أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)
قَوْلُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} تَفَنَّنٌ مِنَ مُشْرِكي مَكَّةَ فِي طَلَبَ الخوارقِ والمُعْجِزاتِ مِنْ سَيِّدِنا محمَّدٍ ـ عليهِ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ، فَقد سَأَلُوهُ أَنْ يكونَ لَهُ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ، والزُّخرُفُ هو الذهَبُ كَمَا قالَ ابنُ عبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُمَا، أَخَرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ جَريرٍ في تَفْسِيرِهِ: (جامِعُ البيانِ). وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي (فَضَائِلِهِ) وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي (الْمَصَاحِفِ)، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ مَا الزُخْرُفِ حَتَّى سَمِعْتُهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ: أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: الزُّخْرُفُ: الذَّهَبُ.
قولُهُ: {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ} طَلَبٌ تَعْجِيزِيٌّ جَديدٌ مِنْهُ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، بَأَنْ يَصْعَدَ إِلَى السَّمَاءِ ويَرْتَقي فيها، يَعْنِي: أَوْ تَصْعَدُ فِي دَرَجٍ إِلَى السَّمَاءِ، وَ "فِي السَّماءِ" يَعْنِي: فِي مَعَارِجِ السَّمَاءِ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ، يُقَالُ رَقَيَ السُّلَّمَ، وَرَقِي فِي الدَّرَجِ. ثُمَّ قَالُوا: وَإِنَّمَا يَرْقَى إِلَيْهَا لَا فِيهَا، لِأَنَّ الْقَوْمَ قَالُوا: أَوْ تَرْقَى فِي سُلَّمٍ إِلَى السَّمَاءِ، فَأُدْخِلَتْ "فِي" فِي الْكَلَامِ لِيَدُلَّ عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ، وَالرُّقِيُّ: الصُّعُودُ، يُقَالُ: رَقِيتُ فِي السُّلَّمِ، فَأَنَا أَرْقَى رَقْيًا وَرُقْيًا وَرُقِيًّا، وَرَقِي (بالكَسْرِ) يَرْقَى (بالفَتْحِ) رُقُوًا عَلَى وَزْنِ "فُعُولٍ"، وَالأَصْلُ رُقُويَ، فَأُدْغِمَ بَعْدَ قَلْبِ الواوِ يَاءً، وَ "رَقْيٌ" بِزِنَةِ "ضَرْبٍ". قَالَ الشاعرُ الرَّاجِزُ:
أَنْتَ الذي كَلَّفْتَني رَقْيَ الدَّرَجْ .......... عَلَى الكَلالِ والمَشِيْبِ وَالعَرَجْ
قولُهُ: {وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} أَيْ: وإِذا ارْتَقَيْتَ في السَّمَاءِ فلَنْ نُصدِّقَ أَنَّكَ ارتقيتَ فيها حَتَّى تأتينا مِنْها بكتابٍ يُصدِّقُ رُقِيَّكَ فنقرؤُهُ ونتأَكَّدُ لأَنَّهم لَنْ يَسْتَطِيعُوا الصُّعُودَ مَعَهُ وَلَا رُؤْيَةَ مَرْقَاهُ، لِبُعْدِهِ وَقُصُورِ أَبْصَارِهِم عَنْ إِدْراكِهِ، ولذلِكَ اقْتَرَحُوا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بدليلٍ على أَنَّهُ قدْ بَلَغَ السماءَ فعلًا وقابلَ فيها اللهَ تَعَالَى، وذَلِكَ لأنَّهمْ كانوا مِنَ المُجَسِّمَةِ الذينَ يعتقدونَ أَنَّهُ ـ سبحانَهُ وتَعَالَى، مُقيمٌ في السَّمَاءِ. لِذَلِكَ فإِنَّ عَلَيْهِ إِذَا ارْتَقَى أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِكِتَابٍ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ شَهَادَةٌ بِأَنَّهُ بَلَغَ السَّمَاءَ، فَيَقْرَؤونَهُ. فقد أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عنِ ابْنِ عبَّاسٍ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُما، فِي قَوْلِهِ: كِتابًا نَقْرَؤُهُ قَالَ: مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ إِلَى فُلانَ بْنِ فُلَانٍ. يُصْبِحُ عِنْدَ كُلِّ رَجُلٍ صَحِيفَةٌ مَوْضُوعَة عِنْدَ رَأْسِهِ يَقْرَؤُهَا. يُؤْمَرُ فِيهَا بِاتِّبَاعِكَ.
