روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 53

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 53 Jb12915568671



الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 53 Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 53   الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 53 I_icon_minitimeالجمعة مايو 29, 2020 4:30 am

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53)


قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا} جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا ابْتِدَائِيًّا كَعَادَةِ الْقُرْآنِ في التَّفَنُّنِ بالْأَساليبِ تَجْدِيدًا لِنَشَاطِ الْأَذْهَانِ. وَلَيستْ تَتِمَّةً لِكَلَامِ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، كما قالَهُ بعضُهم، إِذْ لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ التَّفْرِيعَ عَلَيْها بِقَوْلِهِ، بَعْدَ ذَلِكَ: "فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجًا". فَقَوْلُهُ: "الَّذِي" خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، تقديرُهُ: (هُوَ) وَهذا الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الرَّبِّ الْمَفْهُومِ مِنْ قولِهِ في الآيةِ التي قبلَها "رَبِّي"، أَيْ "هُوَ" رَبُّ مُوسَى الذي جَعَلَ لكمُ الأَرْضَ مَهْدًا.
و "مَهْدًا" أَوْ "مِهَادًا" أَيْ: كالمَهْدِ تَتَمَهَّدونَهَا بالسَّكَنِ وَالقَرَارِ عَلَيْهَا، أَيْ: جَعَلَ لَكُمْ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْهَا مَهْدًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكمْ، يستقِرُّ عَلَيْهِ وَيُمَارِسُ أَعمالَهُ الحياتيَّةِ.
و "مَهْدًا" المَهْدُ مَصْدَرٌ كَ "الفَرْش"، وقُرِئ "مِهادًا" وَالمِهَادُ ك "الفِراشِ" وَ "البِسَاطِ"، وَهُمَا اسْمٌ لِمَا يُفْرَشَ عَلَى الأَرْضِ وَيُبْسَطُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ قدِ اسْتُعْمِلَ المَهْدُ اسْتِعْمَالَ الأَسْمَاءِ، فَجُمِعَ كَمَا يُجْمَعُ (فَعْل) عَلى (فِعَال) والأَوَّلُ أَبْيَنُ، قَالَ أَبو عليٍّ الفارِسِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ المَعْنَى فِي قَوْلِهِ "مَهْدًا" ذَاتَ مَهْدٍ، فَيَكونُ فِي المَعْنَى كَقَوْلِ مَنْ قَالَ: مِهَادًا. "الحُجَّةُ للقُرَّاءِ السَّبْعَةِ" لهُ: (5/223).
وَالتَعْرِيفُ يُفِيدُ الْحَصْرَ، أَيْ: الْجَاعِلُ الْأَرْضَ مِهَادًا، فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ غَيْرَهُ ممَّنْ خلَقَ. وَهُوَ قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الرَّدُّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَلَكِنَّهُ تَذْكِيرٌ بِالنِّعْمَةِ وَتَعْرِيضٌ بِأَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ حَقِيقًا بِالْإِلَهِيَّةِ، والعُبُودِيَّةِ.
قولُهُ: {وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} وَقَالَ جَلَّ مِنْ قائلٍ: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا} الآيَتَانِ: (19 و 20) منْ سُورَةِ نُوحٍ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَقالَ أَيْضًا مِنْ سُورَةِ الأَنْبِياءِ: {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} الآيةَ: 31. يَمْتَنُّ اللهُ ـ تَبَاركَ وَتَعَالَى ـ فِي هَذِهِ الآياتِ المُبارَكاتِ عَلى عِبَادِهِ أَنْ سهَّلَ لَهُمْ سُبُلًا يَمْشُونَ فِيهَا عَلى سَطْحِ هَذِه الأَرْضِ، وَيَتَنَقَّلُونَ عَلَى وَجْهِ البَسِيطَةِ لِسِياحتِهِمْ، وَتِجَارَتِهِمْ، ولنَقْلِ أَمْتِعَتِهِمْ، والْتِمَاسِ رِزْقِهم، وقَضاءِ حاجاتِهِمْ.
وَ "سَلَكَ لكم" أَيْ: أَدْخَلَ لِأَجْلِكُمْ فِي الأَرْضِ طُرُقًا تَسْلُكونَها، فَجَعَلَ لَكُمْ سُبُلًا سَالِكَةً فِي الْأَرْضِ، أَيْ: دَاخِلَةً فِيهَا، أَوْ مُتَخَلِّلَةً فِيها. وَفي ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَتِهَا فِي جِهَاتِ الْأَرْضِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: سَهَّلَ لَكُمْ فِيهَا طُرُقًا.
