إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)
قولُهُ ـ جَلَّ وعَلا: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ" يُريدُ إِنْ أَطَعْتُمْ اللهَ فِيمَا بَقِيَ، عَفَا عَنْكُمُ المَسَاوِئَ. "وَإِنْ أَسَأْتُمْ" قالَ: يُريدُ الفَسَادَ وَعِصْيَانَ الأَنْبِياءِ وَقَتْلَهُمْ. "فَلَهَا"، قالَ يُريدُ: فَعَلى أَنْفُسِكُمْ يَقَعُ الوَبالُ. ورُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وكرَّمَ وَجْهَهُ، أَنَّهُ قالَ: (مَا أَحْسَنْتُ إِلَى أَحَدٍ وَلَا أَسَأْتُ إِلَيْهِ) وَتَلا هَذِهِ الآيَةَ الكريمَةَ. ويَعْني ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: أَنَّهُ إِنَّما كانَ إِحْسَانُهُ لِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ إِسَاءَتُهُ. فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ لِبَنِي إِسْرائيلَ: ونَرُدُّ لَكُمُ الْكَرَّةَ لتَتُوبُوا وَتَجَدِّدُوا الْجِيلَ، وَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي حَالَةٍ مِنَ النِعْمَةٍ والسَعَةِ، فَتَزَوَّجُوا، وأَنْجِبُوا، وتَكَاثَرُوا، فَإِنْ أَحْسَنْتُمْ العَمَلَ، كَانَ جَزَاؤُكُمْ حَسَنًا، وكانتْ عَاقِبَتُكمْ حَسَنةً، وَإِنْ أَسَأْتُمْ فإنَّما لِأَنْفُسِكُمْ أَسَأْتُمْ، لأَنَّ عَاقِبَتَكُمْ فِي الدُنْيا سَتَكُونُ سَيِّئَةً، وَسَيَكُونُ جَزَاؤُكُمْ فِي الأُخْرَى سَيِّئًا كَذَلِكَ، فَإِنَّنَا أَهْلَكْنَا مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ مِنْ آبائكمْ بِذُنُوبِهِمْ، وأَحْسَنَّا إِلَيْكُمْ بِتَوْبَتِكُمْ ورُجُوعِكُمْ إِلَيْنَا، فَاحْذَرُوا الْإِسَاءَةَ كَيْلَا تَصِيرُوا إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ آباؤكمْ مِنْ قَبْلِكُمْ. وَلَمْ يَقُلْ: إِنْ أَحْسَنْتُمْ فَلِأَنْفُسِكُمْ، إِنَّما أَعَادَ فِعْلِ "أَحْسَنْتُمْ"، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْأَحْوَصِ:
فَإِذَا تَزُولُ تَزُولُ عَنْ مُتَخَمِّطٍ .............. تُخْشَى بَوَادِرُهُ عَلَى الْأَقْرَانِ
قَالَ أَبُو الْفَتْحِ عُثْمَانُ ابْنُ جِنِّيٍّ فِي الْحَمَاسَةِ شَارِحًا هَذَا البَيْتِ: إِنَّمَا جَازَ أَنْ يَقُولَ (فَإِذَا تَزُولُ تَزُولُ) لِمَا اتَّصَلَ بِالْفِعْلِ الثَّانِي مِنْ حَرْفِ الْجَرِّ الْمُفَادَةِ مِنْهُ الْفَائِدَةُ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْقَصَص: {هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا} الآيةَ: 63، وَلَوْ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ لَمْ يُفِدِ الْقَوْلُ شَيْئًا، كَقَوْلِكَ: (الَّذِي ضَرَبْتُهُ ضَرَبْتُهُ). ويَرَى أَبو عَلِيٍّ الفارسيُّ جَوَازَ أَنْ تَكُونَ "أَغْوَيْناهُمْ" تَأْكِيدًا لـ "أَغْوَيْنَا" وَقَوْلَهُ: كَمَا غَوَيْنا اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا، لِأَنَّ اسْمَ الْمَوْصُولِ مُسْنَدٌ إِلَى مُبْتَدَأٍ وَهُوَ اسْمُ الْإِشَارَةِ، فَتَمَّ بِذَلِكَ الْكَلَامُ، بِخِلَافِ بَيْتِ الْأَحْوَصِ وَمِثَالِ ابْنِ جِنِّيٍّ، فمَا أَخَذَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْآيَةِ تَعَيُّنَهُ فِي بَيْتِ الْأَحْوَصِ. وَأُسْلُوبُ إِعَادَةِ الْفِعْلِ عِنْدَ إِرَادَةِ تَعَلُّقِ شَيْءٍ بِهِ أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ فَصِيحٌ القَصْدُ مِنْهُ الِاهْتِمَامُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ الكريمِ، كقَوْلِهِ تَعَالَى في الآيةَ:130، مِنْ سُورةِ الشُعَراء: {وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} وَقَولِهِ مِنْ سُورةِ الْفرْقَان: {وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا} الآية: 72.
