إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى
(10)
قَوْلُهُ ـ تَعَالى شَأْنَهُ: {إِذْ رَأَى نَارًا} شُرُوعٌ فِي ذِكْرِ قِصَّةِ سيِّدِنا مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَيْفَ كَانَ ابْتِدَاءُ الْوَحْيِ إِلَيْهِ وَتَكْلِيمُهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ تَسْلِيَةً لِقَلْبِ سيِّدِنا محمَّدٍ ـ عَلَيْهِ وآلِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وَليُصَبِّرَهُ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَكَارِه، فإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ عَظَّمَ فيما تَقَدَّمَ مِنْ آياتٍ مُباركاتٍ حَالَ الْقُرْآنِ الكَريمِ، وَحَالَ الرَّسُولِ فِيمَا كَلَّفَهُ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِمَا يُقَوِّي قَلْبَهُ الشَّريفَ مِنْ ذِكْرِ أَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ ـ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ السَّلَامُ، فِي إِبْلَاغِ رِسالَاتِهم، كَمَا قَالَ لَهُ في الآيَةِ: 120، مِنْ سُورَةِ هُودٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ}، وَقَدْ بَدَأَ بِقِصَّةِ سيِّدِنا مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّ الْمِحْنَةَ وَالْفِتْنَةَ الْحَاصِلَةَ لَهُ كَانَتْ أَعْظَمَ.
فإنَّهُ بَعْدَ أَنْ قَضَى مُوسَى الأَجَلَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صِهْرِهِ ـ شُعيْبًا ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، فِي رِعَايَةِ الْغَنَمِ عَشْرَ سِنِينَ وَنَيِّفًا مَهْرًا لابْنَتِهِ، سَارَ قَاصِدًا مِصْرَ بَعْدَمَا طَالَتِ غَيْبَتُهُ عَنْهَا، وَكانَتْ مَعَهُ زَوْجُهُ وأَوْلادُهُ، َوكَانَتْ لَيْلَةً شَاتِيَةً مُمْطِرَةً، فَأَضَلَّ الطَّرِيقَ، وَنَزَلَ مَنْزِلًا بَيْنَ شِعَابٍ وَجِبَالٍ، فِي بَرْدٍ وَشِتَاءٍ، وَسَحَابٍ وَظَلامٍ، فَحَاوَلَ إِشْعَالَ النَّارِ لِيَتَدَفَّأَ، وَقَدَحَ زَنْدَهُ لِيُشْعِلَ نَارًا، فَلَمْ يُفْلِحْ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ رَجُلًا غَيُورًا فَكَانَ يَصْحَبُ الرُّفْقَةَ بِاللَّيْلِ وَيُفَارِقُهُمْ بِالنَّهَارِ، لِئَلَّا تُرَى امْرَأَتُهُ، فَأَخْطَأَ مَرَّةً الطَّرِيقَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ شَاتِيَةٍ، لَمَّا أَرَادَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ كَرَامَتِهِ، فَجَعَلَ يَقْدَحُ الزَّنْدَ فَلَا يُوَرِي، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ ظَهَرَتْ لَهُ نَارٌ مِنْ جَانِبِ الجَبَلِ الَّذِي كَانَ عَنْ يَمِينِهِ.