وَ "سَلَكَ" فِعْلٌ مُشْتَقٌّ مِنَ السُّلُوكِ ـ و "السَّلْكُ" هُوَ إِدْخالُ شَيْءٍ فِي شَيْءٍ يَسْلُكُهُ فِيهِ، كما قالَ تَعَالى في الآيةَ: 42، مِنْ سُورَةِ المُدَّثِر: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ}. وَالذي يَطْعَنُ بالرُّمْحِ يَسْلُكُ رِمْحَهُ فِي المَطْعُونِ. وَلَمَّا كَانَتِ الطُّرُقُ المَسْلُوكَةُ مُمْتَدَّةً ظَاهِرَة عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، جُعِلَتْ كَأَنَّها مَسْلُوكَةٌ فِيهَا، وإِنْ كَانَتْ الطُّرقُ مِنَ الأَرْضِ أَصْلًا، وذَلِكَ تَشْبِيهًا لها بِالشَّيْءِ الذي يُسْلَكُ فِي الشَّيْءِ.
وَيُقَالُ سَلَكَ الطَّريقَ إِذَا دَخَلَهُ وَسَارَ فِيهِ مُجْتَازًا قَاطِعًا لَهُ، فَقدِ اسْتُعْمِلَ هَذا الفِعْلُ مَجَازًا فِي السَّيْرِ عَلَيْهِ، وذلكَ تَشْبِيهًا للسَّائرِ في الطَّريقِ بِشَيْءٍ دَاخِلٍ فِي آخَرَ.
إِذًا فَحَقُّ هَذَا الْفِعْلِ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمَدْخُولُ فِيهِ، وَقد يُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا فيكونُ بِمَعْنَى أَسْلَكَ. فَحَقُّهُ أَنْ يُعَدَّى بِهَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ، فَيُقَالُ: أَسْلَكَ الْمِسْمَارَ فِي الخشَبِ، أَيْ جَعَلَهُ سَالِكًا إِيَّاهُ، إِلَّا أَنَّهُ كَثُرَ فِي الْكَلَامِ تَجْرِيدُهُ مِنَ الْهَمْزَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سورةِ الجِنَّ: {نَسْلُكْهُ عَذابًا صَعَدًا} الآية: 17. وَكَثُرَ أَيْضًا كَوْنُ الِاسْمِ الَّذِي كَانَ مَفْعُولًا ثَانِيًا أَنْ يُجَرَّ بِـ "فِي" كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سورَةِ المُدَّثِّر أَيْضًا: {قالوا: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَر}َ الآيَةَ: 42، فهُوَ بِمَعْنَى: ما أَسْلَكَكُمْ سَقَرَ. وَكَقَوْلُهُ مِنْ سورةِ الشُّعراء: {كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} الآيَةَ: 200، وَقَوْلِهِ فِي الآيةِ: 21، سُورَةِ الزُّمَرِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ}، ومِنْهُ قولُ الْأَعْشَى:
وَلَا بُدَّ مِنْ جَارٍ يُجيزُ سَبيلَهَا ........ كَمَا سَلَكَ السَّكِّيَّ فِي الْبَابِ فَيْتَقُ
أَيْ كما أَدْخَلَ نَجَّارٌ الْمِسْمَارَ فِي الْبَابِ، فَقد اسْتُعمِلَ فِعْلُ "سَلَكَ" قَاصِرًا وَمُتَعَدِّيًا. فَأَمَّا قَوْلُهُ هُنَا: "وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا" فَهُوَ سَلَكَ الْمُتَعَدِّي، أَيْ أَسْلَكَ فِيهَا سُبُلًا.
وَالْمُرَادُ بِالسُّبُلِ: كُلُّ سَبِيلٍ يُمْكِنُ السَّيْرُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَصْلِ خِلْقَةِ الْأَرْضِ كَالسُّهُولِ وَالرِّمَالِ والجُدَدِ في الهضابِ والجِبالِ، أَوْ كَانَ مِنْ أَثَرِ فِعْلِ النَّاسِ، مِثْلَ الثَّنَايَا الَّتِي تَكَرَّرَ السَّيْرُ فِيهَا فَتَعَبَّدَتْ وَصَارَتْ طُرُقًا يُتَابِعُ النَّاسُ السَّيْرَ فِيهَا، ويستمرُّونَ عَلَيْهِ.
