وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51).
قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى} قالَ الإمامُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} الآيَةَ: 2، وَ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} الآيَةَ: 16، وَ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ} الآية: 41، أَيْ: وَاذْكُرْ رَحْمَةَ رَبِّكَ عَبْدَهُ وَرَسُولَهَ "مُوسَى" ـ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمْ جمِيعًا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَقِيلَ: المَعْنَى: اذْكُرْ لَهُمْ نَبَأَ مُوسَى وَقِصَّتَهُ في الكِتَابِ.
وَتَكْرارُ قِصَّةِ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، دَلِيلٌ عَلى قُصُورِهِمْ فِي فَهْمِ القُرْآنِ، فَهَذِهِ المَوْضُوعاتِ الَّتِي يَرَوْنَ فِيهَا تَكْرارًا مَا هِيَ إِلَّا لَقَطاتٍ مُخْتَلِفَةً لِمَوْضُوعٍ وَاحِدٍ، لَكِنْ لِكُلِّ لَقْطَةٍ مِنْهَا مَوْقِعٌ، فإِذَا حَانَ وَقْتُهَا، وَجَاءَ مَوْقِعُهَا نَزَلَتْ. والحِكْمَةُ مِنْ قَصِّها عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قالَ تَعَالَى مِنْ سُورةِ هودٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} الآيَةَ: 120.
إِذًا: فإِنَّ الهَدَفَ مِنْ هَذَا القَصَّ تَثْبيتُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في دَعْوَتِهِ لِقَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ سَيَتَعَرَّضُ لِشَدائِدَ كَثيرَةٍ يَحْتَاجُ فِيها إِلَى تَثْبِيتٍ وَمُواسَاةٍ وَتَسْلِيَةٍ، فَكُلَّمَا حَدَثَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ أَمْرٌ قَالَ لَهُ رَبُّهُ: اذْكُرْ مُوسَى حِينَ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، وَأَنْتَ خَاتَمُ الرُّسُلِ، وأَنْتَ التاجُ بَيْنَهُمْ، فَلَا بُدَّ منْ أَنْ تَصْبِرَ وتَتَحَمَّلَ الأَذى كما فعلَ أخوكِ مُوسَى مِنْ قبلُ.
قَوْلُهُ: {إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا} ذَكَرَ مُوسَى هُنَا لأَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وكانَ قَدْ وَعَدَ اللهُ تَعَالَى خَليلَهُ إِبْراهِيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، عِنْدَمَا اعْتَزَلَ أَباهُ وقَومَهُ ومَا يَعْبُدونَ مِنْ دونِ اللهِ، أَنْ يُؤانِسَهُ بِأَوْلَادِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، وَذَلِكَ اسْتِجابَةً لدُعائِهِ بِأَنْ يَجْعَلَ لَهُ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخَرِينَ ـ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ قِصَّتِهِ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَأَوضَحْنَا هُنَاكَ أَنَّ مِنْ مَعاَني هَذَا الِسانَ الصِّدْقِ هَذَا أَنَّهُ رُزِقَ سِلْسِلةً مِنَ الأَنْبِياءِ مِنْ ذرِّيَّتِهِ، وكانَ مِنْهُمْ رُسُلًا مِنْ أُولِي العَزْمِ مِثْلَهُ، وهُم: مُوسَى، وَعِيسَى، وَمُحَمَّدٍ ـ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ.
وقدْ ذَكَرَ تَعَالَى في هَذَا الجُزْءِ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَذَكَرَ هُنَا مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ سِيرَتِهِ، وَهوَ أَنَّهُ كانَ مُخْلِصًا، وَهِيَ أَبْرَزُ صِفَاتِهِ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَيْ أَنَّهُ أَخْلَصَ للهِ فِي التَّوْحِيدِ والْعِبَادَةِ، وَالْإِخْلَاصُ في العبادةِ هُوَ الْقَصْدُ أَنْ يُعْبَدَ بِهَا الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ، فَإنَّ الْإِخْلَاصَ فِي الأَمْرِ: هوَ الْإِتْيَانُ بِهِ غَيْرَ مَشُوبٍ بِتَقْصِيرٍ وَلَا تَفْرِيطٍ وَلَا هَوَادَةٍ، وهو مُشْتَقٌّ مِنَ الْخُلُوصِ، وَهُوَ التَّمَحُّضُ وَعَدَمُ الْخَلْطِ. وَالْمُرَادُ هُنَا: الْإِخْلَاصُ فِيمَا هُوَ شَأْنُهُ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَهُوَ الرِّسَالَةُ، وَذَلِكَ بِقَرِينَةِ الْمَقَام.
