةِ، والميمُ علامةُ جمعِ المُذكَّرِ. وَ "رَبُّكُمْ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إليْهِ، والميمُ علامةُ جمعِ المُذكَّر. و "وَعْدًا" مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ منصوبٌ. و "حَسَنًا" صِفَةٌ لَهُ منصوبةٌ مِثلُهُ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ "قَالَ". وَيَجُوزُ أَنْ يكونَ "وَعْدًا" مَصْدَرًا مؤكِّدًا، والمَفْعُولُ الثاني محذوفٌ والتَقْديرُ: يَعِدُكم بِالكِتَابِ وبِالْهِدَايَةِ، أَوْ يُتْرَكُ المَفْعُولُ الثاني لِيَعُمَّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ الوَعْدُ بِمَعْنى المَوْعُودِ فَيَكونَ هوَ المُفْعُولَ الثاني.
قولُهُ: {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ} الهَمْزَةُ: للاسْتِفْهامِ الإِنْكاريِّ، وهي دَاخِلَةٌ عَلَى مَحْذوفٍ، والفاءُ: للعَطْفِ عَلَى ذَلِكَ المَحْذوفِ، والتَّقْديرُ: أَوَعَدَكُمْ رَبُّكمْ وَعْدًا حَسَنًا، فَطالَ عَلَيْكُمُ العَهْدُ، و "طال" فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ. و "عَلَيْكُمُ" عَلى: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "طالَ". و "الْعَهْدُ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، وَالجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى تِلْكَ الجُمْلَةِ المَحْذوفَةِ، والجُمْلَةُ المَحْذوفَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لـ "قَالَ".
قوْلُهُ: {أَمْ أَرَدْتُمْ} أَمْ: حَرْفُ عَطْفٍ مُعادِلٌ للهَمْزَةِ، و "أَرَدْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رَفعٍ مُتحرِّكٍ هو تاءُ الفاعلِ وتاءُ الفاعِلِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والميمُ علامةُ الجَمْعِ المُذكَّرِ، وَالجُمْلَةُ في محلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "طالَ".
قولُهُ: {أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أَنْ: حَرْفُ نَصْبٍ مَصْدَريٌّ. و "يَحِلَّ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ". و "عَلَيْكُمْ" عَلَى: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَحِلَّ"، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مُحَلِّ الجَرِّ بحرْفِ الجرِّ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. وَ "غَضَبٌ" فَاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "غَضَبٌ"، و "رَبِّكُمْ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضَافةِ إلَيْهِ، والميمُ للجمعِ المذكَّرِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ مَعَ "أَنْ" المَصْدَرِيَّةِ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَنْصُوبٍ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ والتقديرُ: أَمْ أَرَدْتُمْ حُلُولَ غَضَبٍ مِنْ رَبِّكُمْ ـ سُبْحانَهُ، عَلَيْكُمْ.
قولُهُ: {فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي} الفَاءُ: عَاطِفَةٌ، و "أَخْلَفْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رَفعٍ مُتحرِّكٍ هو تاءُ الفاعلِ وتاءُ الفاعِلِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والميمُ علامةُ الجَمْعِ المُذكَّرِ، و "مَوْعِدِي" مَصْدرٌ مَفْعُولُهُ مَنْصوبٌ بِهِ، وعلامَةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ مقدَّرةٌ على آخِرِهِ منعَ مِنْ ظُهُورِها انْشغالُ المَحَلِّ بالحَرَكةِ المُناسِبَةِ للياءِ، وهوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلى ياءِ المُتكلِّمِ، ويَاءُ المتكلِّمِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُضافًا لِفَاعِلِهِ بِمَعْنَى: أَوَجَدْتُموني أَخْلَفْتُكُمْ مَا وَعَدْتُكُمْ. ويجوزُ أَنْ يَكونَ مُضافًا لِمَفْعُولِهِ، بِمَعْنَى: أَنَّهُمْ وَعَدُوْهُ أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِدِينِهِ وَشِيعَتِهِ. وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ "أَرَدْتُمْ"، على كَوْنِها في مَحَلِّ النَّصْبِ.