قولُهُ: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى} أَيْ. وأَنْزَلَ مِيَاهَ الأمْطارِ مِنَ الشَّماءِ الدنيا، فأخرجَ لكمْ بها، أَوْ بِسَبَبِهَا أَلْوانَ النَّباتاتِ مِنْ زُرُوعٍ، وخَضْرَاواتٍ، وَحُبُوبٍ، وَثِمَارٍ، وَمِنْ حَامِضٍ وَحُلْوٍ، ومِنْ سائرِ الطُّعومِ، ومُختلِفِ الأَنْواعِ، وَالأَصْنافِ، والأَشْكالِ، والأَلوانِ، وفي جميعِ فُصولِ العامِ، بما يُتَناسَبُ مَعَهَا، فَلِكُلِّ فَصْلٍ مَحَاصِيلُهُ وفاكِهَتُهُ وخُضَرُهُ. فإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ مِنَّةَ خَلْقِ الْأَرْضِ شَفَعَهَا بِمِنَّةِ إِخْرَاجِ النَّبَاتِ مِنْهَا بِمَا يَنْزِلُ عَلَيْهَا مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ. وَتِلْكَ مِنَّةٌ تُنْبِئُ عَنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ حَيْثُ أَجْرَى ذِكْرِهَا لِقَصْدِ ذَلِكَ التَّذْكِيرِ، وَلِذَلك لَمْ يَقُلْ: وَصَبَبْنَا الْمَاءَ عَلَى الْأَرْضِ، كَمَا قالَ فِي سُورَةِ عَبَسَ: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} الآياتِ: (24 ـ 32). وَهَذَا إِدْمَاجٌ بَلِيَغٌ.
"فَأَخْرَجْنا بِهِ" أَيْ: بماءِ السَّماءِ، ونلاحظُ أَنَّهُ ـ سُبْحانَهُ، عَدَلَ هنا عَنْ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ وَذَلِكَ الْتِفَاتٌ وهوُ نوعٌ مِنْ أَنواعِ البديعِ، وَمِمَّا حُسَّنَهُ هُنَا أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَقامَ الحُجَّةَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِانْفِرَادِهِ في خَلْقِ الْأَرْضِ وَتَسْخِيرِ السَّمَاءِ الأمْرُ الّذيَ لا يستطيعونَ نُكْرَانَهُ، ارْتَقَى إِلَى صِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُطَاعِ، فَإِنَّ الَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ وَسَخَّرَ ماءَ السَّمَاءِ ليُنبِتَ لَهُمْ بِهِ مُخْتَلِفَ صُنوفِ النباتاتِ وأَلوانَ الزُّرُوعِ والثمارِ ليأْكُلوا مِنْهَا، حَقِيقٌ بِأَنْ تُطِيعَهُ مَخلوقاتُهُ مِنَ البَشَرِ الْذينَ مِنْ أَجْلِهِم خلَقَ كلَّ هَذِهِ الأشياءِ، لِمَعاشِهِم ومَنافِعِهِمِ ومَلَاذِّهِم.
وَلِمُلَاحَظَةِ هَذِهِ النُّكْتَةِ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ مِثْلُ هَذَا الِالْتِفَاتِ عِنْدَ ذِكْرِ الْإِنْبَاتِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورةِ الْأَنْعَام: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ} الآيةَ: 99، وَقَوْلِهِ مِنْ سورةِ النَّمْلِ: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ} الآيَةَ: 60، وَقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ فاطِر: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوانُها} الآيةَ:35، وَقَوْلِهِ منْ سُورَةِ الزُّخْرُفِ: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} الآيَةَ: 11. وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ الكريمِ كَثِيرَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْوَاجًا" يَقُول: أَصْنَافًا فَكُلُّ صِنْفٍ مِنْ نَبَاتِ الأَرْضِ أَزوَاجٌ: النّخْلُ زَوْجٌ صِنْفٌ، وَالْأَعْنَابُ زَوْجٌ صِنْفٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ تُنْبِتُهُ الأَرْضُ أَزوَاجٌ.