فَقَدْ أَخْرَجَ الإمامُ أَحْمَدُ في كِتَابِ الزُّهِدِ مِنْ مُسْنَدِهِ، وَعبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ ـ والنَصُّ لَهُ، وشَمْسُ الدِّينِ المَقدِسِيُّ في مجموعِهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: "لَمَّا رَأَى مُوسَى النَّارَ انْطَلَقَ يَسِيرُ حَتَّى وَقَفَ مِنْهَا قَرِيبًا، فَإِذَا هُوَ بِنَارٍ عَظِيمَةٍ تَفُورُ مِنْ فَرْعِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ شَدِيدَةِ الْخُضْرَةِ، يُقَالُ لَهَا الْعَلِيقُ لا تَزْدَادُ فِيمَا يَرَى إِلا عِظَمًا وَتَضَرُّمًا، وَلا تَزْدَادُ الشَّجَرَةُ عَلَى شِدَّةِ الْحَرِيقِ إِلا خُضْرَةً وَحُسْنًا، فَوَقَفَ فَنَظَرَ لا يَدْرِي عَلَى مَا يَضَعُ أَمْرُهَا إِلا أَنَّهُ قَدْ ظَنَّ أَنَّهَا شَجَرَةٌ تَحْتَرِقَ، أُوقِدَ إِلَيْهَا مَوْقِدٌ، فَنَالَهَا، فَاحْتَرَقَتْ وَإِنَّهُ إِنَّمَا يَمْنَعُ النَّارَ شِدَّةُ خُضْرَتِهَا وَكَثْرَةُ مَائِهَا، وَكَثَافَةُ وَرَقِهَا، وَعِظَمُ جِذْعِهَا فَوَضَعَ أَمَرْهَا عَلَى هَذَا فَوَقَفَ وَهُوَ يَطْمَعُ أَنْ يَسْقُطَ مِنْهَا شَيْءٌ فَيَقْتَبِسُهُ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَهْوَى إِلَيْهَا بِضِعْثٍ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتَبِسَ مِنْ لَهَبِهَا، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ مُوسَى مَالَتْ نَحْوَهُ كَأَنَّهَا تُرِيدُهُ فَاسْتَأْخَرَ عَنْهَا وَهَابَ، ثُمَّ عَادَ فَطَافَ بِهَا، فَلَمْ تَزَلْ تُطْمِعُهُ وَيَطْمَعُ بِهَا، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ بِأَوْشَكَ مِنْ خُمُودِهَا، فَاشْتَدَّ عِنْدَ ذَلِكَ عَجَبُهُ، وَفَكَّرَ مُوسَى فِي أَمْرِهَا، فَقَالَ: هِيَ نَارُ مُمْتَنِعَةٌ لا يُقْتَبَسُ مِنْهَا وَلَكِنَّهَا تَتَضَرَّمُ فِي جَوْفِ شَجَرَةٍ، فَلا تَحْرِقُهَا هَمَّ خُمُودُهَا عَلَى قَدْرِ عَظَمَتِهَا فِي أَوْشَكَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، قَالَ: إِنَّ لِهَذِهِ لَشَأْنًا، ثُمَّ وَضَعَ أَمْرَهَا عَلَى أَنَّهَا مَأْمُورَةٌ أَوْ مَصْنُوعَةٌ لا يَدْرِي مِنْ أَمْرِهَا وَلا بِمَا أُمِرَتْ وَلا مَنْ صَنَعَهَا وَلا لِمَ صُنِعَتْ، فَوَقَفَ مُتَحَيِّرًا، لا يَدْرِي أَيَرْجِعُ أَمْ يُقِيمُ؟ فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ إِذْ رَمَى بِطَرْفِهِ نَحْوَ فَرْعِهَا، فَإِذَا أَشَدُّ مَاكَانَ خُضْرَةً وَإِذَا بِخُضْرَةٍ سَاطِعَةٍ فِي السَّمَاءِ يَنْظُرُ إِلَيْهَا تَغْشَى الظَّلامَ، ثُمَّ لَمْ تَزَلِ الْخُضْرَةُ تُنَوِّرُ وَتُسْفِرُ وَتَبْيَاضُّ، حَتَّى صَارَتْ نُورًا سَاطِعًا عَمُودًا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ عَلَى مِثْلِ شُعَاعِ الشَّمْسِ تَلِي دُونَهُ الأَبْصَارُ كُلَّمَا نَظَرَ إِلَيْهِ تَكَادُ تَخْطَفُ بَصَرَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ اشْتَدَّ خَوْفُهُ وَحُزْنَهُ، فَرَدَّ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَلَصِقَ بِالأَرْضِ وَسَمِعَ الْحَسَنَ وَالْوَجَسَ، إِلا أَنَّهُ سَمِعَ حِينَئِذٍ شَيْئًا لَمْ يَسْمَعِ السَّامِعُونَ بِمِثْلِهِ عِظَمًا، فَلَمَّا بَلَغَ مُوسَى الْكَرْبَ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْهَوْلُ وَكَادَ أَنْ يُخَالَطَ فِي عَقْلِهِ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِمَا يَسْمَعُ وَيَرَى نُودِيَ مِنَ الشَّجَرَةِ، فَقِيلَ: يَا مُوسَى، فَأَجَابَ سَرِيعًا وَمَا يَدْرِي مَنْ دَعَاهُ وَمَا كَانَ سُرْعَةُ إِجَابَتِهِ إِلا اسْتِبْشَارًا بِالأُنْسِ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ مِرَارًا إِنِّي لأَسْمَعُ صَوْتَكَ وَأَحُسُّ وَجَسَكَ وَلا رَأَى مَكَانَكَ، فَأَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: فَوْقَكَ، فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا مُوسَى عَلِمَ أَنَّهُ لا يَنْبَغِي ذَلِكَ إِلَّا لِرَبِّهِ فَأَيْقَنَ بِهِ، فَقَالَ: كَذَلِكَ أَنْتَ يَا إِلَهِي فَكَلامَكَ أَسْمَعُ أَمْ رَسُولِكِ؟ قَالَ: بَلْ أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكَ فَادْنُ مِنِّي، فَجَمَعَ مُوسَى يَدَيْهِ فِي الْعَثَارِ، ثُمَّ تَحَامَلَ حَتَّى اسْتَقَلَّ قَائِمًا، فَرَعِدَتْ فَرَائِصُهُ حَتَّى اخْتَلَفَتْ وَاضْطَرَبَتْ رِجْلاهُ، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ، وَانْكَسَرَ قَلْبُهُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ عَظْمٌ يَحْمِلُ آخَرَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ إِلَّا أَنَّ رُوحَ الْحَيَاةِ تَجْرِي فِيهِ، ثُمَّ زَحَفَ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَرْعُوبٌ حَتَّى وَقَفَ قَرِيبًا مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُودِيَ مِنْهَا". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. تَفْسيرُ ابْنِ أَبي حاتِمٍ: (11/63 ـ 65).
لَقَدْ أَلَاحَ لَهُ رَبُّهُ النَّارَ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ أَهْلِهِ يَطْلُبُهَا، وَكَانَ المَقْصُودُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ، فَكانَ يَدْنُو مِنَ النَّارِ، وَهِيَ تَنْأَى عَنْهُ. وَقَيلَ فَلَمَّا أَتَاهَا وَجَدَ شَجْرَةً تَشْتَعِلُ، فَجَمَعَ حَشَائِشَ لِيَأْخُذَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ، فَعَرَفَ أَنَّ هَذِهِ النَّارَ لَا تَسْمَحُ نَفْسُها بِأَنْ تُعْطِي أَحَدًا شُعْلَةً. وَقيلَ كَانَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، يَحْتَالُ كَيْفَ يَأْخُذُ مِنْهَا قَبَسًا، فَسَمِعَ النِّداءَ مِنَ الحَقِّ ـ سُبْحانَهُ. وَقِيلَ إِنَّهُ سَمِعَ: يَا مُوسَى هَذِهِ النَّارُ تُضِيءُ وَلَكِنْ لَا تُعْطِي لِأَحَدٍ مِنْهَا شُعْلَةً. يَا مُوسَى هَذِهِ النَّارُ تَحْرِقُ القُلُوبَ لَا النُّفُوسَ.
قالوا: وَالنَّارُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
ـ نَارٌ تَشْرَبُ وَلَا تَأْكُلُ وَهِيَ نَارُ الشَّجَرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا} الآية: 80، مِنْ سُورَةِ (يَس).
ـ ونَارٌ تَأْكُلُ وَلَا تَشْرَبُ، وَهِيَ نَارُ الدُّنْيَا.
ـ وَنَارٌ تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ وَهِيَ نَارُ الْمَعِدَةِ.
ـ وَنَارٌ لَا تَأْكُلُ وَلَا تَشْرَبُ وَهِيَ نَارُ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقالوا أَيْضًا: النَّارُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
ـ نَارٌ لَهَا نُورٌ بِلَا حُرْقَةٍ وَهِيَ نَارُ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
ـ وَنارٌ حُرْقَةٌ بِلَا نُورٍ وَهِيَ نَارُ جَهَنَّمَ.