فَقِيلَ: إِنَّ قَائِلَ ذَلِكَ هو عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: حَتَّى تَأْتِيَنَا بِكِتَابٍ مَعَهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَكَ. وقِيلَ إِنَّهُ أَبُو جَهْلٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، لَنْ نُؤْمِنَ بِكَ حَتَّى تَأْتيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا بِكِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ، عُنْوانُهُ: مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ إِلَى فُلان بْنِ فُلان، وَنُؤْمَرُ فِيهِ باتِّبَاعِكَ. أَوْ لَعَلَّهُمْ إِنَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ كِتَابًا كَامِلًا دُفْعَةً وَاحِدَةً، فَيَكُونُوا قَدْ أَلْحَدُوا بِتَنْجِيمِ الْقُرْآنِ، تَوَهُّمًا بِأَنَّ تَنْجِيمَهُ لَا يُنَاسِبُ كَوْنَهُ مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِأَنَّ التَّنْجِيمَ عِنْدَهُمْ يَقْتَضِي التَّأَمُّلَ وَالتَّصَنُّعَ فِي تَأْلِيفِهِ، وَلِذَلِكَ يَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ بَيَانُ حِكْمَةِ تَنْجِيمِهِ.
يَجُوزُ فِي لامِ "لِرُقِيِّكَ" أَنْ تَكُونَ للتَّبْيِينِ، عَلَى أَنَّ "رُقِيَّكَ" مَفْعُولُ نُؤْمِنَ كَقَوْلِهِ: "لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ" فَيَكُونُ ادِّعَاءُ الرُّقِيِّ مَنْفِيًّا عَنْهُ التَّصْدِيقُ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ كِتَابٌ. وَيَجُوزَ أَنْ تَكُونَ لَامَ الْعِلَّةِ، وَمَفْعُولَ "نُؤْمِنَ" مَحْذُوفًا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلَهُ: "لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ". وَالتَّقْدِيرُ: لَنْ نُصَدِّقَكَ لِأَجْلِ رُقِيِّكَ حتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا، أَيْ: ولَوْ أَنَّهُ رَقَى فِي السَّمَاءِ لَكَذَّبُوا أَعْيُنَهُمْ حَتَّى يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ كِتَابًا يَرَوْنَهُ نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ.
قولُهُ: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} لَمَّا كَانَتِ اقْتِرَاحاتُهُمُ التَعْجِيزِيَّةُ تَلْكَ دَليلَ عِنَادٍ مِنْهُمْ. فَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالى رسولَهُ ـ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، بِأَنْ يُجِيبَهُمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّعَجُّبِ مِنْ كَلَامِهِمْ بِكَلِمَةِ: "سُبْحانَ رَبِّي" الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي التَّعَجُّبِ، ثُمَّ بِالِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ، وَبِصِيغَةِ الْحَصْرِ الْمُقْتَضِيَةِ قَصْرَ نَفْسِهِ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ وَالرِّسَالَةِ قَصْرًا إِضَافِيًّا، أَيْ: لَسْتُ رَبًّا مُتَصَرِّفًا أَخْلُقُ مَا يُطْلَبُ مِنِّي، فَكَيْفَ، آتِي بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَكَيْفَ أَخْلُقُ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ يُخْلَقْ فِيهَا، وكيفَ؟ وكيفَ.
قَوْلُهُ تَعَالى: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} أَوْ: حرفٌ للعطْفِ والتَنْويعِ والتَخْيِيرِ. و "يَكُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ ناقصٌ منصوبٌ عَطْفًا عَلَى "تَفْجُرَ". و "لَكَ" اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرِ "يَكونَ" مُقَدَّمًا عَلى اسْمِها. و "بَيْتٌ" اسْمُ "يَكونَ" المُؤَخَرُ مَرْفُوعٌ بِهَا. و "مِنْ" حرفٌ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "بَيْتٌ"، و "زُخْرُفٍ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ.
قولُهُ: {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ} أَوْ: حَرْفُ عَطْفٍ وتَخْيِيرٍ وَتَنْويعِ، و "تَرْقى" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى "تَفْجُرَ" وعَلامَةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ مُقَدَّرَةٌ عَلَى آخِرِهِ لتَعَذُّرِ ظهورِها عَلَى الأَلِفِ، أَيْ: أَوْ حَتَّى تَرْقَى فِي السَّمَاءِ، أَيْ: فِي مَعَارِجِها، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فِيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ. و "فِي" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَرْقَى" و "السَّماءِ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ.
قولُهُ: {وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} الواوُ: للعَطْفِ، و "لَنْ" حرفٌ نَاصِبٌ. و "نُؤْمِنَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بِها، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (نحنُ) يَعْودُ عَلَى جماعةِ المُتَكَلِّمينَ مِنَ المُشْرِكِينَ، وَالجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ قولِهِ: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا}. و "لِرُقِيِّكَ" اللامُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "نُؤْمِنَ"، وهِيَ إِمَّا تَعْلِيلِيَّةٌ، أَوْ بِمَعْنَى "الباءِ" السَّبَبِيَّةِ، و "رُقِيِّكَ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وهوَ مُضافٌ، وكافُ الخِطَابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ.