وَ "أَزْواجًا" جَمْعُ زَوْجٍ، وَالزَّوْجِ اسْمٌ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنَ اثْنَيْنِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، فَكُلُّ أَحَدٍ مِنْهُمَا هُوَ زَوْجٌ للْآخَرِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ زَوْجًا بِسَبْقِ الْأَوَّلِ الْفَرْدِ إِيَّاهُ.
ثُمَّ غَلَبَ إطْلاقُهُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى الْمُقْتَرِنَيْنِ مِنْ إِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ، قَالَ اللهُ تَعَالَى في الآيةِ: 35، مِنْ سُورةِ البَقَرةِ: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا}، وَقَالَ أَيضًا مِنْ سُورةِ الْمُؤْمِنُونَ: {فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} الآيَةَ: 27، وَقَالَ مِنْ سُورَةِ الْقِيَامَة: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى} الآيةَ: 39.
وَلَمَّا شَاعَتْ فِيهِ مُلَاحَظَةُ مَعْنَى اتِّحَادِ النَّوْعِ أَفْضَى ذَلِكَ إِلَى اسْتِعْمَالِ لَفْظِ "الزَّوْجِ" فِي مَعْنَى "النَّوْعِ" بِغَيْرِ قَيْدِ كَوْنِهِ ثَانِيًا لِآخَرَ مِنْ نوعِهِ، وذلكَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ، ومِنْ ذلكَ قَولُهُ ـ سُبْحانَهُ وَتَعَالَى، مِنْ سُورةِ لُقْمَانَ: {فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} الآيةَ: 10، وَمِنْهُ قَوْلُهُ مِنْ سُورَةِ يَس: {سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} يَس: 36. وَمِنَ الْحَدِيثِ الشَّريفِ قولُهُ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ: ((مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ، نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ، يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عَلَى مَنْ يُدْعَى مِنْ هَذِهِ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ))، أَخْرَجَهُ الأئمَّةُ: مَالِكٌ في "المُوَطَّأِ" برقم: (290)، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ: (20052)، وابْنُ أَبي شَيْبَةَ: (3/7(8903)، وأَحْمَدُ: (2/268(7621)، والبُخَارِيُّ: (1897)، ومُسْلِمٌ: (3/91)، والتِّرمِذِيُّ: (3674)، والنَّسائيُّ: (4/168)، وابْنُ خُزَيْمَةَ: (2480)، وابْنُ حِبَّان: (308)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ. والمَعنى: مَنْ أَنْفَقَ نَوْعَيْنِ مِثْلَ الطَّعَامِ وَالْكُسْوَةِ، وَمِثْلَ الْخَيْلِ وَالإبِلِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذَا الْإِطْلَاقُ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، أَيْ فَأَنْبَتْنَا بِهِ أَنْوَاعًا مِنْ نَبَاتٍ، وَالنَّبَاتُ: مَصْدَرٌ سِمِّيَ بِهِ النَّبَاتُ، فَلِكَوْنِهِ مَصْدَرًا فِي الْأَصْلِ اسْتَوَى فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ.
و "شَتَّى" بوزْنِ "فَعْلَى". وأَلِفُهُ هي للتَّأْنيثِ، وَهوَ جَمْعُ "شَتِيْتٍ" نَحْوَ: "مَرْضَى" جَمْعِ "مَريض"، و "جَرْحَى" جَمْعُ "جَريحٍ"، وهكذا. يُقَالُ: شَتَّ الأَمْرُ يَشِتُّ شَتًّا وَشَتَاتًا، فَهُوَ شَتٌّ، أَيْ: تَفَرَّقَ. وَشَتَّانَ اسْمُ فِعْلٍ مَاضٍ بِمَعْنَى افْتَرَقَ، وَلِذَلِكَ لَا يُكْتَفَى بِوَاحِدٍ. وَالشَّتِيتُ: الْمُشَتَّتُ، أَيِ الْمُبْعَدُ. وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا التَّبَاعُدُ فِي الصِّفَاتِ مِنَ الشَّكْلِ وَاللَّوْنِ وَالطَّعْمِ، وَبَعْضُهَا صَالِحٌ لِلْإِنْسَانِ وَبَعْضُهَا لِلْحَيَوَانِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: "مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى" قَالَ: مُخْتَلِفٌ.