ـ وَنارُ الْحُرْقَةُ وَالنُّورُ وَهِيَ نَارُ الدُّنْيَا.
ـ وَنَارٌ لَا حُرْقَةٌ وَلَا نُورٌ وَهِيَ نَارُ الْأَشْجَارِ.
قولُهُ: {فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} الْأَهْلُ: هُمُ الزَّوْجُ وَالْأَوْلَادُ. وَقَدْ كَانُوا مَعَهُ بِقَرِينَةِ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ "امْكُثُوا". فقد جاءَ فِي سِفْرِ الْخُرُوجِ مِنَ التَّوْرَاةِ: (فَأَخَذَ مُوسَى امْرَأَتَهُ وَبَنِيهِ، وَأَرْكَبَهُمْ عَلَى الْحَمِيرِ، وَرَجَعَ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ). وَقَالَ: "امْكُثُوا" وَلَمْ يَقُلْ أَقِيمُوا، لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تَقْتَضِي الدَّوَامَ، وَالْمُكْثُ لَيْسَ كَذَلِكَ فهوَ يَعْنِي البقاءَ في المكانِ لفترةٍ محدودةٍ.
وَ "آنَسْتُ" أَبْصَرْتُ، وَاسْتَأْنَسَ: أَبْصَرَ أَيْضًا، فَالْإِينَاسُ: الْإِبْصَارُ الْبَيِّنُ الَّذِي لَا شُبْهَةَ فِيهِ. وَآنَسَ الشَّيْءَ إِيناسًا: أَبْصَرَهُ وَنَظَرَ إِلَيْهِ. فَقَدْ جَاءَ في حَديثِ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ ـ عَلَيْهِمَا السَّلامُ: ((فَلَمَّا جَاءَ إِسْماعِيلُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا)) أَيْ: أَبْصَرَ شَيْئًا وَرَأَى ما لَمْ يَعْهَدْهٌ. وآنَسَ الشَّيْءَ أَيْضًا: عَلِمَهُ، وَآنَسْتُ مِنْهُ رُشْدًا: عَلِمْتُهُ مِنْهُ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} الآيَةَ: 6، أَيْ عَلِمْتُمْ. وَجاءَ في الحَديثِ: ((حَتَّى تُؤْنِسَ مِنْهُ الرُّشْدَ)) أَيْ: تَعْلَمَ مِنْهُ كَمالَ العَقْلِ، وَسَدَادَ الفِعْلِ وَحُسْنَ التَّصَرُّفِ. وَآنَسَ الشَّيْءَ: إِذا أَحَسَّ بِهِ، يُقالُ: آنَسَ فُلانٌ فَزَعًا: أَيْ: أَحَسَّ بِهِ وَوَجَدَهُ في نَفْسِهِ. وَآنَسَ الصَّوْتَ أَيْضًا: سَمِعَهُ، وَآنَسْتُ الصَّوْتَ سَمِعْتُهُ، قَالَ الحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ اليَشْكُريُّ يَصِفُ نَبْأَةَ:
آنَسَتْ نَبْأَةً وأَفْزَعَها القَنَّــــــــــ ............ ــــــــــــاصُ عَصْرًا وَقَدْ دَنَا الإِمْساءُ
وَقَدْ أَنِسَ بِهِ، وَأَنِسْتُ بِهِ آنَسُ أَنَسًا وَأَنَسَةً. وَالأُنْسُ: ضِدُّ الوَحْشَةِ. وَأَنَّسَهُ تَأْنِيسًا، إِذا جَعَلَهُ يَأْنَسُ بِالشَّيْءِ، وَمِنْهُ قَولُ الأَعْشَى:
لا يَسْمَعُ المَرْءُ فِيهَا مَا يُؤَنِّسُهُ ........... باللَّيْلِ إلَّا نَئيمَ البُومِ والضُّوَعا
واسْتَأْنَسَ وتَأَنَّسَ بِمَعْنًى.
وَقدْ أَكَّدَ الْخَبَرَ بـ "إِنَّ" لِقَصْدِ الِاهْتِمَامِ بِهِ بِشَارَةً لِأَهْلِهِ إِذْ كَانُوا فِي البَرْدِ الشديدِ وَالظُّلْمَةِ.
قولُهُ: {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} فقدْ طَلَبَ سَيِّدُنا مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، مِنْ أَهْلِهِ البَقَاءَ حَيْثُ هُمْ، وأمَرهم أَنْ يَنْتَظروهُ حَتَّى يَذْهَبَ وَيَرْجِعَ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ النَّارِ التي رآها مِنْ جَهَةِ الجَبَلِ، لِيُشعِلَ لَهُمْ الحَطَبَ فَيَصْطَلُونَ ويَتَدَفَّؤونَ. والقَبْسُ: الأَخْذُ، وَالْقَبَسُ: الجَذْوَةُ مِنَ النَّارِ، وَالشُّعْلةُ في رَأْسِ عُوْدٍ، أَوْ قَصَبةٍ، أَوْ فَتِيلَةٍ، أَوْ جَمْرَةِ مِنْ مَجْمُوعِ الْجَمْرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، يُؤْخَذُ مِنِ اشْتِعَالِ شَيْءٍ وَيُقْبَسُ للإشْعَالِ بِهِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَقْتَدِحُ بِهِ. وَقِيلَ: اقْتَدَحَ زَنْدَهُ فَصَلُدَ وَلَمْ يَقْدَحْ ـ كما تقدَّمَ. وَهُوَ بِوَزْنِ "فَعَلٌ" بِمَعْنَى "مَفْعُول"، كَ "الْقَبَض" بِمَعْنَى المَقْبوضِ، وَ "النَّقَضِ" بِمَعْنَى المَنْقوضِ. وقَالَ أَبُو العَبَّاسِ المُبَرِّدُ: أَقْبَسْتُ الرجلَ عِلْمًا أَيْ: عَلَّمْتُهُ شَيْئًا مِنَ العِلْمِ، وَقَبَسْتُهُ نَارًا، أَيْ: أَعْطَيْتُهُ شَيْئًا مِنْها، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الكِسَائيُّ: إِنَّ "فَعَلَ" و "أَفْعَلَ" يُقالان في المَعْنَيَيْنِ، فَيُقالُ: قَبَسْتُهُ نَارًا وَعِلْمًا، وَأَيْضًا: أَقْبَسْتُه عِلْمًا وَنَارًا. وَالْقَبَسُ شُعْلَةٌ من نار، وكذلك المقياس. يُقَالُ: قَبَسْتُ مِنْهُ نَارًا أَقْبِسُ قَبْسًا فَأَقْبَسَنِي أَيْ أَعْطَانِي مِنْهُ قَبَسًا، وَكَذَلِكَ اقْتَبَسْتُ مِنْهُ نَارًا وَاقْتَبَسْتُ مِنْهُ عِلْمًا أَيْضًا أَيِ اسْتَفَدْتُهُ، قَالَ الْيَزِيدِيُّ: أَقْبَسْتُ الرَّجُلَ عِلْمًا وَقَبَسْتُهُ نَارًا، فَإِنْ كُنْتَ طَلَبْتَهَا لَهُ قُلْتَ أَقْبَسْتُهُ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: أَقْبَسْتُهُ نَارًا أَوْ عِلْمًا سَوَاءٌ. وَقَالَ: وقبسته أيضا فيهما." هُدىً" أي هاديا.
قَوْلُهُ: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} المَعْنَى: أَوْ أَجِدُ عَارِفًا بِالطَّرِيقِ قَاصِدًا السَّيْرَ فِيمَا أَسِيرُ، فِنَسِيرُ مَعًا، أَوْ يَهْدينِي إِلَى السَّبِيلِ، وَيَدُلُّني عَلَى الطَّريقِ. فَقَدْ أَرَادَ بِالْهُدَى صَاحِبَ الْهُدَى، لِأَنَّ مُوسَى كانَ قَدْ ضَلَّ الطَّرِيقَ وَخَفِيَ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الظُّلْمَةِ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَسِيرَ لَيْلًا، لِيَحْتَجِبَ عَنِ أَنْظَارِ النَّاسِ.
وَ "أَوْ" حَرْفُ عَطْفٍ لِلتَّخْيِيرِ، لِأَنَّ إِتْيَانَهُ بِقَبَسٍ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ، فَهُوَ إِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْقَبَسَ لَا غَيْرَ، وَإِمَّا أَنْ يَزِيدَ فَيَجِدَ صَاحِبَ النَّارِ قَاصِدًا الطَّرِيقَ مِثْلَهُ فَيَصْحَبَهُ، أَوْ يَدُلّهُ عَلَى الطَّريقِ.
فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى"، قَالَ: أَيْ: مَنْ يَهْديني إِلَى الطَّرِيقِ، وَكَانُوا شَاتِّينَ فَضَلُّوا الطَّرِيقَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى" يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى الطَّرِيقِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى"، قَالَ: يَهْديهِ الطَّرِيقَ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى"، قَالَ: هَادٍ يَهْديني إِلَى المَاءِ.
وَ "عَلَى" هنا حَرْفُ جَرٍّ مُسْتَعْمَلٌ فِي الِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ، أَيْ أَنَّ شِدَّةَ الْقُرْبِ مِنَ النَّارِ قُرْبًا أَشْبَهَ الِاسْتِعْلَاءَ، وَذَلِكَ أَنَّ مُشْعِلَ النَّارِ يَسْتَدْنِي مِنْهَا لِلِاسْتِنَارَةِ بِضَوْئِهَا، أَوْ لِلِاصْطِلَاءِ بِوَهْجِهَا، فَيَكونُ فَوْقَهَا ـ فَي الغالِبِ، ويَعُلُو عَلَيْهَا. كَمَا قَالَ أَعْشَى قَيْسٍ:
تَشِبُّ لِمَقْرُورينَ يَصْطَلِيَانِهَا ........... وَبَاتَ عَلَى النَّارِ النَّدَى وَالْمُحَلِّقُ
وَقَدْ أَجْرَى اللهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ إِلْهَامًا مِنَ اللهِ بِأَنَّهُ سَيَجِدُ عِنْدَ تِلْكَ النَّارِ هُدًى عَظِيمًا، وَيَنْتَفِعُ أَهْلُهُ بِمَا يَجِدُهُ عَنْدَها.
لَقَدْ كانَ إِظْهَارُ اللهِ ـ تَعَالَى وَعَزَّ، النَّارَ لِنَبيِّهِ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، رَمْزًا رَبَّانِيًّا لَطِيفًا إِذْ جَعَلَ اسْتِدْعَاءَهُ لِتَلَقِّي الوَحْيِ مِنْهِ، وجَلَبَهُ بِنُورٍ لاحَ لَهُ فِي ظُلْمَةِ الليْلِ رَمْزًا دالًا عَلَى أَنَّهُ سَيَتَلَقَّى مَا فيهِ إِنَارَةُ الطريقِ للنَاسِ بنهجٍ واضِحٍ سَلِيمٍ، وَدِينٍ صَحِيحٍ قويمٍ، بَعْدَ ظُلْمَةِ الزيغِ عَنِ سبيلِ الهُدَى والحقِّ، وبَعْدَ الضَّلَالِ، وُسُوءِ الحالِ، وَفسادِ الاعْتِقَادِ.
قَوْلُهُ تَعَالى: {إِذْ رَأَى نَارًا} إِذْ: ظَرْفٌ لِمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ، مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ النَّصْبِ على الظَّرفيَّةِ الزمانِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بـِ {حَدِيثُ} مِنَ الآيةِ الَّتي قَبْلَها كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقالَ العُكْبُرِيُّ: يَجوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ بفِعْلٍ "اذْكُرْ" مُقَدَّرًا، وقالَ الزَّمخْشَرِيُّ: هوَ مُتَعَلِّقٌ بفعْلٍ مَحْذوفٍ بَعْدَهُ، والتقديرُ: إِذْ رَأَى نَارًا كَانَ كَيْتَ وَكَيْتَ، وَ {هَلْ أَتاكَ} عَلَى بَابِهَا مِنْ كَوْنِهَا اسْتِفهامَ تَقْريرٍ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى "قَدْ"، وَقِيلَ: بِمَعْنَى النَّفْيِ. وَ "رَأَى" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ المُقَدَّرِ عَلَى آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظُهورِهِ على الأَلِفِ، والرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ هُنَا، وفَاعِلُهُ: ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازًا يَعُودُ عَلى سيِّدِنَا "مُوسَى" عَلَيْهِ السَّلامُ. وَ "نَارًا" مَفْعُولُهُ مَنْصُوبٌ بِهِ، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بِإِضافَةِ "إِذْ" إِلَيْهَا.
