أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} أَوْ خَلْقًا: والمَعْنَى: أَوْ كُونُوا أَيَّ مَخْلُوقٍ مِنَ الْمَخْلُوقاتِ، أَيْ: أَوْ كونوا خَلْقًا آخَرَ مِمَّا يُعَظِّمُ فِي نُفُوسِكُمْ عَنْ قَبُولِهِ الْحَيَاةَ الثانيةَ، وَيَسْتَحِيلُ عِنْدَكُمْ عَلَى اللهِ بعثُهُ وإِحْيَاؤُهُ، مِثْلَ الحجارةِ والْفُولَاذِ وَالنُّحَاسِ وغيرِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، في رِوَايَةِ عَطَاءْ عنْهُ: يَعْنِي المَوْتَ. أَخْرَجَهُ الطَبَرِيُّ: (15/98)، مِنْ طَريقِ العَوْفِيِّ، والحَاكِمُ في مُسْتَدْرَكِهِ: (2/362)، وصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، مِنْ طَريقِ مُجَاهِدٍ، وأَوْرَدَهُ السُيُوطِيُّ في (الدُرِّ المَنْثُورِ): (4/339)، وزادَ نِسْبَتَهُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ. وَهُوَ قَوْلُ مُجاهِدٍ، وعِكْرِمَةَ، وَالحَسَنِ البصْريِّ، وابْنِ جُرَيْجٍ، وسٌفْيَانَ، وَأَبي صَالِحٍ، وابْنِ عُمَرَ، والكَلْبِيُّ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جميعًا، فقد قَالوا: لَيْسَ شَيْءٌ أَكْبَرَ ـ فِي صُدورِ بَنِي آدَمَ، مِنَ المَوْتِ، يَقُولُ: لَوْ كُنْتُمُ المَوْتَ نفسَهُ، لَأَمَاتَكُمُ اللهُ ثُمَّ أَحْيَاكُمْ. وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: (2/379)، بِنَحْوِهِ عَنِ الكَلْبِيِّ، وأخرجَهُ أَيضًا ابْنُ أَبي شَيْبَةَ: (7/134)، بِنَحْوِهِ عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَالطَبَرِيُّ: (15/98)، بِنَحْوِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ سعيدِ ابْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهم. وَرُويَ أَيضًا عَنْ أَبي صَالِحٍ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُما قالَا: المَوْتُ. وأخرجَه أَبو الشَّيْخِ فِي "العَظَمَةِ" (ص: 212)، مُخْتَصَرًا عَنِ الحَسَنِ، وَوَرَدَ في "مَعَاني القُرْآنِ" لَأبي جَعْفَر النَّحَّاسِ: (4/163)، مُخْتَصَرًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ومُجاهِدٍ، وَعِكٍرِمَةَ، وأَبي صَالِحٍ، ووردَ في تَفسيرِ السَمَرْقَنْدِيِّ: (2/272)، بِنَحْوِهِ عَنِ الكَلْبِيِّ والحَسَنِ وعِكْرِمَةَ، وفي تفسيرِ هُودٍ الهَوَّارِيِّ: (2/424)، بِنَحْوِهِ عَنِ الحَسَنِ، وأَوْرَدَهُ الثَعْلَبِيُّ في تفسيرهِ: (7/110 ب) مُخْتَصَرًا عَنْ مُجَاهِدٍ وعِكْرِمَةَ، وغيرِهم.
وقالَ الكَلْبِيُّ: قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ لَوْ كُنَّا المَوْتَ، مَنْ يُمِيتُنَا؟. فأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى قولَهَ: "أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ" يَعْنِي المَوْتَ.
و "مِمَّا يَكْبُرُ" أَيْ مِمَّا يَعْظُمُ، عِظَمًا مَجَازِيًّا، يِعْنِيَ الْقَوَّةَ فِي الصِفَةِ والنَوْعِ. أَيْ: مِمَّا تَعُدُّونَهُ قَوِيًّا عَظِيمًا شَديدًا لَا يَتَغَيَّرُ، وَلَا يَتَبَدَّلُ. وَالصُّدُورُ هُنَا: الْعُقُولُ. وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ الْمَرْدُودُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ مِنَ الآيةِ: 49، السَّابِقَةِ: {أَإِذا كُنَّا عِظامًا وَرُفاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}، وَالتَّقْدِيرُ: كُونُوا أَشْيَاءَ أَبْعَدَ عَنْ قَبُولِ الْحَيَاةِ مِنَ الْعِظَامِ وَالرُّفَاتِ.