قولُهُ تَعَالى: {الَّذِي} اسْمٌ مَوْصولٌ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذوفٌ، والتقديرُ: هوَ الَّذِي، ويجوزُ أَنْ يكونَ مَنْصُوبً على المَدْحِ بِإِضْمَارِ "أَمْدَحُ"، وَهُوَ عَلَى الحاليْنِ مِنْ كَلامِ اللهِ تَعَالى لَا مِنْ كَلامِ مُوسَى كما قدَّمنا في مبحثِ التفسيرِ، وَإِنَّما احْتَجْنَا إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ "فَأَخْرَجْنَا بِهِ"، وَقَوْلَهُ في الآيةِ التي بَعْدَهُا {كُلُواْ وارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ} وَقَوْلَهُ في التي تَلِيها {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} إِلى قَوْلِهِ {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ} لَا يَتَأتَّى أَنْ يَكونَ مِنْ كَلامِ مُوسَى؛ فَلِذَلِكَ رَجَّحْنا أَنَّهُ مِنْ كَلامِ اللهِ تَعَالَى. وَيَكُونُ الْتِفاتًا مِنْ ضَمِيرِ الغَيْبَةِ إِلَى ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ كما تقدَّمَ، فَإِنْ جَعَلْناهُ مِنْ كلامِ مُوسَى، يَعْنِي أَنَّ مُوسَى وَصَفَ رَبَّهُ بِذَلِكَ ـ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الإِخْبَارِ عَنِ اللهَ بِلَفْظِ المُتَكَلِّمِ. قِيلَ: إِنَّمَا جَعَلناهُ الْتِفَاتًا فِي الوَجْهِ الأَوَّلِ؛ لِأَنَّ المُتَكَلِّمَ وَاحِدٌ بِخِلافِ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الالْتِفَاتُ المَذْكُورُ، ثمَّ إِنَّ أَخَوَاتُهُ مِنْ كَلَامِ اللهِ. ويَجوزُ أَنَّ يكونَ "الذي" صِفَةً لـ "رَبِّي" فَيَكُونَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ أَوْ نَصْبٍ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ في "رَبِّي" مِنْ إِعْرَابٍ، وَفِيهِ مَا تَقَدَّم مِنْ الإِشْكالِ فِي نَظْمِ الكَلَامِ مِنْ قَوْلِهِ "فأَخْرَجْنَا" وَأَخَوَاتِهِ بعدَهُ مِنْ عَدَمِ جَوَازٍ الالْتِفَاتِ، وَإِنْ كَانَ الزَّمَخْشَرِيُّ والحُوفِيُّ قَدْ قَالا بِهِ. وَقد أَبْعَدَ ابْنُ عَطِيَّةَ حينَ قالَ: إِنَّ كلامَ مُوسَى تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: "وَأَنزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً"، وَإِنَّ قَوْلَهُ "فَأَخْرَجْنا" إِلى آخِرِهِ مِنْ كَلامِ اللهِ تَعَالَى. وهذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا} جَعَلَ: فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوزًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى الاسْمِ المَوْصُولِ، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هذِهِ صِلَةُ المَوْصُولِ لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ. و "لَكُمُ" اللامُ حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بحالٍ مِنْ "مَهْدًا" لِأَنَّهُ صِفَةُ نَكِرَةٍ قُدِّمَتْ عَلَيْهَا، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجرِّ، والميمُ لتذْكير الجمعِ. و "الْأَرْضَ" مَفْعُولُ أوَّلُ لـ "جَعَلَ" مَنْصُوبٌ بِهِ. و "مَهْدًا" مَفْعُولُهُ الثاني مَنْصُوبٌ بِهِ.
قولُهُ: {وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} الوَاوُ: للعَطْفِ. و "سَلَكَ" فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفَتْحِ، وفَاعِلُهُ: ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فِيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى المَوْصُولِ، والجُمْلَةُ صلةُ الموصولِ عَطْوفًا عَلَى جُمْلَةِ "جَعَلَ" فَلَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ. و "لَكُمُ" اللامُ حَرْفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِحَالٍ مِنْ "سُبُلًا" لِأَنَّهُ صِفَةُ نَكِرَةٍ قُدِّمَتْ عَلَيْهَا، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ لِتَذْكيرِ الجَمْعِ. و "فِيهَا" في: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "سَلَكَ"، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "سُبُلًا" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ.
قَوْلُهُ: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} وأَنْزَلَ: مثْلُ "وَسَلَكَ"، مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ ولهُ مِثْلُ إِعْرابِهِ. و "مِنَ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَنْزَلَ"، و "السَّمَاءِ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "مَاءً" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ، والجملةُ معطوفةٌ على جملةِ "سلكَ" على كونِها مَعطوفةً على جملةِ "جعلَ" فلا محلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ لِكوُنِهَا صِلَةَ المَوصُولِ "الذي".