وَعَلَى القِرَاءَةِ الثانِيَةِ "مُخْلَصًا" ـ بِفَتْحِ اللَّامِ، فَهُوَ مِنَ الِاجْتِبَاءِ والِاصْطِفَاءِ، أَيْ: اصْطَفَاهُ اللهَ تَعَالَى، وَاسْتَخْلَصَهُ لَهُ وَجَعَلَهُ كَلِيمَهُ، فكانَ مُخْلَصًا لِمَوْلاهُ خَالصًا لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ بِوَجْهٍ، فَلَمْ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، وَلَمْ يُغْضِ عَنْ شَيْءٍ في رِضاهُ ـ سُبْحانَهُ وَتَعَالَى. وَالمُخْلَصُ هُوَ الذي يَقِفُ بِغَرائِزِهِ عِنْدَ حَدِّها لَا يَتَعَدَّاهَا، وَيُخَلِّصُهَا مِنَ الشَّوائِبِ الَّتي قد تُخالِطُهَا. وَهَذِهِ الصِّفَةُ إِمَّا أَنْ يُكْرِمَ اللهُ بِهَا عَبْدَهُ فَيُخَلِّصَهُ مِنَ البِدَايَةِ مِنْ تِلْكَ الشَّوائبِ، أَوْ يَجْتَهِدَ هُوَ بتَخْليصِ نَفْسَهُ مِنْها بِاتِّباعِهِ لِمِنْهَجِ اللهِ تَعَالى الذي كلَّفَهُ بِهِ. فقيلَ: إِنَّ مِنَ النَاسِ مَنْ يَصِلُ بِطاعَةِ اللهِ إِلَى كَرَامَتِهِ ـ سُبحانَهُ، وَمِنهم مَنْ يَصِلُ بِكَرامَةِ اللهِ إِلَى طاعَتِهِ. أَمَّا الأَنْبِيَاءُ ـ عليهِمُ السَّلامُ، فَإِنَّهُمْ مُخْلَصِونَ ابْتِداءً، لِيَكونُوا مُؤهَّلينَ لِهِدَايَةِ النَّاسِ، فَلَا يُضِيِّعُونَ وقْتَهُمْ فِي تَخْلِيصِ أَنْفُسِهِمْ مِمَّا يَشُوبُ نُفُوسَ سِواهُمْ مِنَ عامَّةِ النَّاسِ عَادَةً. فَهَذَا سيِّدُنا رَسُولُ اللهِ محمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بقي يُعَلِّمُ النَّاسَ كَيْفَ يُخِلِّصُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ شوائبها ورُعُوناتِها ثلاثًا وَعِشْرينَ سَنَةً، فَكَيْفَ لَوْ كانَتْ نَفْسُهُ في حاجَةٍ لِأَنْ يُخَلِّصَها أَوَّلًا؟.