قوْلُهُ: {فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} الفاءُ: حَرْفُ عَطْفٍ وَتَعْقيبٍ، وَفاعِلُهُ: ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيِهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا "مُوسَى" عَلَيْهِ السَّلامُ، وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ "رَأَى"، عَلَى كَوْنِها فِي مَحَلِّ الجَرِّ بِإضافةِ "إِذْ" إِلَيْها. وَ "لِأَهْلِهِ" اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "قَالَ"، و "أَهْلِهِ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِالإِضافةِ إِلَيْهِ. و "امْكُثُوا" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على حَذْفِ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّ مُضارِعَهُ مِنَ الأفعالِ الخمسةِ، وواوُ الجماعةِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ للتفريق، والجُمْلَةُ: فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ "قَالَ".
قَوْلُهُ: {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} إِنِّي: حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ للتَّوْكيدِ، وياءُ المُتَكَلِّمِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ. و "آنَسْتُ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ في لِاتِّصالِهِ بضميرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هوَ تاءُ الفاعِلِ، وهيَ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرفعِ بالفاعِلِيَّةِ. و "نَارًا" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "إِنَّ" وَجُمْلَةُ "إِنَّ" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقْولُ "قَالَ" مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ مَا قَبْلَهَا.
قَوْلُهُ: {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} لَعَلِّي: لَعَلَّ: حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتَرَجِّي، مِنْ أَخَوَاتِ "إِنَّ"، والياءُ: ضميرُ المُتَكلِّمِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ. و "آتِيكُمْ" خَبَرُ "لَعَلَّ" مرفوعٌ وعلامةُ رفعِهِ ضمةٌ مُقَدَّرةٌ عَلَى آخرِهِ لِثِقَلِها على الياءِ، وَهوَ مُضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ علامةُ الجَمْعِ المُذكَّرِ. وَ "مِنْهَا" مِنْ حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِحَالٍ مِنْ "قَبَسٍ" لِأَنَّهُ صِفَةُ نَكِرَةٍ، قُدِّمَتْ عَلَيْهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالخَبَرِ "آتِيكُمْ"، وَ "هَا" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. وَ "بِقَبَسٍ" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "آتيكُمْ"، وَ "قَبَسٍ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرًا لِـ "لَعَلَّ"، وَجُمْلَةُ "لَعَلَّ" مِنِ اسْمِها وخبرِها فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ "قَالَ".
قَوْلُهُ: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} أَوْ: حَرْفُ عَطْفٍ وَتَنْويعٍ، و "أَجِدُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وَفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنَا) يَعودُ عَلَى سيِّدِنا "مُوسَى" عَليْهِ السَّلامُ. و "عَلَى" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَجِدُ"، و "النَّارِ" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "هُدًى" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ. وَالجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "آتِيكُمْ" عَلَى كَوْنِهَا خَبَرًا لِـ "لَعَلَّ".
قَرَأَ العامَّةُ: {لِأَهْلِهِ} بكَسْرِ الهاءِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ: "لِأَهْلِهُ" بضمِّها، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ الأَصْلُ في لُغَةِ الحِجَازِ، وَقَالَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبُرِيُّ: "إِنَّ الضَّمَّ للإِتْبَاعِ، واللهُ أَعْلَمُ. وَأَمَالَ بَعْضُهُمْ أَلِفَ "هُدًى" وَقْفًا. والجَيِّدُ أَنْ لَا تُمَالَ لِأَنَّ الأَشْهَرَ أَنَّهَا بَدَلٌ مِنَ التَّنْوينِ.