قَوْلُهُ: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى} فَأَخْرَجْنَا: الفاءُ: عَاطِفَةٌ، و "أَخْرَجْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو "نَا" المعظِّمِ نفسَهُ ـ سُبْحانَهٌ، و "نا" التعظيمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفْعِ بالفاعِليَّةِ، والجملةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جملةِ "أَنْزَلَ" فلا مَحَلَّ لها مِنَ الإِعْرَابِ. و "بِهِ" الباءُ حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَخْرَجْنَا"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "أَزْوَاجًا" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ. و "مِنْ" حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِصِفَةٍ أُولَى لِـ "أَزْوَاجًا"، و "نَبَاتٍ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ. و "شَتَّى" صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لـ "أَزْوَاجًا"، مَنْصوبةٌ مِثْلُهُ، أَيْ: أَزواجًا مُتَفَرِّقَةً بِمَعْنَى: مُخْتَلِفَة الأَلوانِ والطُّعوم، وعَلامةُ نَصْبِهِ فتحةٌ مقدَّرةٌ على آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظهورِهِا على الأَلِفِ. وَيَجُوزُ أَنْ يكونَ حَالًا مِنْهُ؛ وَجازَ مَجِيءُ الحَالِ مِنَ النَّكِرَةِ لِتَخَصُّصِهَا بِالصِّفَةِ، وَهِيَ "مِنْ نَبَاتٍ". وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَنْ يَكونَ صِفَةً لِـ "نَبَاتٍ" فتكونُ في مَحَلِّ الجَرِّ، وَ "نَبَاتٍ" مَصْدَرٌ سُمِّيَ به النابت كَما سُمِّي بالنَّبْت، فاسْتَوَى فِيهِ الوَاحِدُ وَالجَمْعُ، يَعْنِي أَنَّهَا شَتَّى مُخْلِفَةُ النَّفْعِ وَالطَّعْمِ وَاللَّونِ والرَّائحَةِ وَالشَّكْلِ، بَعْضُهَا يَصْلُحُ للنَّاس، وَبَعْضُها يصلُحُ للبَهَائِمِ. وقد وافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبُريُّ أَيْضًا. وَيَجُوزُ أَنْ تَنْتَصِبَ أَيْضًا عَلَى الحالِ مِنْ فاعِلِ الجَارِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ وَصْفًا رَفْعَ ضَمِيرًا فَاعِلًا. ولَكِنَّ الأَظْهَرَ هو الأَوَّلُ.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ: {مِهَادًا} بِكَسْر الْمِيم وَأَلِفٍ بَعْدَ الْهَاءِ، وَهُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَمْهُودِ، مِثْلُ الْفِرَاشِ بمعنى المفروشِ وَاللِّبَاسِ بمعنى المَلْبوسِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعُ مَهْدٍ، وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُمَهَّدُ لِلصَّبِيِّ، أَيْ يُوضَعُ عَلَيْهِ وَيُحْمَلُ فِيهِ، فَيَكُونُ بِوَزْنِ "كِعَابٍ" جَمْعَ "كَعْبٍ". وَمَعْنَى الْجَمْعِ عَلَى اعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْبِقَاعِ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ مَهْدًا ـ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، أَيْ كَالْمَهْدِ الَّذِي يُمَهَّدُ لِلصَّبِيِّ، وَهُوَ اسْمٌ بِمَصْدَرِ مَهَدَهُ، عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ بِمَعْنى الْمَفْعُول ك "الخَلْقِ" بِمَعْنَى "الْمَخْلُوقِ"، ثُمَّ شَاعَ ذَلِكَ فَصَارَ اسْمًا لِمَا يُمَهَّدُ، كما تقدَّمَ بيانُهُ في مَبْحَثِ التفسيرِ. وَمَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ، أَيْ جَعَلَ الْأَرْضَ مَمْهُودَةً مُسَهَّلَةً لِلسَّيْرِ عليها وَالْجُلُوسِ وَالِاضْطِجَاعِ بِحَيْثُ لَا نُتُوءَ فِيهَا إِلَّا نَادِرًا، وَيُمْكِنُ تَجَنُّبُهُ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 53
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 14 (2)
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 30
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 46
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 62
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 78

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: