وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا (4)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا} أَيْ: وَيحَذِّرَ، أَوْ يُخَوِّفَ بِالقُرْآنِ الكريمِ الذينَ قالُوا: "اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا".
وَعِبارَةُ "وَلَدًا" تَشْمَلُ كُلَّ مَنْ يُولَدُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، يَسْتَوِي فِيها الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ.
والضميرُ للرَّسولِ الكريمِ ـ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلواتِ وأَتَمُّ التَّسْليمِ، وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعينَ. فالآيةُ تَعْلِيلٌ آخَرُ لِإِنْزَالِهِ تَعَالَى الْكِتَابَ عَلَى عَبْدِهِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا إِنْذَارٌ مَخْصُوصٌ مُقَابِلٌ لِمَا بَشَّرَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَلَمْ يُذْكَرْ هَهُنَا المُنْذَرُ بِهِ، وَهُوَ العَذابُ الشَديدُ، وَذَلِكَ اسْتِغْنَاءً بِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ، وَكُرِّرَ الإِنْذَارُ لِهذِهِ الفِئَةِ مِنَ الكُفَّارِ، وهُمْ فِرْقَةٌ خَاصَّةٌ مِمَّنْ عَمَّهُمُ الإِنْذَارُ السَّابِقُ مِنْ مُسْتَحِقِّي البَأْسِ الشَّديدِ إِيذانًا بِفَظَاعَةِ حَالِهِمْ وشَنَاعَةِ كُفْرِهِمْ وضَلالِهِمْ. وتَعُمُّ العَرَبَ القائلينَ بِأَنَّ المَلائكةَ بَنَاتُ اللهِ تَعَالَى، واليَهُودَ القائلينَ بأَنَّ عُزَيْرًا ابْنُ اللهِ ـ سُبْحانَهُ، وَالنَّصَارَى القائلينَ بِأَنَّ المَسيحَ ابْنُ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَيُنْذِرَ الَّذينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا" قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَالْإِنْذَارُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ عَامٌّ، وَهَذَا خَاصٌّ فِيمَنْ ادَّعَى أَنَّ للهِ وَلَدٌ. وَقَدْ خُصُّوا بِالذِّكْرِ اسْتِعْظَامًا لِكُفْرِهِمْ بِادِّعائِهِمُ الصَّاحِبَةَ وَالوَلَدَ للهِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وفِي الآيَةِ الكَريمَةِ مِنَ الصَّنْعَةِ البَديعِيَّةِ مَا يُسَمَّى بِـ (الاحْتِبَاكَ)، حَيْثُ حُذِفَ مِنَ الأَوَّلِ مَا ذُكِرَ فِيمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ المُنْذَرُ، وَحُذِفَ مِمَّا بَعْدُ مَا ذِكِرَ فِي الأَوَّلِ، وَهُوَ المُنْذَرُ بِهِ، فإِنَّهُ يُعْلَمُ إِنْذارُ سائِرِ أَصْنَافِ الكَفَرةِ ودُخُولُهُمْ فِي الوَعِيدِ مِنْ بابَ الأَوْلَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا} الواوُ: للعَطْفِ، و "ينذِرَ" فعلٌ مُضارعٌ منصوبٌ عطْفًا عَلَى "يُنْذِرَ" الأَوَّل، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ. و "الذينَ" اسمٌ مَوصولٌ مَبْنيٌّ على الفَتحِ في محلِّ النَّصْبِ مفعولٌ بِهِ أَوَّلُ، والمَفْعُولُ الثاني مَحْذُوفٌ، والتَقْديرُ: بَأْسًا شَديدًا. وَ "قالُوا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعَةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، والأَلِفُ للتفريقِ، والجُمْلَةُ صِلَةُ المَوْصُولِ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ. و "اتَّخَذَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ. ولفظُ الجلالةِ "اللهُ" مرفوعٌ بالفاعِلِيَّةِ. و "وَلَدًا" مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ، والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القَوْلِ لِـ "قَالُوا".