روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ مريم الآية: 54

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ مريم الآية: 54 Jb12915568671



الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ مريم الآية: 54 Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ مريم الآية: 54   الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ مريم الآية: 54 I_icon_minitimeالإثنين فبراير 17, 2020 9:57 am

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)


قوْلُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ} يَأْمُرُ اللهُ ـ جَلَّ جلالُهُ، نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنْ يَذْكُرَ فِي الْكِتَابِ جَدَّهُ إِسْمَاعِيلَ عليهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ، وَ "الكِتَابُ": هُوَ هَذَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ.
وَ "إِسْمَاعِيلُ" ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، هُوَ الوَلَدُ الأَكْبَرُ لِسَيِّدِنَا إِبْراهيمَ منْ زوجِهِ هاجَرَ ـ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، الذي أُمِرَ بِذَبْحِهِ صَارَ فَتًى يافِعًا، وَهُوَ جَدُّ العَرَبِ، فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عَليِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ الْعَرَبِ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ.
قوْلُهُ: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} صِفَةٌ كَريمَةٌ وَشِيمَةٌ مِنْ شِيَمِ الرِّجالِ، الصِّدْقُ في الوَعْدِ، والوَفاءُ بالعَهْدِ، كانَ يَتَحَلَّى بها سَيِّدُنا إِسْماعِيلُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ مُجِاهِدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَمْ يَعِدْ شَيْئًا إِلَّا وَفَّى بِهِ. وَقالَ مُقاتِلٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَقَامَ يَنْتَظرُ إِنْسانًا لِمِيعادٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ. وَقَالَ الكَلْبِيُّ: انْتَظَرَهُ سَنَةً، وَهُوَ بَعيدٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ" قَالَ: لَمْ يَعِدْ رَبَّهُ عِدَةً قَطُّ إِلَّا أَنْفَذَهَا. وَمِمَّا يُبَيِّنُ صِدْقَهُ فِي وَعْدِهِ: أَنَّهُ وَعَدَ أَبَاهُ بِصَبْرِهِ لَهُ عَلَى ذَبْحِهِ، ثُمَّ وَفَّى بِهَذَا الْوَعْدِ، وَمَنْ وَفَّى بِوَعْدِهِ فِي تَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلذَّبْحِ، كَانَ مِنْ الوَفَاءِ بالوَعْدِ في القِمَّةِ. وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَظِيمِ صِدْقِهِ فِي وَعْدِهِ، وهذِهِ الصِفَةُ النَّبيلَةُ شَهِدَ اللهُ لَهُ بِهَا، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الصَّافَّات: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} الْآيَتَانِ: (102 و 103)، وَقَدْ دَلَّتْ هاتانِ الآيَتَانِ الكريمتانِ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى دَلَالَةً وَاضِحَةً لَا لَبْسَ فِيهَا عَلَى عَظِيمِ وفائهِ بِوعْدِهِ ـ عَلَيْهِ صَلَاةُ اللهِ وسَلامُهُ.
قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَدْ فَعَلَ مِثْلُ هَذَا نَبِيُّنا محمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ بِعْثَتِهِ. وَذَكَرَهُ النَّقَّاشُ أَيضًا، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَذَلِكَ فِي تِجَارَةٍ ومُبَايَعَةٍ. فقد أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ في: (الأَدَبُ، بابٌ في العِدَةِ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي الحَمْساءِ، قالَ: بايَعْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِبَيْعٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، وَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ، فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتيهِ بِهَا في مَكانِهِ، فَنَسِيتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلاثٍ، فَجِئْتُ فإِذَا هوَ في مَكانِهِ، فَقَالَ: ((يا فَتًى، لَقَدْ شَقَقْتَ عَلَيَّ، أَنَا هَهُنَا مُنْذُ ثَلاثٍ أَنْتَظِرُكَ)). سُنَنُ أَبي داوُدَ بِرَقَم: (4/299، برقم: 4996)، وأَخرجَهُ الخرائطِيُّ في مَكارِمُ الأَخْلاقِ بِرَقَم: (177). وابْنُ سَعْدٍ في طبقاتِهِ: (7/59). والضِّياءُ المقدِسِيُّ في (الأحاديثُ المُختارةُ): (9/260، بِرَقم: 226)، والبَيْهَقِيُّ في السُّنَنِ الكُبْرَى: (10/198، برقم: 20624)، والحَرْبِيُّ في (غَريبِ الحَديثِ): (3/944)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (193)، والبيهقي 10/ 198، وابن الأثير في "أسد الغابة" 3/ 217 وأخرجَهُ أَيْضًا أَبُو نُعَيمٍ الأَصْبَهَانِيُّ في معْرِفةِ الصَّحَابَةِ.