وَقد جَاءَ قَولُهُ تعالى: "إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ" عَلَى طَرِيقَةِ التَّجْرِيدِ، بِأَنْ جُعِلَتْ نَفْسُ الْمُحْسِنِ كَذَاتٍ يُحْسَنُ لَهَا. وَاللَّامُ مِنْ قولِهُ "فَلَها" لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ "أَحْسَنْتُمْ"، يُقَالُ: أَحْسَنْتُ لِفُلَانٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها". فَقَوْلُهُ: "فَلَها" مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ بَعْدَ فَاءِ الْجَوَابِ، تَقْدِيرُهُ: أَسَأْتُمْ لَهَا. وَلَيْسَ الْمَجْرُورُ بِظَرْفٍ مُسْتَقِرٍّ خَبَرًا عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُ "أَسَأْتُمْ" لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ: فَعَلَيْهَا، كَما قَالَ فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ: {مَنْ عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها} الآية: 46. وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ أُسْلُوبِ الْآيَتَيْنِ، أَنَّ الآيَةَ التي مِنْ سورةِ (فُصِّلَتْ) لَيْسَ فِيهَا تَجْرِيدٌ، فالتَّقْدِيرُ فِيهَا: فَعَمَلُهُ لنَفسِهِ وإساءَتُهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ الْمُقَدَّرُ اسْمًا كَانَ الْمَجْرُورُ بَعْدَهُ مُسْتَقِرًّا غَيْرَ حَرْفِ تَعْدِيَةٍ، فَجَرَى عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْإِخْبَارُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ نَافِعًا فَيُخْبَرُ عَنْهُ بِمَجْرُورٍ بِاللَّامِ، أَوْ ضَارًّا يُخْبَرُ عَنْهُ بِمَجْرُورٍ بِـ (إِلَى) ، وَأَمَّا آيَةُ الْإِسْرَاءِ فَإِنِّ فِعْلَ "أَحْسَنْتُمْ"، وَفعلَ "أَسَأْتُمُ" الْوَاقِعَينِ فِي الْجَوَابَيْنِ يَقْتَضِيَانِ التَّجْرِيدَ، لذلك فقد فَجَاءَا عَلَى أَصْلِ تَعْدِيَتِهِمَا بِاللَّامِ لَا لِقَصْدِ نَفْعٍ وَلَا ضُرٍّ. وفي لامِ "فلَهَا" أَوْجُهٌ:
ـ أَحَدُها: أَنَّها بِمَعْنَى "عَلى"، أَيْ: "فَعَلَيْها"، ومثلُهُ قَولُ المُقَشْعِرِ النُّضريِّ، وَكَانَ قَدْ طَعَنَ مُحَمَّدَ بْنَ طَلْحَةَ التَّيْمِيَّ يَوْم وقعةِ الْجَمَلِ:
ضَمَمْتُ إِليهِ بالسِّنانِ قميصَه ................. فَخَرَّ صريعًا لليدينِ وللفمِ
أَيْ: عَلَى اليَدَيْنِ. وقد نُسِبَ هذا البَيْتُ أَيْضًا إِلى شَاعِرَيْنِ آخرَيْنِ غَيْرِ المُقَشْعرِ.
