وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} بَعْدَ أَنْ أَلْقَى السَّحَرَةُ حِبالَهمْ وَعِصِيَّهُمْ، وأَرْهَبُوا النَّاسَ بَمَا أَوْهَمُوهُمْ مِنْ أَنَّها ثَعَابِيْنَ تَتَحَرَّكُ، وتَتَلَوَّى، وَتَسْعَى، وَخَافَ نَبِيُّ اللهِ مُوُسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَنْ يُسَيْطِرَ الخوْفُ والوَهْمُ عَلى عُقُولِ النَّاسِ وَنُفوسِهِمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَمْيِيزَ العَصَا المُعجِزَةَ مِنَ السِّحْرِ، وَطَمْأَنَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ بِأَنَّ الغَلَبَةَ سَتَكونُ لَهُ، أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ بِأَنْ يُلْقِيَ العَصَا الَّتِي بِيَمِينِهِ.
قولُهُ: {تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا} تَلْقَفْ: ـ وَفِي قِرَاءَةٍ "تَلْقَفُ"، أَيْ: تَبْتَلِعُ كُلَّ هَذِهِ الحِبَال والعِصِيِّ التي تراها أَمَامَكَ، والَّتِي يُخَيَّلُ إِلَى النَّاسِ أَنَّهَا حَيَّاتٍ وثَعابِينَ فَتَبْتَلِعُ كُلَّ مَا زَوَّرُوهُ وَافْتَعَلُوهُ مِنَ الْحِبَالِ، وَالْعِصِيِّ الَّتِي خَيَّلُوا لِلنَّاسِ أَنَّهَا تَسْعَى.
قولُهُ: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} مَا صَنَعُوا: وَاقِعٌ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى تَخْيِيلِهِمْ إِلَى النَّاسِ بِسِحْرِهِمْ أَنَّ الْحِبَالَ وَالْعِصِيَّ تَسْعَى، لَا عَلَى نَفْسِ الْحِبَالِ، وَالْعَصِيِّ لِأَنَّهَا مِنْ صُنْعِ اللهِ تَعَالَى. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ كَائِنًا مَا كَانَ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى الْكَوْنِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ. وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ ـ جَلَّ وَعَلَا، هُنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: مِنْ كَوْنِهِ أَمَرَ نَبِيَّهُ مُوسَى ـ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَنْ يُلْقِيَ مَا فِي يَمِينِهِ أَيْ: يَدِهِ الْيُمْنَى، وَهُوَ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَبْتَلِعُ مَا يَأْفِكُونَ مِنَ الْحِبَالِ، وَالْعِصِيِّ الَّتِي خَيَّلُوا إِلَيْهِ أَنَّهَا تَسْعَى أَوْضَحَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ مِنْ سُورةِ الْأَعْرَافِ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} الآيات: (117 ـ 119)، وَقَالَ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} الآيةَ: 45، فَذِكْرُ الْعَصَا فِي سَورَتَيْ الْأَعْرَافِ، وَالشُّعَرَاءِ، يُوَضِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي يَمِينِهِ هُنا أَنَّهُ عَصَاهُ ـ كَمَا لَا يَخْفَى.
قولُهُ: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: وَلَا يَسْعَدُ السَّاحِرُ حَيْثُ مَا كانَ). وَرَوَى جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((إِذَا أَخَذْتُمُ السَّاحِرَ فَاقْتُلوهُ، ثُمَّ قَرَأَ: "وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى" قَالَ: لَا يَأْمَنُ حَيْثُ وُجِدَ)). أَوْرَدَهُ ابن كثير في "تفسيرِهِ" (3/175)، وقد رَوَى أَصْلَهُ التِرْمِذِيُّ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَ أَيْضًا نَحْوَهُ فِي كِتَابِ الحُدودِ مِنْ جَامِعِهِ، بابُ: ما جَاءَ فِي حَدِّ السِّحْرِ: (4/60)، وَأخْرجَهُ الحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ: (4/360)، وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ. وَذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ في "الدُّرِّ المَنْثُورِ" (2/541)، وَعَزَاهُ لابْنِ أَبي حاتِمٍ وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وذكره ابْنُ الجَوْزِيِّ فِي تفسيرِهِ "زَادُ المَسيرِ": (5/210)، والقُرْطُبِيُّ فِي "الجامِعِ لِأَحْكامِ القُرْآنِ": (2/48)، وَالشَّوْكانِيُّ فِي "نَيْلِ الأَوْطَارِ" بَاب: مَا جَاءَ فِي حَدِّ السِّحْرِ: (7/632)، وَذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي "المُحَلَّى": (11/396)، وَابْنُ حَجَر في "فَتْحِ البَارِي": (10/236)، وَالذَّهَبِيُّ فِي "الكَبَائِرِ": (ص: 46). وَتَعْرِيفُ السَّاحِرُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ لِقَصْدِ الْجِنْسِ الْمَعْرُوفِ، أَيْ لَا يُفْلِحُ بِهَا كُلُّ سَاحِرٍ. وَتَعْمِيمُ "حَيْثُ أَتى" لِعُمُومِ الْأَمْكِنَةِ الَّتِي يَحْضُرُهَا، أَيْ بِسِحْرِهِ. وَقَدِ اخْتِيرَ فِعْلُ "أَتَى" لِرِعَايَةِ فَوَاصِلِ الْآيَاتِ الْوَاقِعَةِ عَلَى حَرْفِ الْأَلِفِ الْمَقْصُورَةِ.
قولُهُ تعالى: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} الواوُ: عَاطِفَةٌ، و "أَلْقِ" فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ العِلَّةِ، وَفَاعِلُهُ: ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجُوبًا تقديرُهُ (أنت) يَعُودُ عَلى سَيِّدِنا "مُوسَى" عَلَيْهِ السَّلامُ. و "مَا" اسْمٌ مَوْصُولٌ بمعنى الَّذي، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى المَفْعُوليَّةِ. وَ "فِي" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بصِلَةٍ لِـ "مَا" أَوْ بِصِفَةٍ لَهَا، و "يَمِينِكَ" مَجْرُورٌ بحرفِ الجَرِّ، مُضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ، وَالجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هذِهِ مَعْطوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "لَا تَخَفْ" على كونِها في محلِّ النَّصْبِ بالقولِ لـ "قالَ".
قوْلُهُ: {تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا} تَلْقَفْ: فِعْلٌ مُضارِعٌ مَجْزُومٌ بِالطَّلَبِ السَّابِقِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هي) يَعْودُ عَلَى العَصا. و "مَا" اسْمٌ موصولٌ بمعنى (الذي) مَبْنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ لِـ "تَلْقَفْ". و "صَنَعُوا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلى الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بِوَاوِ الجَمَاعَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، وَالأَلِفُ للتَّفْريقِ، والجُمْلَةُ الْفِعْلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةُ الاسْمِ المَوْصُولِ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ، والعائدُ مَحْذُوفٌ، والتقديرُ: مَا صَنَعُوهُ. وجملةُ "تلقَفْ" جَوَابِ الطَّلَبِ لا محلَّ لها مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} إِنَّ: حَرْفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ، للتَّوْكِيدِ. و "مَا" اسْمٌ مَوْصُولٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، اسْمُ "إنَّ" و "صَنَعُوا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الضَّمِ لاتِّصالِهِ بواوِ الجَمَاعَةِ، وواوُ الجَماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ فارقةٌ، والجُمْلَةُ صِلَةُ المَوْصُولِ لا محلَّ لها مِنَ الإعْرَابِ، والعائدُ مَحْذوفٌ، والتقْديرُ: إِنَّ الذي صَنَعُوهُ. و "كَيْدُ" خَبَرُ "إِنَّ" مَرْفوعٌ بِها، وهوَ مُضافٌ. و "سَاحِرٍ" مَجْرورٌ بالإِضافةِ إلَيْهِ. وَجُمْلَةُ إِنَّما صَنَعُوا كيد سحر مُسْتَأْنَفَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ، لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ تكونَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القَوْلِ لِـ "قُلْنَا"، وَقدْ سِيقَتْ لِتَعْلِيلِ قَوْلِهِ "تَلْقَفْ".
قولُهُ: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} الواوُ: حَالِيَّةٌ، أَوْ عَاطِفَةٌ، و "لَا" نَافِيَةٌ. و "يُفْلِحُ" فعلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ. و "السَّاحِرُ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، و "حَيْثُ" مبنيٌّ على الضَّمِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ المَكَانِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُفْلِحُ"، وهوَ مُضافٌ. وَ "أَتَى" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ المُقدَّرِ عَلى آخِرِهِ، لِتَعَذُّرِ ظُهُورِهِ عَلَى الأَلِفِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فِيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يعودُ عَلى "السَّاحِرُ" والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بإِضافَةِ "حَيْثُ" إِلَيْهِ. وجُمْلَةُ لا "يُفْلِحُ" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحَالِ مِنْ "سَاحِرٍ" لِأَنَّ المَقْصُودَ مِنْهُ الجِنْسُ، وَالتَّقْديرُ: حَالَةَ كَوْنِ جِنْسِ السَّاحِرِ غَيْرَ مُفْلِحٍ، أَوْ هيَ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ "إِنَّمَا صَنَعُوا"، عَلى كَوْنِها فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قُلْنَا" فهي مِنْ تَمَامِها أَيْ لَا يَنْجَحُ السَّاحِرُ حَيْثُ كَانَ، لِأَنَّ صَنْعَتَهُ تَنْكَشِفُ بِالتَّأَمُّلِ.