قولُهُ: {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا} حَتَّى: حَرْفُ جَرٍّ وَغَايَةٍ. و "تُنَزِّلَ" فعلٌ مُضارعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ" مُضْمَرَةً بعدَ "حتَّى"، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ. و "عَلَيْنا" عَلَى: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تُنَزِّلَ"، و "نَا" ضميرُ جماعةِ المُتَكَلِّمينَ المتَّصِلُ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. و "كِتابًا" مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ، وَجُمْلَةُ "تُنَزِّلَ" فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بِـ "حَتَّى" والتَقديرُ: إِلَى تَنْزيلِكِ عَلَينَا كِتابًا، وهذا الجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "نُؤْمِنَ".
قَوْلُهُ: {نَقْرَؤُهُ} فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ النَّاصْبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (نحنُ) يعودُ على جماعةِ المتكلِّمينَ مِنَ المُشْرِكينَ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مفعولٌ بِهِ، ويَجُوزُ في هَذِهِ الجُمْلةِ الفِعْليَّةِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكونَ نَعْتًا لِـ "كِتَابًا"، فَتَكُونُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ. وَالثانِي: أَنْ تَكونَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ أَيضًا ولَكنَّهُ نَصْبٌ عَلَى الحالِ مِنْ ضَمِيرِ جَمَاعَةِ المُتَكَلِّمِينَ المُتَّصِلِ "نَا" مِنْ قولِهِ: "عَلَيْنَا"، فَتَكونُ فِي مَحَلِّ الجرِّ، قالَهُ العُكْبُريُّ. وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، لأَنَّهم إِنَّما يَقْرَؤُونَهُ بَعْدَ إِنْزَالِهِ ولَيْسَ فِي حَالِ إِنْزَالِهِ.
قولُهُ: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي} قُلْ: فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجوبًا تَقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّمَ، وَالجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإِعْرَابِ. و "سُبْحانَ" مَنْصوبٌ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ، بِفِعْلٍ مَحْذوفٍ وُجُوبًا، والتَقْديرُ: أُسَبِّحُ رَبِّي سُبْحَانًا، وهوَ مُضافٌ، و "ربِّي" مجرورٌ بالإضافةِ إليْهِ، وعَلامَةُ جَرِّهِ كَسْرَةٌ مُقَدَّرَةٌ عَلَى مَا قَبْلِ الياءِ، وهوَ مُضافٌ أَيْضًا. وَالياءِ: ضَمِيرُ المُتَكَلِّمِ ضَميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِ الجرِّ بالإِضافَةِ إِلَيْهِ، والجُمْلَةُ المَحْذُوفَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قُلْ".
قولُهُ: {هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} هَلْ: حَرْفُ اسْتِفْهَامٍ إِنْكارِيٌّ، و "كُنْتُ" فِعْلٌ نَاقِصٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ متحرِّكٍ هو تاءُ الفاعِلِ، وتاءُ الفاعِلِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ اسْمُهُ. و "إِلَّا" أَدَاةُ اسْتِثْناءٍ مُفَرَّغٍ، (أَدَاةُ حَصْرٍ). و "بَشَرًا" خَبَرُ "كان" منصوبٌ بهِ، أَوْ أَنَّهُ مَنْصوبٌ عَلَى الحالِ مِنِ اسْمِ "كانَ". وَ "رَسُولًا" خَبَرٌ ثَانٍ لِـ "كُانْ"، أَوْ نعتٌ لِخبَرِها. والجُمْلَةُ الاسْتِفْهامِيَّة ُهَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قُلْ".
قَرَأَ العامَّةُ: {قُلْ سُبْحَانَ} عَلَى الأَمْرِ أَمْرًا مِنْهُ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالَى، لِنَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِذَلِكَ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ "قالَ" فِعْلًا مَاضِيًا إِخْبَارًا عَنِ الرَّسُولِ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، عَلَى أَنَّهُ حِكَايَةٌ لِجَوَابِ الرَّسُول ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ قَوْلِهِمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا عَلَى طَريقَة الِالْتِفَات. وَهِيَ مَرْسُومَةٌ فِي مَصَاحِفِ المَكِّيينَ وَالشَّامِيِّينَ: "قالَ" بِأَلِفٍ، وَفِي مَصَاحِفِ غَيْرِهم "قُلْ" بِدُونِها، فَكُلٌ وَافَقَ مُصْحَفَهُ.