والوفاءُ بالعَهْدِ والوَعْدِ مِنَ الصِّفاةِ التي أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى تَثْمِينِها واحْترامِ مَنْ يتحلَّى بِها حَتَّى عَدَّها نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، مِنَ دَيْنًا، والديْنُ واجبُ القضاءِ شرعًا طالما وجدَ المؤمِنُ إلى ذلكَ سبيلًا. فقدْ أَخرج الشهابُ القُضاعِيُّ: (1/40، رقم: 7)، الدَّيْلَمِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، والطَبَرَانيُّ في معجميه: الأَوْسَطِ وَالصَّغيرِ. عَن أَميرِ المُؤمنينَ عِليِّ بْنِ أبي طالبٍ وابْنِ مسْعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنْ سَيِّدِنَا رسولِ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، أنَّهُ قالَ: ((العِدَةُ دَيْنٌ)) وَزَادَ عَلِيٌّ فِي رِوايَتِهِ: ((وَيْلٌ لِمَنْ وَعَدَ ثُمَّ أَخْلَفَ)) يَقُولُهَا ثَلَاثًا. فَجَعْلُهَا دَيْنًا دَلِيلٌ عَلَى لُزُومِهَا، ورَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْقُضَاعِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظٍ: قَالَ: لَا يَعِدْ أَحَدُكُمْ صَبِيَّهُ ثُمَّ لَا يُنْجِزْ لَهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((الْعِدَةُ دَيْنٌ))، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْهُ بِلَفْظِ: (إِذَا وَعَدَ أَحَدُكُمْ صَبِيَّهُ فَلْيُنْجِزْ لَهُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَهُ بلفظِ (الْعِدَةُ عطيَّة)، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ سيِّدِنا عَلِيٍّ ـ رَضِي اللهُ عنْهُ، مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: (الْعِدَةُ دَيْنٌ، وَيْلٌ لِمَنْ وَعَدَ ثُمَّ أَخْلَفَ، وَيْلٌ لَهُ). ثَلَاثًا، وَرَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ أَيْضًا بِلَفْظِ: ((الْوَاعِدُ بِالْعِدَةِ مِثْلُ الدَّيْنِ أَوْ أَشَدُّ))، أَيْ: وَعْدُ الْوَاعِدِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ ((عِدَةُ الْمُؤْمِنِ دَيْنٌ، وَعِدَةُ الْمُؤْمِنِ كَالْأَخْذِ بِالْيَدِ))، وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ قُبَاثِ بْنِ أَشْيَمَ الْكِنَانِيِّ اللَّيْثِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مَرْفُوعًا: ((الْعِدَةُ عَطِيَّةٌ)). وَلِلْخَرَائِطِيِّ فِي الْمَكَارِمِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، مُرْسَلًا: أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَيْئًا، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ، فَقَالَتْ: عِدْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الْعِدَةَ عَطِيَّةٌ))، وَهُوَ فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُدَ، وَكَذَا فِي الصَّمْتِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((الْعِدَةُ عَطِيَّةٌ)). وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنِ الْحَسَنِ البَصْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَيْئًا، فَقَالَ: ((مَا عِنْدِي مَا أُعْطِيكَ)). قَالَ الإِمامُ السَّخاويُّ: فِي الْمَقَاصِدِ الحَسَنةِ، بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ وَطُرُقِهِ: وَقَدْ أَفْرَدْتُهُ مَعَ مَا يُلَائِمُهُ بِجُزْءٍ.