وَمَتَى وَرَدَ الْقُرْآنُ بِقِرَاءَتَيْنِ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ مَقْطُوعٌ بِهِ، فَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى مِنْ صِفَةِ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كِلَا الْأَمْرَيْنِ، فَهُوَ مُخلَصٌ ومُخلصٌ مَعًا. فَقدْ خُصَّ سيِّدُنا مُوسَى بِهذِهِ الصِّفةِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَزِيَّتُهُ، فَإِنَّهُ أَخْلَصَ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ فَاسْتَخَفَّ بِأَعْظَمِ جَبَّارٍ، وَهُوَ فِرْعَوْنُ، وَجَادَلَهُ مُجَادَلَةَ الْأَكْفَاءِ، كَمَا حَكَى اللهُ تَعَالى عَنْهُ بِقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: {قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ} إِلَى قَوْلِهِ: قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ} الآيتانِ: (18، 19). وَكَذَلِكَ مَا حَكَاهُ اللهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ الْقَصَص: قالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} الآيَةَ: 17، فَكَانَ الْإِخْلَاصُ فِي أَدَاءِ أَمَانَةِ اللهِ تَعَالَى مِيزَتَهُ. وَلِأَنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ لِكَلَامِهِ مُبَاشَرَةً قَبْلَ أَنْ يُرْسِلَ جِبْريلَ بِالْوَحْيِ إِلَيْهِ، فَكَانَ مُخْلَصًا بِذَلِكَ، أَيْ مُصْطَفًى، لِأَنَّ ذَلِكَ مَزِيَّتُهُ أَيْضًا، قَالَ تَعَالَى في الآيةِ: 41، مِنْ سُورَةِ (طَهَ): {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}.
ولِمَكَانَةِ هَؤُلاءِ المُخْلَصِينَ وَمَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَ رَبِّهمْ تَأَدَّبَ مَعَهُمْ إِبْلِيسُ رِعايةً لهَذِهِ المَنْزِلَةِ فَقَالَ منْ سورةِ (ص): {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ} الآيتَانِ: (82 و 83). لِأَنَّ هَؤُلاءِ لَا يَقْدِرُ إِبْلِيسُ عَلَى الوسْوَسَةِ بالسُّوءِ إِلَيْهم وغِوَايَتِهم، فقد أَخرجَ مُسْلِمٌ، وَغيرُهُ، والنَّصُّ لَهُ، مِنْ حديثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ))، قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟. قَالَ: ((وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ)). وَفي رِوَايَةٍ: ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، إِلاَّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ)). قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟. قَالَ: ((وَإِيَّايَ، وَلَكِنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ، فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلَّا بِحَقٍّ)). أَخْرَجَهُ الأئمَّةُ: أَحْمَدُ: (1/385، برقم: 3648)، والدَّارِمِيُّ: (برقم: 2734)، ومُسْلِمٌ: (8/139، برقم: 7210).
قولُهُ: {وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} قالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قدْ يكونُ مِنَ العِبَادِ مَنْ هوَ مُخْلِصٌ وَمُخْلَصٌ دُونَ أَنْ يَكونَ نَبِيًّا، أَوْ رَسُولًا، كَالْعَبْدِ الصَّالِحِ الخَضِرِ فيما يَرَاهُ بَعْضُهُمْ كما تَقَدَّمَ بَيَانُهُ في مكانِهِ مِنْ سورةِ الكهفِ، لِذَلِكَ فقد أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى عَنْ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَنَّهُ مُخلَصٌ ثمَّ أَخبرَ أَنَّهُ رَسولٌ نبيٌّ، فقد جَمَعُ لَهُ رَبُّهُ كُلَّ هَذِهِ الصِّفاتِ. وَقَدْ زَعَمَ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّ الوَصْفَيْنِ مُتَلَازِمانِ فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ وَكُلُّ نَبِيٍّ رَسُولٌ. وعندنا فَالرَّسُولُ: هو مَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ يَعْمَلُ بِهِ وَيُبَلِّغَهُ لِقَوْمِهِ، أَمَّا النَّبِيُّ، فَهُوَ مَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ يَعْمَلُ بموجِبِهِ ولَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ للنَّاسِ. إِذْ كُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ، وَلَيْسَ كُلُّ نَبِيٍّ رَسُولٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ يَعيشُ عَلَى مِنْهَجِ الرَّسُولِ الذي يُعَاصِرُهُ أَوْ يَسْبِقُهُ. وقَالَ بَعْضُهُمْ: الرَّسُولُ هوَ الذي يُنَبَّأُ وَيُخْبَرُ عَنِ التَأْويلِ. وَقَالَ آخرونَ: الرَّسُولُ هوَ الذي يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ وَالكِتَابُ، بينما النَّبِيُّ هُوَ الذي يُنَبَّأُ ولكنْ لَا عَنْ لِسَانٍ، وإِنَّما فِي سِرِّهِ، وَأَصْلُ النَّبِيِّ هوَ الذي يُنَبَّأُ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ، وَسُمِّيَ: نَبِيًّا، لِاجْتِمَاعِ خِصَالٍ فِيهِ، كَالصِدِّيقِ لَا يُسَمَّى إِلَّا بَعْدَ اجْتِمَاعِ كُلِّ خِصَالِ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ فيهِ مَا لَوِ انْفَرَدَ بِكُلِّ خِصْلَةٍ مِنْ تِلْكَ الخِصَالِ سُمِّيَ: صَادِقًا، فَإِذَا اجْتَمَعَ ذَلِكَ فيهِ سُمِّيَ: صِدِّيقًا. وعَليهِ فقدْ سُمِّيَ النَّبِيُّ نَبِيًّا لِاجْتِماعِ خِصَالٍ فِيهِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ فِي الحديثِ الشريفِ، عَنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، عنْ سَيِّدِنا رَسولِ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((الرُّؤْيَا الصالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبوةِ)). أَخْرَجَهُ الأَئمَّةُ: أَحْمَدُ: (2/18، برقم: 4678)، ومُسْلِمٌ: (7/53، برقم: 5978)، وابْنُ مَاجَةَ: (برقم: 3897)، والنَّسائيُّ في سُنَنِهِ الكُبْرَى: (برقم: 7579)، والبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: (12/206). وقالَ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((السَّمْتُ الحَسَنُ جُزْءٌ مِن خَمْسَةٍ وسَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُبوَّةِ)). أَخْرَجَهُ الضِّياءُ المَقْدِسِيُّ في (الأحاديثُ المُخْتَارَةُ): (6/194، برَقم: 2209). مِنْ حديثِ أنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى} الوَاوُ: عَاطِفَةٌ، و "اذْكُرْ" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على السُّكونِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجُوبًا تقديرُهُ أَنْتَ يَعُودُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ}. و "فِي" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "اذْكُرْ"، و "الْكِتَابِ" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "مُوسَى" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، وعلامةُ نَصْبِهِ فتحةٌ مقدَّرةٌ على آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظهورِها على الأَلِفِ.
قولُهُ: {إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا} إِنَّهُ: حرفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفِعلِ للتوكيدِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ. و "كَانَ" فِعْلٌ مَاضٍ نَاقِصٌ، مبْنيٌّ عَلَى الفَتْحِ، واسْمُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا "مُوسَى" عَلَيْهِ السَّلامُ. و "مُخْلَصًا" خَبَرُ "كَانَ" مَنْصُوبٌ بِها، وَجُمْلَةُ "كَانَ" فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرًا لـ "إِنَّ"، وَجُمْلَةُ "إِنَّ" معَ اسْمِها وخَبَرِها جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ مَا قَبْلَهَا، فَلَيْسَ لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الإِعْرَابِ.
قوْلُهُ: {وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} الوَاوُ: عاطفةٌ، و "كَانَ" إعرابُها كإعرابِ سابقتها، و "رَسُولًا" خَبَرٌ أَوَّلُ لِلْفِعْلِ النَّاقِصِ، وَ "نَبِيًّا" خَبَرٌ ثانٍ لِـ "كَانَ"، وَالْجُمْلَةُ: مَعْطوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "كَانَ" الأُولَى.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ: {مُخْلِصًا} بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ أَخْلَصَ الْقَاصِرِ إِذَا كَانَ الْإِخْلَاصُ صِفَتَهُ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَعَاصِمٌ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ "مُخْلَصًا" بَفَتْحِ اللَّامِ، مِنْ أَخْلَصَهُ، إِذَا اصْطَفَاهُ.