والثاني: أَنَّ "لـ" هُنَا بِمَعْنَى "إِلَى". قالَ ابْنُ جريرٍ الطَبَرِيُّ: أَيْ فإِلَيْها تَرْجِعُ الإِساءَةُ.
والثالثُ: أَنَّها عَلى بابِها، وَإِنَّما أَتى بِها دُونَ "عَلَى" للمُقابَلَةِ في قولِهِ: "لِأَنْفُسِكمْ" فَأَتَى بِها ازْدِواجًا. وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعلَّقَ هَذِهِ اللامُ بفعلٍ مُقَدَّرٍ، كَمَا تقدَّمَ في قَوْلِ الطَبَرِيِّ، أَوْ تتعلَّقُ بِمَحذوفٍ عَلى أَنَّها خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ، والتقديرُ: فَلَها الإِساءَةُ لا لِغَيْرِها.
قولُهُ: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤوا وُجُوهَكُمْ} وَعْدُ الآخِرَةِ" مَوْعِدُ المَرَّةِ الآخِرَةِ، فَحُذِفَتِ "المَرَّةُ" للدَّلالَةِ عَلَيْها، وَجَوَابُ الشَّرْطِ محذوفٌ، تقديرُهُ: بَعَثْناهم. أيْ: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا لِيَسُوؤوا وُجُوهَكُمْ. وَ "لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ" مُتَعَلِّقٌ بِهَذَا الجَوَابِ المُقَدَّرِ. وَسَوْءُ الْوُجُوهِ: جَعْلُ الْمَسَاءَةِ عَلَيْهَا، أَيْ تَسْلِيطُ أَسْبَابِ الْمَسَاءَةِ وَالْكَآبَةِ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَبْدُوَ عَلَى وُجُوهِكُمْ لِأَنَّ مَا يُخَالِجُ الْإِنْسَانَ مِنْ غَمٍّ وَحُزْنٍ، أَوْ فَرَحٍ وَمَسَرَّةٍ يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْوَجْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْجَسَدِ، ومنه قَوْلُ الْأَعْشَى:
كذَلكَ فافْعَلْ ما حيَيتَ إذا شَتَوْا ....... وَأُقْدِمُ إِذَا مَا أَعْيُنُ النَّاسِ تَفْرَقُ
أَرَادَ إِذَا مَا تَفَرَّقَ النَّاسُ وَتَظْهَرُ عَلَامَاتُ الْفَرَقِ فِي أَعْيُنِهِمْ.
قولُهُ: {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أَي: ليدُخُلوا الْمَسْجِدِ دُخُولُ غَزْوٍ، بِقَرِينَةِ تَشْبِيهِ هَذَا الدُخُولَ الجديد "كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ" بالدُخولِ قَبْلَهُ المَذْكُورِ بقَوْلِهِ في الآية : 5، السابقةِ: {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيارِ}.
قولُهُ: {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} وَالتَّتْبِيرُ: الْإِهْلَاكُ وَالْإِفْسَادُ. وَالْعُلُوُّ هنا مَجَازِيٌّ، وَيَعْنِي الِاسْتِيلَاءَ وَالْغَلَبَةَ. وَالضَّمَائِرُ الأَرْبَعَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ لَامُ التَّعْلِيلِ فِي قَوْلِهِ: "لِيَسُوؤُوا" إِذْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْآيةِ: 5، السَّابِقَةِ: {فإِذا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادًا لَنا}، فَالتَّقْدِيرُ: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبادًا لَنَا لَيَسوؤوا وُجُوهَكُمْ، لِأَن الَّذينَ أَسَاؤُوا وَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ هَذِهِ الْمَرَّةَ أُمَّةٌ غَيْرُ الَّذِينَ جَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ حَسَبِ شَهَادَةِ التَّارِيخِ وَأَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ.
أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أَمَّا الْمَرَّةُ الأُولى فَسَلَّطَ عَلَيْهِم جَالوتُ حَتَّى بُعِثَ طالوتُ وَمَعَهُ دَاوُدُ، فَقَتَلَهُ دَاوُدُ، ثمَّ رَدَّ اللهُ الكَرَّةَ لِبَني إِسْرَائِيلَ {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفيرًا} أَيْ عَدَدًا، وَذَلِكَ فِي زمَانِ دَاوُدَ ـ عليهِ السَّلامُ، "فَإِذا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ" آخِرُ العُقُوبَتَيْنِ "لِيَسُوؤوا وُجُوهَكُم" قَالَ لِيُقَبِّحُوا وُجُوهَكُمْ "وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ" قَالَ: كَمَا دَخَلَ عَدُوُّهمْ قَبْلَ ذَلِكَ، "وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا" قَالَ: يُدَمِّرُوا مَا عَلَوْا تَدْمِيرًا، فَبَعَثَ اللهُ عَلَيْهِم فِي "الْآخِرَةِ" بُخْتنَصَّرَ البابِلِيَّ الْمَجُوسِيَّ، أَبْغَضَ خَلْقِ اللهِ إِلَيْهِ، فَسَبَى وَقَتَلَ وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمُقَدَّسِ وَسَامَهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي الْآيَةِ قَالَ: كَانَتِ الْآخِرَةُ أَشَدَّ مِنَ الأُولَى بِكَثِيرٍ، فَإِنَّ الأُولَى كَانَتْ هَزيمَةً فَقَطْ، وَالْآخِرَةَ كَانَتْ تَدْمِيرًا، وَحَرَقَ بُخْتنَصَّرَ التَّوْرَاةَ حَتَّى لَمْ يَتْرُكْ فِيهَا حَرْفًا وَاحِدًا، وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمُقَدَّسِ.
قولُهُ تَعَالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} إِنْ: حَرْفُ شَرْطٍ جَازِمٌ. و "أَحْسَنْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ عَلَى السُّكونِ لتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هو تاءُ الفاعِلِ، وهي ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محَلِّ رفعِ فاعِلِهِ. فِي مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "إِنْ" الشرْطيَّةِ عَلَى كَوْنِهِ فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. و "أَحْسَنْتُمْ" إعرابُها مِثْلُ إعرابِ "أَحْسَنْتُمْ" الأُولَى، وهُوَ فِي مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "إِنْ" عَلَى كَوْنِهِ جَوَابًا لَهَا. و "لِأَنْفُسِكُمْ" اللامُ: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَحْسَنْتُمْ"، و "أَنْفُسِكُمْ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ مُضَافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليْهِ، والميمُ للجمع المُذَكَّرِ، وجُملةُ "إِنْ" الشَرْطِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} الواوُ: حَرْفُ عَطْفٍ، وَ "إِنْ أَسَأْتُمْ" مِثْلُ "إِنْ أَحْسَنْتُمْ". و "فَلَها" الفاءُ: رَابِطَةٌ لِجَوابِ الشَّرْطِ وُجُوبًا، و "لَهَا" اللامُ: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ، والتَقْديرُ: فَلَهَا الإِساءَةُ لا لِغَيْرِهَا، والتَعْبِيرُ باللامِ لِمُشَاكَلَةِ مَا قَبْلهَا، وإِلَّا فَحَقُّ المَقامِ أَنْ يَكونَ الجَرُّ بِـ "عَلَى"، و "ها" ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجرِّ. والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فَي مَحَلِّ الجَزْمِ على كونِها جوابَ الشَّرْطِ، وُجُمْلَةُ "إِنْ" الشَرْطِيَّةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُملَةِ "إِنْ" الشَرْطِيَّةِ قَبْلَهَا على كونِها مُسْتَأْنَفَةً لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} الفاء: هِيَ الفَصِيحَةُ؛ أَفْصَحَتْ عَنْ جَوَابِ شَرْطٍ تَقديرُهُ: إِذَا عَرَفْتُمْ كَوْنَ إِسَاءَتِكُمْ عَلَيْكُمْ، وأَرَدْتُمْ بَيَانَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْها مِنَ العُقوبَةِ، فَأَقُولُ: إِذَا جاءَ وَعْدُ الآخِرةِ ... . و "إذا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ خافِضٌ لِشَرطِهِ متعلِّقٌ بجوابِهِ. و "جاءَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ. و "وَعْدُ" فاعِلُهُ مرفوعٌ، وهو مُضافٌ. و "الْآخِرَةِ" مجرورٌ بالإضافَةِ إِلَيْهِ، والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ الخَفْضِ بِـ "إذا" عَلَى كَوْنِها فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا، وَجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذوفٌ، والتقديرُ: بَعَثْنَاهُمْ عَلَيْكُمْ، وَجُمْلَةُ "إذا" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولٌ لِجَوابِ "إذا" المُقَدَّرَةِ.