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْوَعْدَ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ وَعَدَ رَجُلًا بِمَالٍ إِذَا أَفْلَسَ الْوَاعِدُ لَا يُضْرَبُ لِلْمَوْعُودِ بِالْوَعْدِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، وَلَا يَكُونُ مِثْلَ دُيُونِهِمُ اللَّازِمَةِ بِغَيْرِ الْوَعْدِ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الإمامُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَفِيهِ مُنَاقَشَةٌ، وَحُجَّةُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ إِدْخَالِهِ إِيَّاهُ فِي وَرْطَةٍ بِالْوَعْدِ فَيَلْزَمُ، وَبَيْنَ عَدَمِ إِدْخَالِهِ إِيَّاهُ فِيهَا فَلَا يَلْزَمُ، أَنَّهُ إِذَا أَدْخَلَهُ فِي وَرْطَةٍ بِالْوَعْدِ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْوَعْدِ وَتَرَكَهُ فِي الْوَرْطَةِ الَّتِي أَدْخَلَهُ فِيهَا، فَقَدْ أَضَرَّ بِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَضُرَّ بِأَخِيهِ، لِلْحَدِيثِ الشريف: ((لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)). رَوَاهُ الإمامُ مالِكٌ في (المُوَطَّأِ): (2/745، برقم: 1429)، وَالشَّافِعِيُّ: (1/224)، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المَازِنيِّ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا. وأَخْرَجَهُ الإمامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ: (1/255، برقم: 2307)، والطَبَرانِيُّ: (11/302، برقم: 11806) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، ونَصُّهُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَجْعَلَ خَشَبَةً فِي حَائِطِ جَارِهِ، وَالطَّرِيقُ الْمِيتَاءُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ)). وأخرجَهُ ابْنُ: مَاجَةَ: (2337). قالَ الإمامُ النَّوَوِيُّ فِي (الحِلْيَةِ): وَرَوَيْنَاهُ فِي (سُنَنُ الدَّارَقُطْنِيِّ) وَغَيْرِهِ مِنْ طُرُقٍ مُتَّصِلًا، وَهُوَ حديثٌ حَسَنُ. وَقَالَ الإمامُ مَالِكٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِذَا سَأَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَنْ يَهَبَ لَهُ الْهِبَةَ، فَيَقُولُ لَهُ نَعَمْ، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ أَلَّا يَفْعَلَ، فَمَا أَرَى يَلْزَمُهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهُ، فَقَالَ نَعَمْ، وَثَمَّ رِجَالٌ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ فَمَا أَحَرَاهُ أَنْ يَلْزَمَهُ إِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ اثْنَانِ. وَقَالَ أَبُو الإمامُ الأعظَمُ أَبو حَنِيفَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، وَأَصْحَابُهُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ: إِنَّ الْعِدَةَ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا شَيْءٌ، لِأَنَّهَا مَنَافِعُ لَمْ يَقْبِضْهَا فِي الْعَارِيَةِ لِأَنَّهَا طَارِئَةٌ، وَفِي غَيْرِ الْعَارِيَةِ هِيَ أَشْخَاصٌ وَأَعْيَانٌ مَوْهُوبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ فَلِصَاحِبِهَا الرُّجُوعُ فِيهَا، وَفِي صحيحِ الْبُخَارِيِّ: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ"، وَقَضَى ابْنُ أَشْوَعَ بِالْوَعْدِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَرَأَيْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ أَشْوَعَ. وَقالَ الْبُخَارِيِّ فِي آخِرِ كِتَابِ (الشَّهَادَاتِ): بَابُ مَنْ أَمَرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ، وَفَعَلَهُ الْحَسَنُ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ، وَقَضَى ابْنُ أَشْوَعَ بِالْوَعْدِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ، قَالَ وَعَدَنِي فَوَفَّى لِي، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَرَأَيْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ أَشْوَعَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ)). وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَاءَ أَبَا بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، مَالٌ مِنْ قِبَلِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَيْنٌ، أَوْ كَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا، قَالَ جَابِرٌ: فَقَلْتُ وَعَدَنِي رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُعْطِيَنِي هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، فَبَسَطَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ جَابِرٌ: فَعَدَّ فِي يَدِي خَمْسَمِئَةٍ، ثُمَّ خَمْسَمِئَةٍ، ثُمَّ خَمْسَمِئَةٍ. وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: قَالَ: سَأَلَنِي يَهُودِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ: أَيُّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَقْدُمَ عَلَى حَبْرِ الْعَرَبِ فَأَسْأَلَهُ، فَقَدِمْتُ، فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فقَالَ: قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا، إِنَّ رَسُولَ اللهِ إِذَا قَالَ فَعَلَ. (صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ)، وَقَوْلُهُ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ (وَفَعَلَهُ الْحَسَنُ) يَعْنِي الْأَمْرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ، وَوَجْهُ احْتِجَاجِهِ بِآيَةِ: "إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ"، أَنَّ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِصِدْقِ الْوَعْدِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ إِخْلَافَهُ مَذْمُومٌ فَاعِلُهُ، فَلَا يَجُوزُ، وَابْنُ الْأَشْوَعِ الْمَذْكُورُ هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَشَوْعَ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ، كَانَ قَاضِيَ الْكُوفَةِ فِي زَمَانِ إِمَارَةِ خَالِدٍ الْقَسْرِيِّ عَلَى الْعِرَاقِ، وَقَدْ وَقَعَ بَيَانُ رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي تَفْسِيرِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ رَآهُ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ أَشْوَعَ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي (الْفَتْحِ)، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجُّ بِهِ فِي الْقَوْلِ بِوُجُوبِ إِنْجَازِ الْوَعْدِ، وَصِهْرُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي أَثْنَى عَلَيْهِ بِوَفَائِهِ لَهُ بِالْوَعْدِ هُوَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ زَوْجُ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَسَرَهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا، وَقَدْ وَعَدَهُ بِرَدِّ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ إِلَيْهِ، وَرَدَّهَا إِلَيْهِ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الصِّهْرَ الْمَذْكُورَ أَبُو بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى الْوَفَاءِ بالعَهْدِ وَإِنْجَازِ الْوَعْدِ:
الْأَوَّلُ: حَدِيثُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قِصَّةِ هِرَقْلَ وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ مَشْهُورٍ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ فِي قَوْلِهِ: (فَزَعَمْتَ أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ). فَإِنَّ جَمِيعَ الْمَذْكُورَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ، وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصِّدْقُ وَالْعَفَافُ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ صِفَةُ نَبِيٍّ وَالِاقْتِدَاءُ بِالْأَنْبِيَاءِ وَاجِبٌ.