قرَأَ العَامَّةُ: {تَلَقَّفْ} بِفَتْحِ اللَّامِ، وَتَشْديدِ القافِ، وَجَزْمِ الفَاءِ عَلَى جَوَابِ الأَمْرِ. وَهُوَ مُضَارِعُ "تَلْقَفُ" وَأَصْلُهُ "تَتَلَقَّفُ" بِتَاءَيْنِ فَحُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا تَخْفِيفًا، وَقَرَأَ الْبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ كَالْقِرَاءَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، إِلَّا أَنَّهُ يُشَدِّدُ تَاءَ "تَلْقَفُ" وَصْلًا. وَوَجْهُ تَشْدِيدِ التَّاءِ هُوَ إِدْغَامُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الْأُخْرَى، وَهُوَ جَائِزٌ فِي كُلِّ فِعْلٍ بُدِئَ بِتَاءَيْنِ كَمَا هُنَا. وَقَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: "تَلْقَفْ" بِسُكُونِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ القَافِ مِنْ "لَقِفَ" كَ "فَرِحَ". وَقَرَأَ ابْنُ ذَكْوَان عَنِ ابْنِ عامِرٍ هُنَا "تَلْقَفُ" بالرَّفْعِ: إِمَّا عَلَى الحَالِ، وَإِمَّا عَلَى الاسْتِئْنَاف، وَأُنِّثَ الفِعْلُ في "تَلْقَفْ" حَمْلًا عَلى مَعْنَى "مَا" لِأَنَّ مَعْنَاهَا العَصَا، وَلَوْ ذُكِّرَ ذَهابًا إِلَى لَفْظِهَا لَجَازَ، وَلَمْ يُقْرَأْ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبُريُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فاعِلُ "تَلْقَف" ضَمِيرَ "مُوسَى" فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكونَ "تَلْقَفُ" فِي قِراءةِ الرَّفْعِ حَالًا مِنْ "مُوسَى". وَفِيهِ بُعْدٌ.
قَرَأَ العامَّةُ: {كَيْدُ سَاحِرٍ} بِرَفْعِ "كَيْدُ" عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ "إِنَّ"، وَ "ما" مَوْصُولَةٌ. وَ "صَنَعُوا" صِلَتُها، وَالعائِدُ مَحْذوفٌ، وَالمَوْصُولُ هوَ اسْمُ "إنَّ"، كَمَا تَقَدَّمَ في مَبْحَثِ الإِعْرابِ، وَالتَقْديرُ: إِنَّ الذي صَنَعُوهُ كَيْدُ سَاحِرٍ. وَيَجُوزُ أَنْ تكونَ "ما" مَصْدَرِيَّةً فَلَا حَاجَةَ إِلَى العائِدِ، وَالإِعْرَابُ بِحَالِهِ. والتَّقْديرُ: إِنَّ صُنْعَهُم كَيْدُ سَاحِرٍ. وقد أُفْرِدَ "سَاحِر"، وَإنْ كَانَ المُرادُ بِهِ جَمَاعَةً. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِأَنَ القَصْدَ في هَذَا الكَلامِ إِلَى مَعنَى الجِنْسِيَّةِ، لَا إِلَى مَعْنَى العَدَدِ، فَلَوْ جُمِعَ لَخُيِّل أَنَّ المَقْصُودَ هُوَ العَدَدُ.
وَقَرَأَ مُجاهِدٌ، وَحُمَيْدٌ، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهم: "كَيْدَ" بالنَّصْبِ عَلَى أَنِّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، وَ "ما" مَزيدَةٌ مُهَيِّئَةٌ.
وَقَرَأَ الأَخَوَانِ (حمزةُ والكِسائيُّ)، وَخَلَفٌ: "كَيْدُ سِحْرٍ" عَلَى أَنَّ المَعْنَى: كيدُ ذَوي سِحْرٍ، أَوْ جُعِلوا نَفْسَ السِّحْرِ مُبَالَغَةً، أَوْ تَبْيِينٌ لِلْكَيْدِ؛ لِأَنَّهُ يَكونُ سِحْرًا وَغَيْرَ سِحْرٍ، كِمَا تُمَيَّزُ سَائرُ الأَعْدادِ بِمَا يُفَسِّرُها، نَحْوَ "مِئَةُ دِرْهمٍ، وَأَلْفُ دِينارٍ. وَمِثْلُهُ: عِلْمُ فِقْهٍ، وَعِلْمُ نَحْوٍ.
وَقالَ أَبو البَقَاءِ العُكْبُريُ: "كَيْدُ سَاحِرٍ" إِضَافَةُ المَصْدَرِ إِلَى الفَاعِلِ، وَ "كَيْدُ سِحْر" إِضافَةُ الجِنْسِ إِلَى النَّوْعِ.