قولُهُ: {لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ} اللامُ: لامُ "كي" للجرِّ والتَعْليلِ، و "يَسُوؤُوا" فِعْلٌ مُضارعٌ منصوبٌ بـ "أَنْ" مُضْمَرَةٍ جَوَازًا بَعْدَ لامِ "كَيْ"، وعلامةُ نَصْبِهِ حذْفُ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٍّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الرفعِ فاعِلُهُ، والأَلِفُ للتفريقِ. و "وُجُوهَكُمْ" مفعولٌ بِهِ منصوبٌ، وهو مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذهِ مَعَ "أَنْ" المُضْمَرَةِ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بالَّلامِ، والتَقْديرُ، بَعَثْنَاهُمْ عَلَيْكُمْ لإِسَاءَتِهِمْ وُجُوهَكُمْ، والجَارُّ والمَجْرورُ مُتَعَلِّقٌ بِالجَوَابِ المَحْذوفِ.
قولُهُ: {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ} الوَاوُ: حرفُ عَطْفٍ، و "لِيَدْخُلُوا" اللامُ: لامُ "كي" للجرِّ والتَعْليلِ، أَوْ لامَ أَمرٍ كما في قراءةِ أبيِّ بْنِ كعبٍ رضيَ اللهُ عنهُ، أَوْ لامَ قَسَمٍ كَما في قراءةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، و "يَدْخُلُوا" فِعْلٌ مُضَارعٌ مَنْصوبٌ بِـ "أَنْ" مُضْمَرَةٍ جَوَازًا بَعْدَ لامِ "كَيْ"، وعَلامةُ نَصْبِهِ حذْفُ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٍّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الرفعِ فاعِلُهُ، والأَلِفُ للتفريقِ. و "الْمَسْجِدَ" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، والجملةُ معطوفةٌ عَلى جملةِ "لِيَسُوؤُوا" في محلِّ الجَرِّ.
قولُهُ: {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} الكافُ: حَرْفُ جَرٍّ وَتَشْبيهٍ، و "ما" مَصْدَرِيَّةٌ. وَ "دَخَلُوهُ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلى الضَمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ فاعِلُهُ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ، و "أَوَّلَ" مَنْصُوبٌ عَلَى الظَرْفِيَّةِ الزمانِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "دَخَلُوا"، وهوَ مُضافٌ. و "مَرَّةٍ" مَجْرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ صِلَةُ "ما" المَصْدَرِيَّةِ، و "ما" مَعَ صِلَتِها في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بِـ "الكافِ" والجَارُّ وَالمَجْرُورُ صَفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذوفٍ، والتَقْديرُ: وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ دُخُولًا مِثْلَ دُخُولِهِمْ، إِيَّاهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ. ومَنْ جَعَلَ لامَ "لِيَدْخُلُوا" هَذِهِ لامَ أَمْرٍ كَ "أُبَيِّ ابْنِ كَعْبٍ" ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَوْ لامَ قَسَمٍ كَ "عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، كما سيأتي في القِرَاءَاتِ، فَالَّلامُ في "لِيَدْخُلوا" تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: الأَمْرَ والتَعْليلَ، وَ "كَمَا دَخَلُوهُ" نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذوفٍ، أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ، كَمَا يَقُولُ سِيبَوَيْهِ، أَيْ: دُخُولًا كَمَا دَخَلُوهُ.