الثَّانِي: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ، فِي آيَةِ الْمُنَافِقِ، وَمَحِلُّ الدَّلِيلِ مِنْهُ قَوْلُهُ ((وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ)) فَكَوْنُ إِخْلَافِ الْوَعْدِ مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَّسِمَ بِسِمَاتِ الْمُنَافِقِينَ.
الثَّالِثُ: حَدِيثُ جَابِرٍ فِي قِصَّتِهِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ ـ رضِيَ اللهُ عنهُما، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَيْنٌ أَوْ كَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ عِدَةٌ .. . الْحَدِيثَ، فَجَعَلَ الْعِدَةَ كَالدَّيْنِ، وَأَنْجَزَ لِجَابِرٍ مَا وَعَدَهُ بِهِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ الْمَالِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ.
الرَّابِعُ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، فِي أَيِّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى ـ ما عَلَيْهِ لِشُعَيْبٍ عليْهِما السَّلامُ، مِنْ خِدْمَةٍ لهُ مَهْرًا لابْنَتِهِ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ قَضَى أَطْيَبَهُمَا وَأَكْثَرَهُمَا، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا قَالَ فَعَلَ، فَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ الِاقْتِدَاءُ بِالرُّسُلِ، وَأَنْ يَفْعَلُوا إِذَا قَالُوا. وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُنَاقَشَاتٌ مِنَ الْمُخَالِفِينَ لهذهِ الأحكامِ المُسْتَنْبَطَةِ.
وَمِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سورةِ الصَّفِ: {يا أَيُّها الذينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولونَ مَا لَا تَفْعَلونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} الآيتانِ: (2 ـ 3)، لِأَنَّ الْمَقْتَ الْكَبِيرَ مِنَ اللهِ عَلَى عَدَمِ الْوَفَاءِ بِالْقَوْلِ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ الشَّدِيدِ فِي عَدَمِ الْوَفَاءِ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي (الْفَتْحِ) فِي الْكَلَامِ عَلَى تَرْجَمَةِ الْبَابِ الْمَذْكُورَةِ: قَالَ الْمُهَلَّبُ: إِنْجَازُ الْوَعْدِ مَأْمُورٌ بِهِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمَوْعُودَ لَا يُضَارَبُ بِمَا وُعِدَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ. وَنَقْلُ الْإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ الْخِلَافَ مَشْهُورٌ لَكِنَّ الْقَائِلَ بِهِ قَلِيلٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَجَلُّ مَنْ قَالَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْعَزِيزِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَخَرَّجَ بَعْضُهُمُ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْهِبَةِ، هَلْ تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ. والظاهِرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ إِخْلَافَ الْوَعْدِ لَا يَجُوزُ، لِكَوْنِهِ مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِينَ، وَلِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}، وَظَاهِرُ عُمُومِهِ يَشْمَلُ إِخْلَافَ الْوَعْدِ، وَلَكِنَّ الْوَاعِدَ إِذَا امْتَنَعَ مِنْ إِنْجَازِ الْوَعْدِ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ وَلَا يُلْزَمُ بِهِ جَبْرًا، بَلْ يُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ، لِأَنَّهُ وَعْدٌ بِمَعْرُوفٍ مَحْضٍ. وَثَنَاؤُهُ ـ جَلَّ جَلالُهُ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى نَبِيِّهِ إِسْمَاعِيلَ ـ علَيْهِ السَّلامُ، بِصِدْقِ الْوَعْدِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ إِخْلَافَ الْوَعْدِ مَذْمُومٌ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْمَفْهُومُ مُبَيَّنًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالى، فَقَالَ في الآيَةَ: 77، مِنْ سُورَةِ التَّوْبَة: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}، وَقَالَ مِنْ سُورَةِ الصَّفِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} الآيَتَانِ: (2 ـ 3)، إِلَى غَيْرِها مِنَ الْآيَاتِ، كَما صَحَّ عَنْ سيِّدِنا رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو قَوْلُهُ: ((آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)). أَخْرَجَهُ الأئمَّةُ: أَحْمَدُ: (2/357، برقم: 8670)، والبُخارِيُّ: 1/15، برقم: 33)، ومُسْلِمٌ: (1/56، برقم: 123)، والتِّرمِذيُّ: (2631)، والنَّسَائيُّ: (8/116)، مِنْ حديثِ أَبِي هُرَيْرَة ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ. وقالَ فِي رِوايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ، وَالتِرْمِذِيِّ، وَأَبي يَعْلَى المَوصِلِيِّ: ((آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ)).