قولُهُ: {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا} اسْتِفْهَامٌ تَهَكُّمِيٌّ. وتَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً} مِنَ الآيَةِ التي قَبْلَها. أَيْ: قُلْ لَهُمْ ذَلِكَ، "فَسَيَقُولُونَ لَكَ: مَنْ يُعِيدُنَا".
وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْجَوَابِ بِالتَّسْلِيمِ الْجَدَلِيِّ بَعْدَ الْجَوَابِ بِالْمَنْعِ، فَقد نَفَوْا إِمْكَانَ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى أَوَّلًا، ثُمَّ انْتَقَلُوا إِلَى التَّسْلِيمِ الْجَدَلِيِّ ثانيًا، لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنَ الْمَنْعِ فِي مُعَارَضَةِ الدَّعْوَى.
وَجُعِلَ سُؤَالُهُمْ هُنَا عَنِ الْمُعِيدِ لَا عَنْ أَصْلِ الْإِعَادَةِ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنِ الْمُعِيدِ أَدْخَلُ فِي الِاسْتِحَالَةِ مِنَ الْبَحْثِ عَنْ أَصْلِ الْإِعَادَةِ.
قولُهُ: {قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أَمَرَ اللهُ تعالى نَبِيَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، بِأَنْ يُجِيبَهُمْ عَمَّا يَقُولُونَهُ جَوَابَ تَعْيِينٍ لِمَنْ يُعِيدُهُمْ إِبْطَالًا لِلَازِمِ التَّهَكُّمِ، وَهُوَ الِاسْتِحَالَةُ فِي نَظَرِهِمْ، بِقَوْلِهِ: "قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ"، إِجْرَاءٌ لِظَاهِرِ اسْتِفْهَامِهِمْ عَلَى أَصْلِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَجْدَرُ، وذلكَ عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ القرآنيِّ الْحَكِيمِ في زِيَادَةِ الْمُحَاجَّةِ، كَما قَالَ مِنْ سُورةِ الشُعَراءِ فِي مُحَاجَّةِ سيِّدِنا مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، لِفِرْعَوْنَ: {قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} الآيتانِ: (25 ـ 26).
وَقد جِيءَ بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ اسْمًا مَوْصُولًا "الذي" لِقَصْدِ مَا فِي الصِّلَةِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِأَنَّ الَّذِي فَطَرَهُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ خَلْقِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورةِ الروم: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} الآيةَ: 27، فَإِنَّهُ ـ لِقُدْرَتِهِ الَّتِي بِهَا ابْتَدَأَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَكُمْ مَرَّةً ثَانِيَةً.
قولُهُ: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ} أَي: فَسَيَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ، ويُحَرِّكونَها اسْتِهْزاءً بِمَا تقولُ لأَنَّ قلوبَهم مَخْتُومٌ عَلَيْها بِالكُفْرِ فلا تفقَهُ كثيرًا ممَّا تَقُولُ.
يُقَالُ: أَنْغَضَ فُلانٌ رَأْسَهُ، يُنْغِضُها إِنْغاضًا، فهوَ مُنْغِضٌ، وذَلِكَ إِذَا حَرَّكها إِلَى فَوْقُ، وَإِلَى أَسْفَلَ، ومنهُ قَولُ الشَّاعِرِ الرَّاجِزِ:
أَنَغَضَ نحوي رأْسَهُ وأَقْنَعا ..................... كأَنَّهُ يَطْلُبُ شَيْئًا أَطْمَعا
ومنْهُ أَيضًا قولُ رُؤْبةَ بْنِ العَجَّاجِ:
قُلْتُ لَهَا صِلِي فَقَالَتِ مِضِّ ................ وحَرَّكَتْ لِي رَأْسَهَا بالنَّغْضِ
والنِغْضُ، والنَغْضُ: بِكَسْرِ النُونِ وفَتْحِها، الظَلِيمُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنَّهُ كثيرًا ما يُحَرِّكُ رَأْسَهُ، وَإِذَا أُخْبِرَ الرجُلُ خَبَرًا فَهَزَّ رَأْسَهُ وحَرَّكَها إِنْكارًا لِهذا الخَبَرِ، وهُزْءًا بِهِ فَقَدْ أَنْغَضَ. وعليهِ قَوْلُ ذُي الرُّمَّةِ:
ظَعائِنُ لم يَسْكُنَّ أَكْنافَ قَرْيَةٍ .......... بِسِيْفٍ وَلَمْ تَنْغُضْ بِهِنَّ القَنَاطِرُ
أَيْ: لَمْ تُحَرَّكْ، وأَمَّا نَغَضَ ثُلاثِيًّا، يَنْغَضُ ويَنْغُضُ بالفَتْحِ وَالضَمِّ، فبِمَعْنَى تَحَرَّكَ، لا يَتَعَدَّى، يُقَالُ: نَغَضَتْ سِنَّهُ، تَنْغُضُ نَغْضًا، ونُغوضًا، أَيْ: تَحَرَّكتْ. ومِنْ ذلكَ قولُ الصَّحَابِيِّ الجَلِيلِ الشَّاعِرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رواحَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
وَنَغَضَتْ مِنْ هَرَمٍ أَسْنَانُهَا
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: "فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤوسَهُمْ"، قَالَ: يُحَرِّكُونَ رُؤوسَهُمُ اسْتِهْزَاءً بِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ الطَّسْتِيُّ عَنْهُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ الْأَزْرَقِ قَالَ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: "فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤوسَهُمْ". قَالَ: يُحَرِّكونَ رُؤُوسَهُمُ اسْتِهْزاءً بِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَم. أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَهُوَ يَقُولُ:
أَتُنْغِضُ لِي يَوْمَ الْفِجَارِ وَقَدْ تَرَى ......... خُيُولًا عَلَيْهَا كَالْأُسُودِ ضَوَارِيَا
قوْلُهُ: {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ} مَتَى هُوَ: اسْتِفْهَامٌ تَهَكُّمِيٌّ أَيْضًا، وَالضَمِيرُ فِيهِ عَائِدٌ إِلَى الْعَوْدِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِم: "يُعِيدُنَا" كَما هوَ في قَوْلِهِ تَعَالى مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَة: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى} الآيةَ: 8.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ" قَالَ: الْإِعَادَةُ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
قولُهُ: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} عَسَى: مِنْ أَفعالِ الترَجِّي، وَالْمَعْنَى: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هذا البعْثُ قَرِيبًا. وهو أَمْرٌ مِنَ اللهِ ـ تَعَالى، لِرَسُولِهِ محمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ، بِأَنْ يُجِيبَهُمْ جَوَابًا حَقًّا إِبْطَالًا لِلَازِمِ تَهَكُّمِهم، كَمَا تَقَدَّمَ نَظيرُهُ المَذْكورُ آنِفًا. وقَدْ جَاءَ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قولُهُ تَعَالى: {أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} أَوْ: حَرْفُ عَطْفٍ للتَنْويعِ، وَ "خَلْقًا" مَعْطوفٌ عَلَى "حِجارَةً"، مَنْصُوبٌ مِثْلُهُ. و "مِمَّا" مِنْ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "خَلْقًا"، وَ "مَا" اسْمٌ مَوْصُولٌ، أَوْ هِيَ نَكِرةٌ مَوْصُوفَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَ "يَكْبُرُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، وفاعِلُهُ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هُوَ) يَعُودُ عَلى "مَا". و "فِي" حَرْفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَكْبُرُ"، و "صُدُورِكُمْ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مُضافٌ، وكافُ الخِطَابِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ، والجُمْلَةُ صِلَةُ "ما" لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ إِنْ كانَتْ "ما" مَوْصُولَةً، أَوْ صِفَةٌ لَهَا في محلِّ الجرِّ إِنْ كانتْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً.
قولُهُ: {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا} الفاءُ: للعَطْفِ، والسينُ: حَرْفُ اسْتِقْبالٍ للتسويفِ، و "يَقُولونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجَازمِ، وعلامَةُ رَفعِهِ ثَباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، والجمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: "قُلْ" على كونِها مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنافًا بَيَانِيًّا لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ. وَ "مَنْ" اسْمُ اسْتِفْهامٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ، وَ "يُعِيدُنَا" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجَازِمِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جَوَازًا تَقْديرُهُ (هُوَ) يعودُ عَلَى "مَن"، و "نَا" ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ النَّصْبِ مفعولٌ بِهِ والجملةُ في محلِّ الرفعِ خَبَرُ المَبْتَدَأِ، وَالجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مقولُ القولِ لـ "يَقُولونَ".
قولُهُ: {قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} قُلِ: فِعْلٌ أَمْرٍ مبنيٌّ على السُّكونِ، وحرِّكَ بالكَسْرِ لالتقاءِ السَّاكِنَيْنِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تَقْديرُهُ (أنتَ) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ عليْهِ صلواتُ اللهُ وسَلامُهُ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ. وَ "الَّذِي" اسْمٌ مَوْصُولٌ مبنيٌّ على السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ، وخَبَرُهُ مَحْذوفٌ، والتَقْديرُ: الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ يُعيدُكم، وَهَذا التَقْديرُ فِيهِ مُطابَقَةٌ بَيْنَ السُّؤالِ والجَوابِ. أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ، أَيْ: هوَ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ. أَوْ أَنَّهُ فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ: يُعيدُكم الذي فَطَرَكُمْ، وَلِهَذَا صُرِّحَ بِالفِعْلِ فِي نَظِيرِهِ عِنْدَ قولِهِ تعالى مِنْ سُورَةِ الزُخْرُفِ: {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العَزيزُ العَليمُ} الآيةَ: 9. وَ "أَوَّلَ" منصوبٌ عَلى الظَرْفِيَّةِ الزَمَانِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِـ "فَطَرَكم"، وهو مُضافٌ، و "مَرَّةٍ" مجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. وَالجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقولٌ لـ "قُلِ". و "فَطَرَكُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى الاسمِ المَوْصُولِ "الَّذِي"، وكافُ الخِطابِ ضَمِيرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ بالمَفْعُوليَّةِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ واقعةٌ صِلَةَ الاسْمِ المَوْصُولِ لا محلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ} الفاءُ: للعَطْفِ، وَالسِينُ: حَرْفُ اسْتِقْبالٍ وتَسْويفٍ، و "يُنْغِضُونَ" مِثْلُ "يَقُولونَ". و "إِلَيْكَ" إِلى: حَرْفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "يُنْغِضُونَ"، وكافُ الخِطَابِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. و "رُؤُوسَهُمْ" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "قُلِ".
قولُهُ: {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ} الوَاوُ: حرفُ عطفٍ، وَ "يَقُولُونَ" مِثْلُ "يَقُولُونَ" الأُوْلى مَعْطُوفَةٌ عَلى "يُنْغِضُونَ". و "مَتى" اسْمُ اسْتِفْهَامٍ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الظَرْفِيَّةِ الزَمَانِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ خَبَرٍ مُقَدَّمٍ. و "هُوَ" ضميرٌ منفصِلٌ مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ الرفعِ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقولٌ لِـ "يقولون".
قولُهُ: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} قُلْ: فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وجوبًا تقديرُهُ (أنت) يَعُودُ عَلى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. وَ "عَسى" فِعْلٌ مَاضٍ مِنْ أَفْعَالِ الرَّجَاءِ، تَرْفَعُ الاسْمَ، وَتَنْصِبُ الخَبَرَ، واسْمُهَا ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيها، تَقْديرُهُ (هُوَ) يعودُ عَلَى البَعْثِ والحَشْرِ المَدْلُولِ عَلَيْهِمَا بِقُوَّةِ الكَلامِ، أَوْ لِتَضَمُّنِهِ فِي قوْلِهِ "مَبْعوثون"، وَ "أَنْ" حَرْفٌ ناصِبٌ، مَصْدَريٌّ، وَ "يَكونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ ناقِصٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ" واسْمُ "يكونَ" ضَمِيرُ البَعْثِ، وخبرُها "قريبًا"، والجُمْلَةُ خَبَرُ "عَسَى" فِي محلِّ النَّصِبِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكونَ التامَّةَ مُسْنَدَةً إِلَى "أَنَّ" وَمَا فِي حَيِّزِهَا. ويَجُوزُ أَنْ يَكونَ "قريبًا" ظَرْفٌ، أَيْ: زَمَانًا قَريبًا، وَعَلى هَذَا فـ "يَكونَ" فعلٌ تَامٌّ، أَيْ: عَسَى أَنْ يَقَعَ العَوْدُ فِي زَمَانٍ قَريبٍ.