قولُهُ: {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} الوَاوُ: للعطفِ، و "لِيُتَبِّرُوا" مثْلُ "لِيَسُوؤُوا". و "ما" اسْمٌ مَوْصُولٌ مَبْنِيَّةٌ عَلى السُّكونِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ، أَيْ: لِيُهْلِكُوا الذي عَلَوْهُ، أَو لِيَهْدِمُوهُ ومِثْلُهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
وما النَّاسُ إِلَّا عامِلانِ فَعَامِلٌ ................. يُتَبِّرُ مَا يَبْني وآخَرُ رَافِعُ
ويَجُوزُ فِيها أَنْ تَكونَ مَصْدَرِيَّةً ظَرْفِيَّةً، أَيْ: مُدَّةَ اسْتِعْلائِهِمْ، وَهَذَا مُحْوِجٌ إِلى حَذْفِ مَفْعُولٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكونَ القَصْدُ مُجَرَّدَ ذِكْرِ الفِعْلِ نَحْوَ: هُوَ يُعْطِي وَيَمْنَعُ. وَ "عَلَوْا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ فاعِلُهُ، والأَلِفُ للتفريق. والجُمْلَةُ صِلَةُ "ما" إِنْ أُعْرِبَتْ مَوْصُولَةً، والعائدُ مَحْذُوفٌ والتقديرُ، مَا عَلَوْهُ، وإِنْ أُعربتْ "ما" مَصْدَرِيَّةً فهي مَعَ صِلَتِها في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجرُورٍ بِإِضافَةِ الظَرْفِ المُقَدَّرِ إِلَيْهِ، أَيْ: وَلِيُتَبِّرُوا مُدَّةَ عُلُوِّهِمْ. وَ "تَتْبِيرًا" مَنْصُوبٌ عَلَى المَفْعُولِيَّةَ المُطْلَقَةِ.
قَرَأَ العامةُ، نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَحَفْصٌ، وَأَبُو جَعْفَر، وَيَعْقُوب: {لِيَسُوؤُوا} بِضَمِيرِ الْجَمْعِ مِثْلَ أَخَوَاتِهِ الْأَفْعَالِ الْأَرْبَعَةِ، وقيلَ يعودُ عَلَى النَفِيرِ؛ لأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ، وَهُوَ مُوافِقٌ لِمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: "وَلِيَدْخُلُواْ المسجد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ". وَفِي عَوْدِ الضَّميرِ عَلَى النَّفِيرِ نَظَرٌ؛ لأَنَّ النَّفِيرَ المَذْكُورَ مِنَ المُخَاطَبِينَ، فَكَيْفَ يُوصَفُ ذَلِكَ النَّفِيرُ بِأَنَّهُ يَسُوْءُ وُجُوهَهُمْ؟. اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُريدَ هَذَا القَائِلُ أَنَّهُ عائدٌ عَلَى لَفْظِهِ دُونَ مَعْنَاهُ، مِنْ بابِ: (عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ).
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَخَلَفٍ "لِيَسُوءَ" بالياءِ المفتوحةِ وهمزةٍ مفتوحةٍ آخرَ الفعل. بِالْإِفْرَادِ وَالضَّمِيرُ للهِ تَعَالَى، والفاعِلُ: إِمَّا اللهُ تَعَالَى، وَإِمَّا الوَعْدُ، وَإِمَّا البَعْثُ، وَإِمَّا النَّفِيرُ.
وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ لِنَسُوءَ بِنُونِ الْعَظَمَةِ. أَيْ: لِنَسُوءَ نَحْنُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ "بَعَثْنا عِبَادًا لَنَا"، وَ "رَدَدْنا"، وَ "أَمْدَدْنَا"، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: "عُدْنَا" وَ "جَعَلْنا". وَتَوْجِيهُ هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ مُوَافَقَةِ رَسْمِ الْمُصْحَفِ أَنَّ الْهَمْزَةَ الْمَفْتُوحَةَ بَعْدَ الْوَاوِ قَدْ تُرْسَمُ بِصُورَةِ أَلْفٍ، فَالرَّسْمُ يَسْمَحُ بِقِرَاءَةِ وَاوِ الْجَمَاعَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَلِفُ أَلِفَ الْفَرْقِ وَبِقِرَاءَتَيِ الْإِفْرَادِ عَلَى أَنَّ الْأَلِفَ عَلَامَةُ الْهَمْزَةِ.
وقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كعبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "لِنَسُوْءَنْ" بلامِ الأَمْرِ وَنُونِ التَوْكِيدِ الخَفِيفَةِ وَنُونِ العَظَمَةِ، وَهَذَا جَوابٌ لـ "إذا"، وَلَكِنْ عَلَى حَذْفِ الفاءِ، أَيْ "فَلِنَسُوْءَنْ"، ودَخَلَتْ لامُ الأَمْرِ عَلى فِعْلِ المُتَكَلِّمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورةِ العَنْكَبوت: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} الآية: 12.
وَقَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "لَيَسُوْءَنَّ"، و "وَلَنَسوْءَنَّ" بالياءِ أَوِ النُّونِ التي للعَظَمَةِ، وَنُونِ التَوْكِيدِ الشَديدَةِ، واللامِ التي للقَسَمِ. وفي مُصْحَفِ اُبَيٍّ "لِيَسُوْءُ" بِضَمِّ الهَمْزَةِ مِنْ غَيْرِ وَاوٍ، وَهَذِهِ القِراءَةُ تُشْبِهُ أَنْ تَكونَ عَلى لُغَةِ مَنْ يَجْتَزِئُ عَنِ الواوِ بالضَمَّةِ، كَقَوْلِ الشاعِرِ:
فلوْ أَنَّ الأَطِبَّا كانُ حَوْلي ..................... وكانَ مَعَ الأَطِبَّاءِ الشُفَاةُ
إِذَنْ مَا أَذْهَبُوا أَلَمًا بِقَلْبِي ................... وَإِنْ قِيلَ الشُّفَاةُ هُمُ الأُسَاةُ
فاجْتَزَأَ بالضَمَّةِ فِي "كانُ" عَنِ الوَاوِ، ثُمَّ حَذَفَ الواوَ للوَقْفِ. والشُّفاةُ: جَمْعُ شَافٍ. وتُرْوَى "السُّقاةُ" جَمع سَاقٍ، وَهُوَ الذي يَسْقِي الدَواءَ للمَريضِ. والشاهِدُ هو فِي البَيْتِ الأَوَّلِ "كانُ" بِضَمِّ النُّونِ، فإنَّ هَذِهِ الضَمَّةَ، بَدَلُ وَاوِ الجَمَاعَةِ المَحْذُوفَةِ، وَالأَصْلُ "كانُوا حَوْلِي". والأُساةُ: جَمْعُ آسٍ، وَهُوَ الطَبيبُ المُعَالِجُ.
وقُرِئَ "لِيُسِيءَ" بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ السِّينِ وَياءٍ بَعدَهَا، أَيْ: لِيُقَبِّحَ اللهُ وُجُوهَكُمْ، أَوْ لِيُقَبِّحَ الوَعْدُ، أَوْ البَعْثُ. وَفِي مُصْحَفِ أَنَسٍ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ، "وَجْهَكُمْ" بالإِفرادِ كَقَوْلِ الشاعرِ:
كُلوا في بعضِ بطنِكُمُ تَعِفُّوا ................. فَإِنَّ زَمَانَكُمْ زَمَنٌ خَمِيصُ
أَيْ: بُطُونِكِمْ. البيتُ مِنْ شواهِدِ سيبويهِ التي لم يعرَفْ قائلُها، وقالَ سِيبَويْهِ في مِثْلِهِ: إِنَّهُ وإِنْ وُحِّدَ لَفْظُ "السَّمْعِ" إِلَّا أَنْ ذِكْرَ مَا قَبْلِهِ وَمَا بَعدَهُ بِلَفْظِ الجَمْعِ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ الجَمْعِ.