قولُهُ: {وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} أَيْ: وكانَ نبيُّ اللهِ إِسْماعيلُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، رَسُولًا لِقَبيلَةِ (جُرْهُمٍ) وَمَنْ وَالاهُمْ، مُخْبِرًا لهم بِغَيْبِ الوَحْيِ. فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُما، قالَ: أُرْسِلَ إِلَى جُرْهُمٍ. وجُرْهُم هُمْ بَطْنٌ مِنَ القَحْطانِيَّةِ كانَتْ مَنَازِلُهُمْ باليَمَنِ، ثُمَّ انْتَقَلُوا إِلَى الحِجازِ، فَنَزَلُوهُ، ثُمَّ نَزَلُوا مَكَّةَ واسْتَوْطَنُوهَا، وَكانُوا مُلُوكًا فِي الحِجَازِ حَتَّى نَزَلَ إِسْماعِيلُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، مَكَّةَ نَزَلُوا عَلَيْهِ، وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ، وَاسْتَوْلَتْ جُرْهُمٌ عَلَى البَيْتِ، ثُمَّ تَفَرَّقَتْ قبائلُ العَرَبِ بِسَيْلِ العَرَمِ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ خُزَاعَةُ وَأَخْرَجَتْ جُرْهُمًا مِنْ مَكَّةَ.
وَقَدْ بَقِيَ أَوْلادُهُ عَلَى شَريعَتِهِ التي جاءَهُمْ بِها مِنَ اللهِ ـ تَعَالَى، حَتَّى غَيْرَهَا عَمْرُو بْنُ لَحْيٍ الخُزَاعِيُّ، حينَ أَدْخَلَ الأَصْنَامَ إِلى الكَعْبَةِ المُشَرَّفةِ في مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ. فَمَازَالَتْ هذِهِ الأصْنامُ تُعْبَدُ حَتَّى حَطَّمَها نَبِيُّنا مُحَمَّدٌ ـ عليْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، عَمَلًا بِشَريعَتِهِ المُطَهَّرَةِ.
قوْلُهُ تَعَالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "اذْكُرْ" فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجُوبًا تقديرُهٌ (أنتَ) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ. و "فِي" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "اذْكُرْ"، وَ "الْكِتَابِ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَ "إِسْمَاعِيلَ" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، والجُمْلَةُ مَعْطوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: وَ {اذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ}.
قولُهُ: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} إِنَّ: حرفٌ نَاصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ للتوكيدِ. والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ. و "كَانَ" فعلٌ ماضٍ ناقِصٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفتحِ، واسْمُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُود عَلَى سيِّدِنا إِسْماعِيلَ ـ علَيْهِ السَّلامُ. و "صَادِقَ" خبرُهُ منصوبٌ بِهِ، وهوَ مُضافٌ. و "الْوَعْدِ" مجرورٌ بالإضافةِ إليْهِ، وَجُمْلَةُ "كَانَ" هَذِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرًا لـ "إِنَّ"، وَجُمْلَةُ "إِنَّ" مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ مَا قَبْلَهَا لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْرابِ.
قوْلُهُ: {وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "كَانَ" كَسَابِقَتِها معطوفةٌ عليْها، واسْمُها: ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُود عَلَى سيِّدِنا إِسْماعِيلَ ـ علَيْهِ السَّلامُ. و "رَسُولًا" خَبَرٌ أوَّلُ لَهُ. و "نَبِيًّا" خَبَرُهُ الثاني. والجملةُ معطوفةٌ على جملةِ "كانَ" الأُولى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ مريم الآية: 54
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ مريم الآية: 8
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ مريم الآية: 24
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ مريم الآية: 40
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ مريم الآية: 56
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ مريم الآية: 72

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: